عصر التواصل المتواصل

13 دقيقة
عصر التواصل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
أتاحت التكنولوجيات الجديدة إمكانية إقامة نماذج أعمال قائمة على العلاقات مع الزبائن على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع. والوقت قد حان الآن لتغيير نموذج عملك وفقاً لذلك.

التحول الزلزالي يأخذ مجراه.

تبني الشركات اليوم علاقات أعمق مع الزبائن أكثر من أي وقت مضى وذلك بفضل التقنيات الجديدة التي تتيح إقامة تفاعلات رقمية مخصصة ومكررة ومنخفضة الاحتكاك. كما تلبي الشركات احتياجات الزبائن لحظة نشوئها بدلاً من انتظار قدوم الزبائن إليها، وقد تلبي احتياجاتهم قبل بروز الحاجة حتى في بعض الأحيان. وتحقق تلبية هذه الاحتياجات النفع للطرفين، إذ يحصل الزبائن على تجربة محسنة بشكل كبير من ناحية، وتعزز الشركات الكفاءات التشغيلية وتخفض التكاليف من خلال ما نسميه الاستراتيجيات المتصلة من ناحية أخرى أو عصر التواصل بشكل خاص.

هل فكرت يوماً في أساور ديزني السحرية “ماجيك باندز” (MagicBands) التي تمنحها ديزني وورلد لجميع زائريها؟ تتضمن هذه الأساور الصغيرة تقنية تحديد الهوية بواسطة الترددات اللاسلكية، وتتيح للزائرين الدخول إلى الحديقة، والحصول على أولوية ركوب جميع الألعاب، ودفع ثمن الطعام والبضائع، وفتح أبواب غرفهم في الفندق. لكن الأساور تساعد ديزني أيضاً في تحديد موقع الضيوف في أي مكان في الحديقة وخلق تجارب مخصصة لهم. حيث يمكن للممثلين الذين يؤدون شخصيات ديزني الترحيب بالضيوف المارين بأسمائهم على سبيل المثال، كأن ترحب إحدى الشخصيات بطفلة قائلةً: “مرحباً يا صوفيا! أتمنى لك يوماً جميلاً في عيد ميلادك السابع!” ويمكن أن تشجع ديزني الأفراد على زيارة مناطق الجذب السياحي دون مشقة، مثل ركوب لعبة “جبل الفضاء (Space Mountain)!” كما يمكن للكاميرات الموجودة في العديد من الألعاب التقاط صور للزوار بشكل تلقائي، والتي قد تستخدمها ديزني لإنشاء دفاتر ذكريات مخصصة لهم، دون أن يضطروا إلى اتخاذ وضعيات لالتقاط الصور.

وبالمثل، تقدم شركة ماكغروهيل إديوكيشن (McGraw-Hill Education) الآن خبرات تعليمية مخصصة بدلاً من مجرد بيع الكتب المدرسية. حيث تتعقّب التقنيات الرقمية تقدم الطلاب أثناء استخدامهم النصوص الإلكترونية للشركة بهدف القراءة وأداء الواجبات، وتشارك البيانات مع معلميهم ومع الشركة. وفي حال استصعب على طالب ما حلّ أحد الواجبات، ستعرف معلمته ذلك على الفور، وستقوم شركة ماكغروهيل بتوجيه الطالب إلى فصل أو فيديو يقدم تفسيرات مفيدة.

وتبعت شركة نايكي ركب هذه الاستراتيجية أيضاً، إذ يمكنها الآن التواصل مع الزبائن يومياً من خلال نظام صحي يتضمن رقائق مدمجة في الأحذية، وبرنامج يحلل التمارين الرياضية، وشبكة اجتماعية تقدم المشورة والدعم.

وقد أتاح هذا النموذج الجديد لشركة نايك تحويل نفسها من صانع معدات رياضية إلى مزود لخدمات الصحة واللياقة والتدريب.

عصر التواصل

من السهل معرفة كيف استخدمت ديزني وماكغروهيل ونايك مثل هذه الأساليب للبقاء في صدارة المنافسة. وتتبنى اليوم العديد من الشركات الأخرى خطوات لتطوير استراتيجياتها المتصلة عن طريق الاستثمار في جمع البيانات والتحليلات بشكل كبير. وهذا شيء عظيم، لكن العديد من هذه الشركات اليوم غارق في كم هائل من البيانات لدرجة شعورهم بالعجز والكفاح للتعامل معاً. كيف يمكن للمدراء التفكير في الخطوة التالية بوضوح وبصورة منهجية؟ ما هي أفضل الطرق لاستخدام كل هذه المعلومات الجديدة للتواصل مع الزبائن بشكل أفضل؟

حددنا في بحثنا أربع استراتيجيات متصلة فعالة تتجاوز كل منها الأساليب التقليدية للتفاعل مع الزبائن، وتمثل نموذج عملجديد تماماً، وأطلقنا على هذه الاستراتيجيات مصطلحات الاستجابة للرغبة، والعرض المنسق، وسلوك المدرب، والتنفيذ التلقائي. لا تعتبر التقنيات التي تتضمنها هذه الاستراتيجيات هي الأمر المبتكر هنا، وإنما الطرق التي توظّف بها الشركات هذه التقنيات بهدف تطوير علاقات مستمرة مع الزبائن.

سنعرف هذه الاستراتيجيات الجديدة المتصلة أدناه ونستطلع كيف يمكنك تحقيق أقصى قدر من الاستفادة من تلك الاستراتيجيات التي تختار اعتمادها. ولكن دعونا نجري أولاً تقييماً للنموذج القديم الذي تتركه الشركات وراء ظهرها.

أكثر ما يهم الزبائن في كثير من الحالات هو مقدار الجهد الذي يتعين عليهم بذله، إذ كلما كان الجهد المبذول أقل، كانت التجربة أفضل!

اشتر ما لدينا

لا تزال معظم الشركات تتفاعل مع الزبائن بصورة عرضية فقط، بعد أن يحدد الزبائن احتياجاتهم ويبحثون عن المنتجات أو الخدمات لتلبية هذه الاحتياجات. ويمكنك أن تدعو هذه الاستراتيجية نموذج “اشتر ما لدينا”، حيث تعمل فيه الشركات جاهدة لتوفير عروض عالية الجودة بسعر تنافسي وتبني قاعدة عملياتها التسويقية وإجراءاتها على افتراض تواصلها الخاطف مع الزبائن.فكرة مقال عصر التواصل

إليك مثالاً نموذجياً عن تجربة “اشتر ما لدينا”: كان حازم يعمل من المنزل في أحد أيام الثلاثاء، إلا أن حبر طابعته نفد في منتصف مهمة طباعة مجموعة من الرسائل العاجلة. أثار ذلك جنونه، إذ ليس لديه وقت كاف لاستبدالها الآن. بحث عن مفاتيحه بتذمر وقاد سيارته مدة 15 دقيقة إلى أقرب متجر لمستلزمات المكاتب. وتجول في ممرات المتجر بحثاً عن قسم الأحبار الذي تبين أنه جدار كامل من خراطيش الحبر التي تبدو متماثلة. وبعد التحقق من الخيارات على أمل أن يتذكر طراز طابعته بشكل صحيح، وجد خرطوشة الحبر التي يحتاجها، ولكن ضمن حزمة منتجات متعددة باهظة الثمن. وانطلق لذلك بحثاً عن أحد الموظفين الذي قد يعرف ما إذا كان المتجر يحتوي على خراطيش حبر مفردة، ووجد المدير في نهاية المطاف الذي غاب عن نظره في الجزء الخلفي من المتجر للتحقق من وجود خرطوشة فردية.

مضى الكثير من الوقت. وعاد المدير أخيراً معرباً عن أسفه عن نفاد الخراطيش الفردية بالكامل من المتجر. لذلك قرر حازم شراء الحزمة المتعددة لأن عليه إنهاء طباعة رسائله. أحضر واحدة واتجه إلى طاولة الدفع ليجد نفسه ينتظر في طابور طويل. ولم يكن يبدو سعيداً بعد أن وصل أخيراً إلى منزله بعد ساعة أو ساعتين.

نجد أنه من المفيد تقسيم رحلة الزبون التقليدية إلى ثلاث مراحل مختلفة، ألا وهي الإدراك المتمثل في وعي الزبون بوجود حاجة، والطلب الذي ينطوي على تحديد المنتج أو الخدمة التي تلبي هذه الحاجة والتوجه إلى شركة بغية استيفائها، والاستجابة التي تنطوي على اختبار الزبون كيفية قيام الشركة بتسليم المنتج أو الخدمة. لقد تسببت هذه الرحلة بالكثير من الإزعاج لحازم في كل مرحلة من هذه المراحل، ولكن لم يكن لدى شركة الحبر أي وسيلة لإدراك ضيقه أو التخفيف من حدته في أي مرحلة على مدار مساره. كان تواصل الشركة والزبون ضعيفاً طوال الوقت، وعانى كلا الطرفين.

لكن لم يكن من الضروري أن يحدث الأمر بهذه الطريقة. كان من الممكن أن تساعد كل من الاستراتيجيات الأربع المتصلة لدينا في تحسين تجربة الزبون لدى حازم في مرحلة واحدة أو أكثر من المراحل وأن تساعد الشركة على تعزيز أعمالها.

لنستطلع ما تنطوي عليه كل استراتيجية على وجه التحديد.

الاستجابة للرغبة

تتضمن هذه الاستراتيجية تزويد الزبائن بالخدمات والمنتجات التي طلبوها، والقيام بذلك في أسرع وقت ممكن وبسهولة تامة. وتتصف القدرات الأساسية هنا أنها تشغيلية وتتضمن التسليم السريع والحد الأدنى من الاحتكاك مع الزبائن والمرونة والتنفيذ الدقيق. ويميل الزبائن الذين يستمتعون بتولي زمام الأمور إلى تفضيل هذه الاستراتيجية.

تحتاج الشركات إلى الاستماع بعناية إلى رغبات الزبائن وجعل عملية الشراء سهلة بغية توفير تجربة استجابة جيدة للرغبة. وأكثر ما يهم الزبائن في كثير من الحالات هو مقدار الجهد الذي يتعين عليهم بذله، إذ كلما كان الجهد المبذول أقل، كانت التجربة أفضل!

وهذا ما أراده حازم في بحثه عن خرطوشة الحبر بالضبط. لذلك، دعونا نتخيل استراتيجية الاستجابة للرغبة التي قد تخدمه بشكل أفضل في المستقبل.

لنفترض قيام حازم بزيارة موقع متجر التجزئة المفضل لديه عبر الانترنت بعد إدراك حاجته إلى استبدال المحبرة. يُدخل حازم طراز طابعته ويُنهي ترتيب الحصول على الخرطوشة الصحيحة في نفس اليوم بنقرة واحدة أو اثنتين فقط. ولن تستغرق العملية برمتها سوى دقيقة أو دقيقتين لأن رقم بطاقة الائتمان وعنوانه قد حُفظ بالفعل في نظام الموقع. ثم يُقرع جرس الباب بعد ساعات قليلة ويحصل على ما يحتاج إليه بالضبط.

تُعتبر السرعة أمراً بالغ الأهمية في الكثير من مواقف الاستجابة للرغبة، إذ يريد مستخدمو شركة ليفت وشركة أوبر وصول السيارات على الفور. ويبتغي مرضى الرعاية الصحية القدرة على التواصل بمزودي الرعاية في أي وقت من النهار أو الليل. كما يرغب زبائن البيع بالتجزئة في استلام المنتجات التي يطلبونها عبر الإنترنت في أسرع وقت ممكن، وهي رغبة اشتهرت أمازون في التركيز على تلبيتها في عملية إعادة تحديد كيفية تفاعلها مع الزبائن. وأعدت منذ سنوات إجراء “النقرة الواحدة” للطلب والدفع، وقد قطعت شوطاً أكثر من ذلك حتى في الآونة الأخيرة، إذ يمكنك اليوم إعطاء مساعِدتك الشخصية أليكسا أمراً بطلب منتج معين، وستتولى هي بقية رحلة الزبون عوضاً عنك. وهذا ما نعنيه باستراتيجية الاستجابة للرغبة.

العرض المنسق

تشارك الشركات بفاعلية في هذه الاستراتيجية في مساعدة الزبائن في مرحلة مبكرة من رحلة الزبون، وذلك بعد أن يدرك الزبائن احتياجاتهم، ولكن قبل أن يتخذوا قراراً حول كيفية تلبية هذه الاحتياجات. تبهج استراتيجية العرض المنسق الزبائن عند تنفيذها بشكل صحيح، فضلاً عن أنها تولد مزايا الكفاءة للشركات من خلال توجيه الزبائن نحو المنتجات والخدمات التي يمكن للشركات تقديمها بسهولة آنذاك. وتتمثل القدرة الرئيسية هنا في عملية التوصية الشخصية. ويثير هذا النهج إعجاب الزبائن الذين يقدرون النصيحة، إلا أنه ما يزال عليهم اتخاذ القرار النهائي.

كيف يمكن لاستراتيجية العرض المنسق أن تخدم حازم؟ تأمل هذا السيناريو: يزور حازم موقع بائع التجزئة عبر الإنترنت لطلب خرطوشة الحبر التي يحتاجها، ويقترح الموقع تلقائياً الخرطوشة الصحيحة بناءً على ما اشتراه من قبل. وتعفيه هذه العملية من عناء العثور على رقم طراز طابعته ومعرفة الخرطوشة التي يحتاجها. ويطلب بذلك ما يقترحه عليه الموقع فقط. ويقرع جرس الباب بعد ساعات قليلة وتلبى بذلك احتياجاته بسلاسة وسهولة.

لقد تبنت شركة بلو أبرون (Blue Apron) ومزودو علب الوجبات المماثلة استراتيجية العرض المنسق بشكل فعال. وهذه الاستراتيجية هي ما يميزها عن خدمة إنستاكارت والعديد من خدمات توصيل البقالة الأخرى التي ظهرت في السنوات الأخيرة والتي تسترشد جميعها بمبدأ “أنت تطلب ونحن نقدم”، بمعنى آخر، استراتيجية الاستجابة للرغبة.

قد تلائمك خدمة إنستاكارت بشكل أفضل من قضاء الوقت في صف الدفع في السوبر ماركت، لكنها لا تخفف عنك عبء البحث عن الوصفات وإنشاء قوائم تسوق للمكونات، كما أنها لا تمنعك من المبالغة في الشراء عند التسوق. بينما تقدم بلو أبرون المساعدة في كل تلك الجبهات من خلال تقديم عروض مصممة لك خصيصاً، وخلق تجربة يجدها الكثير من الأفراد أكثر ملاءمة ومتعة وأفضل صحياً مما قد يختارونه بمفردهم.

يلائم سلوك التوجيه الزبائن الذين يعرفون أنهم بحاجة إلى إيعاز لاتخاذ إجراء، حيث قد يرغب بعض الأشخاص في استعادة لياقتهم لكنهم غير قادرين على الالتزام بنظام غذائي.

سلوك المدرب

تتطلب كلا الاستراتيجيتين السابقتين من الزبائن تحديد احتياجاتهم في الوقت المناسب، لكننا لا نُجيد هذه المهارة بطبيعتنا كبشر. لذلك تساعد استراتيجيات سلوك المدرب في مواجهة هذا التحدي من خلال تذكير الزبائن بشكل استباقي باحتياجاتهم وتشجيعهم على اتخاذ خطوات لتحقيق أهدافهم.

يلائم سلوك التوجيه الزبائن الذين يعرفون أنهم بحاجة إلى إيعاز لاتخاذ إجراء. قد يرغب بعض الأشخاص في استعادة لياقتهم لكنهم غير قادرين على الالتزام بنظام غذائي. وقد يحتاج الآخرون إلى تناول الأدوية لكنهم كثيرو النسيان. ويمكن للشركة في هذه الحالات مراقبة الزبائن ومساعدتهم. قد تُدرك الشركة احتياجات الزبون من المعلومات التي شاركها مسبقاً مع الشركة أو عبر مراقبة سلوك العديد من الزبائن. وتنطوي القدرات الأساسية لهذه الاستراتيجية على الفهم العميق لاحتياجات الزبائن و”ما يريد الزبون تحقيقه بالفعل”، والقدرة على جمع البيانات السياقية الغنية وتفسيرها، بمعنى آخر، “تحديد التدابير التي قام بها الزبون حتى هذه اللحظة، وإمكانية سنّ سلوكيات تجعل الزبون أقرب إلى تحقيق هدفه”.

إليك كيفية تطبيق استراتيجية سلوك المدرب على تجربة حازم: قد تقوم الطابعة نفسها بتتبع عدد الصفحات التي قامت بطباعتها منذ قيام حازم بتغيير المحبرة آخر مرة وإرسال هذه المعلومات مرة أخرى إلى الشركة المصنعة التي تدرك احتياجه إلى خرطوشة جديدة قريباً. لذلك قد ترسل له بريداً إلكترونياً تذكره بإعادة الطلب. وقد تشجعه في الوقت نفسه على تفعيل خاصية التنظيف في الطابعة، وهو اقتراح من شأنه أن يساعده على تجنب أي إزعاج لاحق. وبعد توجيه حازم بهذه الطريقة، سيحصل على خرطوشة الطابعة الجديدة قبل نفاد الحبر في الخرطوشة القديمة. ولن يهدر أي وقت تقريباً في استبدالها، وسيكون لديه طابعة خالية من الأعطال وتقدم أفضل أداء.

تحتاج الشركة إلى تلقي المعلومات من زبائنها باستمرار بهدف تنفيذ أساليب سلوك المدرب جيداً، وحتى لا تفوت الفرصة المناسبة لاقتراح إجراء ما. ويكمن التحدي الفني في هذا النوع من العلاقات في تمكين التواصل ثنائي الاتجاه الرخيص والموثوق به مع الزبائن. كان تفعيل مثل هذا التواصل صعباً، لكنه أصبح أسهل مع مضي الأيام. على سبيل المثال، أتاح ظهور الأجهزة القابلة للارتداء لشركات الرعاية الصحية أن تحوم رقمياً حول الزبائن على مدار الساعة وتراقب أوضاعهم باستمرار.

ويرتكز نموذج الأعمال الجديد لشركة نايك على استراتيجيات سلوك المدرب من خلال جعل زبائنها جزءاً من نوادي الجري الافتراضية وتتبع جريهم. وتدرس الشركة الوقت المثالي لانتقالهم إلى التمرين التالي وتقدم لهم أدلة وخطط تدريب صوتية من خلال التطبيق الخاص بها. ويعمل هذا النوع من التواصل الشخصي في الوقت المناسب على بناء الثقة ويشجع الزبائن على التفكير في نايك كمدرب للصحة واللياقة البدنية بدلاً من مجرد شركة تصنيع أحذية، وهذا يعني تجاوب الزبائن مع تطبيق الشركة الذي يحثهم على الركض. يخدم هذا الأسلوب الزبائن بشكل جيد لأنه يحافظ على حماسهم ولياقة أجسامهم. كما أنه يخدم نايك جيداً لأن الزبائن الذين يركضون أكثر يشترون المزيد من الأحذية.

التنفيذ التلقائي

تتطلب جميع الاستراتيجيات التي ناقشناها حتى الآن مشاركة الزبائن. لكن هذه الاستراتيجية الأخيرة تتيح للشركات تلبية احتياجات الزبائن قبل أن يدركوا هذه الاحتياجات حتى.

تتمثل استراتيجية التنفيذ التلقائي في تفويض الزبائن لشركة ما في التعامل مع شيء ما، لتتولى الشركة من هذه النقطة تلبية احتياجات الزبون. وتشتمل العناصر الأساسية هنا على الثقة القوية، والتدفق الغني للمعلومات من الزبائن، والقدرة على استخدام هذه المعلومات لإجراء توقع حول احتياجات الزبائن دون أي أخطاء. ويتيح الزبائن الأكثر انفتاحاً على التنفيذ التلقائي تدفق البيانات باستمرار من أجهزتهم إلى الشركات التي يشترون منها مع كامل ثقتهم في استخدام هذه الشركات بياناتهم لتلبية احتياجاتهم بسعر معقول ودون المساس بخصوصياتهم.

إليك طريقة عمل استراتيجية التنفيذ التلقائي في تجربة حازم. يأذن حازم للشركة المصنعة بمراقبة مستوى حبر طابعته عن بُعد وإرسال خراطيش حبر جديدة له عند نفادها لحظة شرائه الطابعة. وتقع مسؤولية إدارة احتياجاته على الشركة منذ ذلك الحين، كما يصبح حازم بمنأى عن العديد من المتاعب المتمثلة في إدراك انخفاض مستوى الحبر، واكتشاف كيفية الحصول على المزيد من الحبر وشرائه، بل يتابع أعماله بدلاً من ذلك. وعندما يحين الوقت، سيُقرع جرس الباب ويحصل على ما يحتاجه بالضبط.

تجعل إنترنت الأشياء المتنامية كل أنواع التنفيذ التلقائي ممكنة، إذ لا يعتبر سيناريو خرطوشة طابعة حازم مجرد مثال افتراضي، حيث تمتلك شركتا “إتش بي” و”براذر” بالفعل برامج لشحن المحابر البديلة للزبائن كلما أرسلت طابعاتهم إشعار “حبر منخفض”. وقريباً ستتمكن ثلاجاتنا التي تستشعر قرب نفاد الحليب من طلب المزيد من الحليب لاستلامه بحلول صباح اليوم التالي، ولكن بعد التحقق من جدول أعمالنا للتأكد من عدم ذهابنا في إجازة وأننا لن نحتاج إلى الحليب أثناء غيابنا.

سيجعل التنفيذ التلقائي حياة الأفراد أسهل، كما سينقذ الأرواح في بعض الحالات. تأمل أجهزة الاستشعار الطبية الصغيرة للكشف عن السقوط والتي يرتديها العديد من كبار السن. أنتجت الشركة المصنعة هذه الأجهزة بدايةً لتلبية نموذج الاستجابة للرغبة، حيث في حال سقط شخص مسن يرتدي جهاز الاستشعار وكان بحاجة إلى مساعدة، يمكنه الضغط على زر لتفعيل مكالمة استغاثة. كان الأسلوب جيداً، لكنه لم ينجح في حال كان شخص ما عاجزاً جداً عن الضغط على الزر. أما اليوم، تتيح التقنيات القابلة للارتداء والمتصلة بالإنترنت لشركات الرعاية الصحية مراقبة المرضى بشكل مستمر في الوقت الفعلي، مما يعني أنه ليس على الأفراد طلب المساعدة عند تعرضهم لمحنة. تخيل سواراً يراقب العلامات الحيوية ويستخدم مقياس التسارع للكشف عن السقوط، حيث إذا انزلق شخص ما يرتدي السوار، أو تعثر بدرجات سلم الطابق السفلي وفقد وعيه، يستكشف مستشعر السوار حالة الطوارئ ويستدعي المساعدة في الحال. وهذا ما يُقصد بالتنفيذ التلقائي.

نشعر بالحماس تجاه استراتيجية التنفيذ التلقائي، لكن نود التأكيد على أننا لا نعتبرها الحل الأفضل لجميع المشاكل أو لجميع الزبائن، إذ يختلف الأفراد في الدرجة التي تُشعرهم بالراحة عند مشاركة البيانات وفي جعل الشركات التي تخدمهم تتصرف بناءً على تلك البيانات.

قد تسعد إحدى العائلات بتلقي دفتر ذكريات شخصي صُمم تلقائياً بعد زيارتها ديزني وورلد، لكن قد تعتقد عائلة أخرى أن هذا السلوك مخيف وتطفلي. لذلك، تحتاج الشركات إلى إثبات جدارتها في كسب ثقة زبائنها في حال رغبتها أن يُتيح الزبائن بياناتهم الشخصية على أساس تلقائي ومستمر. وسيتعين عليهم إثبات صون خصوصية وأمن معلومات الزبائن الشخصية والتوصية بالمنتجات والخدمات بحسن نية فقط. ومن المهم إدراك أن خسارة ثقة الزبون في هذه المرحلة يعني فقدان ذلك الزبون أو العديد من الزبائن الآخرين إلى الأبد.

والنقطة المهمة الأخيرة هي ضرورة إنشاء معظم الشركات مجموعة من الاستراتيجيات المتصلة التي تتطلب منهم بناء مجموعة جديدة وكاملة من القدرات نظراً لإمكانية اختلاف تفضيلات الزبائن لدى الشركة الواحدة. وتذكر أنه من غير المنطقي العمل بمبدأ “نهج واحد يناسب الجميع”. (راجع الشريط الجانبي “ما هي الاستراتيجيات المتصلة التي يجب أن تستخدمها؟”).

تحتاج الشركات إلى إثبات جدارتها في كسب ثقة زبائنها في حال رغبتها أن يُتيح الزبائن بياناتهم الشخصية على أساس تلقائي ومستمر.

التكرار

لقد ذكرنا سابقاً فكرة احتواء رحلة الزبون الفردية على ثلاث مراحل، ألا وهي الإدراك والطلب والاستجابة. ولكن هناك بالفعل مرحلة رابعة تدعى التكرار، وهي مرحلة أساسية لأي استراتيجية متصلة، لأنها تحول الخبرات المستقلة إلى علاقات قيمة طويلة الأمد.

إذ تكتسب الشركات خبراتها من التفاعلات الحالية وتصوغ التفاعلات المستقبلية في هذه المرحلة، فضلاً عن اكتشاف كيفية إنشاء ميزة تنافسية مستدامة.

ويساعد بُعد التكرار في الاستراتيجية المتصلة الشركات بنوعين من أنواع التعلم.

أولاً، يتيح التكرار للشركة تحسين التوافق بين احتياجات الزبائن الأفراد ومنتجات الشركة وخدماتها الحالية. استخلصت ديزني مع مرور الوقت ومن خلال تفاعلات متعددة حب زبون لديها للآيس كريم أكثر من البطاطا المقلية، والعروض المسرحية أكثر من الألعاب السريعة، وقد أتاحت هذه المعلومات للشركة تصميم مخطط رحلة أكثر متعة له.

ولاحظت شركة ماكغروهيل معاناة أحد الطلاب في فهم مصطلح حسابات الفائدة المركبة، ما أتاح لها توجيه انتباهه إلى المواد التي تغطي هذا الضعف بالضبط. واستشفت شركة نيتفلكس حب زبون لديها لأفلام السخرية السياسية، ما أتاح لها تقديم توصيات بالأفلام ذات الصلة.

ثانياً، يمكن للشركات في مرحلة التكرار أن تتعلم على مستوى السكان، ما يساعدهم على إجراء تعديلات ذكية على مجموعة منتجاتهم وخدماتهم. إذا رأت ديزني أن الطلب العام على اللبن المجمد آخذ في الازدياد، قد تزيد عدد الأكشاك في حدائقها التي تقدم الزبادي المثلج. وإذا رأت ماكغروهيل أن العديد من الطلاب يعانون من صعوبة فهم حسابات الفائدة المركبة، فيمكنها تحسين الوحدة الدراسية التي تدور حول هذا الموضوع على الإنترنت. وإذا لاحظت نيتفلكس أن العديد من المشاهدين يحبون الأعمال الدرامية السياسية، فيمكنها إجراء ترخيص لعرض مسلسل جديد من هذا النوع أو إنتاجه بالفعل.

ولكلا حلقتي التكرار هاتين آثار تتمثل في ردود أفعال إيجابية، إذ كلما فهمت الشركة الزبون بشكل أفضل، زادت قدرتها على تخصيص عروضها إليه. وكلما زادت سعادته بهذه العروض، زاد احتمال عودته إلى الشركة مرة أخرى، وتزويدها بالتالي بالمزيد من البيانات.

وكلما زاد عدد البيانات التي تمتلكها الشركة، أمكنها تخصيص عروضها بشكل أفضل. وبالمثل، كلما زاد عدد الزبائن الجدد الذين تجتذبهم الشركة من خلال تخصيصها المتفوق، كان مستوى البيانات على مستوى السكان أفضل. وكلما كانت البيانات السكانية أفضل، تمكنت الشركات من إنتاج منتجات مرغوبة أكثر. وكلما كانت منتجاتها مرغوبة أكثر، زادت قدرتها على جذب زبائن جدد، وهلم جراً. وتكتسب كلتا حلقتي التكرار المزيد من التجارب باستمرار، ما يتيح للشركات مواصلة توسيع ميزتها التنافسية.

الاستراتيجيات المتصلة

وسيكون لحلقتي التكرار هاتين تأثير مهم آخر بمرور الوقت، إذ ستتيحان للشركات معالجة احتياجات الزبائن ورغباتهم الأكثر جوهرية، حيث قد تكتشف ماكغروهيل رغبة زبون ما في الحصول على وظيفة في وول ستريت وليس فقط فهم المحاسبة المالية. وقد تجد نايك اهتمام عدّاء ما بالتدريب على الركض في سباق الماراثون لأول مرة وليس فقط الحفاظ على لياقته. توفر تلك المعرفة للشركات فرص إنشاء مجموعة أكبر من الخدمات وتطوير علاقات موثوقة مع الزبائن التي يصعب على المنافسين زعزعتها.

وفي نهاية الحديث عن عصر التواصل تحديداً، لا يمكننا التنبؤ بالتوجه المستقبلي بالطبع. ولكن ما نعرفه هو أن عصر “اشتر ما لدينا” قد انتهى. لذلك، يجب أن تكون الاستراتيجيات المتصلة جزءاً أساسياً من عملك إذا كنت ترغب في تحقيق ميزة تنافسية مستدامة في السنوات المقبلة. وينطبق ذلك على ما إذا كانت شركتك ناشئة تحاول اقتحام صناعة موجودة أو شركة راسخة تحاول الدفاع عن مركزها في السوق، وما إذا كنت تتعامل مع المستهلكين بشكل مباشر أو تعمل في بيئة عمل تتبع نموذج من شركة لشركة. لقد حان الوقت للتفكير في الاستراتيجيات المتصلة قبل أن يسبقك الآخرون في صناعتك.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .