أين ذهب ضمير الشركات الكبرى؟

3 دقائق
ضمير الشركات الكبرى
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1956، لجأت “مجلة التايم” الأميركية إلى استكشاف ظاهرة كان يطلق عليها أسماء عديدة من قبيل: “الرأسمالية ذات الضمير” و”رأسمالية الشعب” أو الاسم الأكثر شيوعياً “المحافظون الجدد”.

مهما تكن الصفة التي يرغب المرء في إطلاقها على هذه الظاهرة، فالمفهوم الأساسي واضح وبحسب كلمات المقال في المجلة: قادة الأعمال كانوا يظهِرون استعداداً متزايداً وغير مسبوق لـ “تحمل مجموعة جديدة من المسؤوليات” و”تقرير إجراءاتهم، على أسس أخرى لا تقتصر فقط على الأرباح والخسائر” في نتائجهم المالية، “وإنما الخسائر والأرباح بالنسبة للمجتمع المحلي”.

لذلك قررت البحث عن هذا المقال القديم وإعادة قراءته بعد انتشار الأنباء عن شراء شركة “برجر كنغ” (Burger King) الأميركية، لسلسة “تيم هورتونز” (Tim Hortons) الكندية، مقابل 11 مليار دولار. فبعد استكمال عملية الاستحواذ هذه، تخطط “برجر كنغ “لنقل مقرها الرئيس إلى ما وراء الحدود الشمالية أي إلى الجارة كندا، حيث معدل الضرائب المفروضة أدنى بالمقارنة مع الولايات المتحدة الأميركية، في مناورة تهدف إلى التهرب من الضرائب.

الشركة أنكرت بأنها ستحصل على الكثير من الإعفاءات الضريبية، إن كانت ستحصل على أي إعفاءات أصلاً من الصفقة، وهي تصر على أنها تستحوذ على “تيم هورتونز” لسبب استراتيجي مشروع، وهو تسريع التوسع في قطاع يتصف بتنافسية شديدة.

في هذه الحالة، ربما يمكن القول إن الشركة تقول الحقيقة. ولكن مهما كان الدافع الفعلي لـ “برجر كنغ”، فمن غير المدهش أن يبدي بعض الناس رد فعل قوي تجاه الصفقة وأن يحثوا الآخرين على مقاطعة سلسلة مطاعم الشركة. ولكن السبب العميق الذي دفع هؤلاء الناس إلى التجاوب، هو الإحساس المتنامي بأن معظم الشركات الأميركية الكبرى تهتم فقط (وهنا استعمل العبارة الواردة في مقالة مجلة “التايم” عام 1956) بالأرباح والخسائر في قوائمها المالية، وليس الأرباح والخسائر بالنسبة للمجتمع المحلي.

في ذلك الوقت الذي نشرت فيه مجلة “التايم” مقالتها تلك، كانت الشركات الكبيرة تفخر بأنها تهتم بمجموعة واسعة من الفئات التي تخدمها، وتشمل بالتأكيد المساهمين، والزبائن، والموردين، والعمال. والحال أن معظم أرباب العمل الكبار، إضافة إلى أرباب العمل الصغار، بدؤوا في خمسينيات القرن الماضي في صياغة عقد اجتماعي مع موظفيهم كان من شأنه أن يتعزز خلال العقد أو العقدين التاليين عبر زيادة الأجور والرواتب التقاعدية المضمونة والمكاسب الجيدة في مجال الرعاية الصحية والوظائف المستقرة.

وكما هو الحال مع خلفائهم في القرن الحادي والعشرين، فإن كبار المدراء التنفيذيين في الخمسينيات لم يكونوا عادة من الذين يحبذون أن تؤدي الحكومة الأميركية دوراً أكبر من اللزوم في الاقتصاد. وكان هناك أمر ضمني في هذا العقد الاجتماعي الخاص بالشركات الكبرى، وهو وجهة النظر القائلة إن معظم الأشخاص العاملين سينعمون بالأمن الذي ينشدونه إذا عملوا لدى القطاع الخاص، وليس بانضمامهم إلى القطاع العام. فالشركات التي تمارس ما كان يوماً يسمى “رأسمالية الرفاهية” – وليس دولة الرفاهية – ستلبي غالبية احتياجاتهم.

بطبيعة الحال، بدأ العقد الاجتماعي بين رب العمل والموظف بالتآكل في سبعينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك الوقت مُزِّقَ هذا العقد تمزيقاً كاملاً. هناك الكثير من العوامل التي يمكن إلقاء اللوم عليها كأسباب لهذا الوضع، ومن ضمنها التقدم السريع للتكنولوجيا، وتنامي المنافسة العالمية، وإضعاف النقابات العمالية، وربما، أكثر من أي شيء آخر، تلك العقلية المريعة والخاطئة التي رفعت حملة أسهم البورصة وأعلت من شأنهم واضعة إياهم فوق كل المجموعات الأخرى.

وثمة أمر آخر يضيع أحياناً في النقاشات، وهو أن هذا التحول لا يؤثر على الموظفين والمجتمعات المحلية تأثيراً مباشراً فحسب، وإنما غير مباشر أيضاً. فالقوى نفسها التي مزقت العقد الاجتماعي للشركات الكبرى – الذي شكّل يوماً شبكة أمان قوية في القطاع الخاص – دفعت الشركات إلى اللجوء نحو كل ملاذ ضريبي ممكن، مخفضين بذلك إسهاماتهم إلى شبكة الأمان الاجتماعي في القطاع العام.

من السهل جداً الحديث برومانسية مفرطة حول واقع أميركا في ظل الشركات الكبرى في خمسينيات القرن الماضي. لكن الأشخاص ذوي البشرة غير البيضاء واجهوا واقعاً مليئاً بالتمييز العنصري في مكان العمل في ذلك الوقت، تماماً كما كان حال النساء. وفي أواخر ذلك العقد، أظهرت شركات كبيرة عديدة موقفاً أكثر تشدّداً ضد التنظيمات العمالية النقابية، الأمر الذي سرّع انحدارها الحاد. كما أن الخوف من الشيوعية والاشتراكية، فضلاً عن الغيرية، كان غالباً هو الدافع وراء كرم الشركات الكبرى.

ولكن على الرغم من علّات تلك الحقبة كلها، فإن جانبها الأخلاقي قد ضاع.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .