تدرك الشركات قوة الابتكارات الرقمية في إعادة تشكيل الصناعات والأسواق، إلا أنها عانت مراراً خلال سعيها ابتكار تكنولوجيات جديدة وثورية.
يرى كلايتون كريستنسن وآخرون بأن إخفاق الشركات له علاقة (ولو بشكل بسيط) بحداثة التكنولوجيا أو تعقيدها، وذلك لأن الإخفاق يرتبط أغلب الوقت بتركيز تلك الشركات الحاد على احتياجات أهم عملائها، ما يضع قيوداً صارمة على ما تستطيع الشركات السعي وراءه وما لا تستطيع. يتطرق بحثنا إلى جهة أخرى مهمة، والمتمثلة بمستثمري الشركة، ممن قد يُبقون الشركات معلقة بالتكنولوجيات القائمة. نظرياً، قد تتناغم حوافز المستثمر وما في صالح للشركة، لكن عملياً، قد تكون هناك العديد من الاختلافات المهمة.
يؤثر المستثمرون على استثمارات الابتكار
قمنا خلال بحثنا في البداية بفحص العوامل التي تجعل شركة ما تستثمر في الابتكار الرقمي والتقييم السوقي الذي يحصل لها لاحقاً. إن كيفية تقييم المستثمرين للشركة هو أمر مهم إلى حد كبير في تحديد أي الشركات قادرة على النجاح مع الابتكارات الرقمية. فعندما يقيّم المستثمرون الشركات بحسب إمكانات نموها المستقبلية بدلاً من أرباحها الحالية، كما هو الحال مع الشركات الناشئة وعمالقة التكنولوجيا، ستكون الشركات أكثر احتمالاً للاستثمار في الابتكار الرقمي، وستحصل في الوقت نفسه على تقييمات سوقية أعلى. في المقابل، عندما يتوقع المستثمرون أرباحاً حالية، مثلما هو الوضع لدى الشركات الصناعية، ستكون تلك الشركات أقل عرضة للاستثمار في الابتكارات الرقمية، وستحصل على تقييمات سوقية أقل بكثير عندما تحاول أن تتحول إلى قادة رقميين.
بتاريخ 7 أغسطس/ آب 2018، تجاوزت القيمة السوقية لشركة تيسلا (64.75 مليار دولار أميركي)، والقيمة السوقية لشركة بي إم دبليو (64.36 مليار دولار)، على الرغم من مستويات إنتاج بي إم دبليو المشابهة الكبيرة وإنتاجها للسيارات الكهربائية وأرباحها الأعلى بشكل ملحوظ (كان صافي دخل بي إم دبليو بحلول 30 يونيو/ حزيران 2018 هو 10.3 مليار دولار مقابل خسائر بقيمة 2.7 مليار لتيسلا). وعلى الرغم من ذلك، أشاد المستثمرون بجهود الابتكار التكنولوجي لشركة تيسلا، وأعربوا عن تفاؤلهم بنموها المستقبلي. وبشكل مشابه، وبالرغم من الأرباح الجيدة والالتزام العلني والفعلي باستثمار مليارات الدولارات في تكنولوجيات رائدة مماثلة لتلك التي لدى تيسلا، تعاني كل من جنرال موتورز وفورد بقوة لإثارة حماس المستثمرين لأسهمهما.
لننظر لجنرال إلكتريك. كانت في فترة ما درة الابتكار الرقمي، أما الآن فهي تحاول جاهدة تحويل نفسها إلى قوة رقمية. قبل خمس سنوات فقط، قال جيف إيملت، الرئيس التنفيذي للشركة: "إذا ذهبت إلى فراشك ليلاً كشركة صناعية، فقد تستيقظ في الصباح التالي كشركة برمجيات وتحليلات". ولكن بحلول عام 2017، كان إيميلت المحبط قد اضطر لمغادرة الشركة، حيث أشار إلى أنه "في أعمالنا الأساسية، تضاعفت الأرباح ثلاث مرات خلال فترتي، ولدينا حصة سوقية قياسية مرتفعة، وقد فاق أداؤنا المالي نظرائنا، لقد دفعنا أرباحاً أكثر تزيد عما دفعناها طوال الـ 110 أعوام السابقة من تاريخ جنرال إلكتريك مجتمعة؛ ومع ذلك، فقد تحولت نسبة السعر إلى العائد من 40 إلى 17، وتقييم السهم هو أقل من حقيقته. وهكذا يكون الأمر مع التحول". يبدو أن المستثمرين لم يكونوا يبحثون عن ابتكار جذري من جنرال إلكتريك. وتعاني الشركات القائمة عندما تبتعد كثيراً عن توقعات المستثمرين.
يُظهر بحثنا أن ما سبق ليس مثالاً معزولاً، حيث وجدنا أن السوق كافأ استثمار الشركات "النامية" في التكنولوجيا الرقمية، وعاقب في الوقت نفسه الشركات الأكثر نضجاً وذات الربح الثابت لذات السبب.
لقد بدأنا بوضع نموذج لمسار الشركات استناداً إلى أدائها منذ العام 1984 وحتى العام 1996، وقسمنا تلك التقديرات وفقاً لتقييم الشركة على أساس أرباحها الحالية في مقابل إمكاناتها للنمو المستقبلي. وجدنا أن الشركات التي تم تقييمها على أنها ذات نمو المستقبلي كانت ذات نزعة أكبر للابتكار الرقمي، بينما كان لدى الشركات ذات الأرباح المرتفعة ميلاً أقل للابتكار الرقمي. قمنا بقياس الابتكار الرقمي على أساس عدد الابتكارات الرقمية التي حققتها الشركة من 1998 إلى 2010.
أخيراً، درسنا عواقب الابتكار الرقمي على الشركات مستمدين ذلك من تقييماتها في السوق إلى حد كبير بناء على ربحها الحالي. للقيام بذلك، قمنا بمقارنة تقييمات السوق بين 1998-2010 للشركات التي كانت متشابهة من حيث وضعها الرقمي (رائد أو متخلف) ومسار نموها (استناداً إلى تقدير نموذجنا). تسمح لنا المطابقة التابعية للمسار بتجاوز الارتباطات البسيطة لاستكشاف العلاقة السببية بين الابتكار الرقمي وتوقعات المستثمر وأداء الشركة. في حين كافأت سوق الأسهم القادة الرقميين في المجموعة ذات النمو المرتفع على استثمارهم الرقمي عبر منحهم تقييمات أعلى، كما عاقبت ذات الأسواق القادة الرقميين بين المجموعة ذات الربحية العالية بمنحهم قيمة أقل من قيمتها الفعلية. في الواقع، كانت الأسواق المالية تخفض بشكل كبير من قيمة المشاريع الرقمية لهذه الشركات.
النجاح على الرغم من قيود المستثمر
تقدم دراستنا التجريبية واسعة النطاق دليلاً قوياً على الدور المحبط للمستثمرين والأسواق المالية في تشكيل خيارات الابتكار للشركات. وحتى في مواجهة الزيادة الكبيرة في الابتكارات الرقمية وأثرها الواضح على مجموعة من النتائج، فإن نتائجنا توضح لماذا تجد الشركات القائمة صعوبة في الابتعاد عن مصادر القيمة الحالية لمتابعة ابتكارات رقمية جديدة.
وعلى الرغم من الكفاءة التخصيصية لأسواق رأس المال، فإن الآثار المترتبة على الشركات التي تم تقديرها لنموها تكمن في إدراك مدراء هذه الشركات لفرصة الابتكار الرقمي وإنشائهم القدرات الكفيلة باستغلال هذه الفرصة. وبشكل معاكس، تتعرض محاولات الابتكار الرقمي للشركات التي تم تقييمها على وضعها الحالي بدلاً من النظر إليها مستقبلاً. وتميل الأسواق المالية إلى معاقبة القادة الرقميين في هذه المجموعة من أجل تجارب استراتيجيات معقدة تتحقق فوائدها على مدى فترات زمنية أطول.
لذلك، يجب على المدراء في الشركات الراسخة محاولة إعادة ضبط توقعات السوق من خلال اتصالات استباقية مع المستثمرين قبل بدئها بالعمل على الابتكارات الرقمية. وبشكل بديل، يجب على هذه الشركات أن تفكر في هياكل وترتيبات أخرى (مثل إنشاء شركات جانبية مخصصة) تتماشى بشكل أفضل مع توقعات الأسواق المالية من أجل استمرارها في خلق الابتكارات الرقمية.