في صباح أحد الأيام من شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2014، ركنت سيارتي عند مرآب المكتب الخاص بي لأجده محاطاً بسيارات الإطفاء. وأذكر أنني كنت قد صرّحت خلال زيارتي السابقة لقسم الشحن في الشركة بنبأ هام، وهو أن شركة تراغر (Traeger)، المتخصصة في بيع مستلزمات الطهي في الهواء الطلق وتتخذ من ولاية أوريغون مقراً لها والتي استلمت فيها مؤخراً منصب الرئيس التنفيذي لاجتثاث الثقافة السامة فيها، ستعمل على إغلاق مستودعها وقسم عمليات النقل بالشاحنات فيها وتعهيد ذلك إلى شركة يو بي إس (UPS). شكلت هذه الخطوة منظوراً استراتيجياً، وحرصنا على تقديم مكافآت سخية للموظفين مقابل إنهاء الخدمة ومساعدة العديد من الموظفين المتضررين على الانتقال إلى وظائف جديدة. إلا أن النبأ لم يمر بسلام، فعندما خرجت من السيارة علمت أن النيران قد أُضرمت في إحدى شاحنات الشركة الكبيرة. لم نعرف الشخص المسؤول عن تلك الحادثة، ولكن كان جلياً أن الحريق متعمد.
اجتثاث الثقافة السامة في شركة "تراغر"
جمعت فريقي التنفيذي في الداخل للحديث حول كيفية التعامل مع الحادثة، لكن آخر الأخبار على الإنترنت التي ذكرها أحد شهود العيان نقلت ما جرى في أحد المكاتب في ولاية ألاباما، حيث أطلق موظف ساخط صباح ذلك اليوم بالتحديد النار وقتل اثنين من زملائه في العمل. جعلنا هذا الحادث نفكر في مدى السوء الذي قد تفضي الأمور إليه في شركة تراغر. وبعد ساعة تقريباً، أتى أحد الموظفين القدماء في الشركة وألصق رأسه بباب المكتب قائلاً: "هناك شائعة تقول أن أمراً مهولاً سيحدث اليوم". أدركت لحظتها أنه ينبغي عليّ أن أخاطب فريق الشركة، وقد جعلني التفكير فيما سوف يحدث بعد ذلك متوتراً، إذ كانت تلك هي المرة الأولى التي أشعر فيها بعدم الأمان من الناحية الجسدية في العمل.
لا توجد دراسة حالة لما ينبغي فعله عندما يشرع الموظفون في حرق أصول شركتك، أو عندما يكون هناك احتمال لتشكل جماعة متمردة. ومن المؤسف القول أن هذه الحوادث مجرد أمثلة متطرفة تنطوي على مشكلة أكبر وهي أن شركتنا قد طورت ثقافة سامة تتصف بانعدام الثقة وممارسة سلوكيات سلبية ورفض متعنت للتعاون. وبصفتي رئيساً تنفيذياً جديداً، أمضيت أشهراً في محاولة الخروج بحل لهذه المشكلة. وقد مثل يوم حريق الشاحنة نقطة تحول وعلمت بعده أننا بحاجة إلى تفكيك ثقافة الشركة الراهنة وبناء ثقافة جديدة من نقطة الصفر.
اقرأ أيضاً: هل تنشر ثقافة مسمومة في العمل دون وعي؟
جاذبية ريادة الأعمال
كان طريقي نحو منصب الرئيس التنفيذي لشركة تراغر غير واضح، وهذا أقل ما يُقال. فحالي حال الكثير من الناس، إذ واجهتني صعوبات عندما كنت في العشرينيات من عمري خلال محاولتي اكتشاف ما أردت فعله. أمضيت ثلاث سنوات بعد الكلية في العمل كمستشار إداري، ورغم أنني تعلمت الكثير إلا أنني لم أحب ذلك العمل. ثم أمضيت ستة أشهر في العمل بمجال التداول اليومي للأسهم، وقد كان بالنسبة لي أكثر الأعمال إجهاداً وإثارة على الإطلاق. ساعدت بعدها شركة على بناء الفنادق من خلال منصبي فيها، ثم التحقت بكلية هارفارد للأعمال ولكن عندما تخرجت في عام 2002 في أعقاب ركود طفرة الويب (dot-com)، كانت الشركات الوحيدة المهتمة بتوظيفي هي الشركات التي تعمل في مجال تقديم خدمات الاستشارات الإدارية وشركات التنمية العقارية، لأن تلك الأعمال هي في مجال الخبرة المذكورة في سيرتي الذاتية، إلا أنني في قرارة نفسي كنت أعلم أن ما أريد فعله هو أمر مختلف.
بعد بضعة أشهر من النوم في قبو المنزل الخاص بوالدي، انتقلت إلى مدينة دالاس وأصبحت شريكاً في شركة صغيرة للمشروبات المجمدة. كانت تلك هي المرة الأولى خلال مسيرتي المهنية التي يجتمع فيها كل شيء؛ فتارة تراني أقود رافعة في المخزن، وتارة أخرى أتفاوض مع مصرفي، ثم أحاول بعد ذلك إنجاح عملية بيع إلى أحد الموزعين. أحببت فكرة أن أتمكن من لمس كل جزء في العمل، وأيقنت من خلال التجربة أنني سأكون أكثر سعادة كرائد أعمال.
بعد بضع سنوات، قدمني أحدهم إلى ريك أولدن، مؤسس شركة تسمى سكالكاندي (Skullcandy). كانت الشركة ما تزال صغيرة، إذ قُدر حجم مبيعاتها حينها بمبلغ 500,000 دولار فقط (كانت ما تزال تقدم منتج سماعات خوذ التزلج على الجليد ولم تنتقل بعد إلى سماعات الرأس). في عام 2005، شغلت منصب نائب مدير العمليات في سكالكاندي، وقد نمت الشركة بسرعة كبيرة لدرجة أنني كنت أشعر دائماً بتأخري خطوة عنها، لكنني في الوقت نفسه كنت أتعلم الكثير. كافح ريك من أجل جمع الأموال من مستثمرين خارجيين، لذلك فقد عملنا على بناء العلامة التجارية بمبلغ قليل جداً من المال. وانتهى بي المطاف بشغل منصب الرئيس التنفيذي وبقيت فيه لمدة ثماني سنوات، حيث ارتفعت إيرادات الشركة إلى 300 مليون دولار وطرحت أسهمها للاكتتاب العام، لكني علمت في النهاية أنني لم أكن أحب إدارة شركة مطروحة للاكتتاب العام. لقد كنا نتعامل مع الكثير من الأشخاص الذين يعملون بآلية البيع المكشوف، ومن خلال التأمل في عملنا السابق، وجدنا أن الشركة كانت أصغر من أن تُطرح للاكتتاب العام. في أوائل عام 2013، غادرت سكالكاندي وانضممت إلى شركة أسهم خاصة (وهي نوع من الشركات التي تستثمر في الأسهم الخاصة للشركات صغيرة الحجم) للبحث عن شركة أصغر حتى أتمكن من شرائها وإدارتها بنفسي.
بعض السحر في العلامة التجارية
تمعنت في 40 أو 50 صفقة وأمضيت وقتاً جدياً في حوالي عشر صفقات، ووجهت الاهتمام الأكبر نحو العلامات التجارية التي تلبي حاجات المستهلك. لقد عمل والدي في إدارة العلامات التجارية خلال نشأتي وكنت أرى نفسي دائماً كشخص يعمل في مجال المنتجات الاستهلاكية، لأنني أستمتع باستكشاف الطريقة التي يفكر بها المستهلكون وبناء علامة تجارية ومنتج يلبي حاجاتهم. تركز أحد أهدافي على شركة لصناعة حلوى طبيعية بالكامل، وكنت على وشك شراء شركة فاخرة تُصنع خلاطات كهربائية. لقد انصب تركيزي في كل حالة على ما إذا كان بإمكاني تطوير الشركة على نحو ملحوظ.
حين كنت ذات يوم في زيارة إلى المقر الرئيس، سألت مدير قسم الشؤون المالية إذا كان بإمكانه مقابلتي، ورغم أنني كنت رئيسه في العمل قال لي إنه لم يتمكن من إيجاد وقت على جدول مواعيده.
صادفني ملف شركة تراغر أول مرة على مكتبي في ربيع عام 2013، أي في مرحلة مبكرة جداً من بحثي. كان عمر الشركة حينها 26 عاماً وكانت قد ابتكرت وسجلت براءة اختراع مشواة تعمل بقطع الخشب (wood pellet grill)، إلا أنني لم أكن قد سمعت مسبقاً عن هذه الشركة أو عن هذا النوع من العمل، الذي يرجع أصله إلى أزمة النفط في سبعينيات القرن الماضي، عندما بدأ الناس يبحثون عن بدائل الزيت الحراري. وقد اكتسبت المواقد التي تعمل بكرات الخشب شعبية للتدفئة المنزلية، وفي أوائل الثمانينيات بدأ جو تراغر، الذي أدار شركة تقدم خدمات للتدفئة في ولاية أوريغون، بتجربة استخدام نفس التقنية بحيث يعمل محرك كهربائي على جعل ريشة المشواة تدور لتغذية كرات الخشب داخل حجرة الاحتراق من أجل الشواء في الهواء الطلق. ولأنهم يستخدمون منظمات الحرارة للتحكم فيها، فإن المشواة التي تعمل بكرات الخشب تكون جيدة على نحو خاص لتدخين اللحوم عند درجات حرارة ثابتة. أجريت مكالمة لمدة 30 دقيقة مع الشركة وجزمت بأن الفرصة ليست مناسبة بالنسبة لي، إذ لم تبدو مشواة "الفناء الخلفي" صناعة مثيرة للاهتمام، ولكنها منتجات سلعية للغاية ولم أجد ميزة تنافسية كبيرة في ثني المعادن ولحامها، فاستبعدتها تماماً بعد انتهاء المكالمة.
بعد ذلك ببضعة أشهر، تواصلت معي شركة الأسهم الخاصة التي لفتت انتباهي إلى شركة تراغر مرة أخرى وهي شركة PE. وكانت حينها قد اشترت حصة في تراغر وأقامت شراكة مع الرئيس التنفيذي الحالي، ومع ذلك لم تكن شركة PE راضية عن سير العمل وكانت تبحث عن شخص جديد ليتولى قيادة الشركة، وكان حينها قد مضى على بحثي عن هدف استحواذ مدة عشرة أشهر وبدأ صبري ينفذ، لذلك أصغيت بعناية أكبر لهذا العرض. عملت شركة الأسهم الخاصة على إجراء المزيد من البحوث حول شركة تراغر وكان لديها بيانات جديدة حول صافي نقاط الترويج (NPS) (وهو مقياس أداء الشركة من وجهة نظر العملاء)، والتي تجاوزت التوقعات. لقد تبين أن الأشخاص الذين يشترون مشواة تراغر يميلون إلى التحدث عنها إلى كل شخص يعرفونه، وإقناع الأصدقاء من أجل شراء واحدة أيضاً. كان يبدو أن تلك العلامة التجارية تحمل شيئاً من السحر وأن المالكين الحاليين لم يتمكنوا من التحول إلى نمو تصاعدي، وقد أثار ذلك فضولي.
اقرأ أيضاً: امنع الثقافة المسمومة في مؤسستك من التأثير على فريقك
وضعنا خطة هيكلية بحيث أصبحت أمتلك أقلية من أسهم الشركة والرئيس التنفيذي لها. وذهبت إلى ولاية أوريغون لزيارة مقرها، ولكن عندما بدأت أفهم المزيد عن الثقافة هناك، تساءلت عما إذا كنت قد ارتكبت خطأ بانخراطي بهذه الشركة.
كدمة على صدري
انصب تركيزي خلال زيارتي الأولى على أمرين هما: إمكانية نمو المبيعات وجودة فريق الإدارة الحالي، وقد رأيت مساحة كبيرة للتطور. كانت الشركة حتى عام 2010 تصنع المشواة بنفسها، ولم يكن ذلك يدعم المنظور الاستراتيجي كثيراً، ولكنها بدأت في الآونة الأخيرة بالاستعانة بمصادر تصنيع خارجية في الصين. وفي عام 2013، كانت شركة تراغر ما تزال تشغّل المستودعات وتقوم بأعمال الشحن والتسليم النهائي؛ رغم أن معظم المنافسين كانوا يستعينون بمصادر خارجية من أجل إنجاز تلك الأعمال أيضاً. كانت الشركة تملك الشاحنات وتدفع رواتب للسائقين. عمل حوالي 240 موظفاً في هذه الشركة، 120 منهم في مقر الشركة بولاية أوريغون، و30 في مكتب المبيعات بولاية يوتا، و90 مندوب مبيعات موزعين في جميع أنحاء أميركا يعملون بنظام العمولات. كنت أقيم قرب مكتب يوتا مع عائلتي، لذا سافرت باستمرار بين مكتب الشركة في ولاية يوتا ومقرها في ولاية أوريغون.
سرعان ما بدأت أشعر بوجود مشكلة ثقافية في شركة تراغر، وقد كنت وشركة الأسهم الخاصة نمتلك حصة الأقلية فيها، وكان مالك أغلبية الأسهم رائد أعمال لسلسلة من المشاريع يُقيم في ولاية فلوريدا والذي امتلك الشركة لمدة ثماني سنوات. كنت حينها الرئيس التنفيذي الثامن، أي أن هنالك سبعة رؤساء تنفيذيين قد غادروا الشركة قبلي. وقد علمت لاحقاً أن الموظفين أطلقوا عليّ اسم "أوتشو" من خلف ظهري (وهي كلمة إسبانية تعني "ثمانية") ولم يتوقعوا أن أستمر طويلاً في العمل، وقد عكس سلوكهم ذلك. فعندما كنت أطلب منهم بيانات معينة، كانوا يتجاهلونني. وحين كنت ذات يوم في زيارة إلى المقر الرئيس، سألت مدير قسم الشؤون المالية إذا كان بإمكانه مقابلتي، ورغم أنني كنت رئيسه في العمل قال لي إنه لم يتمكن من إيجاد وقت على جدول مواعيده (ثم وجد في نهاية المطاف 30 دقيقة خصصها لي في تلك الزيارة). وزد على ذلك، أنه عند طلبي من الموظفين العمل معاً على مشروع ما، كانوا يرفضون ذلك ببساطة.
رغم أن مالك أغلبية الأسهم لم يكن له دور تشغيلي، بيد أنه كان يتحدث إلى الموظفين على جميع مستويات الشركة عدة مرات في اليوم، وتصرف الموظفون نتيجة ذلك كما لو أنه الشخص المسؤول عن إدارة الشركة. لقد زرع صاحب الشركة ثقافة الخوف فيهم، فقد كان الجميع يهابه وقد راق له ذلك. أعدت مؤخراً قراءة الرسائل الإلكترونية التي تبادلناها خلال أول 90 يوماً من عملي، وشعرت بالفخر بقدرتي على التوازن وضبط النفس اللذين أظهرتهما حينها، بينما كان حاداً بطبعه وكلامه ممجوجاً، وقد نسج الموظفون الآخرون في الشركة ذلك الأسلوب على منواله.
كنت بحاجة إلى جلب فريق إداري أفضل، لذلك عينت عدداً من المسؤولين التنفيذيين الذين كنت مقرباً منهم في شركة سكالكاندي، لكن ذلك جعل المشكلات التي تتعلق بثقافة الشركة أسوأ عن غير قصد. لقد أصبح الحال "نحن مقابل الآخرين"، أي أنا وفريقي الجديد في جانب، ومالك أغلبية الأسهم والموظفون الدائمون على الجانب الآخر.
كانت الخطوة الأولى نحو محاولة إيجاد حل للمشكلة الثقافية هي استبعاد مالك أغلبية الأسهم. لذلك في 20 يونيو/حزيران عام 2014، أي بعد حوالي خمسة أشهر من انضمامي إلى الشركة، اشتريت وشركة الأسهم الخاصة حصته في تراغر. كانت تلك اللحظة هامة، ونحن نحتفل بهذه المناسبة كل عام كأحد أيام الإجازات في الشركة، ونسميه يوم عيد استقلال شركة تراغر.
بعد أن وجدنا حلاً لمشكلة الملكية بدأنا ندرك قضايا أخرى، فعندما أصبحت جزءاً من شركة تراغر، كانت الشركة تقدر بقيمة 70 مليون دولار وتتبع ضوابط وعمليات غير متطورة على نحو مثير للدهشة. كانت مستودعاتنا قديمة وأصغر من المساحة المطلوبة ولم تتمكن من استيعاب حجم عملنا آنذاك، ناهيك عن النمو الذي أردنا تحقيقه. وعندما عملنا على تحليل الإحصاءات المالية، أدركنا وجود مشكلة كبيرة في إدارة قنوات البيع. فقد بعنا منتجاتنا مباشرة إلى المستهلكين عبر الإنترنت، ولكننا بعناها أيضاً من خلال شركات تجارة التجزئة مثل شركة إيس هاردوير (Ace Hardware) وسلاسل المتاجر العملاقة لتجديد المنازل. اتضح أن معظم مبيعاتنا المباشرة للمستهلكين كانت بأسعار مخفضة للغاية، وفي حالات كثيرة أقل مما دفعه لنا شركاؤنا من شركات تجارة التجزئة مقابل المنتجات. كانوا غاضبين بطبيعة الحال من ذلك لأننا كنا قد أقنعناهم بتخزين شوايات شركتنا ثم حددنا لهم أسعاراً مرتفعة. وفي المرة الأولى التي ذهبت فيها إلى معرض تجاري، عدت إلى المنزل مصاباً بكدمة على صدري، حيث دفعني زبائن التجزئة بقوة واحد تلو الآخر بسبب استهتارنا بهم وتقديمنا خدمة سيئة لهم للغاية.
بالعودة إلى المقر الرئيس لشركة تراغر، فقد أمضيت الكثير من الوقت في عقد اجتماعات مع كبار الموظفين في الشركة والمقدر عددهم بـ 30 أو 40 موظفاً، محاولاً تكوين فكرة حول استعدادهم للتغيير. أجرينا مسحاً ثقافياً لجمع بيانات كمية وأتحنا مجالاً لتقديم ملاحظات نقدية دون الكشف عن هوية مقدمها. كما عملنا على صياغة رسالة جديدة للشركة ووضعنا خمس قيم من شأنها الدفع بشركة تراغر قدماً، لكن عندما بدأنا في تناقلها، لم يظهر أن شيئاً قد تغير. كان العديد من الموظفين يعملون في تراغر لسنوات (وبعضهم استمر حتى الجيل الثاني)، ولكن دافعهم كان هزيلاً لأداء الأعمال على نحو مختلف. وحقيقة أني قضيت 75% من وقتي بعيداً عن المقر الرئيس للشركة لم يكن أمراً جيداً؛ فكان يمكن للموظفين العودة إلى العمل بالطريقة التي أرادوها بمجرد مغادرتي المقر. راودتني لبعض الوقت فكرة نقل عائلتي إلى ولاية أوريغون، لكنني لم أكن أضمن أن ذلك سيصلح الوضع.
بناء ثقافة من نقطة الصفر
خلال الأيام التي تبعت حادثة حريق الشاحنة، توصلت إلى قرار بأن الطريقة الوحيدة للتعامل مع الثقافة السامة هي إعادة تشكيل الشركة. فقررنا نقل المقر الرئيس من ولاية أوريغون إلى ولاية يوتا حيث أعيش ومعظم المسؤولين التنفيذيين الجدد، ومن خلال شبكة معارفي وسمعتي هناك، أدركت أنه بإمكاني بناء فريق متماسك. عند مغادرتنا ولاية أوريغون، تعين علينا التخلي عن الموظفين الذين كانوا يعرقلون جهودنا لخلق ثقافة أكثر إيجابية وتعاونية في شركة تراغر.
عملنا على وضع خطة سرية لمدة 45 يوماً تقريباً قبل إعلانها للجميع؛ كانت تلك الخطوة مكلفة، فقد دفعنا مكافآت للموظفين الذين ودعناهم، وعلاوات للاحتفاظ بالموظفين الرئيسيين للبقاء في ولاية أوريغون لمدة كافية حتى يتسنى لنا إنشاء مقر الشركة الجديد. ورغم شعورنا بالسعادة حول قدرتنا على إعادة بناء الثقافة برمتها، إلا أننا شعرنا بالكثير من القلق من فقدان الذاكرة المؤسسية للشركة. إذ تميل الشركات بهذا الحجم إلى العمل على نهج "المعرفة القبلية"، حيث لا تُدوّن الكثير من المعلومات ويتم حمل الأعمال والأنشطة في أذهان الموظفين. ومن الصعب نقل هذه المعرفة، خاصة عندما يكون الموظفون يشعرون بالاستياء جرّاء فقدان وظائفهم.
شعرت بالأسف بيني وبين نفسي من اضطراري للإقدام على مثل هذه الخطوة الجسيمة، لكن كلما تأملت فيها أدركت أن القرار نجم عن استحالة تحويل الثقافة القديمة التي تجذّر فيها السلوك السلبي. إن إحدى مزايا البدء ببناء شركة من نقطة الصفر هي إمكانية بناء ثقافة الشركة من نقطة الصفر أيضاً، ورغم عمر شركة تراغر الذي يُقدر بحوالي ثلاثة عقود، بيد أن الانتقال إلى ولاية يوتا جعلنا نعيد تهيئتها بالكامل.
إن بناء شركة من نقطة الصفر يعني أنه يمكنك بناء الثقافة من نقطة الصفر أيضاً. ورغم عمر شركة تراغر الذي يُقدر بحوالي ثلاثة عقود، بيد أن الانتقال الذي كنا نجريه جعلنا نعيد تهيئتها بالكامل.
لقد قضينا الكثير من الوقت في عملية اتخاذ قرارات حول الموظفين الذين نريدهم أن ينتقلوا معنا إلى ولاية يوتا. في تلك المرحلة، وبعد أن أغلقنا المستودع وقسم عمليات النقل بالشاحنات، بقي لدينا حوالي 90 موظفاً في ولاية أوريغون. عملنا على تقييم كل واحد منهم من ناحية الكفاءة والانسجام مع ثقافة الشركة الجديدة. وصنفنا الموظفين إلى قادة إيجابيين أو محايدين أو نقّاد سلبيين. في حال كان الموظفون الذين نقيّمهم نقّاداً سلبيين (والكثير منهم كانوا كذلك)، فلم يكن مهماً درجة كفاءتهم، إذ أننا لم نكن نريدهم أن يستمروا معنا. وقد تعتقد أنه كان من السهل علينا تمييزهم، لكن ذلك لا يصحّ دائماً. إنني أذكر موظفاً كان يعمل في قسم الشؤون المالية واعتقدت أنه إيجابي ومتفائل، ولكن عندما غادر الشركة وأجرى مقابلة انتهاء خدمة مع شركة موارد بشرية خارجية، طلبت الاطلاع على محضر المقابلة، وشعرت بالصدمة من حدة لؤمه وسلبيته.
في حال كان الموظف محايداً ويمتلك مهارات عالية في وظيفة يصعب ملؤها، فقد وجهنا الدعوة إليه أو إليها للانتقال معنا. وكان اثنان من الموظفين فقط يُعتبران من القادة الثقافيين، وقد وجهنا إليهما الدعوة أيضاً. من بين 90 موظفاً، ربما كان هناك 12 أو 15 موظفاً فقط كنا نأمل أن ينتقلوا معنا إلى ولاية يوتا، وأقدم على تلك الخطوة من بين أولئك خمسة أو ستة موظفين فقط. بصورة عامة، فإن الموظفين الذين أردناهم كانوا قد عملوا في الشركة لبضع سنوات فقط، وكانوا طموحين لتنمية مهاراتهم وتوّاقين للترقية وقادرين على التنقل بين الأدوار الوظيفية بسهولة. بينما كان الموظفون الدائمون غير قابلين للتكيف ومتماهين تماماً مع الثقافة السلبية. فكرنا في ذلك الأمر من منطلق شبيه بالعزل الصحي، إذ كنا بحاجة إلى ضمان أننا لم ندعو أي موظف يمكن أن ينقل العدوى إلى الثقافة الجديدة التي كنا نحاول خلقها.
مقر متناغم مع العلامة التجارية
افتتحنا مقر الشركة الجديد في ولاية يوتا رسمياً في شهر سبتمبر/أيلول عام 2015، وودعنا الموظف الأخير في ولاية أوريغون في أوائل عام 2016. عملنا على توظيف الكثير من الموظفين منذ انتقالنا، ويبلغ عددنا اليوم 450 موظفاً على مستوى العالم. أحرص على قضاء بعض الوقت مع كل مرشح قبل أن يحصل على عرض عمل، حيث لا أركز على سيرته الذاتية، بل يكون هاجسي هو فهم أسلوب تفكيره حول تحمل المخاطر والمهارات التي يريد تطويرها. وأحاول ضمان أننا نتبع مصفاة ثقافية صارمة مع أي شخص نوظفه، إذ أننا نريد إيجاد موظفين يحملون بالفعل القيم نفسها التي نحملها.
تلعب مكاتب شركتنا الفعلية دوراً حيوياً في الثقافة الجديدة، حيث عملنا مع مهندسين معماريين على خلق بيئة تتناغم مع علامتنا التجارية. فمكان العمل هو عبارة عن مساحة مفعمة بالنشاط ومُحبة للهواء الطلق، وأثاثها مصنوع من الخشب المستصلح. وقد سُميت غرف المؤتمرات نسبة إلى جوانب متعلقة بماضي شركة تراغر.
هناك العديد من الأماكن الجميلة للطهي والجلوس وتناول الطعام في مقر العمل الجديد؛ إننا نرى علامتنا التجارية تركز على الطهي والطعام وليس على المعدن أو الآليات الميكانيكية للمشواة. ونعمل في صباح كل يوم اثنين (كأول يوم عمل في الأسبوع في الولايات المتحدة) على تحضير وجبة الإفطار لموظفي الشركة بأكملها، ونحضر وجبة الغداء معاً من الثلاثاء حتى الجمعة. نحن نعتبر إعداد الطعام للزملاء بمشاركتهم سبيلاً لإظهار الاهتمام المتبادل، والموارد التي سخرناها لتصميم المكان تحاكي ذلك أيضاً.
منذ انضمامي إلى شركة تراغر، أنجزنا أكثر من محاولة لتغيير الثقافة، حيث عملنا على تطوير استراتيجية الشركة وخطة التسويق وخط الإنتاج. لقد أنشأنا مجتمعاً يضم المعجبين والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الحياة الواقعية. وأنا على يقين أن التحول الثقافي الذي حققناه يُعتبر عاملاً هاماً ساهم في تحقيق نتائج الشركة، والتي كانت عظيمة. فخلال خمس سنوات فقط، حققنا نمواً في المبيعات من 70 مليون دولار إلى ما يقرب من 400 مليون دولار، وذلك التغيير ليس واضحاً فقط على قوائمنا المالية وعلى الجو العام الذي يسود مقر الشركة، بل إن شركاءنا من تجار التجزئة يلمسون ذلك أيضاً.
ويُعد هذا الجانب مهماً لأنهم يلعبون دوراً حيوياً في مساعدتنا على تثقيف المستهلكين حول مزايا الشواء باستخدام الشوايات التي تعمل بكرات الخشب عوضاً عن الغاز أو الفحم. كل ذلك يُعزى إلى البحث الذي أجرته شركة الأسهم الخاصة والذي جذب اهتمامي أولاً إلى شركة تراغر لاجتثاث الثقافة السامة؛ إذ عندما يجرّب الناس منتجها المتمثل في المشواة التي تعمل بكرات الخشب، فإنهم لا يندمون على الإطلاق.
اقرأ أيضاً: كيف تمنع الغيرة من تسميم ثقافة فريقك؟