متى تكون اجتماعاتكم مزعجة وكيف بوسعكم حل هذه المشكلة؟

10 دقائق

يشغل ديف منصب النائب الأول للرئيس في بنك أميركي خاص كبير، وقد كان بارعاً في إدارة الاجتماعات الفردية. لكنّ تقويم الأداء بطريقة 360 درجة كشف أنّه يعاني في أحد المجالات الأساسية والحرجة، ألا وهي قيادة الاجتماعات الفعّالة، إذ وصف العديد من الموظفين اجتماعاته على أنّها "مصيدة زمنية". كما تذمّروا من إفراطه في مطالبتهم بحضور الاجتماعات، وسماحه لبضعة أشخاص بالهيمنة على الحديث، وفشله في إيجاد بيئة تسمح للحضور بالتصارع مع الأفكار والانخراط في التفكير النقدي. وجاءت هذه التعليقات مفاجئة تماماً لديف، إذ كان يعتقد أنّه يُبلي بلاءً حسناً فيما يخصّ الاجتماعات، أو أنّه أفضل من معظم أقرانه، على أي حال.

ليس ديف أوّل مدير يبالغ في تقدير قدراته في هذا المجال. فالأبحاث تشير إلى أنّ من بين 23 ساعة يقضيها التنفيذيون في الاجتماعات وسطياً كل أسبوع، 8 ساعات منها غير منتجة. ويشير 90% من الناس تقريباً إلى أنهم يختبرون حالة أحلام اليقظة في الاجتماعات، فيما يعترف 73% أنهم يستغلون أوقات الاجتماعات لإنجاز أعمال أخرى. بيد أنّ أبحاثاً أجريتها بنفسي مع آخرين تُظهر أنّ القادة، وبصورة متّسقة، يعطون تصنيفات إيجابية جدّاً لاجتماعاتهم، وينظرون إليها بقدر أكبر من الإيجابية مقارنة مع تقويم الحضور. فعلى سبيل المثال، توصّل استطلاع للرأي جرى عبر الهاتف وشمل أكثر من 1,300 مدير إلى أنّه رغم قول 79% منهم إنّ الاجتماعات التي عقدوها كانت مثمرة للغاية أو مثمرة جدّاً، 56% فقط قالوا الشيء ذاته عن الاجتماعات التي عقدها الآخرون، وهذا دليل واضح على عقلية "أنا لست المشكلة". ثمّة بحث إضافي يقدّم تفسيراً للسبب. ففي دراسة مع جياجين تونغ من جامعة بكين، وجدتُ أنّ الحضور الأكثر نشاطاً هم من يشعرون أنّ الاجتماعات كانت تتمتّع بأكبر قدر من الفاعلية وأنها مرضية إلى حد بعيد. ومن هو أكثر الأشخاص كلاماً عادة؟ إنّه القائد.

عندما يفترض القادة أنّ اجتماعاتهم تسير على ما يُرام، فإنهم يكونون أقل ميلاً إلى طلب سماع آراء الآخرين والبحث عن فرص للتحسين. ونتيجة لذلك، تستمرّ حالة الإحباط التي يذكرها الحضور عادة في استطلاعات الرأي (مثل تضمين بنود غير ضرورية في جدول الأعمال، ومدة الاجتماع الطويلة جداً، وغياب التركيز)، ممّا يجعلهم يُبدون التذمّر ويتسبب في غياب اهتمامهم. كما أنّ التكلفة المقترنة بذلك كبيرة. فبعيداً عن الوقت الفعلي المُهدر – والذي يُقدرّ بأكثر من 30 مليار دولار في الولايات المتحدة الأميركية وحدها – فإنّ هناك تكاليف الفرص البديلة نتيجة عدم انكباب الموظفين على إنجاز مهام أكثر أهمية، أو أكثر إلهاماً، أو أكثر تحقيقاً للإيرادات. وثَبُتَ أيضاً أنّ تراجع الاهتمام يؤدّي إلى إضعاف كل شيء بداية من الأداء إلى الابتكار، وتقديم الخدمات، ومساعدة الآخرين، وانتهاءً بالعمل الجماعي. وتوصّلت دراسة حديثة إلى أنّ تأثيرات الاجتماع السيء يمكن أن تمتد لساعات على شكل تذمّر وشكوى من الحاضرين، وهي ظاهرة يُطلق عليها اسم "متلازمة التعافي من الاجتماعات". أخيراً، يمكن للقادة الذين يستمرّون في قيادة اجتماعات غير فاعلة، الأمر الذي يجعلهم يخفقون في تحقيق الاستفادة القصوى من الموهوبين المحيطين بهم، أن يشهدوا في نهاية المطاف حصول استنزاف ضمن فرقهم، وتآكل في قوّتهم ونفوذهم.

عندما يُشار إلى تبعات وعواقب من هذا القبيل، ثمّة اندفاع شائع نحو إصدار قرار بضرورة إلغاء جميع الاجتماعات. ولكن رغم أنّ معظم المؤسسات لديها اجتماعات يمكن تقليصها بسهولة، إلا أنّ وضع سياسة تنصّ على عدم عقد أي اجتماع على الإطلاق هي سياسة غير واقعية وتعطي نتائج معاكسة. فالاجتماعات يمكن أن تسهم بفاعلية في تقريب الأفكار والآراء، وتسمح للناس بأداء وظائفهم بقدر أكبر من التنسيق والتعاون. وهي تساعد الأفراد على تكوين كيان واحد منسجم وأكثر مرونة، وأقدر على التكيّف والتوجيه الذات، ولاسيما في أوقات الأزمات. ولعلّ الأهم من ذلك، هو أنّ الاجتماعات تساعد في التوصّل إلى حالة من التوافق في الآراء وتروّج لها، مما يحوّلها إلى نقطة محورية للحافز الجماعي وبذل الجهود الحثيثة المشتركة.

لذا فإنّ الهدف يجب ألا يكون القضاء على كل الاجتماعات، وإنّما التخلّص من الاجتماعات غير الفاعلة أو غير الضرورية وتحسين جودة ما تبقّى منها. ولفعل ذلك، يحتاج القادة إلى فهم الأشياء التي يجيدونها والأشياء التي لا يجيدونها في الاجتماعات، لكنّ معظم المؤسسات لا تبذل مجهوداً كبيراً للترويج للوعي الذاتي في هذا المجال. أثناء تقديم عرض لي في مؤتمر كبير للموارد البشرية، طرحت السؤال التالي على التنفيذيين الحاضرين (والعديد منهم يمثّلون شركات مدرجة على قائمة فورتشن 500): كم واحداً منكم يدرج أسئلة حول فاعلية الاجتماعات في استطلاعات الرأي التي تقومون بها لقياس مدى تفاعل الموظفين أو عند جمع الآراء في تقويم الأداء بطريقة 360 درجة حول قيادة الاجتماعات؟ لم يرفع أحد منهم يده. وعند دراستي لبرامج إعداد الموظفين الجدد، وبرامج تطوير القادة وتعظيم القدرات الكامنة في العديد من كبريات المؤسسات، لم أجد إلا القليل من المحتوى حول الممارسات الفضلى في الاجتماعات باستثناء بعض النصائح الشائعة التي قد تراها في أي كتاب يعلمّك "كيف تقوم بأمر معيّن" (على سبيل المثال، لا تنس وضع جدول الأعمال). وتوصّلت إحدى الدراسات إلى أنّه على الرغم من انتشار الاجتماعات اليوم، إلا أنّ 75% من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع لم يتلقوا أي تدريب رسمي حول كيفية ترؤس اجتماع أو المشاركة فيه.

لذا يعود الأمر إلى المدراء لإحداث تغييرات إيجابية من خلال إجراء تقويم موضوعي لمهاراتهم الذاتية في مجال الاجتماعات وتحسينها. وإليكم الطريقة.

التقييم

تحتاج القيادة الأفضل للاجتماعات إلى ملاحظة أفضل للذات. خذوا بضع دقائق بعد كل اجتماع تديرونه للتأمّل. فكّروا في سلوك الحاضرين، وديناميكيات الحديث، والمحتوى الذي شمله الاجتماع. اطرحوا على أنفسكم السؤال التالي: هل كان الناس مشتّتي الذهن؟ أو يخوضون في أحاديث جانبية؟ لاحظوا من هو الشخص الذي كان الأكثر حديثاً. هل كنتم أنتم أكثر من تحدّث؟ أم كان شخصاً أو شخصين آخرين؟ هل انحرف النقاش عن مساره ليتطرّق إلى مواضيع لا علاقة لها بصلب الاجتماع؟ هل كانت كل الآراء والأفكار التي عبّر عنها الحاضرون متشابهة نوعاً ما؟ إذا كانت إجابتكم هي نعم على بعض هذه الأسئلة أو جميعها، فإنّ ثمّة مشكلة. من المهم أيضاً ملاحظة الجوانب الإيجابية لاجتماعاتكم، مثل المشاركة الكاملة والنقاشات الصحية. ما الذي حفّز الناس؟ ما الذي بوسعكم فعله في الاجتماعات المستقبلية للتشجيع على ذاك النوع من التفاعل؟

إضافة إلى هذه الأسئلة الروتينية، دققوا المسألة دورياً مع الناس الذين يحضرون اجتماعاتكم. بوسعكم القيام بذلك وجهاً لوجه، مع ضمان التأكيد على أنّكم تريدون بحق الحصول على آراء صريحة، أو بمقدوركم استعمال التكنولوجيا لقياس مواقف المشاركين واتجاهاتهم. على سبيل المثال، كنوع من أنواع المتابعة لتقويم الأداء بطريقة 360 درجة الذي خضع له، أجرى ديف مسحاً للآراء مؤلفاً من ثلاثة أسئلة عبر الإنترنت ليعرف من أقرانه ومرؤوسيه المباشرين ما هي الأشياء الناجحة في اجتماعاته، وما هي الأشياء التي كانت بحاجة إلى تحسين، وما هي الاقتراحات التي كانت لديهم.

بعد أن تكونوا قد مارستم التأمّل الذاتي، وطلبتم من الآخرين تقديم آرائهم، حدّدوا نقاط قوّتكم ونقاط ضعفكم الأساسية، وضعوا خطة للتحسين. أثناء عملي الاستشاري، وجدت أنّ من المفيد التركيز على مجالين اثنين: التحضير والتيسير.

التحضير

قلّة منّا فقط ستشكّك في المفهوم القائل إنّ العروض التقديمية، والأعمال المتصلة بالزبائن، والعديد من أنشطة العمل الأخرى تحتاج إلى تفكير وتخطيط، حتى لو كانت لا تحتاج أكثر من بضع دقائق. لكنّ الناس يتجاهلون هذه الممارسة الفضلى الروتينية عندما يتعلّق الأمر بالاجتماعات. وفي حالة الاجتماعات المجدولة بشكل منتظم تحديداً، من السهل الحضور ببساطة والانصياع للطريقة المعتادة في إنجاز الأمور. لكن عندما تكون مقاليد وقت الآخرين بين يديك، فإنك مدين لهم باستثمار وقتهم بالطريقة الأمثل على الأقل.

قبل أن تعقدوا اجتماعاً، اجبروا أنفسكم على انتقاء خيارات مقصودة. أولاً، حدّدوا بالضبط سبب عقد هذا الاجتماع، وحدّدوا أهدافكم أيضاً لكي تُهيئوا الأرضية لتحقيقها. قد تشمل هذه العملية الطلب إلى الآخرين اقتراح بنود جدول الأعمال، وهذا أمر لا يعزّز معالجة الاجتماع للمواضيع ذات الصلة فحسب، وإنّما يزيد من شعور الناس بالملكية ومن تفاعلهم. إذا لم تكن لديكم رسالة واضحة، أو قائمة ببنود جدول الأعمال، ربما ينبغي عليكم إلغاء الاجتماع.

بعد أن تكونوا قد حدّدتم الغاية من اجتماعكم، قرّروا من يجب أن يحضر. فوجود عدد مفرط من الحاضرين يمكن أن يقود إلى نشاز في الأصوات أو حالة من "التسكّع الاجتماعي" (حيث يقلّل الأفراد من جهودهم مُتحامين بـ "الحشد")، ناهيك عن التحدّيات اللوجستية. ومع ذلك، لا يجب اختزال قائمة الحضور إلى الحدّ الذي قد يؤدّي إلى غياب أشخاص مهمين أو يُشعر آخرين أنهم هامشيون. ولكي تتمكّنوا من العثور على التوازن الصحيح، فكّروا مليّاً بصنّاع القرارات، وأصحاب النفوذ، وأصحاب المصلحة الأساسيين. تأكّدوا من ضمان عدم شعور الأشخاص الذين لا يحضرون بالإقصاء، من خلال طلب آرائهم قبل الاجتماع، والوعد بمشاركتها مع الآخرين، وإبقائهم على اطلاع على ما هو حاصل. وقد يكون من المناسب وضع جدول أعمال يخصّص توقيتاً لكل بند، بحيث لا ينضمّ الحاضرون إلا إلى الأجزاء التي تخصّهم من الاجتماع.

بعد ذلك ركّزوا على الزمان والمكان. يميل البشر بطبيعتهم إلى التمسّك بالغرفة ذاتها، والساعة ذاتها، والحالة العامة ذاتها. لكنّ هذه الأشياء الروتينية تقود إلى زوغان بصر الناس بسبب الملل. عوضاً عن ذلك، ابحثوا عن طرق للتنوّع: انتقلوا إلى مكان مختلف، أو اجتمعوا في الصباح عوضاً عن فترة ما بعد الظهر، أو جرّبوا استعمال مدد زمنية غير تقليدية (مثل 50 دقيقة عوضاً عن ساعة)، أو غيّروا طريقة جلوس الحاضرين بحيث يجلس كل شخص إلى جوار زملاء مختلفين وقبالة زملاء مختلفين. بالنسبة للمجموعات المؤلفة من شخصين إلى أربعة أشخاص، قد تقترحون عقد اجتماع "على الماشي". وفي حالة المجموعات الأكبر حجماً، جرّبوا طريقة الجلوس، وهي طريقة ثَبُتَ أنها تعزز الكفاءة والرضا لدى الحضور، شريطة أن تكون الجلسات قصيرة (15 دقيقة تقريباً) للحيلولة دون شعور الناس بعدم الارتياح.

في حالة الاجتماعات ذات الأهمية الخاصة، يجب أن تكون تحضيراتكم أكبر. حاولوا أن تتخيّلوا سلفاً وبأثر رجعي ما يمكن أن يحصل. يشمل ذلك تخيّل أن يُمنى الاجتماع بالفشل ومن ثمّ العودة إلى الوراء لتحديد السبب. ثمّ خططوا للاجتماع بطريقة تؤدّي إلى تجنّب هذه المشاكل أو التخفيف من وقعها.

كانت المشكلة الكبرى التي يعاني منها ديف هي أنّه كان يعقد اجتماعات أسبوعية كثيرة ومتكرّرة، سواء أكان لديه جدول أعمال مقنع أم لا. كان يعقد الاجتماعات هذه بحكم العادة أكثر منه بداعي الضرورة. لذلك، قام بتغيير الإيقاع ليصبح مرّة كل أسبوعين، وفي الأسابيع التي خلت من الاجتماعات أوجد ما أسماه "الوقت السحري"، وهو عبارة عن فترة زمنية وافق جميع أعضاء الفريق على تركها شاغرة إما للاختلاء بالذات لإنجاز بعض الأعمال الخاصّة أو للاجتماعات الطارئة في حال طرأت قضيّة عاجلة. أسهم ذلك في تقليل عدد الاجتماعات إلى حد كبير، مع تحسين جودة الاجتماعات التي عُقِدَت في الوقت ذاته. ومع ذلك، فقد كان ديف مضطراً إلى إنجاز مهمّة أكبر ألا وهي تحسين أسلوبه في تيسير الاجتماعات.

التيسير

يبدأ تيسير الاجتماعات لحظة دخول الحضور إلى القاعة. وبما أنّ الناس ينظرون إلى الاجتماعات بوصفها شيئاً يقطع عليهم سير أعمالهم، ويُبعدهم عن إنجاز "عملهم الحقيقي"، فإنّ المهمّة الأولى التي تقع على عاتق القائد هي تعزيز الشعور بالأهمية لدى الحضور. وثمّة طرق عديدة لفعل ذلك، من قبيل تحيّة الناس عند الباب، والتعبير عن الامتنان لتخصيصهم الوقت للحضور، وتقديم المأكولات الخفيفة، وسماع الموسيقى، والطلب إلى الناس إطفاء هواتفهم وحواسيبهم المحمولة. كما أنّه من المهم بدء الاجتماع ببيان افتتاحي هادف يفسّر سبب اجتماع الكل. ادرسوا فكرة الإقرار بإنجازات المجموعة أو الأفراد أو تذكير الحضور بـ "قيم الاجتماع" – أي قواعد الاشتباك المتفق عليها مسبقاً، مثل المحافظة على أن تكون التعليقات مختصرة. تساعد كل هذه التكتيكات الناس في الشعور بالترحاب وأنهم جاهزون لمعالجة القضية المطروحة بين أيديهم.

بعد انطلاق الحديث، حاولوا تبنّي ذهنية الريادة، من خلال طرح الأسئلة، وإشراك الآخرين، وضرب نموذج يُحتذى به في الإصغاء الفعّال، وتشجيع الناس على التعبير عن الأمور التي تشغل بالهم، وإدارة النزاعات. بطبيعة الحال، يحتاج القادة في بعض الأوقات إلى تقديم آرائهم وتوجيهاتهم لدفع النقاش قُدُماً، لكنّ المفتاح الأساسي لنجاح التيسير هو فهمكم أنّكم تؤدّون دوراً داعماً بصورة أساسية. فذلك يضمن شعور الحاضرين بوجود حالة حقيقية من الأخذ والعطاء، وبالارتياح في التحدّث بصراحة، ويجعلهم يغادرون الاجتماع وهم يشعرون بالالتزام بالمحصّلات التي تمخّض الاجتماع عنها.

ما هي بعض التقنيات التي تدفع الحاضرين إلى المشاركة الفاعلة؟ جرّبوا استعمال الفترات الزمنية المخصّصة لكل بند من البنود على جدول الأعمال لتروا ما إذا كان ذلك يساعد في ضمان فرص متساوية في الكلام للجميع. ولقياس مدى الاهتمام بفكرة معيّنة، اطلبوا من الناس رفع أيديهم أو إذا كنتم تعتقدون أن إغفال الأسماء قد يكون مفيداً استعملوا التطبيقات أو المواقع الإلكترونية المخصّصة لاستطلاعات الرأي السريعة لمعرفة آراء الناس باستعمال هواتفهم المحمولة. بعد ذلك شاركوا النتائج الإجمالية مع الحاضرين وناقشوهم فيها. وللحيلولة دون لجوء الحاضرين إلى التفكير الجماعي، ادرسوا فكرة إدراج فترات من الصمت طوال الاجتماع لإفساح المجال أمام الناس لطرح الأفكار أو تكوين الآراء دون سماع أفكار الآخرين. يشمل تكتيك "التسجيل الذهني"، على سبيل المثال، إعطاء الفرصة للناس للتأمّل بهدوء وتدوين أفكارهم قبل طرحها بصوت مرتفع؛ وتُظهرُ الأبحاث أنّ هذه المقاربة تقود إلى التفكير الإبداعي أكثر من العصف الذهني. كما يمكن للقراءة الصامتة أن تكون مفيدة. فالطلب إلى الحاضرين في اجتماع قراءة مقترح ما بصمت قبل مناقشته يمكن أن يزيد من فهمهم للفكرة الجديدة وحفظهم لها، وبالتالي تفاعلهم معها.

كانت لدى ديف مشكلتان متعلقتان بالتيسير يتعيّن عليه معالجتهما، فقد كان بحاجة إلى دفع المزيد من الناس إلى الكلام، وكان يريدهم أن ينخرطوا في حوار ونقاش حقيقيين. وبغية معالجة مسألة المشاركة، بدأ يذكّر الحاضرين دورياً أنّه يرغب في مشاركة الجميع، ويتوقع من زملاء الفريق أن يشجّعوا بعضهم البعض على الكلام. كان يطلب من الناس التعبير عن أفكارهم وآرائهم سلفاً للتأكّد من تسليط الضوء على شواغلهم، أو كان يدعو الناس للمشاركة إذا كانوا مرتاحين لفعل ذلك. لقد بذل جهداً في الطلب من الحضور الأكثر ميلاً إلى الصمت أن يُسهموا بأفكارهم أو يتولّوا قيادة الاجتماع عند مناقشة بنود معيّنة مُدرجة على جدول الأعمال. استعملَ ديف لغة الجسد لإرسال إشارة عندما يبدأ شخص معيّن بالهيمنة على الحديث. فعلى سبيل المثال، كان يحوّل نظره ويدير كتفيه نحو الآخرين في إشارة إلى أنّه يريد ردود أفعالهم. وعندما بدأ يلمس تحسّناً في الديناميكية، عزّز ذلك السلوك من خلال التفوّه ببعض التعليقات من قبيل: "أنا معجب بهذا النقاش وأقدّر تفاعل الجميع ومشاركتهم.. شكراً لكم." ولكي يدفع فريقه نحو خوض حديث أقوى وأعمق، كان يكلف بعض الناس بتأدية دور محامي الشيطان في الاجتماعات. فإذا كان الهدف هو معالجة مسألة محدّدة، كان يُنشئ بعض الشرائح بواسطة برنامج باور بوينت (PowerPoint) تضمّ قائمة بكل الخيارات المحتملة التي اقترحها عليه أفراد الفريق على انفراد (دون استعمال أسمائهم) بحيث يطرح كل خيار للنقاش الجماعي. كما كان في بعض الأحيان يفصل ما بين تقييم المسألة وعملية اتخاذ القرار، لضمان عدم عرقلة الحوار نتيجة التعرّض لضغوط للاختيار الفوري، وهي استراتيجية مفضّلة لدى الكثير من الشركات مثل كادبوري شويبس (Cadbury Schweppes) وبوينغ (Boeing).

بما أنّ الناس ينظرون إلى الاجتماعات بوصفها شيئاً يقطع عليهم سير أعمالهم، ويُبعدهم عن إنجاز "عملهم الحقيقي"، فإنّ المهمّة الأولى التي تقع على عاتق القائد هي تعزيز الشعور بالأهمية بين الحضور.

إعادة التقييم

حتّى عندما يشخّص المدراء المشاكل التي تخصّ اجتماعاتهم بطريقة فاعلة، ويتعلّمون كيف يحسّنون عملية التحضير للاجتماع وكيفية تيسيره، سيظل هناك دون شك مجال للتحسين. وبالتالي تبدأ العملية من جديد. في حالة ديف، وبعد بضعة أشهر من تجريب التكتيكات التي وصفتُها هنا، طلب من فريقه إجراء تقييم صريح آخر لأدائه في الاجتماعات. وقد كانت البشرى أنّ الجميع كانوا يعتقدون أنّ اجتماعاته قد تحسّنت تحسّناً هائلاً، لكنّ قضية جديدة ظهرت إلى حيّز الوجود. فقد شعر بعض الحاضرين أنّ الاجتماعات كانت لا تزال أطول ممّا تبرّره جداول أعمالها، حيث كانت النقاشات في بعض الأحيان تطول إلى ما لا نهاية. لذلك قرّر ديف تقصير كل اجتماع بمقدار 5 إلى 10 دقائق للتعجيل والتركيز الإضافيين.

اللافت في الأمر هو أنّ الناس قدّموا أيضاً اقتراحات لا علاقة لها بالاجتماعات وإنما كان الهدف منها معالجة مشاكل تخص سير العمل في القسم. في بادئ الأمر، أُخِذَ ديف على حين غرّة لكنّه سرعان ما أدرك أنّ تغيير طريقته في إدارة الاجتماع أدّى إلى إدخال تحوّل على الثقافة السائدة ضمن فريقه. إذ كان قد أثبت أنّه قائد يقدّر التأمّل، والتعلّم، والمرونة، والمجازفة المعقولة، ولا يقبل التراخي، ويجرّب أشياء جديدة، في حين كان موظفوه يكافئونه باقتراح حلول استباقية للمشاكل.

قد يبدو ترؤس الاجتماعات بمثابة جزء بسيط من واجبات المدير، لكن التغيير الإيجابي في هذا المجال فقط يمكن أن يقود إلى مكاسب حقيقية للشركات وموظفيها. فإذا لم تكن شركتك تدرّبك على هذه المهارة الأساسية، فإنّ الوقت قد حان لكي تطوّرها بنفسك باستعمال هذه الاستراتيجيات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي