يقول المستثمر الأميركي تشارلي مونغر: "لكي تعمل بحنكة، ينبغي عليك ترتيب خبراتك على شبكة من النماذج الرياضية".
تُعتبر الشركات غارقة في البيانات، ابتداء من بيانات المعاملات المشفرة جغرافياً وليس انتهاء ببيانات الوقت الفعلي لحركة المستخدمين على المواقع الإلكترونية وقياس دلالة التقارير السنوية للشركات. ولا تضيف جميع هذه البيانات ومصادرها قيمة إلا في حال تم استخدامها؛ ما يعني عموماً ضرورة دمج البيانات لإنشاء نموذج، والمقصود بالنموذج هنا هو التمثيل الرياضي المنهجي بحيث يمكن تطبيقه أو معايرته ليتناسب مع البيانات المتوفرة.
تستخدم بعض الشركات النماذج دون إدراكها لذلك، إذ يمكن على سبيل المثال اعتبار منحنى العائد نموذجاً، وهو النموذج الذي يقارن السندات التي تنطوي على حجم المخاطر نفسها ولكن بتواريخ استحقاق مختلفة. ومجموعة أسس التوظيف هي أيضاً نوع من أنواع النماذج؛ أي عندما تدوّن لديك السمات التي تجعل المرشح للوظيفة يستحق التوظيف، فأنت بذلك تنشئ نموذجاً يأخذ بيانات المرشح ويحولها إلى توصية حول ما إذا كان سيتم توظيف هذا الشخص أم لا. تعمل شركات أخرى على تطوير نماذج متطورة، وبعض من تلك النماذج هيكلية تهدف إلى فهم الواقع. وهنالك نماذج أخرى تعمل على استخراج البيانات باستخدام تقنيات تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي.
من الجدير بالذكر أنّ أكثر الشركات تطوراً لا شك أنها تستخدم النماذج الرياضية، مثل شركة ألفابت وبيركشاير هاثاواي (Berkshire Hathaway) ووكالة المخابرات المركزية الأميركية، وهي في الحقيقة تتبع نهجاً أفضل، إذ تستخدم العديد من النماذج في وقت واحد.
يصعب أن يكون للبيانات معنى من دون تلك النماذج، إذ إنّ البيانات تساعدنا على وصف الواقع فقط حتى لو كان بصورة غير مكتملة ولكن لا يمكنها وهي منفردة التوصية باتخاذ قرار ما بدلاً من الآخر. إذا لاحظت على سبيل المثال أنّ فرق العمل الأفضل أداء لديك تتسم بأنها أكثر تنوعاً؛ فقد يكون ذلك مهماً. ولكن من أجل تحويل هذه البيانات إلى رؤية، فأنت بحاجة إلى دمجها ضمن أحد النماذج "على مستوى العالم"، قد تفترض مثلاً أنّ وجود تنوع أكبر من وجهات النظر ضمن أحد الفرق يؤدي إلى صناعة قرارات أفضل، وفي تلك الحالة يمكن أن تمثّل فرضيتك هنا نموذجاً يمكن الاستعانة به على مستوى العالم.
على الرغم من أنّ أداء النماذج المنفردة يُعتبر أمراً جيداً، بيد أنّ مجموعة من النماذج تعمل على نحو أفضل. وهذا هو السبب الكامن وراء أنّ أفضل المفكرين، وأكثر المتنبئين دقة، وأكثر فرق التصميم فاعلية تستخدم مجموعة من النماذج، والذين أطلق عليهم اسم "المفكرون في النماذج الرياضية المتعددة".
وسأوضح من خلال هذه المقالة السبب الذي يجعل النماذج المتعددة أفضل من النموذج المنفرد، وكذلك سأصف ثلاث قواعد لطريقة بناء مجموعتك الفاعلة من النماذج وهي: "توسيع نطاق تركيز الاهتمام ودعم عملية اتخاذ القرار القائم على التنبؤ والبحث عن الاختلاف".
أمثلة حول عمل النماذج
إليك أولاً لمحة تسلط الضوء على خلفية النماذج، حيث يمثل النموذج المتفق عليه بعض المجالات أو العمليات، وغالباً ما يستخدم المتغيرات والصيغ الرياضية. (من الناحية العملية، يبني الكثير من الأشخاص نماذج غير رسمية في أذهانهم أو يعملون على كتابتها، لكن إضفاء الطابع الرسمي على نماذجك غالباً ما يكون أسلوباً جيداً لغاية لتوضيحها وجعلها أكثر فائدة). فعلى سبيل المثال تستخدم شركة بوينت ناين كابيتال (Point Nine Capital) التي تعمل في مجال الاستثمار المغامر (الاستثمار الجريء) نموذجاً رياضياً خطياً لتصنيف الفرص المحتملة لنجاح الشركات الناشئة استناداً إلى المتغيرات التي تمثل مستوى الفريق والتكنولوجيا. وتطبق الجامعات الرائدة مثل جامعة برينستون وميشيغان نماذج رياضية قائمة على الاحتمالات تمثل المتقدمين بحسب المعدل ودرجات الاختبار، ومتغيرات أخرى من أجل تحديد احتمال تخرجهم. وتستخدم الجامعات أيضاً نماذج لمساعدة الطلاب على تبني سلوكيات ناجحة، حيث تستخدم هذه النماذج متغيرات من قبيل التغيرات في درجات الاختبار خلال فصل دراسي. كما استخدمت شركة ديزني نموذجاً قائماً على العميل من أجل تصميم الحدائق وأماكن الترفيه، وقد أُنشئ من خلال هذا النموذج تمثيلاً حاسوبياً مكتملاً للحديقة مع الزوار وحاكى نشاطاتهم حتى يتمكن المسؤولون في ديزني من فهم كيف أنّ القرارات المختلفة تؤثر في الغاية التي صُممت من أجلها الحديقة. ويستخدم مكتب الميزانية في الكونغرس (Congressional Budget office) نموذجاً اقتصادياً يتضمن إحصاءات حول معدلات الدخل والبطالة والصحة من أجل تقدير تكاليف التغييرات في قوانين الرعاية الصحية.
في مثل هذه الحالات، تنظم جميع هذه النماذج تدفق البيانات، وتساعد القادة على تفسير الظواهر ونقل المعلومات. كما أنها تفرض تحقيق الاتساق المنطقي وبذلك تساعد على صنع القرار الاستراتيجي والتنبؤ، فلا غرابة إذاً أن تكون النماذج أكثر دقة في التنبؤ من غالبية الناس. فخلال التنافس المباشر بين الأشخاص الذين يستخدمون النماذج والأشخاص الذين لا يستخدمونها، يكون الفوز حليف الفئة الأولى ويحدث ذلك عادة بهوامش كبيرة.
تتفوق النماذج لأنها تنطوي على إمكانات يفتقر إليها البشر، إذ يمكنها دمج وتعزيز بيانات أكثر، كما يمكن اختبارها ومعايرتها ومقارنتها. كما أنّ النماذج لا تقع في أخطاء تنطوي على المنطق، وليس لديها انحيازات معرفية. (إلا أنها قد تجلب الانحيازات البشرية أو تكرارها؛ وهذا يُعتبر من أحد الأسباب الذي يجعلنا نتبع أسلوب الجمع بين نماذج متعددة).
الجمع بين نماذج متعددة
في حين أنّ تطبيق نموذج واحد يُعتبر جيداً، بيد أنّ استخدام عدة نماذج، أي مجموعة منها، هو حتماً أفضل خصوصاً في المجالات التي تطلب إيجاد حلول لمشكلات معقدة، والسبب هو أنّ النماذج تبسط تلك العملية. لذلك بغض النظر عن حجم البيانات التي ينطوي عليها النموذج، فإنه سيَغفل دائماً بعض المتغيرات ذات الصلة أو يُهمل بعض أوجه التفاعل. لذلك، سيكون أي نموذج منفرد هو عبارة عن "نموذج خاطئ".
لكن يمكنك من خلال الجمع بين عدة نماذج سدّ الفجوات الموجودة في أي نموذج منفرد، ويتطلب بناء أفضل مجموعة من النماذج التفكير معمقاً وتسخير الجهد لها. وكما يتضح من خلال التجربة، فإنّ أكثر مجموعات النماذج دقة لا تنطوي على الجمع بين أعلى تلك النماذج المنفردة أداء. لذلك، لا ينبغي عليك المفاضلة بين النماذج المرشحة واختيار الأربعة الأفضل أداء، بل أنت بحاجة إلى الجمع بين نماذج متنوعة.
استخدمت شركات وول ستريت طوال عقود من الزمن النماذج لغاية تقييم مخاطر الاستثمار، حيث تأخذ المخاطر أشكالاً عدة؛ فبالإضافة إلى المخاطر الناجمة عن التقلبات المالية للسوق، هناك المخاطر الجيوسياسية والأحداث المثيرة والحركات الاجتماعية مثل الحركة التي دعت إلى "احتلال وول ستريت" احتجاجاً على عدم المساواة الاقتصادية، فضلاً عن مخاطر التهديد السيبراني وأشكال أخرى من الإرهاب. لن يشمل نموذج تقييم المخاطر النمطي القائم على ارتباطات أسعار الأسهم جميع تلك الأبعاد. وبالتالي، تستخدم بنوك الاستثمار الرئيسة مجموعات من النماذج من أجل تقييم المخاطر.
ولكن، ما هي المبادئ التي يجب أن تنطوي عليها مجموعة النماذج تلك؟ وما هي النماذج التي يجب الجمع بينها، وما الذي ينبغي استبعاده؟
يتمثل المبدأ الأول لبناء مجموعة من النماذج في توسيع نطاق تركيز الاهتمام ليشمل أجزاء مختلفة من مشكلة ما أو طرق مختلفة، وأعني بذلك أنّ النموذج الثاني الذي ستضمه إلى الأول يجب أن يشمل متغيرات مختلفة. وكما ذُكر أعلاه، فإنّ النماذج المنفردة تُهمل بعض الأمور، فمثلاً تُغفل النماذج النمطية للأسواق المالية تفاصيل مؤسسية دقيقة تتناول طرق تنفيذ التداولات المالية، وتبتعد عن الفهم العميق للآراء السائدة وقواعد التداول التي تولّد تتابع الأسعار. لذلك، فإنّ النموذج الثاني الجيد لا بد وأن يتضمن تلك الجوانب المفقودة.
يؤيد عالم الرياضيات دوين فارمر النماذج القائمة على العميل كنموذج ثان مناسب، والذي يمثل قاعدة بيانات تستند على "العملاء" من الأفراد والشركات، ثم يُشغّل هذا النموذج بعد ذلك على جهاز كمبيوتر. وفيما يتعلق بالمخاطر المالية، يمكن تصميم هذه النماذج بحيث تشمل الكثير من تلك التفاصيل الدقيقة. ويمكن أن يمثل النموذج القائم على العميل لسوق الإسكان كل أسرة بحيث يتم إدخال بيانات دخل تلك الأسرة وقيمة الرهن أو قيمة دفعة بدل الإيجار. ويمكن أن ينطوي أيضاً على القواعد السلوكية للعملاء وتصف الظروف التي سوف تجعل ملّاك المنازل يطلبون إعادة تمويل، وتلك الظروف التي سوف تجعلهم يعلنون إفلاسهم تحت وطأتها. ربما يكون من الصعب أن تكون هذه القواعد السلوكية صحيحة، وبالنتيجة قد لا يكون النموذج القائم على العميل دقيقاً، على الأقل في البداية. ولكن، يمكن للنماذج أن تصبح دقيقة للغاية مع مرور الوقت كما يزعم فارمر وآخرون.
نحن نولي اهتماماً أقل حول ما إذا كانت النماذج القائمة على العميل سوف تتفوق على النماذج النمطية، وعما إذا كانت سوف تقرأ الإشارات التي تُهمل من قبل الأخرى، وفي النهاية قد نعتقد أن النماذج الأولى سوف تتفوق. إذ تعمل النماذج النمطية على القيم الإجمالية مثل مؤشر كييس شيلر (Case-Shiller) الذي يقيس التغيرات في أسعار المنازل. فإذا ارتفع ذلك المؤشر بسرعة أكبر من الدخل، فمن المرجح أن يكون ذلك مرجعه إلى حدوث طفرة عقارية. وعلى الرغم من أهميته كمؤشر، بيد أنه يغفل التغيرات المتعلقة بتوزيع الدخل بحيث تبقى الأداة ثابتة. فإذا كان ارتفاع الدخل يذهب إلى الشريحة الأغنى فقط والمتمثلة بنسبة 1%، بينما ترتفع أسعار المنازل بصورة شاملة، فإنّ المؤشر لن يتغير إذا كانت الارتفاعات الحاصلة على الدخل واسعة النطاق. في المقابل، لا تغفل النماذج القائمة على العميل التغييرات المتعلقة بتوزيع الدخل، وسوف تبين أنّ الأشخاص الذين يكسبون 40,000 دولار في العام ينبغي أن تكون قيمة الرهن العقاري للقرض الممنوح إليهم يغطي مبلغ 600,000 دولار. إنّ النموذج القائم على العميل ليس أفضل بالضرورة، ولكن قيمته تنبع من التركيز على المسائل التي يغفلها النموذج النمطي.
ويستند المبدأ الثاني إلى مفهوم دعم اتخاذ القرار، وهو نهج متبع في تقنيات تعلم الآلة، حيث تشمل خوارزميات تصنيف المجموعات مثل نماذج القرارات العشوائية على مجموعة من القرارات البسيطة. ويمكن لمجموعة القرارات التي تصنف استثمارات رأس المال المغامر المحتملة أن تأخذ قراراً "بالاستثمار إذا كان السوق كبيراً". تُعتبر نماذج القرارات العشوائية أسلوباً للجمع بين العديد من مجموعات القرار، ويحسن مفهوم دعم اتخاذ القرار من قدرة هذه الخوارزميات على البحث عن قرارات جديدة بأسلوب جديد وذلك باستخدام البيانات. وبدلاً من البحث عن القرارات التي تتنبأ بدقة عالية بمعزل عن كل ما حولها، يبحث هذا المبدأ عن القرارات التي تمثل الأداء الجيد عندما تكون مجموعة كبيرة من القرارات الحالية لا تتسم بالخاصية نفسها. بمعنى آخر، ابحث عن نموذج ينقد أوجه قصور نموذجك الحالي.
إليك أحد الأمثلة حول هذا المفهوم، يستخدم العديد من أصحاب رؤوس الأموال المغامرة كما ذكرنا "نماذج الخاصية المرجحة" لتدقيق بيانات آلاف الشركات الناشئة التي تطرق أبوابهم. وتنطوي الخاصيات المشتركة على الفريق وحجم السوق وتطبيقات التكنولوجيا والتوقيت. وتسجل شركة رأس المال المغامر كل من هذه الأبعاد على مقياس من 1 إلى 5، ثم تخلص إلى نتيجة إجمالية بالشكل التالي:
النتيجة = 10*فريق + 8*حجم السوق + 7*التكنولوجيا + 4*التوقيت
قد يكون هذا النموذج أفضل نموذج يمكن لشركة رأس المال المغامر إنشاؤه، وقد يستخدم النموذج الثاني الأفضل الذي يمكن ضمه إلى الأول متغيرات وتثقيل مماثل. إذا كان الأمر كذلك، فإنّ النموذج الثاني سوف يعاني من أوجه قصور النموذج الأول نفسها. وهذا يعني أنّ دمجه مع النموذج الأول لن يؤدي على الأرجح إلى قرارات أفضل على نحو ملموس.
يأخذ نهج دعم اتخاذ القرار بيانات من جميع القرارات السابقة ويرى أين عانى النموذج الأول من القصور. على سبيل المثال، قد لا تنجح فرص الاستثمار الحاصلة على نتيجة 5 من أصل 5 للفريق وحجم السوق والتكنولوجيا كما هو متوقع، وقد يكون ذلك بسبب ازدحام تلك الأسواق. تتنبأ جميع هذه الخصائص الثلاث، أي الفرق وحجم السوق والتكنولوجيا القابلة للتطبيق، على نحو جيد في حال كانت معزولة عن جميع العوامل الأخرى، ولكن إذا كانت إحدى الشركات الناشئة لديها جميع هذه الخصائص الثلاث، فمن المحتمل أن يكون لدى الشركات الأخرى الخصائص تلك نفسها وأنّ ثلة كبيرة من الشركات تسعى أيضاً وراء الهدف نفسه. وبالتالي فإنّ النموذج الأول يتنبأ بشكل سيئ في مثل هذه الحالات. يتمحور مفهوم دعم اتخاذ القرار إذاً حول البحث عن النماذج الأفضل، وذلك تحديداً عندما تفشل نماذجك الأخرى.
إليك مثال آخر، استعانت العديد من الشركات التي زرتها بعلماء الكمبيوتر من أجل تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحديد أخطاء التوظيف السابقة، وهذا يُعتبر تطبيقاً لمفهوم دعم اتخاذ القرار في أنقى صوره. وبدلاً من محاولة استخدام الذكاء الاصطناعي للتغلب على نموذج التوظيف الحالي، يستخدم أولئك العلماء الذكاء الاصطناعي لبناء نموذج ثان يكمّل نموذج التوظيف الحالي، ويبحثون عن الجوانب التي يفشل في أدائها نموذجهم الحالي ويبنون نماذج جديدة لتكمّلها.
بهذه الطريقة، يتشارك كل من مفهوم دعم اتخاذ القرار ومفهوم توسيع نطاق تركيز الاهتمام في أنهما يتطلعان إلى الجمع بين النماذج التكميلية. لكن المفهوم الأول يأخذ بعين الاعتبار ماهية النموذج، أي أنواع المتغيرات التي يتناولها، بينما يركز مفهوم دعم اتخاذ القرار على ما سوف يحدث، أي الحالات التي سوف يُظهر النموذج الأول فيها قصوراً.
يعمل مفهوم دعم اتخاذ القرار على نحو أفضل إذا كان لديك الكثير من البيانات التاريخية حول مستوى أداء نموذجك الأساسي، وفي كثير من الأحيان لا يكون لدينا مثل تلك البيانات. عندها، ابحث عن الاختلاف، بمعنى آخر، ابحث عن النماذج التي تتنافر. فعندما يواجه فريق ما قراراً معقداً، فإنّ أعضاءه يتوقعون، بل في الحقيقة يرغبون في أن تظهر بعض وجهات النظر المخالفة، لأنّ الإجماع سيكون مؤشراً على التفكير الجمعي غير المجدي، وهو ما ينطبق أيضاً على النماذج.
والطريقة الوحيدة التي يمكن لمجموعة النماذج أن تحسن النموذج المنفرد هو إذا حصل ذلك الاختلاف. وهناك مقولة لريتشارد ليفينز يقول فيها "تكمن الحقيقة في تداخل الأكاذيب المستقلة"، إنّ الأمر هنا لا يكمن في تداخل الأكاذيب المترابطة. ولكن بمعنى آخر، مثلما أنك لا تحبذ إحاطة نفسك بـ "أشخاص يوافقونك دائماً" فإنك لن ترغب أيضاً بـ "نماذج تتوافق دائماً".
افترض أنك تدير شركة أدوية وأنك تستخدم نموذجاً رياضياً خطياً لمشاريع مبيعات عقاقير مبتكرة حديثاً. فمن أجل بناء مجموعة نماذج، قد تعمل أيضاً على بناء نموذج الديناميات التي تستند إلى النظم (وهو لفهم السلوك غير الخطي للنظم المعقدة بمرور الوقت) ونموذج يستند إلى حالات الإصابة بالعدوى. افترض أنّ النموذج المستند إلى حالات الإصابة بالعدوى يُسفر عن مبيعات مماثلة طويلة الأجل، ولكنه أبطأ من حيث القبول الأولي لدى المريض، بينما يُفضي نموذج الديناميات التي تستند إلى النظم إلى توقعات مختلفة تماماً. إذا كان الأمر كذلك، فإنّ الأمر يخلق فرصة للتفكير الاستراتيجي ويطرح التساؤلات التالية: لماذا تختلف النماذج؟ وماذا يمكننا أن نتعلم من ذلك؟ وكيف نتدخل؟
في المحصلة، ترتكب النماذج أخطاء مثل البشر لأنها تُخفق في توسيع نطاق تركيز الاهتمام على المتغيرات أو أوجه التفاعل ذات الصلة، ولكن التفكير في نماذج رياضية متعددة يتغلب على إخفاقات أي نموذج، وسوف يجعلك ذلك محنكاً في اتخاذ القرارات.