لماذا من المرهق أن تكون من مدراء الإدارة الوسطى

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هناك ما يكفي من النصائح التي تقود ديناميكيات القوة في المنظمات، بدءاً من إدارة الموظفين الذين يبثون السموم أو الموهوبين الاستثنائيين وصولاً إلى التعامل مع المدراء النرجسيين أو من يصعب التنبؤ بأفعالهم. ظهر بعض الباحثين من الذين كرسّوا كامل مسيرتهم المهنية للعمل بشكل منهجي على تصنيف من يمتلك السلطة ومن يفتقدها، اعتماداً على عوامل التحفيز والسلوكيات والتحيزات، الخ (بإمكانكم الإطلاع على نماذج من النتائج على هذا الرابط، وهذا أيضاً، إضافة إلى هذا الرابط، وهنا أيضاً).

تكمن المشكلة في أنّ معظم هذه التوصيات تميل للتركيز على تجربة القيادة أو التبعية بشكل منعزل، متجاهلة التحديات الفريدة الملازمة للقيام بالأمرين معاً. على الرغم من إعجابنا بكلا قطبي توزع القوة، تبقى الحقيقة أن لدى معظم الموظفين كما محدوداً من السلطة وعليهم أن يراوحوا باستمرار بين التفاعل مع زملاء من أصحاب السلطة الأكبر أو الأضعف. تبدو هذه التجربة أبرز ما تكون عند مدراء الإدارة الوسطى، تلك المجموعة التي تُعرف بتمتعها بمستوى متوسط من السلطة ضمن المنظمة.

في بحث قادم سيُنشر في صحيفة أكاديمية الإدارة (Academy of Management Review)، سوف نقدم نظرية عن السلطة تتجاوز المقارنة الجامدة بين الأدوار ذات السلطة العالية ونظريتها ذات السلطة الضعيفة بحيث نبحث في كامل طيف ديناميكيات السلطة. من وجهة نظر بحثية، ورقتنا مستوحاة وتكمل نتائج من علم النفس العصبي وأدبيات التسلسل الهرمي الاجتماعي للتوصل إلى تنبؤ بالتأثيرات الإدراكية والعاطفية والسلوكية للسلطة. هي تجدد وتوسع الجهود الأكاديمية السابقة التي ركزت تنظيرها وتجريبها إما على آثار امتلاك السلطة أو افتقادها بمعزل عن بعضهما البعض. بعبارة أخرى، هناك في إطار عملنا ما يغطي ليس فقط الحالات اللامحدودة لامتلاك السلطة التي يتمتع بها مثلاً الرئيس التنفيذي لشركتك في مقابل ما يتمتع به موظف مستجد فيها، بل ما يغطي أيضاً العلاقات الأكثر تعقيداً المرتبطة بالسلطة والتي تصبغ الحياة اليومية لكثير من مدراء الإدارة الوسطى.

لدى مدراء الإدارة الوسطى علاقة معقدة بالسلطة لأن تفعيل السلطة واستخدامها يتوقف على سياق علاقاتهم بالآخرين. نحن نميل طبيعياً عند التفاعل مع رؤسائنا إلى تبني أسلوب سلوكي تبجيلي يعتمد السلطة الضعيفة. لكننا من ناحية أخرى، نتبنى أسلوباً سلوكياً أكثر حزماً ويعتمد سلطة عالية عندما نتفاعل مع مرؤوسينا. قد يؤدي فشلنا في الإذعان للتوقعات التي يفرضها الدور إلى إلتباسات وصراعات اجتماعية، وهذا ما يجعل الناس بارعين جداً في تعلم لعب الدور المتوقع منهم.

يتوقع على أي حال من مدراء الإدارة الوسطى أداء أدوار مختلفة تماماً عند الانتقال من تفاعل إلى آخر، فتجدهم يتناوبون بين أنماط تفاعلية تعتمد سلطة عالية نسبياً وأخرى منخفضة نسبياً. بحكم هيكلية أدوارهم، هم ’’ضحية التغيير وناقلوه‘‘ ضمن المنظمة، يتلقون وصفات الاستراتيجية من مدرائهم من الأعلى وعليهم تنفيذها عبر أشخاص يعملون تحت أمرتهم. بالنتيجة يجد مدراء الإدارة الوسطى أنفسهم محشورين بين مجموعة متنوعة من أصحاب المصالح، وهو ما قد ينُتج “مطالب متضاربة وقاسية”.

بحسب بليك أشفورث وزملاؤه من جامعة أريزونا، يمكن لهذه الأنواع من التنقلات المصغرة في الأدوار في مكان العمل أن تُنتج بالضبط ذلك النوع من تضارب الأدوار الذي نرى أن مدراء الإدارة الوسطى هم غالباً أكثر من يعاني منه. ففي الكثير من الحالات، لا تتوافق المعايير والتوقعات المرتبطة بكونك قائداً (كالإصرار مثلاً) مع المعايير والقواعد المرتبطة بكونك مرؤوساً (مثل الاحترام) وهو الأمر الذي يخلق مشاكل عندما يطلب من الشخص أداء كلا الدورين في العمل. السبب في هذا أن البشر معروف عنهم عدم كفاءتهم في التنقل بين المهام، كما ثبت مثلاً بالبحث الذي أظهر تقلبات في المزاج عند التنقل بين العمل و البيت بالعكس. باختصار، من الصعب سيكولوجياً أن تهجر مهمة تتطلب عقلية معينة لتنتقل للعمل على مهمة أخرى تتطلب عقلية مختلفة تماماً.

ترى مجموعة عريضة من البحوث أن هذا التبدل الرأسي في البرمجة، كما نسميه، قد يترك آثاراً سلبية. فمن الناحية العاطفية، تؤدي الأدوار المتضاربة إلى تزايد مشاعر التعب والإرهاق، وهو بذلك يعكس التوتر بين التوقعات الاجتماعية غير المتوائمة. من الناحية الجسمانية، تعتبر المستويات العالية من التوتر التي تصاحب الخلافات عوامل خطرة لعدد كبير من المشاكل الصحية بدءاً بارتفاع ضغط الدم وحتى أمراض القلب. ليس هذا فحسب، يمكن أيضاً للأدوار المتصارعة تعطيل الأداء الإدراكي والقدرة على التركيز دون تشتت. مثلاً، في دراسة للأوبئة شملت استبياناً شارك فيه 21,859 موظفاً بدوام كامل من مجموعة عريضة من الصناعات، لاحظ الباحثون من جامعة كولومبيا وجامعة تورنتو أن الموظفين في الأدوار المتوسطة في المنظمة لديهم نسب مرتفعة من القلق والتوتر أكثر من الموظفين الذين يشغلون مناصب أقرب لقمة أو أسفل الهيكل الهرمي للمنظمة، وهي نتائج يمكن إضافتها إلى قائمة طويلة من الأسباب التي تقف وراء كون مدراء الصف المتوسط غير سعداء.

هناك عدد من الطرق التي يمكن استخدامها لتخفيف هذا العبء. نورد هنا بعض التوصيات:

1. بسّط هيكلية رفع التقارير بحيث تقلل من التفاعلات مع الأعلى والأسفل. قد يتضمن هذا إزالة الاجتماعات غير الضرورية التي تجبر الموظفين على التفاعل عبر قطبي الدور الذي يؤدونه، وهيكلة تسلسل العمل بحيث يقلل من التحولات المتكررة في نسبية القوة.

2. افحص شبكة تواصل الموظفين مع بعضهم البعض عبر مختلف حدود الأدوار (التواصل الشخصي أو عبر البريد الإلكتروني أو غيرها) لمعرفة تبعات هذه الهيكلية على الإحساس بالسلطة.

3. ساعد مدراء الإدارة الوسطى على النظر لمختلف هوياتهم المرتبطة بأدوارهم على أنها متكاملة وليست مجزأة، وذلك من خلال التهيئة الفعالة والتدريب. من هذا مثلاً تحقيق ربط مباشر بين مسؤوليات مدراء الإدارة الوسطى ومهمتهم التنظيمية الأوسع، بحيث تساعدهم على إعادة تأطير هويتهم الذاتية من ’’أحياناً رئيس وأحياناً مرؤوس‘‘ إلى ’’مدير أوسط مهم للشركة‘‘. ولا تنسى أنك ستجد بعض مدراء الإدارة الوسطى جيدين بطبيعتهم في التنقل بين العقليات ذات سلطة عالية والسلطة ضعيفة، في حين ستجد آخرين يحتاجون لرؤية ترابط في النواحي التي تبدو غير متوافقة في أعمالهم.

4. لا تمارس الإدارة التفصيلية على مدراء الإدارة الوسطى. هذا يخلق تبديلاً في الأدوار من ناحيتهم. من الأفضل لك تقديم آراء استراتيجية لهم ومن ثم منحهم حرية تنفيذ هذه الاستراتيجيات بعقلية ذات سلطة عالية.

5. قد يكون من الصعب بشكل خاص التفاوض على التحولات الرأسية على الدور في الثقافات التنظيمية ذات التسلسل الهرمي. وعليه، فقد يقلل من المصاعب تبني ثقافات وهيكليات تنظيمية أكثر تساوٍ بما يقلل بشكل كبير من التفاوتات السلوكية بين الأدوار العالية والضعيفة للسلطة.

6. حاول الالتزام بالنص. قد يكون ممكناً التقليل من التبدل الرأسي للبرمجة عندما يطور الموظفون نصاً للتنقل الوظيفي الفعال يحث يكون في شكل روتين مفهوم يسيرون عليه بينما ينتقلون من دور إلى آخر. كما أن التمرين يمكّن مدراء الإدارة الوسطى من تطوير استراتيجيات فعالة للتنقل بين الأدوار عالية السلطة والضعيفة السلطة دون أن تترك تفاعلاتهم السابقة آثاراً عليهم.

يؤمن بعض الأشخاص بأنهم سوف ’يمرون مروراً عابراً‘‘ في الإدارة الوسطى في سيرهم المحتوم نحو الجناح التنفيذي. لكن معظم الشركات في الواقع تحتاج لمدراء صف أوسط فعالين على المدى الطويل. لدى جوجل تجربة سيئة حاولت فيها إقصاء مدراء الهندسة، لكنها تعلمت منها أن المدراء مهمون – جداً. توصل باحثون آخرون إلى أن مدراء الإدارة الوسطى بإمكانهم تحقيق فارق كبير في الأداء التنظيمي. إيثان موليك في جامعة وارتون، مثلاً، أجرى تحليلاً على نطاق واسع على صناعة ألعاب الكمبيوتر وقرر أن سلوك مدراء الإدارة الوسطى يحدد 22.3% من الاختلاف في العائد. كذلك توصلت وكالة بوسطن الاستشارية إلى نتيجة مماثلة، وصفت فيها مدراء الإدارة الوسطى بأنهم “مجموعة متجاهلَة لكن حيوية” وذلك بعد استبيان شمل آلاف الموظفين حول دوافع النجاح في شركاتهم.

كل هذا يدعو للاعتقاد بأن من الحيوي فهم الضغوطات النفسية الفريدة التي تواجه مدراء الإدارة الوسطى، والاستراتيجيات اللازمة للتقليل من الأعباء التي تجلبها عليهم هيكلية مناصبهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .