يعتقد العديد من الناس أنّ المنطق السليم هو كل ما يتطلبه الأمر ليكون الشخص مديراً جيداً، وبالتالي من السهل شغل ذلك المنصب. ولكن لو أنّ ذلك صحيحاً لأصبح وجود المدراء الجيدين أمراً شائعاً في جميع مستويات المزيد من المؤسسات. ونتيجة لذلك، سيكون معدل مشاركة الموظفين والاحتفاظ بهم مرتفعاً. بيد أنّ 13% فقط من العمال على النطاق العالمي يُعتبرون منخرطين في عملهم، وتسجل معدلات دوران الموظفين في الولايات المتحدة أعلى مستوى لها خلال 17 عاماً. وكما تشير هذه الإحصاءات، فإنّ معظم المدراء يفتقرون إلى المنطق السليم، أو أن الإدارة الجيدة تنطوي في الحقيقة على تحدٍ كبير عند ممارستها.
وبصفتنا علماء اجتماع ندرس السلوك التنظيمي، فإننا ندرك أنه حتى من الناحية النظرية فإنّ اتصاف المدير بأنه جيد وقادر على الاحتفاظ بالموظفين ليس بالأمر السهل. وقد اجتهد الباحثون في الواقع لغاية فهم كيفية تنمية قوة عاملة سعيدة ومنتجة لأكثر من 100 عام، وعندما ننظر في مجموعة العمل هذه يتضح لنا وجود الكثير من العوامل التي تؤثر على الاحتفاظ بالموظفين. ومن الناحيتين النظرية والعملية، يعتبر إشراك الموظفين والاحتفاظ بهم مسعى متشعباً ويتطلب عملاً مضنياً لتحقيقه على نحو جيد.
عندما يكون المدراء من مؤيدي فكرة "المنطق السليم" للإدارة، فإنهم لا يعيرون بذلك قيمة كبيرة لبذل الجهد عندما يتعلق الأمر بقيادة فرقهم، وبالتالي يصبحون مدراء كسالى. وكما هو موضح أدناه، فقد رصدنا اثنين على الأقل من الأعراض المصاحبة للإدارة الكسولة: 1) نزعة المدراء إلى إلقاء اللوم على الأداء المنخفض ودوران الموظفين بدلاً من التركيز على الذات أو على المؤسسة نفسها. 2) نزعة المدراء إلى البحث عن حلول سريعة للمشكلات المتعلقة بالاحتفاظ بالموظفين والتي تُعتبر مسألة معقدة.
ولطالما أدرك علماء النفس أنّ الناس غالباً ما يغالون في تقدير الدور الذي تلعبه الشخصية ويستخفّون بقوة الموقف في تشكيل السلوك البشري. وعندما يصبح المدراء كسالى، فإنهم يميلون إلى جعل نسبة المغالطة الأساسية هذه أكثر تكراراً وتمتد على نطاق أوسع، معتقدين أنّ الموظفين يتصرفون على نحو معين لأنّ ذلك ببساطة يعكس شخصيتهم. فمن خلال إلقاء اللوم على الموظفين فيما يتعلق بمشكلات الأداء أو المسائل المتعلقة بالاحتفاظ بهم، يحرر المدراء الكسالى أنفسهم من أداء العمل المضني المتمثل في الأخذ بعين الاعتبار تأثير أسلوب إدارتهم على رضا الموظفين وأدائهم ودورانهم.
كما ويعتقد المدراء الكسالى أن الإدارة الجيدة تنطوي على إجراءات بسيطة، فعندما تسوء الأمور تراهم ينجذبون نحو الحلول البسيطة التي يسهل العثور عليها. وحين يصبح الاحتفاظ بالموظفين مشكلة على سبيل المثال، قد يسارع المدراء الكسالى إلى اقتراح رفع الأجور أو تقديم المكافآت وكأنها الدواء الشافي للمشكلة، وهو حل باهظ التكلفة والذي قد يفشل في معالجة القضية (أو القضايا) الأساسية. وقد تكون أيضاً أحدث بدع الإدارة هي أكثر جاذبية للمدراء الكسالى، وبالفعل، فإنّ الحجم الهائل للحلول المتوافرة لقضايا إشراك الموظفين والاحتفاظ بهم والمطروحة من خلال المدونات والكتب والبودكاست والمصادر الأخرى هي أكبر من أي وقت مضى، والحقيقة هي أنّ الكثير منها يستهدف المدراء الكسالى الذين يبحثون عن حلول سريعة.
وعلى الرغم من أنّ معظم المدراء يدركون أنّ موظفيهم يريدون معاملتهم بإنصاف، وأن يكون عملهم مجدي، وأن يشعروا أنهم يحققون الإنجازات، وما إلى ذلك، فإنّ مدى شعور الموظفين بالرضا عن هذه الاحتياجات يمكن أن يتفاوت بصورة يومية. وبالتالي، تتطلب الإدارة الدؤوبة أن يتعمق قادتها أكثر في التفكير وأن يثابروا على محاولتهم فهم سبب تفكير موظفيهم في ترك عملهم وما هو الوقت والطاقة والموارد الأخرى اللازمة لرفع مستوى مشاركتهم. وبالنظر إلى أنه حتى المدراء الجيدين يمكن أن يقعوا أحياناً في هذا الشرك، فما الذي يمكنك فعله إذا كانت أعراض الإدارة الكسولة تظهر على سلوكياتك وسلوكيات فريق إدارتك؟
أولاً، إن تسريح الموظفين بدلاً من سؤالهم عن المشكلة التي تواجههم يُعتبر بمثابة دليل على أن الإدارة كسولة، إذ ينبغي على المدراء عوضاً عن ذلك البدء في حل المشكلة من خلال النظر في احتمال أن تكون الإدارة نفسها هي التي تتصرف على نحو خاطئ. وبعد فتح أعين المدراء على هذا الاحتمال، يمكن للمدراء تحديد ما إذا كان ذلك صحيحاً من خلال جمع البيانات. على سبيل المثال، قد تكون "مسوح جمع الآراء" السريعة والمتواترة مفيدة في تتبع كيفية شعور الموظفين حيال وظائفهم والمهام التي تقوم بها الإدارة. وعلى غرار ذلك، فإن أدوات التطوير الذاتي مثل تمارين "أفضل الصفات المنعكسة"، وهي أداة تساعد الأشخاص على فهم مواهبهم الفردية والعمل على تعزيزها، قد تزوّد القادة بآراء يمكن أن تساعدهم على تسخير مواطن قوتهم بفاعلية أكبر. في المحصلة، يحتاج المدراء إلى اتخاذ خطوة مقصودة وغير مريحة لهم في سبيل جمع الدلائل من الآخرين لمعرفة ما يمكنهم فعله لإعادة إشراك موظفيهم. والخبر السار هو أنه بمجرد الإشارة إلى الموظفين أن المدير على أهبة الاستعداد للعمل بجد وإحداث تغييرات جوهرية، سيشعر بعض الموظفين بأنهم يتلقون دعماً أكبر وسيميلون إلى البقاء.
ثانياً، سيجد المدراء الذين يُبدون استعداداً لبذل الجهد أن هناك تطورات مستمرة في مجال ممارسة الإدارة ودراستها والتي تقدم طائفة من الأدوات دائمة الاتساع لتشخيص ومواجهة تحديات الاحتفاظ بالموظفين. والجدير بالذكر أنه قد لا تناسب كل أداة أسلوب مدير معين وظروف المؤسسة، لذلك، لا يجدر بالمدراء الجيدين الاستمرار بالتعلم فحسب، بل ينبغي أن يتسموا بالانضباط أيضاً للتأكد ما إذا كانت النصيحة التي يتلقونها، حتى عندما تستند إلى دلائل قوية وممارسات مثلى، ستسري على فريقهم. إذاً، قد يكون مجدياً أن ينظر المدراء إلى أنفسهم على أنهم علماء في السلوك، وأن يشعروا بالراحة تجاه تغييرات الاختبارات التجريبية التي تستهدف الاحتفاظ بالموظفين قبل تطبيقها بالكامل. على سبيل المثال، قبل تزويد الموظفين بتقييمات الزبائن لغاية إشعال حافزهم الاجتماعي، أي اهتمامهم بمساعدة الزبائن لأسباب تتعلق بحب الغير والإيثار، يمكن إجراء تجربة على مجموعة جزئية من الموظفين تُفضي إلى تقديم دلائل حول ما إذا كانت تلك التقييمات ستحسن سلوكيات الموظفين وأداءهم، وإذا كان الأمر كذلك، فإلى أي مدى. لحسن الحظ، هناك موارد متاحة للمدراء الراغبين في تعلم المزيد حول "نهج تحليل مواهب الموظفين" وكيفية استخدامها من أجل تحسين مؤسساتهم.
وأخيراً، عندما تطفو القضايا المتعلقة بالاحتفاظ بالموظفين على السطح، ينبغي على القادة التنظيميين الأخذ بعين الاعتبار ما إذا كانت الإدارة الكسولة تساهم في المشكلة. فإذا كان المدراء لا يتحركون إلا عندما يتعلق الأمر بإشراك الموظفين والاحتفاظ بهم؛ يمكن أن يشير ذلك إلى أنهم يفتقرون إلى الوقت والموارد والدافع اللازم لتقديم المزيد. وبما أنّ الإدارة الدؤوبة تتطلب تسخير الطاقة على المدى القصير لكنها لا تؤتي ثمارها حتى نهاية الطريق، فإنّ بعض المدراء يتخلون عن مسؤولياتهم تجاه موظفيّهم لأنهم شديدوا التركيز على تلبية الأهداف قصيرة المدى. ولثني الإدارة الكسولة عن فعل ذلك، يتوجب تقديم الدعم والتحفيز والتوجيه اللازم للمدراء من أجل دفعهم نحو تكريس الوقت والطاقة لإدارة فرقهم بفاعلية أكبر. علاوة على ذلك، بدلاً من إلقاء اللوم على المدراء الكسالى فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بالاحتفاظ بالموظفين، ينبغي على القادة النظر بعين ناقدة على إجراءات اختيار المدراء والترقية لديهم من أجل تحديد الأسباب التي دفعتهم إلى تعيين هؤلاء الأفراد في مناصب إدارية في المقام الأول. فإذا كان سبب ترقية أولئك الأشخاص إلى منصب المدير هو امتلاكهم لمهارات تقنية ممتازة، فقد يكونوا قد تحولوا إلى مدراء كسالى لأنهم أُبعدوا عن العمل الذي يُتقنونه بالفعل. إذاً، في حال لم تركز إجراءات الترقية الإدارية على تحديد أولئك الأكثر احتمالاً لتبني التحديات التي تواجه الإدارة على نحو فعال، فقد تنتشر عدوى الإدارة الكسولة في جميع أنحاء المؤسسة.
إنّ شغل منصب الإدارة ليس أمراً سهلاً، ومن أجل تطوير القوى العاملة التي تتميز بمستوى عال من الهمة والاحتفاظ بها في هذه الأيام، فإنّ الأمر يتطلب أكثر من مجرد التحلي بمنطق سليم. ومن خلال التخلي عن ذهنية "المنطق السليم فحسب" والملتصقة بالإدارة الكسولة، يمكن للمدراء تعلم كيف أن أفعالهم تؤثر على الموظفين، وأن يكفوا البحث عن الحلول السهلة، وأن يسخروا تفكيرهم وجهدهم الذي يُعتبر غير مألوف في الكثير من أماكن العمل.