التنافس الذكوري يقوض المؤسسات… ما الحل؟

7 دقائق
التنافس الذكوري في المؤسسات

إليك هذا المقال الذي يتناول التنافس الذكوري في المؤسسات تحديداً. ما بين أوبر ونايكي وسي بي إس، كشفت فضائح جديدة أماكن عمل تبدو مختلة وتعجّ بحوادث إساءة السلوك والتنمر. مثلاً، تذكر سوزان فولر في مدونتها عام 2017 عدة حوادث تحرش تعرضت لها في أثناء عملها بشركة أوبر وتصفها بالتفصيل، بالإضافة إلى وصف ما سمّته "بيئة صراع العروش"، حيث كان المدراء يسعون للحصول على الترقية ويؤذون زملائهم في سبيل التفوق عليهم. وقد وصف تحقيق في جريدة نيويورك تايمز شركة أوبر على أنها: "بيئة تنافس همجي، حيث يتم تحريض الموظفين على بعضهم البعض ويُغَضّ الطرف عن انتهاكات الموظفين أصحاب الأداء الأفضل".

، حيث يستعرض الفائزون سمات ذكورية نمطية كتحجر المشاعر وقوة التحمل الجسدية والقسوة. ويؤدي ذلك إلى حدوث خلل وظيفيتنظيمي، كالتنافس المفرط بين الموظفين سعياً للفوز. 

ثقافات التنافس الذكوري في المؤسسات

أجرينا استطلاعاً للرأي شمل آلاف الموظفين في الولايات المتحدة وكندا من مؤسسات مختلفة، حيث قيّم المشاركون فيه ما إذا كانت أماكن عملهم تولي الميزات الذكورية المختلفة أهمية كبيرة، كما قدموا معلومات عن الميزات التنظيمية الأخرى ونتائجهم الشخصية. فبرزت القواعد الذكورية الأربعة التي تعرّف مجتمعة بيئة التنافس الذكوري وكانت شديدة الارتباط ببعضها وبالخلل الوظيفي التنظيمي. وهي كما يلي: 

  1. "لا تظهر ضعفاً": حيث يحتاج مكان العمل إلى ثقة متعجرفة وعدم الاعتراف بالشك أو الخطأ وكبت كلّ مشاعر العطف أو الضعف ("لا مكان للجبناء").
  2. "القوة وقدرة التحمل": حيث يولي مكان العمل قيمة للموظف القوي أو الرياضي (حتى لو كان في وظيفة إدارية) أو الموظف الذي يتباهى بقدرته على التحمل (مثلاً العمل لساعات أطول مما ينبغي). 
  3. "العمل أولاً": حيث لا يمكن لأي أمر من خارج المؤسسة (كالعائلة مثلاً) التدخل في العمل، وتمثل الاستراحة أو الإجازة عدم التزام ممنوع.
  4. "إن لم تكن ذئباً، أكلتك الذئاب": تسود مكان العمل منافسة لا رحمة فيها، حيث يركز "الفائزون" (الذين يتمتعون بذكورة أكثر) على هزيمة "الفاشلين" (الأقل ذكورة) ولا يمكن الثقة بأحد. 

تتجذر هذه القواعد في المؤسسات لأن التصرف وفقها هو ما يجعل الشخص "رجلاً". وكما نرى في جمل مثل "كن رجلاً"، فالرجولة هي أمر يجب إثباته باستمرار. وفي ثقافات عديدة حول العالم يصبح الشخص "رجلاً" عندما يتصرف بطرق تتوافق مع المعتقدات الثقافية حول طبيعة الرجل، مسيطر وقوي ومجازف وعنيف ولا يلتزم بالقوانين. 

وليس من الصعب جعل شخص يشعر أنه "ليس رجلاً". فمجرد تفكير الموظف بخسارة وظيفته، أو تلقّيه تقييماً يشير إلى أنه يتمتع بشخصية "أنثوية"، يدفعه لاتخاذ موقف دفاعي.

ما يعنيه كل ذلك هو أن إثبات الذكورة أمر غير مستقر، تحصل عليه بشق الأنفس وتخسره بلمحة. وتؤدي حاجة الرجل لإثبات رجولته باستمرار إلى التصرف بعدوانية وخوض مجازفات غير مضمونة والعمل لساعات طويلة جداً والدخول في منافسات وحشية، والتحرش بالمرأة وبالأخصّ عندما يشعر بتهديد لذكورته. 

في العمل، يؤدي هذا الضغط على الموظف لإثبات أنه "يملك ما يلزم" إلى تغيير موضع التركيز، من تحقيق رسالة المؤسسة إلى إثبات الذكورة. والنتيجة ستكون منافسة لا نهائية لإثبات أيّ مِن الموظفين يتمتع بذكورة أكثر، كحمل أعباء عمل كبيرة أو العمل لساعات طويلة والتفاخر بذلك، وإيجاد طرق مختصرة من أجل تحقيق ربح أكبر من الآخرين وخوض مجازفات غير منطقية سواء كان ذلك جسدياً (في الأعمال الميدانية التي تتطلب جهداً جسدياً) أو في صنع القرارات (كالتجار المارقين في القطاع المالي). تثمر هذه المنافسة توتراً غير معلن (لأن الاعتراف بالتوتر يعتبر ضعفاً) والمشاعر الدفاعية (كإلقاء اللوم على المرؤوسين في أي حالة فشل)، وتقويض كل من التعاون والأمان النفسي والثقة بالزملاء والقدرة على الاعتراف بالشك أو الخطأ. وكلّ هذا مجتمعاً يؤدي إلى توليد بيئة عمل بائسة غير منتجة تزيد التوتر والإرهاق والانقلابات. 

يسود التنافس الذكوري في الوظائف التي يهيمن عليها الرجال، ويكون أكثر شراسة فيها، حيث تكون الموارد القصوى والهشة معرضة للخطر (الشهرة والسلطة والصحة والأمان). خذ مثلاً الشركات الناشئة في مجالي التمويل والتقنية، حيث يكون ربح ملايين الدولارات أو خسارتها سريعاً، أو الجراحة، حيث تجرى عمليات شديدة الخطورة ولا مكان فيها للخطأ، والجيش ووحدات الشرطة، حيث تؤدى وظائف خطرة تحت إمرة تسلسل قيادي صارم. 

أين يضع كل ذلك المرأة؟ حالها كحال الجميع، يجب عليها محاولة مجاراة اللعبة كي تنجو، وقد لا تتمكن القلة من النساء الناجحات من النجاح إلا عن طريق التصرف بسوء تماماً كما يتصرف الرجال الذين يتنافسون على الفوز. ولكن اللعبة ليست معدة للنساء والأقليات. ولأنهنّ لا "يملكن ما يلزم"، يجب عليهنّ بذل جهد أكبر لإثبات أنفسهنّ على الرغم من مواجهتهنّ ردود أفعال سلبية على اتباعهنّ سلوكاً مسيطراً، كالغضب والاعتداد بالنفس. ولذلك تقع النساء والأقليات بين مطرقة وسندان ما يقلل احتمالات النجاح. ولذلك قد تجد المرأة أن الدور الأسهل الذي يمكنها من النجاة هو دعم الرجال الذين يربحون في المنافسة.

دراسة الجدوى مقابل التنافس الذكوري في المؤسسات

تعتمد المؤسسات في نجاحها على عمل الفريق التعاوني. ولكن التنافس الذكوري يؤدي إلى تركيز الموظفين على تلميع صورهم الشخصية ومراكزهم على حساب الآخرين، وعلى حساب مؤسساتهم أيضاً. يوثق بحثنا عدة عواقب سلبية تضر بإجمالي مبيعات المؤسسة وتعرض كفاءتها وسمعتها للخطر. والمؤسسات التي تسجل نسباً مرتفعة لوجود ثقافة التنافس الذكوري غالباً ما يكون المدراء فيها سامين يسيئون للآخرين ويتنمرون عليهم في سبيل حماية غرورهم، ويكون مستوى الأمان النفسي فيها متدنياً، حيث يشعر الموظفون أنهم غير مقبولين ولا محترمين، ولا يشعرون بالأمان للتعبير عن أنفسهم وخوض المجازفات ومشاركة الأفكار الجديدة. وينخفض بين قادتها مستوى الدعم بين العائلة والعمل، ما يثبط التوازن بين الحياة والعمل. ويسود فيها التحيز ضد المرأة التي تعاني من العدائية أو الغطرسة. وتنتشر فيها الإساءات والتنمر، بما في ذلك الإساءات العنصرية والإذلال الاجتماعي والتهديد الجسدي. كما تشهد زيادة في الإنهاك والانقلابات والمرض والاكتئاب بين الموظفين النساء والرجال على حد سواء. 

تولد هذه المشاكل تكاليف مباشرة (تتمثل بالانقلابات والدعاوى القضائية بسبب إساءة السلوك) وتكاليف غير مباشرة (تتمثل بتدني الابتكار بسبب تدني الأمان النفسي). وببساطة، تكون ثقافات التنافس الذكوري سامة للمؤسسات كما للرجال والنساء الذين يعملون فيها. وفي الحالات القصوى، مثل حالة أوبر مثلاً، يصل الضغط الشديد إلى الانفجار ويسبب ضرراً شديداً، بل مدمراً للمؤسسة. 

تغيير ثقافات التنافس الذكوري في المؤسسات

على الرغم من كون ثقافات التنافس الذكوري سامة، إلا أنها لا تزال مستمرة لسببين: 1) هناك ترابط قوي جداً بين الذكورة السامة والنجاح لدرجة أن الموظفين يشعرون برغبة بالاستمرار في هذه اللعبة، على الرغم مما تولده من سلوكيات مختلة. و2) يؤدي التشكيك في التنافس الذكوري إلى وسم الموظف بأنه "فاشل"، ما يثبط الموظفين عن المقاومة. ولن يتمكن تطبيق مبادرة التنوع ضمن أماكن عمل كهذه من تحقيق تغيير حقيقي. وفي الحقيقة، غالباً ما تكون الإجراءات المتخذة حالياً فاشلة، كالإجراءات التي تساعد على منع إساءات السلوك، أو تؤدي إلى نتيجة عكسية في هذه البيئات. ولذلك يتطلب التغيير الحقيقي إنهاء هذه اللعبة بالكامل. 

ولتحقيق ذلك، يجب على المؤسسات إجراء عمل عميق وملتزم أكثر من أجل تفحص ثقافاتها وتشخيصها. ويجب أن تكون قيادة هذه الجهود بيد من يملكون السلطة لإطلاق إصلاحات كبيرة جادة. ومن الضروري توليد الوعي بشأن التنافس الذكوري ودوره في اختلاق مشاكل تنظيمية. على سبيل المثال، غالباً ما تعزا حالات إساءات السلوك لبعض الأشخاص الفاسدين، ويتم تجاهل كيف تسببت ثقافة المؤسسة بإطلاق هذا السلوك السيئ والسماح به وحتى مكافأته. وعندما لا تتسامح المؤسسات مع التنمر، يبقى الأشخاص الفاسدون تحت عين الرقابة ولن يسمح لهم بإفساد غيرهم. 

هناك إجراءان محددان يشكلان بداية جيدة: 

بناء تركيز قوي على رسالة المؤسسة. تؤدي البرامج التدريبية الحالية إلى نتائج عكسية بسبب تركيزها على الإذعان و"ما لا يجب فعله"، ولأنها مصوغة غالباً من أجل "جعل الأمور أفضل نسبة للنساء والأقليات" بدلاً من جعلها أفضل للجميع، ولأنها تبدو منفصلة عن الرسالة الجوهرية للمؤسسة. تحتاج الإجراءات الفعالة إلى ارتباط حقيقي ومفيد مع القيم والأهداف الجوهرية للمؤسسة. 

مثلاً، وثقت الأبحاث كيف استطاعت شركة طاقة التخلص من قوانين ثقافة التنافس الذكوري في حقول النفط عن طريق إجراءات الأمان. كان إجمالي المبيعات بحاجة إلى الإصلاح، إذ تؤدي كوارث حقول النفط إلى خسارة الأرواح والأموال وتسبب الدمار البيئي وتحمل مسؤولية قانونية وضرراً كبيراً بالسمعة. فأقنع القادة العمال بأن زيادة الأمان أمر جوهري لرسالة المؤسسة، وقاموا بمراقبة التغيّر المنشود في السلوك ومكافأته، وتمت مكافأة العمال على ما يلي: التعبير عن الشكوك والمخاوف بشأن إجراء ما (بدلاً من قانون "لا تظهر ضعفاً")، والاستماع لبعضهم البعض (بدلاً من الانصياع للذكر الأقوى "ألفا")، وتقدير الأمان وأخذ فترات استراحة (بدلاً من قانون "العمل أولاً")، والتعاون مع الزملاء والاهتمام بهم (بدلاً من قانون "إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب"). وبذلك، أثبتت القوانين الجديدة المبنية على الرسالة عدم فعالية الحاجة لإثبات الرجولة. وأدى ذلك إلى تخفيض الحوادث والإصابات بالإضافة إلى تخفيض إساءات السلوك والتنمر والإنهاك والتوتر أيضاً. 

يمكن أن تستفيد المؤسسات من أهدافها الجوهرية الأخرى من أجل تحفيز الإصلاح. ونظراً للخلل الوظيفي الذي ترسخه ثقافة التنافس الذكوري، يبدو أن أي إصلاح قائم على الرسالة سيكون ناجحاً. مثلاً، تبين الأبحاث ميزة مشتركة بين فرق الابتكار، وهي الأمان النفسي. يعلم أفراد الفريق أنه بإمكانهم إثارة التساؤلات أو التعبير عن الشكوك دون التعرض للسخرية أو الرفض. وستتمكن مبادرة لاحتضان الابتكار، عن طريق تحقيق أمان نفسي أكبر، من إضعاف التنافس الذكوري بصورة طبيعية. وكنتيجة ثانوية، ينبغي أن تصبح بيئة العمل أكثر ترحيباً وشمولاً تجاه النساء والأقليات، الذين هم أساساً أكثر من يتم تجاهل أفكارهم أو رفضها دون محاسبة في بيئة التنافس الذكوري. 

تبديد المفاهيم الخاطئة بأنّ "الجميع يوافق على هذا الأمر". لن يتمكن الموظف من التشكيك بقوانين التنافس الذكوري إلا إذا اعتبر فاشلاً ليناً متذمراً. وبالنتيجة، يجاري الجميع الأمر ليتم قبولهم، فيعلنون تأييدهم للقوانين التي يكرهونها سراً، ويبقى الموظف في العمل حتى وقت متأخر ليثبت أنه يضع العمل أولاً، أو يضحك على دعابة يعتبرها مسيئة. بسبب تمسك الموظفين بالقوانين علناً، إظهار أن الجميع يوافق عليها. وقد بينت الأبحاث أن الموظفين في ثقافات التنافس الذكوري يعتقدون أن زملاءهم يقبلون هذه القوانين بينما في الحقيقة هم يرفضونها، وهذا ما يؤدي إلى تفشي عدم الرضا الصامت إلى جانب المشاركة الفعلية بسبب صمت الموظفين الذي يهدف إلى إثبات انتمائهم. 

يمكن للقادة معالجة سوء الفهم هذا عن طريق إعلان رفضهم لقوانين التنافس الذكوري وتعزيز تعبير الآخرين عن اعتراضهم الذي كان صامتاً في السابق. ولكن يجب عليهم أيضاً أن يرفقوا الأقوال بالأفعال عن طريق تغيير أنظمة المكافآت وأن يكونوا قدوة في السلوك الجديد ومعاقبة سوء السلوك الذي كان يتم التغاضي عنه في السابق ومكافأته. كما يجب على القادة أيضاً أن يحرصوا على ألا تستمرّ معاقبة الموظفين الذين يجرؤون على الكلام أو الانتقام منهم، سواء بصورة رسمية (كالعقوبات الوظيفية) أو غير رسمية (عن طريق السمعة والنبذ مثلاً). 

ستعاني المؤسسة وجميع موظفيها عندما يصبح التنافس الذكوري هو القاعدة في العمل. قد تكون بيئة العمل في مؤسستك بيئة تنافس ذكوري إذا كان التعبير عن الشك ممنوعاً على سبيل المثال، أو إذا كان "الموظف الرياضي" مفضل على الرغم من عدم وجود صلة بين اللياقة البدنية ومهام الوظيفة، أو إذا اعتبرت ساعات العمل الإضافية الطويلة وسام شرف، أو إذا تعامل الموظفون مع بعضهم البعض على أنهم منافسين لا زملاء. يتطلب حلّ هذه المشكلات التزاماً عميقاً بتغيير الثقافة، وإنشاء بيئة عمل تعلو فيها رسالة المؤسسة على الذكورة.

اقرأ أيضاً:

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي