هل ينبغي حظر الكمبيوتر المحمول على متن الطائرة أم لا؟ ترقب الملايين من المسافرين حول العالم بفارغ الصبر الإجابة عن هذا السؤال. فبعد أن تلقت حكومة الولايات المتحدة معلومات استخباراتية موثوقة تفيد بأن تنظيم "داعش" طور القدرة على إخفاء عبوات متفجرة داخل أجهزة الكمبيوتر المحمولة والأجهزة اللوحية وغيرها من الأجهزة الإلكترونية الكبيرة، حُظر اصطحاب هذه الأجهزة في أواخر مارس/آذار 2017، داخل مقصورات طائرات شركات الطيران المتجهة إلى الولايات المتحدة انطلاقاً من 10 مطارات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ثم ألمحت إدارة ترامب بعد أسابيع إلى إمكانية تمديد الحظر ليشمل المطارات الأوروبية، قبل أن تخفف تلك الإجراءات.
حظر الكمبيوتر المحمول على الطائرة
دفع هذا الاحتمال العديد من الصحفيين وخبراء الأمن والكتاب المعنيين بشؤون السياحة والسفر إلى التكهن بتداعيات مثل هذا الإجراء من قبيل تراجع إيرادات شركات الطيران نظراً لأن رجال الأعمال قد يختارون السفر بدرجة أقل إذا لم يتمكنوا من العمل في أثناء وجودهم في الجو، وعدم جدوى استخدام وقت المسافر التجاري إذا كان بإمكانه فقط أداء المهام على الهاتف الذكي، والاستياء العام إزاء خسارة مساحة إضافية في حقيبة الأمتعة لوضع الأجهزة الإلكترونية. بصرف النظر عن تعطيل مجموعة إرهابية أخرى عمليات السفر في جميع أنحاء العالم والتسبب بخسائر كلفتها مئات مليارات الدولارات، قد تكون أجهزة المخابرات الأجنبية هي الأكثر استفادة من تشديد الحظر.
اقرأ أيضا:
كيف يمكن للجواسيس الاستفادة في حال توسيع حظر الإلكترونيات؟
وفقاً للإحصاءات التي نشرها "المكتب الوطني الأميركي للتجارة والسياحة" (National Trade and Tourism Office)، سافر 1.9 مليون شخص ممن يتقاضون راتباً متوسطه 152,868 دولاراً إلى أوروبا في رحلة عمل عام 2015. ووجدت "الرابطة العالمية لسفر رجال الأعمال" (Global Business Travel Association)، أن نصف هؤلاء المسافرين "يفضلون البقاء على اتصال وإنجاز عملهم خلال الرحلة". وقد أدى ذلك إلى دراسة أخرى خلصت إلى أن 500 مليون دولار من ساعات العمل القابلة للفوترة ستضيع إذا مُنع رجال الأعمال هؤلاء من العمل على أجهزتهم الإلكترونية الكبيرة. بالطبع، يمكنهم العمل على الهواتف الذكية، لكن من الواضح أن هذا الحل له حدود.
يبدو نصف مليار دولار من الإنتاجية المفقودة وكأنه مبلغ كبير. وهو كذلك. لكنه لا يساوي شيئاً بالمقارنة مع ما يُسرق من الشركات الأميركية كل عام من خلال التجسس الاقتصادي والصناعي. يبلغ هذا الرقم، وفق "مكتب التحقيقات الفيدرالي"، حوالي 500 مليار دولار. في بيئة الأعمال المعولمة اليوم، لم تكن حرفة التجسس أكثر ربحية مما هي عليه. بالنسبة لهواة جمع المعلومات، تساوي فكرة إجبار المسافرين على الانفصال عن الأجهزة الإلكترونية الكبيرة العثور على كنز.
إنه أمر موثق، لا سيما من خلال تحقيق أجراه "الكونغرس" الأميركي نفسه في سرقة الملكية الفكرية، بيّن أن أجهزة الاستخبارات الأجنبية من دول مثل الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية وفرنسا تشكل تهديداً فعلياً للمسافرين من رجال الأعمال. يحدث الكثير من هذه السرقات خلال عمل المسافرين من رجال الأعمال الأميركيين في الخارج. وتُعد عمليات الاقتحام السرية للفنادق، حيث يمكن استنساخ ذاكرة أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية، وعمليات الاعتراض والتنصت الإلكترونية ومراقبة البريد الإلكتروني جميعها تقنيات شائعة ويسهل على الحكومات تنفيذها لجمع معلومات استخباراتية عن القطاعين العام والخاص. يمكن استخدام جمع المعلومات لتحقيق الميزة الاقتصادية التنافسية لبلد ما، عبر تخفيض الوقت اللازم للبحث والتطوير، وتجاوز قوانين براءات الاختراع والحصول على ميزة غير عادلة لعروض التكاليف، والحصول على أفضلية قبل التفاوض مع الخصم، وكذلك ابتزاز الموظفين لكشف أسرار الشركات.
قد لا يخطر في بال المسافر الدولي غير المتمرس أنه بينما يرتاح في صالة رجال الأعمال، يقوم عميل في جهاز مخابرات دولة أخرى بالعبث في أمتعته بحثاً عن معلومات الشركة الحساسة على جهاز كمبيوتر محمول. لكن هل من الصعب تصديق ذلك؟ كثيرون منا فتحوا أمتعتهم في غرفة الفندق ووجدوا ورقة كُتب عليها "هذه الحقيبة خضعت للتفتيش بواسطة إدارة أمن النقل". لماذا يجد الناس أنه من غير المعقول أن يحضر عميل مخابرات في منطقة تحميل الأمتعة ويقوم بتنزيل محتوى القرص الصلب على جهازه الإلكتروني؟ أو تحميل برامج تجسس يصعب اكتشافها؟ علاوة على ذلك، قد لا يكون ما يهدد الملكية الفكرية ومعلومات شركتك جهازاً استخبارياً أجنبياً. هناك العديد من المنافسين من الشركات التجارية واللصوص الساعين لكسب بعض الأرباح الإضافية. إذا سبق لك أن فقدت شيئاً من حقيبتك، فستفهم سهولة وصول هؤلاء الأشخاص إلى أمتعتك الشخصية.
ما زلت غير مقتنع بأن وضع الكمبيوتر المحمول في أمتعتك التي تذهب في خزان شحن الطائرة يمثل مشكلة؟ استمع إلى القصص التي تُروى عن الخطوط الجوية الفرنسية. من بين أبرز القصص (أو الخرافات، تبعاً لمن توجه إليه السؤال) تلك التي تتعلق ببيير ماريون، المدير السابق لإدارة "المخابرات الخارجية الفرنسية" (Direction Générale de la Sécurité Extérieure)، أو DGSE). في أكثر من مناسبة، اعترف ماريون علناً بالتجسس على المسافرين من رجال الأعمال الأميركيين خلال أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات لكي تحظى فرنسا بميزة اقتصادية. عندما حصلت شركات فرنسية بشكل مفاجئ على عقود تكنولوجية كبيرة على حساب شركات أميركية، سرت شائعات بأن مقصورة درجة رجال الأعمال على رحلات الخطوط الجوية الفرنسية كانت مزودة بأجهزة تنصت سرية (وبالمثل جميع المقاعد طائرة الكونكورد).
ولتبرير تلك الأفعال، نُقل عن ماريون قوله: "إن نشاط التجسس هذا هو وسيلة أساسية لفرنسا لمواكبة التجارة الدولية والتكنولوجيا. بالطبع، كانت موجهة ضد الولايات المتحدة وكذلك غيرها. يجب أن تتذكروا أنه في حين أننا حلفاء في الشؤون الدفاعية، فإننا أيضاً منافسون اقتصاديون في العالم".
تخيل لو تمكن جهاز المخابرات الخارجية الفرنسي اليوم من الوصول إلى منطقة الشحن التي تحتوي على جميع أجهزة الكمبيوتر المحمولة لجميع المسافرين من رجال الأعمال على متن رحلة ما. وكن على علم بأن غالبية شركات الطيران في الشرق الأوسط وأوروبا مملوكة للدول، وهذا يجعل من السهل على الحكومات التدخل.
أنا لا أريد أن أبدو وكأنني أحلل الأمور على أساس نظرية المؤامرة. إذ لا يزال احتمال استغلال جهاز المسافر العادي منخفضاً نسبياً. ومع ذلك، فإن ما يحمله بعض الأشخاص على أجهزة الكمبيوتر المحمول الخاصة بهم بالغ الأهمية بحيث يجازفون بتعريضه للسرقة.
اقتراحات من أجل الحفاظ على المعلومات في جهاز الكومبيوتر خلال رحلات الطيران
فيما يخص الأشخاص الذين يعانون بالفعل من الأنظمة التي تجعلهم يضعون أجهزتهم الإلكترونية في حقائب الأمتعة، لا سيما على الرحلات الجوية بين المراكز التجارية البارزة مثل دبي وأبوظبي والدوحة والرياض، هناك بعض الاحتياطات التي يمكن اتخاذها. فيما يلي قائمة بالاقتراحات تساعد في السيطرة على الملكية الفكرية الحساسة ومعلومات الشركة:
لا تحمل أي شيء على جهاز الكمبيوتر لا ترغب في رؤيته منشوراً على الصفحة الأولى لصحيفة "نيويورك تايمز".
احذف أي ملفات حساسة تماماً قبل أن تتخلى عن الكمبيوتر المحمول. يتضمن ذلك مسح القرص الصلب إذ يمكن استرجاع الملفات المحذوفة من جهاز مستنسخ.
استخدم قرصاً صلباً مشفراً يمكن حمله على قرص ذاكرة خارجية (USB) ويفصل أساساً دماغ الكمبيوتر عن جسمه.
حاول إجراء مسح للكشف عن الفيروسات قبل رحلة عملك مباشرة وبعدها.
فكر في تطوير لغة رموز داخلية لإخفاء الأسماء والأماكن والتواريخ والمبالغ الدولارية تحت مسميات أخرى.
إذا كنت ستعود إلى الولايات المتحدة من الشرق الأوسط أو أوروبا ولا تريد الانفصال بأي حال عن جهازك، ففكّر في العودة عبر المحيط الهادئ.
رغم أنه من المفهوم تماماً أسباب رغبة الولايات المتحدة وإدارة ترامب في اتخاذ كل التدابير الاحترازية لضمان سلامة ركاب الخطوط الجوية، يجب أن يتذكروا أنه قد ينجم مقابل كل إجراء أمني يُتخذ، رد فعل مساوٍ أو أكبر داخل المعادلة. وإذا مدد حظر أجهزة الكمبيوتر المحمولة ليشمل أوروبا، فقد تسمح تدابير الأمن المادي المتزايدة المجال بمزيد من نقاط الضعف التي تُستغل لصالح التجسس الاقتصادي والصناعي، وفي هذه الحالة فإنه من الممكن حظر الكمبيوتر المحمول على الطائرة لضمان أمن المسافرين.
اقرأ أيضاً: