على مزودي الرعاية الصحية التوقف عن هدر وقت المرضى

5 دقائق
أهمية وقت المرضى

بدأت جيس جاكوبس، وهي مديرة في أحد مخابر الابتكار، في العام 2014 تنشر في مدونتها حول معاناتها أثناء تلقيها العلاج من مرضين نادرين مبينة فيها أهمية وقت المرضى. كانت جيس قد حصلت على شهادة "سيكس سيغما غرين بلت" لقياس وتحليل وتحسين الأداء. لذلك، وخلافاً لما يمكن أن يفعله المريض العادي، وصفت إحدى زياراتها لقسم الإسعاف، حيث اضطرت للانتظار 12 ساعة، بأنها كانت "زيارة ذات كفاءة متدنية جداً لم تتجاوز نسبة 7%". وبالمثل وجدت أن 29% فقط من إجمالي زياراتها للأطباء، والبالغة 56 زيارة، كانت مفيدة فعلاً. قامت جيس بزيارة قسم الإسعاف 20 مرة وقضت 54 يوماً في المستشفى موزعة على 9 قبولات. غير أن حساباتها أظهرت أن 0.08% من مجموع ذلك الوقت جرى تكريسه فعلاً لمعالجتها. وهكذا عنونت جيس إحدى تدويناتها "توقفوا عن هدر وقتي، وتبديد حياتي".

أهمية وقت المرضى

وفي حين، قد تكون كتابات جيس مميزة وفريدة، لكن موقفها من مزودي الرعاية الصحية هو أمر يشاركها به الكثيرون. فمثلها مثل الكثير من المرضى، شعرت أن مزودي الرعاية الصحية قد قدموا لها خدمات بسوية منخفضة جداً من الجودة إذا ما جرى تقييمها بالمقياس الأهم بالنسبة لها، ألا وهو استثمار الوقت.

ومع أن جيس لم تتلق رعايتها الصحية من اتحاد شركات الرعاية الطبية "كايزر برماننت"، إلا أننا في "كايزر برماننت" نعمل فعلاً على تحسين أدائنا وفق معيار استثمار الوقت. ولكن للقيام بذلك كان علينا أن نغير رؤيتنا التقليدية ونعتمد احترام وصون وقت المريض كأحد معايير الجودة لدينا.

فعلى سبيل المثال، تحتاج عملية تبديل مفصل الورك أو الركبة في الولايات المتحدة إلى الإقامة ثلاثة أيام في المستشفى. ذلك لأن الكثير من المستشفيات تستوفي تعويضاتها بناء على عدد أيام إقامة المريض في المستشفى، وعلاوة على ذلك يكون من الأسهل بالنسبة لفريق الرعاية الطبية مراقبة المرضى ومتابعة عملية تعافيهم عندما يكونون مجمعين في مكان واحد. ولقد أُنشئ هذا النظام من قبل الجراحين والمستشفيات وعُدل بهدف تزويد المرضى برعاية آمنة ونتائج علاج جيدة. ولكن ماذا عن المرضى أنفسهم؟

اقرأ أيضاً: إنفاق الأطباء الأميركيين المرتفع من أموال الرعاية الصحية لا يحسن نتائج المرضى

لقد تمكنا بفضل نموذج الرعاية الذي تعتمده "كايزر برماننت"، والذي يجمع بين تقديم الرعاية وتغطية الخدمات الصحية، من دراسة طيف واسع من تجارب المرضى في عمليات تبديل مفصل الورك. ولدهشتنا وجدنا أن حوالي نصف مرضانا كان بإمكانهم الخروج من المستشفى والذهاب إلى منزلهم في نفس يوم العملية الجراحية – ولكن بشرط أن يعمل جميع أفراد فريق الرعاية الطبية وفق هذا الهدف ويتخذوا إجراءات منسقة ومنظمة، من المفترض أن يطبق جزء كبير منها خارج المستشفى.

كيفية الحفاظ على وقت المرضى

وفيما يلي طريقة العمل التي تضمن تحقيق ذلك الهدف. قبل العمل الجراحي يقوم المسؤول عن تنسيق إجراءات الرعاية بتثقيف المريض وأسرته حول الإجراءات التي تنتظرهم. ويقوم مختص العلاج الفيزيائي بزيارة أسرة المريض في المنزل ليجري تقييماً حول موضوع الأمان ويعزز توعيتهم بذلك. ثم يقوم الصيدلاني بتحضير الأدوية التي قد يحتاجها المريض (إن وجدت). وبعد ذلك تقوم مجموعة أخرى من أفراد فريق الرعاية بزيارة المريض في المنزل لتزويده بعكازات بالمقاس المناسب وضمان أن يكون سرير المريض في الطابق الأرضي. ولا يقتصر الهدف من هذه الإجراءات على تقييم فرص التعافي في المنزل وتعزيزها، بل يتعدى ذلك إلى منح المريض فرصة للتعرف على فريق الرعاية – والوثوق به.

وفي يوم العملية الجراحية يقوم الجراحون العظميون بإجراء العملية من الجهة الأمامية. ومع أن هذه الطريقة صعبة التعلم، إلا أنها تخفض بنحو كبير آلام المريض أثناء العملية وعلى مدار فترة التعافي، ما يسمح له بالمشي بعد العملية مباشرة. ومما ييسر الأمور أيضاً أن الخيارات أمام الجراحين فيما يتعلق بالأجهزة المستخدمة بعد العملية مدروسة ومحددة وموحدة. ولذلك لا يكون على فريق التمريض والرعاية أن يتعلموا التعامل سوى مع ذلك العدد القليل من الأجهزة، الأمر الذي من شأنه أن يخفض احتمال حدوث المضاعفات والالتهابات.

اقرأ أيضاً: ما الذي يكشفه الإعصار ماريا عن الرعاية الصحية في بورتوريكو الأميركية؟

وبعد خضوع المريض للعملية وتناوله وجبة طعام في حيز التعافي، يجري التأكد من أنه يستطيع الاعتماد على نفسه في ارتداء ملابسه والمشي 30 إلى 50 خطوة، ومن ثم يُخرّج ويذهب إلى المنزل. وفي اليوم التالي يزوره المعالج الفيزيائي في البيت للبدء بأولى جلسات العلاج الفيزيائي الست التي ستُجرى في المنزل. ويقوم مسؤول تنسيق الرعاية بالاتصال بالمريض للاطمئنان على أن كل شيء يجري على ما يرام ولضمان امتلاك المريض لقناة اتصال يستطيع اللجوء إليها لطرح أي تساؤلات أو بواعث قلق. ومن ثم يأتي دور الممرضة لكي تزور المريض لمراقبة بياناته الصحية الأساسية، وقد يزوره مساعد طبيب لاستعراض ما تسجله الأجهزة الطبية من بيانات صحية أخرى وتعديل خطة الرعاية إن اقتضى الأمر. وبعد حوالي أسبوعين يقوم المريض بزيارة الطبيب الجراح في مكتبه لإجراء الفحوصات والتأكد من أن كل شيء على ما يرام.

وخلال كل هذه العملية توفر "كايزر برماننت" رعاية موثوقة وذات جودة ممتازة، إلى جانب شبكات أمان متعددة، في بيئة آمنة من الناحية النفسية، تسمح لجميع الفرق بالتعبير عن آرائهم وملاحظاتهم، وتحمل جميع أفراد الفريق مسؤولية تلبية حاجات المريض وضمان أفضل النتائج السريرية. غير أن هذا السيناريو لا ينجح إلا عندما يتم الالتزام الصارم بالمعايير والبروتوكولات. فإذا أغفل المعالج الفيزيائي زيارة المريض في منزله في اليوم التالي للعملية الجراحية تفشل المعالجة ولا نحصل على النتائج المرجوة. وإذا لم يشعر المريض بالأمان ولم يعرف ما الذي ينتظره، من المتوقع أن يتوجه إلى قسم الطوارئ، حيث من الوارد أن يُقبل بشكل إسعافي.

والأمر الأكثر أهمية هو أن كل تفصيل في خطة العملية الجراحية إنما يتم إقراره لمصلحة المريض. فخروج المريض من المستشفى في نفس يوم إجراء العملية يؤدي إلى نسبة إصابة بالالتهابات أقرب بكثير إلى الصفر مما هي الحال لو أنه اضطر للإقامة في المستشفى أياماً عدة. ولا شك أن زيارة المريض في منزله تكون متاحة على نحو أكبر من زيارته في المستشفى. كما أن نوعية الطعام في المنزل تبقى أفضل منها في المستشفى. وكل ذلك يجعل المريض على درجة عالية من الرضا عندما يسمح له بالعودة إلى منزله في نفس يوم إجراء العملية. وبالمحصلة نستطيع أن نمنح المريض ما مجموعه أكثر من ثلاثة أيام رعاية حقيقية وهو يتعافى في منزله المريح محاطاً بأفراد أسرته وبعيداً عن ضجيج المستشفى وصخبه.

تجري "كايزر برماننت" في كاليفورنيا الجنوبية، حيث نطاق عملها حوالي 8,000 عملية ورك منتخبة و15,000 عملية ركبة منتخبة في كل عام. ومؤخراً وصلت نسبة مرضانا الذين خضعوا لعمليات ورك وركبة وتابعوا معالجتهم في المنزل من دون الإقامة في المستشفى، إلى 11%. وبالمقياس الأكثر أهمية بالنسبة لكثير من مرضانا، ألا وهو توفير واستثمار الوقت، يمكننا التأكيد على أننا لا نهدر وقتهم، بل نقضي الجزء الأكبر من إقامتهم لدينا بمعالجتهم فعلاً.

قد يبدو هذا النهج منطقياً وجذاباً بالنسبة للكثيرين، ولكن ما هي النتائج الفعلية على أرض الواقع؟ تظهر بياناتنا أن نسبة الدخول إلى المستشفى من جديد في حال غادر المريض المستشفى بعد إجراء العمل الجراحي مباشرة تقارب 2% - وهي نفس النسبة لدى المرضى الذين يقيمون في المستشفى حتى يتعافوا تماماً.

وبينما نسعى إلى تطبيق هذا النهج في جميع مراكز "كايزر برماننت"، نستذكر كثيراً الخبرات السابقة لمرضى مثل جيس جاكوبس، التي وجدت أن حوالي واحد بالألف من الوقت الذي قضته في المستشفى جرى استثماره فعلاً لمعالجتها. فقد قضت جيس 54 يوماً – أي شهرين تقريباً – في المستشفى وهي تنتظر بدلاً من أن تُعالج. ويا للمأساة، فقد ماتت جيس جاكوبس، عن عمر لا يزيد عن 29 عاماً. فتصوروا كم كانت ستسعد لو أنها استفادت من تلك المدة التي قضتها هدراً! ولهذا علينا الانتباه أهمية وقت المرضى كي لا نقع في الخطأ مجدداً.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي