ما الذي يهم موظفيك أكثر من المال؟

3 دقائق

ظل الاقتصاديون يقولون لفترة طويلة بأن المال لا يشتري السعادة. ومع ذلك، لا تزال الأجور الإجمالية عاملاً رئيسياً بالنسبة لنا عندما نفكر أين نبحث عن عمل. فما هو مدى معرفتنا بكيفية تأثير زيادة الأجور على دوافع الموظفين؟

قد تمثل هذه المعلومة البسيطة الحد الفاصل بين وجود أيدٍ عاملة راضية ومنتجة وأخرى غير راضية ولا منتجة، وتهدر أموال الشركة على المدى الطويل.

بصفتي كبير الاقتصاديين في موقع "غلاس دور" (Glassdoor)، يتمثل دوري في المساعدة في الكشف عن بعض القوى الدافعة الكامنة وراء قرارات الباحثين عن وظائف: لماذا يختارون الوظائف التي يضطلعون بها، وما الذي يعنيهم في العمل، وما سبب حبهم - أو كراهيتهم – لشركتهم أو مديرهم؟

المال لا يمكن أن يشتري السعادة

في "غلاس دور" لدينا نافذة فريدة من نوعها، نطلُّ منها على سوق العمل؛ حيث نستغل آراء المستخدمين والاستقصاءات الخاصة بالمرتبات لنجمع رؤىً حول الشركات ومشاعر الموظفين. وينتج عن ذلك ثروة من البيانات المستقاة من العالم الحقيقي، ما يتيح لنا تحديد العوامل الأبعد من الأجور، التي تسوق السعادة في بيئة العمل.

من أكثر النتائج التي توصلنا إليها إثارة للدهشة، أن أفضل مؤشر لتوقع الرضا عن بيئة العمل، في جميع مستويات الدخل، ليس الأجر بل ثقافة المؤسسة وقيمها، وتليها مباشرة نوعية القيادة العليا وفرص المسار المهني في الشركة. ومن بين عوامل بيئة العمل الستة التي درسناها، كان تصنيف إجمالي الأجر والحوافز دائماً ضمن العوامل الأقل أهمية في السعادة ببيئة العمل.

تُبين حقيقة أن الأجور ليست المحرك الرئيس لرضا العمال مفاجأة ضئيلة للاقتصاديين. لقد حذر آدم سميث بوضوح شديد، في كتاب "نظرية المشاعر الأخلاقية" (The Theory of Moral Sentiments)، الذي ألفه منذ أكثر من 250 عاماً، من أن المكاسب المادية غالباً ما تقلل من إحساسنا بالسعادة ولا تزيده. وأظهرت دراسة مقدمة من الباحثين في جامعة "برينستون" عام 2010، أن الحصول على دخل أعلى يزيد المرء سعادة ولكن للدرجة التي يصل فيها الدخل إلى حوالي 75 ألف دولار سنوياً لا أكثر. وفيما عدا ذلك لا تؤثر الزيادة في الأجر كثيراً على مستوى السعادة، وتكون الغلبة للعوامل الأخرى.

إن التحليل الذي أجريناه في "غلاس دور" هو انعكاس لتلك النتائج في بيئة العمل حيث أخذتُ أنا وعالم البيانات باتريك وونج عيّنة مما يربو على 615 ألفاً من مستخدمي موقع "غلاس دور"، الذين وافونا عبر الموقع بمقادير أجورهم، وكتبوا آراءهم في أرباب أعمالهم منذ عام 2014. وقمنا بتصنيفهم إلى 4 مجموعات من المرتّبات، من الأدنى (وهم الذين يكسبون أقل من 40 ألف دولار في السنة) إلى الأعلى (وهم الذين يزيد كسبهم على 120 ألف دولار سنوياً)، وعاينّا القوة التفسيرية النسبية لكلا الشريحتين من حيث رضا الموظفين. لو نظرنا إلى نموذجنا وكأنه كعكة من القوة التفسيرية، فإن كل سمة من سمات بيئة العمل ستمثل شريحة من الكعكة. والعوامل التي تضم أكبر الشرائح ستكون هي أكبر المحفزات على السعادة في بيئة العمل. إن هذه البيانات متعالقة ببعضها البعض، ولكن بالنظر إلى النتائج المماثلة المستقاة من أبحاث أخرى، فإننا نعتقد أنها رغم تعالقها تقدم للمدراء بعض التوصيات.

الموظفون الذين يكسبون أكثر لهم أولويات مختلفة

على الرغم من أن المال ليس المحرك الرئيس لرضا الموظفين، فإن أولويات المرء في مقر عمله تتغير بالفعل حين يرتفع دخله. على سبيل المثال، تمثل ثقافة المؤسسة وقيمها حوالي 21.6% من أسباب رضا العاملين في المجموعة ذات الدخل الأدنى، بينما ترتفع تلك النسبة إلى 23.4% في مستويات الدخل الأعلى. ويوحي هذا بأن أصحاب الأجور الأعلى يريدون من أرباب أعمالهم مشاركتهم قيمهم ورسم صورة إيجابية للشركة.

تضم العوامل الأخرى التي تزداد أهميتها، كما هو الحال بالنسبة لإجمالي الأجر، نوعية القيادة العليا (التي ترتفع نسبتها في كعكة مؤشر التوقع من 20.4% إلى 22.8% مع ارتفاع الدخل)، وأهمية الفرص الوظيفية (حيث ترتفع من 17.5% إلى 22.8%). فعند مستويات الأجور الأعلى، يزداد تركيز العاملين بوضوح على ثقافة العمل والشواغل البعيدة المدى، كفرص النمو والوصول إلى المناصب القيادية، بدلاً من التركيز على الاهتمامات الروتينية، مثل الأجور والتوازن بين العمل والحياة الشخصية.

وأخيراً، فقد اكتشفنا أن إجمالي الأجر والحوافز، علاوة على أنهما ضمن أقل العوامل أهمية، تتدنى أهميتهما بشدة مع ارتفاع مستوى الدخل. بالنسبة لمن يكسبون أقل 40 ألف دولار في السنة، يمثل الأجر 12.8% فقط من أسباب الرضا عن بيئة العمل. ومع ارتفاع مستوى الدخل، يكون هبوط مؤشر القوة التنبؤية للمرتب والحوافز حاداً، حيث يتقلص إلى 9.8% من الكعكة بالنسبة لمن يزيد كسبهم على 120 ألف دولار سنوياً.

ركّز على الثقافة دون تلاعب بالأجور

على الرغم من أن الأجر ليس أهم محرك لرضا الموظفين، فإن هذه النتائج لا توحي بأن أرباب العمل يمكن أن يتجاهلوه. قد يكون لإجمالي الأجر والحوافز قوة تنبؤية لرضا الموظفين أدنى من العوامل الأخرى، ولكن وفقاً لمسح أجرته "غلاس دور" مؤخراً، فإنهما لا يزالان يمثلان العامل الذي يحتل الصدارة في نظر الباحثين عن وظائف عند تقييمهم لأرباب العمل المحتملين - خصوصاً بالنسبة لطلاب الوظائف الذين يوازنون بين العروض التنافسية. إن مسألة عرض أجور وحوافز تنافسية بغية جذب المواهب لا تزال نقطة حاسمة عند أرباب العمل.

ولكن، لو فرضنا أن أرباب العمل أقدموا بالفعل على عرض أجور تنافسية على مستوى الشركات، فما هي الخطوة التالية لرفع معنويات الموظفين وزيادة مشاركتهم وإنتاجيتهم؟ يشير بحثنا إلى أن التلاعب الزائد بمجموعة عناصر الأجر من غير المحتمل أن يحسّن كثيراً من رضا الموظفين، خصوصاً بين الموظفين ذوي الكسب الأعلى.

على الرغم من أن الأجور قد تساعد في استقطاب المواهب الجديدة في الشركة، فإن بحثنا يظهر أن الشركة من غير المرجح أن تضمن بقاءهم هناك دون استثمارات حقيقية في ثقافة بيئة العمل: مثل الالتزام بالثقافة والقيم الإيجابية، وتحسين نوعية الإدارة العليا، وخلق مسارات مهنية ترتقي بالعمال عبر المنحنى الوظيفي في المؤسسة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي