دراسة حالة: النمو السريع يقضّ مضجع شركة كارفليت

5 دقائق
توضيح: دراسة الحالة هذه مبنية ومستلهمة من دراسة حالة حقيقية أعدتها كلية هارفارد للأعمال عن شركة "كريم".
  • "علينا أن نسأل سامي".
  • "لقد غادر منذ 8 ساعات!".

عند تلك اللحظة، خطر على بال مليكة أنّ الساعة الآن ناهزت الثانية من فجر يوم الجمعة وهي لا تزال في المكتب.

جالت بنظرها بسرعة على حيز المكاتب المفتوحة لترى صناديق الطعام الجاهز مبعثرة هنا وهناك، وزميلا عمل لها غافيان على أريكتان بينما لا تزال أيديهما على حاسبيهما المحمولين، مع وجود ما يقرب من نصف دزينة من الشاشات التي تُصدر إشعارات وامضة تطالب باستجابة فورية.

لأجل ذلك كانت مليكة هناك، تحاول، من جديد، إصلاح مشكلة تبدو مستحيلة، ولم يكن في إمكان أحد أن يتنبأ بحدوثها، والتي تحول من جديد دون عودة فريقها إلى منازلهم وعائلاتهم وهواياتهم وحتى أسرّتهم.

ولم يكن هذا بجديد عليها، إذ كانت تقوم بذلك منذ أن انضمت إلى كارفليت قبل عام. كانت كارفليت شركة تقدم خدمات نقل الركاب وتنمو بوتيرة متسارعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتسهل حياة الناس في المدن ذات البنى التحتية السيئة في بعض الأحيان، كما تقدم خدمات تنقل لا يمكن التنبؤ بها في كثير من الأحيان.

وعلى الرغم من التحدي الكامن في كل ما سبق، كان أكثر ما يشد مليكة هدف كارفليت الأكبر، إذ كانت الشركة تنشئ وظائف جديدة جيدة الأجر ومحترمة بسرعة فائقة في منطقة متعطشة إلى ذلك بشدة. كما كانت الشركة أيضاً تعمل على تحسين حياة مئات الآلاف من السائقين وعائلاتهم لتمنحهم القدرة على الحلم بمستقبل أفضل، وهو أمر كان يملؤها بالفخر.

كانت كارفليت أيضاً واحدة من أسرع الشركات الناشئة نمواً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن لم تكن أسرعها، إذ كانت سرعة نموها تبدو أحياناً غير واقعية. وقد كان تركيز الجميع على النمو، حيث كانوا يتتبعون مؤشرات النمو بفاصل زمني مقداره 15 دقيقة فحسب!

وكانت الفكرة الموجود في ذهن مليكة وفريقها أنّ على كارفليت الحفاظ على سرعة نموها المذهلة إذا ما أرادت تحقيق رؤيتها، الأمر الذي جعلهم يمضون، بعضهم وليس الكل، الليالي في المكتب محاولين إصلاح مشكلة هنا وحل إخفاق هناك، فضلاً عن استكشاف الأخطاء وإصلاحها.

غادر معظم الموظفين الساعة 6 مساء لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في منازلهم، مثل سامي، والذي انضم قبل ثلاثة أسابيع فقط ليتولى منصب مدير سلامة البيانات الذي جرى استحداثه مؤخراً. يشرف سامي على العملية الانتقالية للبيانات من مرحلة البدايات والتي كان فيها أحمد، عبقري الحاسب، المسؤول عن كل شيء، من واجهة المستخدم لتطبيق كارفليت على الأجهزة المحمولة إلى نسخ البيانات احتياطياً على خوادم آمنة. ويترأس سامي حالياً قسماً يتوسع بسرعة ويضم عشرات الموظفين الجدد.

  • "ولكن كيف يمكن للرجل المسؤول عن سلامة البيانات مغادرتنا إلى عطلة نهاية الأسبوع الخاصة به في الساعة 6 مساء؟"، سأل أحد أعضاء الفريق.

وانتشل هذا السؤال مليكة من أفكارها لتجيب:

  • "سامي رجل رائع، ويعمل بجد على تطوير بنية نحن بأشد الحاجة إليها في آلية عملنا الحالية".
  • "لكنه غير حاضر هنا عندما نحتاج إليه".
  • "لديه عائلة وحياة"، أجابت مليكة.

كان للجملة وقع الصاعقة على الفريق والذي تألف من أعضاء صغار في السن ذوي حيوية ونشاط، لكنهم مرهقون بحجم العمل الموكل إليهم. كانوا يعملون لساعات طويلة مقابل رواتب بالكاد تتناسب مع مجهوداتهم. كان أهاليهم وعائلاتهم في بلدانهم الأصلية يعلقون الآمال على أن ينتهي المطاف بأبنائهم في شركة كبيرة محترمة في دبي، وليس مجرد شركة ناشئة لا فكرة حتى لديهم عن قطاع الأعمال الذي تنشط فيه. ولعل أبرز مثال على ذلك السؤال الذي طرحه عم مليكة عليها ذات مرة، إذ قال: "عملكم شرعي لا احتيال فيه، صحيح؟".

لم يفتر الحماس لدى مليكة وفريقها على الرغم من التحديات الكبيرة التي تعرضوا لها في عملهم في وظيفة ذات ضغوطات هائلة وأمور لا يمكن التنبؤ بها، إلا أنّ هذا الشغف بدأ بالتحول بشكل متزايد إلى استياء، إذ كان يتم الإعلان عن تعيين موظفين جدد كل يوم تقريباً، وتوليهم مناصب عليا مع صلاحيات لاتخاذ القرارات المهمة، فضلاً عن تلقيهم لحزم تعويض جذابة وتعيينهم لفرقهم الخاصة، بل وحتى مغادرتهم المكتب في تمام الساعة السادسة مساء.

وكان عدد المرات التي تناول فيها فريق مليكة وجبة الإفطار في مكتبهم بعد العمل طوال الليل أكثر من عدد المرات التي قاموا بذلك في منازلهم، إلا أنهم باتوا الآن يشعرون بأن الشركة التي عملوا بجد للمساعدة في إنشائها تتلاشى بسرعة، إذ بات الوافدون الجدد الآن أكثر عدداً من الحرس القديم وبلا أي فكرة عن كيفية عمل كارفليت. لقد باتت ثقافة كارفليت الفريدة في طور الأفول.

أدركت مليكة أن فريقها كان يعمل على حل مشكلة البيانات منذ 10 ساعات متواصلة، الأمر الذي حذا بها إلى إرسالهم إلى منازلهم للراحة.

ومع رحيل الجميع، جلست مليكة على مكتبها تداعبها الأفكار. "سأقوم صباح يوم الأحد بالحديث مع مؤسسي الشركة فرهاد وويليام وخالد عن ذلك، لكنهم سيرغبون في سماع اقتراح، لا مجرد شكوى. بالتالي، عليّ القدوم بخطة تمنع ثقافتنا من الانحراف عن مسارها". ودونت مليكة بسرعة الأفكار التي راودتها لتتمخض بعد دقائق قليلة عن القائمة التالية:

- صياغة توقعات واضحة وإضفاء الطابع الرسمي عليها (مثلاً، سياسات).

- إطلاق مبادرة لإشراك الموظفين (مثلاً، نادي خاص بالشركة).

- تقديم حوافز محددة (مثلاً، مكافآت حسب مؤشرات الأداء الرئيسة).

- تحسين الهيكل التنظيمي (مثلاً، التسلسل الهرمي).

- تقوية الإحساس بالهدف (مثلاً، المهمة، التأثير).

قررت مليكة أنّ عليها معرفة ما هو السبب وراء انحراف ثقافة الشركة عن مسارها قبل اختيار إحدى تلك التوصيات. ألقى العديد من موظفي الحرس القديم باللوم على حقيقة أن المؤسسين المشاركين لم يعودوا يشاركون في عمليات التوظيف؛ إلا أنه وفي الوقت ذاته كيف يمكنهم القيام بذلك مع انشغالهم الشديد بإدارة شركة قيمتها مليار دولار وتنمو شهرياً بنسبة 30%؟

قالت مليكة لنفسها: "يتحدث الجميع عن نمونا بنسبة 30% شهرياً"، "إلا أنهم لا يرون الصورة الأكبر، إذ يعني معدل النمو هذا أن حجمنا يتضاعف كل 75 يوماً، الأمر الذي يعني أننا ننمو بمقدار 23 ضعفاً في السنة". وأثار هذا العدد القشعريرة في جسدها، إذ كان معدل نمو مقداره ثلاثة وعشرين ضعفاً ببساطة أكثر من أن يتم تجاهله.

عندما انضمت مليكة إلى الشركة، كان تعداد الموظفين فيها 10 أشخاص فحسب، وكانت اجتماعاتهم تُعقد في المقهى الواقع في الشارع المقابل، وكان للجميع صوت متساو. ولكن بعد مرور عام، وصل عدد الموظفين في كارفليت إلى 350 موظفاً تقريباً. وفي حال استمرت في النمو بنفس الوتيرة، سيصل في العام المقبل إلى 8,000 موظف.

"ثمانية آلاف" قالت وهي تستيقظ من شرودها.

"ماذا تقصدين بثمانية آلاف؟" سألها زميلها.

أجابت: "لا شيء". "أنا متأسفة. كنت أفكر فقط في شيء آخر. لنعد إلى العمل. أرني الأرقام من تحول الأمس مرة أخرى. يجب أن تكون هناك طريقة أسهل للقيام بذلك".

في وقت لاحق من صباح اليوم نفسه، وبينما كانت ملكية تتوقف لبرهة لتأمل مشهد الفجر الوردي البازغ في الأفق في دبي من نافذة المكتب، نظرت إلى توصياتها من جديد وقالت لنفسها. "أتساءل عما إذا كانت أي من أفكاري ستنجح. وإذا أعطاني المؤسسون الضوء الأخضر للقيام بأي منها، فمن الذي سيُكلف بذلك؟ لدينا نقص في الموظفين في كل قسم. وإذا وجدت حلاً ناجعاً مع 350 موظفاً، فهل سيظل بذات النجاعة في العام المقبل مع 8,000 موظف؟ هل سيتوجب علينا ربما الانتظار حتى يتباطأ النمو ونجد حلاً ناجحاً وقتها؟".

سؤال: كيف يجب أن تتعامل كارفليت مع التغير في ثقافة الشركة في ظل نموها السريع؟

أخبرنا برأيك في التعليقات أدناه. إذا كنت ترغب في أن يُنشر تعليقك، فيرجى التأكد من ذكر اسمك الكامل والشركة التي تعمل فيها أو الجامعة التي تدرس فيها وعنوان بريدك الإلكتروني.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي