شارون هي نائبة أولى متمرسة لرئيس شركة تكنولوجيا عالمية، لم تتوقع أن تتأثر في أثناء الاستماع إلى كلمة افتتاحية. لكن بينما كان كبير الجراحين الأميركيين السابق، الدكتور فيفيك مورثي، يتحدث واصفاً كيفية تحول الشعور بالوحدة إلى أزمة صحة عامة، حدث شيء ما. قالت لنا: "لم تكن المعلومات جديدة علي، لكنني فجأة لمست الأدلة في كل مكان، داخل فريقي وفي ثقافتنا المؤسسية، وحتى على المستوى الشخصي".
بدأت تصف ما كان يؤرقها بصمت منذ مدة: انحسار المحادثات العفوية، والتراجع الواضح في التفاعل على قنوات تطبيق سلاك، ومعاناة الموظفين الجدد صعوبة في الاندماج، والاجتماعات الافتراضية التي يحرص فيها المشاركون على إغلاق كاميراتهم ولا يحدث فيها أي تفاعل تقريباً. واستوقفتها جملة وردت في دراسة استقصائية حديثة عن الثقافة المؤسسية: "أتطلع في الواقع إلى اجتماعات المتابعة مع فريق تكنولوجيا المعلومات؛ لأنها الوحيدة التي يسألني فيها أحد عن أحوالي. من المفترض أن يكون هذا الاجتماع أشد الاجتماعات رتابة في الشهر، لكنه المكان الوحيد الذي أشعر فيه بأنني إنسان".
لامست تلك الجملة وتراً حساساً لديها. ولم تكن شارون الحالة الوحيدة في هذا السياق؛ فوفق ما نسمعه في مختلف القطاعات، يشير القادة إلى أنهم يلاحظون الظاهرة نفسها: "لم يعد الموظفون يتحدثون كما كانوا من قبل"، "بات التعاون أقرب إلى التعامل المهني المجرد"، "لا يتخذ الموظفون الجدد أي مبادرة". من السهل تفسير هذه التحولات بوصفها احتكاكات ثقافية أو إعياء ما بعد الجائحة، لكنها تشير في الواقع إلى ما هو أعمق من ذلك.
إذا كان الشعور بالوحدة يترك بصمته على المجتمع، فهو يترك بصمته على الفرق التي نقودها، سواء أدركنا ذلك أم لا. فالشعور بالوحدة يقوض بصمت الثقة وتماسك الفريق، وهما عنصران أساسيان يقوم عليهما الأداء والابتكار والقدرة على الصمود. ومن خلال التعامل مع بناء الروابط بوصفه مسؤولية استراتيجية، تتاح للقائد فرصة اغتنام ميزة استراتيجية كبرى، والتحول إلى مهندس يصمم بيئة عمل أكثر صحة وإنسانية.
كيف ورثت بيئة العمل الحديثة أزمة الانفصال الاجتماعي؟
تشير البيانات بوضوح إلى أن الشعور بالوحدة في تزايد مستمر، نتيجة تحولات اجتماعية وتكنولوجية واسعة؛ فالمحادثات العابرة في الممرات، أو تلك الدقائق التي يقضيها الموظف في المشي مع الزملاء بعد الاجتماعات، كانت توفر في السابق فرصة سهلة للتواصل والترابط الاجتماعي، لكن أنماط العمل الهجينة والعمل عن بعد سلبتنا هذه اللحظات. تبدو هذه التفاعلات في ظاهرها بسيطة وغير ذات شأن، وكانت تشكل في الماضي نسيج الترابط في حياتنا، لكنها لا تنتقل بسهولة إلى المنصات الرقمية.
علاوة على ذلك، تتراجع التفاعلات الهادفة لتحل محلها تفاعلات سطحية تجري عبر قنوات تكنولوجية، ما يفاقم المشكلة. فقد يتفاعل المرء مع عشرات الرسائل بالإعجاب أو الردود السريعة، ومع ذلك يظل يشعر بعزلة عميقة. كما تسهم المنصات المعتمدة على الخوارزميات، مثل منصة لينكد إن، في تضخيم توقعاتنا بشأن ما ينبغي أن نشعر به من ترابط اجتماعي أو إنجاز أو إشباع ذاتي. ومع اتساع الفجوة بين ما نظنه ترابطاً وما نعيشه فعلياً، ينشأ شكل من أشكال التنافر العاطفي، يجعل الفرد أقل استعداداً للمشاركة بصدق، ويعزز العزلة التي يعيشها.
ولا بد لهذه الديناميات المجتمعية أن تترك بصمتها على مكان العمل؛ فهي تتسلل إلى ثقافة الفرق وإلى توقعات الأداء وإلى التفاعلات اليومية. فالعمل لا ينفصل عن المجتمع، بل يمتص ضغوطه ويضخم فجواته ويظل أحد الأماكن القليلة التي يبحث فيها المرء عن الإحساس بأن وجوده يحدث فرقاً.
التهديد الصامت لأداء الفريق
يرتبط الشعور بالوحدة بارتفاع مستويات الاحتراق الوظيفي وتراجع الإنتاجية وازدياد معدلات تسرب الموظفين، وهي عوامل تكلف الشركات الأميركية ما يصل إلى 154 مليار دولار سنوياً. وبعيداً عن هذا الأثر المالي القابل للقياس، يشعر القادة بأن ثمة شيئاً قد تغير، لكنهم يجدون صعوبة في تحديد ماهيته. فالأهداف لا تزال تتحقق والموظفون ما زالوا يحضرون الاجتماعات وقنوات سلاك لا تزال قيد الاستخدام. ومع ذلك، باتت الأجواء أقل حيوية، وبات التعاون أقرب إلى التعامل المهني المجرد، وأصبح الحفاظ على روح المبادرة أكثر صعوبة.
يبدأ بناء بيئة عمل تعزز الروابط الإنسانية بالاعتراف بأن الشعور بالوحدة ليس مجرد مسألة شخصية، بل قوة خفية ومنهجية تقوض بصمت أسس الثقة والقدرة على الإبداع والأداء، وذلك بفعل انهيار أوسع في الروابط التي تقوم عليها علاقات العمل.
وما لم يبادر القائد إلى اتخاذ خطوات مبكرة، فسوف تتفاقم الآثار السلبية للشعور بالوحدة بمرور الوقت. فما يبدأ على شكل انسحاب صامت يمكن أن يتحول سريعاً إلى افتقار عميق للانسجام، وينتهي في نهاية المطاف إلى تراجع الإنتاجية. ولا يكمن الحل في اعتماد المزيد من الأدوات، ولا في تنفيذ مزيد من المبادرات التطويرية لبناء الفريق، بل في ترسيخ الترابط على نحو مدروس في طريقة عمل الأفراد معاً.
بناء بيئات عمل أكثر ترابطاً في عصر يهيمن عليه الشعور بالوحدة
تتعامل النظريات التنظيمية التقليدية مع الفرق بوصفها أنظمة مغلقة معزولة عن الضغوط المجتمعية. بيد أن الشعور بالوحدة يتجاوز تلك الحدود؛ فقد بات يعتبر اليوم مشكلة منهجية ذات تبعات مؤسسية. وتشير الأبحاث الحديثة لكونستانس نونان هادلي وسارة رايت إلى أن الشركات كثيراً ما تخفق في تشخيص المشكلة بدقة، إذ تركز على السمات الشخصية للأفراد أو على العمل عن بعد، بدلاً من معالجة العوامل الهيكلية والثقافية التي تغذي حالة الانفصال داخل بيئات العمل.
وانطلاقاً من تلك الرؤى، نرى أن إدارة الفرق بفعالية في عصر يهيمن عليه الشعور بالوحدة تتطلب أن يركز القائد على مستويين متمايزين، لكنهما شديدا الترابط:
- التماسك الاجتماعي والشعور بالانتماء: يمثلان النسيج الرابط داخل الفرق، ويشملان الهوية المشتركة والطقوس الجماعية وممارسات الشمول الاجتماعي، ويولدان شعوراً بالأمان النفسي، ويحدان من الاحتكاكات، ويعززان الإحساس بالغاية المشتركة والطاقة الجماعية. ولا يعني التماسك الاجتماعي التطابق أو التشابه التام، بل يعني أن يشعر الجميع بأنهم موضع اهتمام، وأن إسهاماتهم محل تقدير.
- العلاقات الشخصية الهادفة: وهي الروابط الأعمق القائمة على الثقة، والتي تتجاوز حدود المهام الوظيفية. فعندما يعرف كل فرد في الفريق زملاءه معرفة حقيقية وتتوطد بينهم الثقة، تزداد فعالية تواصلهم وقدرتهم على حل المشكلات على نحو أسرع، وتتعزز قدرتهم على الابتكار المشترك. ولهذا تشكل العلاقات العميقة أحد المفاتيح الجوهرية لمواجهة الشعور بالوحدة وتعزيز الإنتاجية.
ويقتضي تعزيز الروابط في بيئات العمل أن يكون جزءاً أصيلاً من طريقة أداء المهام، لا إضافة جانبية إلى جداول أعمال مثقلة بالمهام؛ فالقائد يحتاج إلى نظام قابل للتكرار يدمج بناء الروابط في نسيج العمل اليومي.
وقد حددنا 5 ممارسات قيادية تكافح الشعور بالوحدة عبر مساعدة الموظف على الشعور بأنه موضع اهتمام، ومحل دعم، وأكثر انسجاماً مع الفريق. تستند هذه الممارسات إلى الأبحاث التي تتناول الأمان النفسي ورأس المال الاجتماعي وتماسك الفريق وثقافة التعلم، كما تستند إلى خبرتنا العملية في قيادة الفرق وتدريبها. وكل ممارسة منها مصممة كي تصبح جزءاً مدمجاً في إيقاع العمل اليومي وطقوسه وهياكله، بحيث تعزز الشعور بالانتماء والثقة والسرعة والقدرة على الصمود والتماسك.
1. بناء تماسك الفريق من خلال هوية مشتركة:
ينشأ الشعور بالوحدة داخل الفرق في كثير من الأحيان من غياب الهوية المشتركة والشعور بالانتماء. فعندما يشعر الموظف بأنه منفصل عن زملائه أو عن الغاية الأوسع لعمله، قد تترسخ العزلة بهدوء، حتى في البيئات التي تحقق مستويات أداء عالية.
ومن خلال تعزيز الهوية المشتركة والشعور بالانتماء، يستطيع القائد الحد من مشاعر العزلة ومساعدة أعضاء الفريق على الشعور بأنهم مرتبطون بشيء يتجاوز ذواتهم. فهذا الإحساس بالترابط يلامس حاجة إنسانية أساسية إلى الانتماء الاجتماعي، ويجعل الأفراد أكثر استعداداً للمثابرة في المهام الصعبة ولدعم بعضهم بعضاً عند مواجهة الشدائد. وفي المقابل، يعزز الشعور بالانتماء استعداد الأفراد لبذل جهد أكبر والثقة المتبادلة؛ فعندما يشعر أعضاء الفريق بأنهم جزء من شيء هادف، فإنهم يتجاوزون حدود الامتثال إلى الالتزام الصادق، وبذلك يقل خطر الشعور بالوحدة في بيئة العمل.
تطبيق عملي: أنشئ سرديات خاصة بالفريق، مثل لحظات الصمود أو الأخطاء أو النجاحات اللافتة، وشاركها في اللحظات المفصلية للفريق، مثل مرحلة إعداد الموظفين الجدد أو الاجتماعات العامة أو إطلاق المبادرات أو الاحتفالات. فالقصص المشتركة تساعد الأفراد على صياغة معنى جماعي وتعزيز هوية الفريق. وابتكر طقوساً بسيطة تجعل التأمل والتعلم ممارسة طبيعية يتشارك فيها الجميع، مثل "خميس الإنجازات والإخفاقات". واشرح الدوافع وراء القرارات؛ فالشفافية تعزز الثقة وتقوي الإحساس بالاتجاه المشترك.
2. تصميم أساليب التعاون لبناء الثقة.
يمثل رأس المال الاجتماعي، الذي يتشكل من خلال تفاعلات متكررة تقوم على الثقة المتبادلة، علاجاً فعالاً للشعور بالوحدة في مكان العمل. فعندما يصبح العمل أقرب إلى التعامل المهني أو الفردي المجرد، يفقد الأفراد البعد الإنساني للعلاقات الذي يساعدهم على الشعور بأنهم موضع اهتمام ومحل دعم وقادرون على الصمود.
وعندما يتعامل القائد مع بناء العلاقات باعتباره مطلباً تشغيلياً لا مجرد نشاط إضافي، فإنه يخلق وسائل مدروسة للترابط تعزز الثقة العميقة وتسهم في تحقيق تنسيق أسرع. وفي البيئات الغنية بالعلاقات تقل احتمالات شعور أعضاء الفريق بالعزلة؛ بل يصبحون أكثر قدرة على مواجهة الضغوط معاً، والتواصل على نحو أكثر انفتاحاً، وإطلاق العنان لمستويات أعلى من القدرة على الإبداع والابتكار.
تطبيق عملي: عين لكل موظف جديد زميلاً مخصصاً لمرافقته في مرحلة الإعداد، يوضح له السياق منذ البداية ويتيح له بناء صلة شخصية تسهل اندماجه. وقد أثبتت أنظمة الزميل المرافق فعاليتها في تسريع عملية الاندماج وتعزيز مستويات التفاعل.
ويمكنك كذلك تضمين "جلسات قصيرة لبناء الروابط" في بدايات المشاريع، وذلك من خلال تخصيص وقت للتعارف وتقديم لمحة شخصية موجزة وتحديد الأهداف المشتركة قبل الانتقال إلى المهام التنفيذية. وتشير الأبحاث إلى أن صياغة التعاون ضمن تفاعلات منظمة ومرتكزة على غاية واضحة، على غرار الدورات القصيرة في منهجية أجايل أو سكرم، تعزز روابط الفريق وتبادل المعلومات، وهما عنصران أساسيان في رأس المال الاجتماعي والابتكار. واحرص على تدوير تشكيل فرق المشاريع على نحو مدروس، مستخدماً التعاون أداة لبناء الثقة بين الأقسام المختلفة، لا مجرد وسيلة لرفع الكفاءة.
3. قدم نموذجاً إنسانياً لبناء فرق أقدر على الصمود:
يمثل الأمان النفسي، أي شعور الفرد بأنه يستطيع الاعتراف بالتحديات أو التعبير عن الضعف دون خوف، عنصراً أساسياً في مواجهة الشعور بالوحدة في مكان العمل. فالقائد الذي يفسح المجال لتفقد عواطف الآخرين بصدق، من دون تهويلها أو النظر إليها نظرة مرضية، يرسل رسالة قوية مفادها أن الترابط الإنساني مسموح به وآمن. وحين يقدم القائد نموذجاً مناسباً للانفتاح، فإنه يمنح الآخرين الإذن لفعل الشيء نفسه، ما يدعم الصحة النفسية، ويقلل الإحساس بالعزلة ويقوي العلاقات داخل الفريق.
تطبيق عملي: ابدأ اجتماعات الفريق بجولة سريعة لتفقد الأحوال وفق نظام الألوان الأحمر والأصفر والأخضر، تتيح للأعضاء طريقة سريعة وخالية من الضغوط للتعبير عن أحوالهم وخلق حالة وجدانية مشتركة تمهد للعمل المقبل. فمثل هذه التفاعلات الشعورية الموجزة تعزز الأمان النفسي وروابط الفريق، وهما عنصران أساسيان في أداء الفرق العالية الكفاءة، وهو ما أكدته نتائج مشروع أرسطو في شركة جوجل.
وفي جلسات المتابعة الثنائية، اسأل الموظف: "ما الذي يمنحك الطاقة في الوقت الحالي؟ وما الذي يستنزفها؟". فمثل هذه الجولات البسيطة المخصصة لتفقد الأحوال تعزز الوعي المشترك والأمان النفسي، وهما عنصران أثبتت الدراسات أنهما يدعمان قدرة الموظف على الصمود. وشارك بين الحين والآخر تحدياً واجهته مؤخراً، لتظهر أن مواجهة الصعوبات جزء من القيادة، لا علامة على الفشل. فهذه الإشارات الصغيرة، على مستوى الفريق والفرد معاً، تسهم بمرور الوقت في بناء الثقة وتقليل الشعور بالعزلة.
4. ترسيخ الشعور بالانتماء من خلال الأنظمة والطقوس:
يتطلب بناء روابط قابلة للتوسع وجود منظومة داعمة، لا مجرد نيات حسنة، لا سيما في البيئات الموزعة أو الهجينة حيث تنتشر مظاهر الانفصال بوتيرة أسرع من انتشار الثقة. وعند تعزيز الترابط بطريقة منهجية، يتحول من مجرد رغبة لدى القادة إلى عادة مؤسسية راسخة، ما يصعب ترسخ الشعور بالوحدة داخل الفرق واستمراره.
تتشكل القواعد والسلوكيات الثقافية وفقاً لما تختار الأنظمة مكافأته؛ فإذا لم يجد الشعور بالانتماء وبناء الروابط انعكاساً له في تقييمات الأداء أو في مراحل إعداد الموظفين الجدد أو في برامج التقدير، فسيكون عرضة للإهمال أو للتطبيق غير المتسق. لكن عند دمج تعزيز الروابط في الأنظمة والطقوس المؤسسية، يزداد شعور أعضاء الفريق بأنهم موضع اهتمام ومحل دعم، ما يقلل مخاطر العزلة ويعزز ثقافة مؤسسية تتبنى القدرة على الصمود والشمول.
تطبيق عملي: في اليوم الثلاثين من عمل الموظف الجديد، اسأله: "هل كانت هناك لحظات شعرت فيها بأنك أصبحت جزءاً حقيقياً من الفريق، أم إنك ما زلت تحاول الاندماج؟". ثم تابع بسؤالين مثل: "ما الذي ساعدك؟" أو "ما الذي كنت تتمنى لو حدث بطريقة مختلفة؟". فمثل هذه المقابلات الاستباقية تتيح الكشف المبكر عن العوائق وتعزيز الشعور بالشمول الاجتماعي، لا سيما عند تكرارها في اليومين التسعين والمائة والثمانين من عمل الموظف.
واعقد جلسات ربع سنوية لمعايرة الثقافة المؤسسية، يراجع فيها الفريق ما ينجح وما بدأ ينحرف عن المسار. ويوصي باحثو السلوك المؤسسي بهذا النهج، مشيرين إلى أن الثقافة لا تترسخ إلا عند مراجعتها بانتظام في ضوء السلوكيات والنتائج.
5. ابدأ بنفسك وكن قدوة في الاعتراف بحاجتك أنت أيضاً إلى بناء الروابط:
الشعور بالوحدة في قمة الهرم القيادي حقيقة لا يمكن تجاهلها، وقد يكون معدياً. فكلما ارتقى الفرد في السلم الوظيفي، قل عدد الأقران الذين يمكنه اللجوء إليهم، وازدادت الضغوط التي تدفعه إلى الظهور بمظهر المتماسك والحاسم وغير المتأثر. لكن شعور القادة بالعزلة دون معالجته ينتقل في كثير من الأحيان إلى بقية مستويات الهرم الوظيفي، بينما تصبح الفرق أكثر قابلية لإعادة بناء الروابط عندما يبادر القائد أولاً إلى تحديد حالات الانفصال وبناء الدعم بين الأقران وإظهار أن الإفصاح عن الضعف أمر آمن.
القادة الذين يعترفون بحاجتهم هم أيضاً إلى بناء الروابط ويسعون لمعالجتها يكونون أكثر قدرة على خلق بيئات يشعر فيها الآخرون بالأمان لفعل الشيء نفسه.
تطبيق عملي: أنشئ مجموعة موثوقة من الموجهين أو الأقران الاستشاريين خارج فريقك المباشر. فالقادة الذين يحصلون على دعم خارجي يفيدون بأنهم يتحلون بمستويات أعلى من القدرة على الصمود وجودة اتخاذ القرار. وراجع جدول مواعيدك: ما مقدار الوقت الذي تخصصه للتحديثات التشغيلية البحتة مقارنة بالوقت المكرس لبناء العلاقات؟ وفي اجتماعك التنفيذي المقبل، فكر في مشاركة لحظة شعرت فيها بالارتباط العميق بعملك، أو بالانفصال عنه. فمثل هذا القدر من الانفتاح على الضعف، عندما يأتي من القمة، يفتح المجال أمام مستويات أعمق من الثقة داخل الفريق.
يشكل الشعور بالوحدة تحدياً ملحاً وفرصة استثنائية في آن واحد. وبالنسبة إلى القادة، يمثل هذا الظرف فرصة فريدة لاتباع نهج مختلف في القيادة.
يتخذ القائد يومياً عدداً لا حصر له من الخيارات الصغيرة المرتبطة بكيفية إدارة الاجتماعات، وكيفية تدفق المعلومات، وكيفية تحديد معايير النجاح. ويسهم كل من هذه الخيارات في تحديد إذا ما كان الأفراد سيشعرون بأنهم محل اهتمام ويتلقون الدعم، وبأنهم جزء من شيء هادف. وفي عالم يتزايد فيه الشعور بالعزلة، ستتمكن المؤسسة التي تدمج بناء الروابط في صميم أسلوب إنجاز العمل من ترسيخ ثقافة أكثر إنسانية، ومن تحقيق ميزة استراتيجية في الوقت نفسه تتمثل في زيادة معدلات استبقاء الموظفين، وتعزيز القدرة على الصمود، وتوطيد الثقة، وخلق نمط من الابتكار لا يظهر إلا عندما يشعر العاملون بأنهم محل اهتمام وآمنون ويحظون بالتقدير الكافي لتقديم أفضل ما لديهم.
إن بناء الروابط ليس مسألة هامشية أو مهارة شخصية ثانوية، بل يشكل بنية تحتية بالغة الأهمية. وربما يكون ترسيخ هذه الروابط هو التحدي القيادي الأبرز في عصرنا.