أمور عليك الانتباه لها عند القيام بتجارب الذكاء الاصطناعي في العمل

7 دقيقة
تجارب الذكاء الاصطناعي
رسم توضيحي لأندي غودمان

توصل مختبر إم آي تي ميديا لاب للأبحاث إلى أن 95% من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي التوليدي لم تحقق عوائد قابلة للقياس، وهي نتيجة تسلط الضوء على مشكلة معروفة تتمثل في أن القادة يكررون حالياً الأخطاء التي ارتكبوها في عصر التحول الرقمي من خلال تمويل المشروعات التجريبية ا…

في وقت سابق من هذا الشهر، أصدر مختبر إم آي تي لاب ومشروع ناندا للأبحاث تقريراً جديداً يبين أن 95% من الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي لم تحقق أي عوائد. هذه هي النتيجة الأحدث بين العديد من النتائج التي تعزز الشكوك في أن الذكاء الاصطناعي سيولد نتائج إيجابية واسعة النطاق. كان نموذج جي بي تي-5 الذي طرحته شركة أوبن أيه آي مخيباً للآمال، ما عزز فكرة أن التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي يتباطأ. أشارت شركة غارتنر إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يدخل حقبة "انحسار الحماس"، وهي المرحلة الثالثة في إطار عمل "دورة حياة الابتكار" الخماسي المراحل، فيما يخص عملية تبني التكنولوجيا.

تقرير معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مفصل أكثر مما تبينه النتيجة السابق ذكرها؛ إذ يرى مؤلفوه أنه على الرغم من أن الأفراد يتبنون أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تزيد إنتاجيتهم، فإن هذه الفوائد غير قابلة للقياس في بيانات الأرباح والخسائر، كما أن الشركات تواجه الكثير من المشكلات عند تطبيق هذه التكنولوجيا على مستوى المؤسسة. بالإضافة إلى ذلك، توصل المؤلفون إلى أن أغلبية المبالغ التي تنفقها المؤسسات على تجارب الذكاء الاصطناعي تتركز في مبادرات المبيعات والتسويق، علماً أن التغييرات التشغيلية الجذرية هي التي تولد العائد على الاستثمار الأكبر عادة.

مع ذلك، هذه النتائج هي التي تقلق القادة. إذا فشلت نسبة 95% من الاستثمارات البالغة عشرات المليارات في تحقيق القيمة، فهل الجهود المبذولة لإجراء التجارب على الذكاء الاصطناعي مجدية حقاً؟ من ناحية أخرى، هل تستطيع الشركات تعلم استخدام هذه الأدوات بطريقة مختلفة عن إجراء التجارب؟ وكيف يجب أن يفسر القادة هذه النتائج؟

بصفتنا باحثين ندرس الذكاء الاصطناعي ونعمل على تدريسه في مجالي تحول الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، نعتقد أن العديد من القادة يرتكبون الخطأ نفسه الذي ارتكبوه قبل عقد من الزمن في عصر التحول الرقمي، وهو التركيز على التجريب (وهذا جيد) لكن دون ضبط التجارب، ما يؤدي إلى نتائج عكسية. على سبيل المثال، تبنى القادة سياسة التجريب والابتكار خلال الموجة السابقة من التحول الرقمي، عندما شعر العديد منهم بالارتباك بسبب هذا التحول وتبعاته المستقبلية. تبنى هؤلاء نهجاً ينص على إجراء عدد هائل من التجارب على أمل أن يولد بعضها عوائد كبيرة.

مع ذلك، ثبت أن عدم تركيز الجهود هو خطأ فادح، فمن دون تحديد المجالات التي توفر فيها التكنولوجيا الرقمية فرص الأعمال (أي التوصل إلى طرق لخلق قيمة هادفة للمستخدمين)، أصبحت فرق العمل مجموعات من الأفراد الذين ليس لديهم مجال تركيز واضح ويفتقرون إلى الموارد، والذين لم يحققوا سوى القليل من النتائج القابلة للتوسع. في مواجهة هذه العوائد المخيبة للآمال، استنتج العديد من القادة أن التجارب في مجال التكنولوجيا الرقمية كانت معيبة بطبيعتها، ما دفعهم إلى إيقافها، واستعاضوا عن التجارب إما بالعودة إلى أساليب العمل المعتادة وإما بالتركيز على بعض المجالات ذات المخاطر المنخفضة، مثل استبدال أنظمة تكنولوجيا المعلومات القديمة أو تطوير أنظمة إدارة الأصول الرقمية التي تولد العوائد على المدى القصير.

ما سبب هذا الفشل؟ على الرغم من أن التجريب مفيد، فإن نتائج التجارب لن ترقى إلى الآمال والتوقعات دون تحديد المجالات التي توفر فيها هذه التجارب فرص الأعمال؛ على سبيل المثال، إحداث تحول في نموذج العمل يفيد العملاء الحاليين والجدد. يبدو ذلك بديهياً، لكن تصويرنا للذكاء الاصطناعي على أنه ثوري ومزعزع يؤدي بنا غالباً إلى عدم الاستفادة منه في تحقيق الهدف الأساسي للأعمال، وهو حل المشكلات التي يواجهها العملاء. يعتمد حل هذه المشكلة على عدد من الخطوات هي: 1) النظر إلى الذكاء الاصطناعي في سياقه السليم بصفته خطوة في عملية تحول أوسع، 2) التركيز على إمكانات الذكاء الاصطناعي في تقديم خدمة أفضل للعملاء، 3) إجراء التجارب في مجموعة ضيقة من المجالات المرتبطة بفرص الأعمال لإثبات الجدوى (مع التركيز على التوسع)، 4) توسيع نطاق التجارب. سنتحدث فيما يلي عن هذه الخطوات بالتفصيل.

النظر إلى الذكاء الاصطناعي في سياقه السليم بصفته خطوة في عملية تحول أوسع

على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي هو حديث الجميع الآن، يجب أن تتذكر أن هذه التكنولوجيا حديثة العهد وتمثل جزءاً من عملية تحول أوسع. التغيير الحقيقي الذي نحاول التكيف معه حالياً هو التحول الجذري من استخدام التكنولوجيا الرقمية في المجالات الهامشية في قطاع الأعمال (على سبيل المثال، كان استخدام تكنولوجيا المعلومات منحصراً في تطوير أجهزة الكمبيوتر المحمولة وشبكات واي فاي والطباعة وإدارة قواعد بيانات تكنولوجيا المعلومات بهدف توثيق النشاطات الأساسية) إلى هيمنة المؤسسات الرقمية بجوهرها (على سبيل المثال، المؤسسات التي ترتكز على سير العمل الرقمي ورحلة العميل بدلاً من تطوير المنتجات). بتعبير آخر، أصبحت الشركات جميعها شركات تكنولوجيا في الكثير من النواحي. بدلاً من أن يؤدي الموظفون المهام استناداً إلى حدسهم وقدرتهم على الحكم، يتحول عالمنا حالياً إلى عالم يتخذ فيه البشر القرارات استناداً إلى البيانات وأدوات الذكاء الاصطناعي التي يشرفون عليها، ولكنهم ليسوا العناصر الفاعلة الرئيسية في وظائفها.

على سبيل المثال، خذ في الاعتبار كيف تتخذ شركة آنت فايننشال القرارات المتعلقة بالإقراض وتتخذ شركة أمازون القرارات المتعلقة بالتسعير؛ إذ يشرف البشر على العملية لكنهم لا يتخذون القرارات بأنفسهم. هذا تحول عميق حقاً، ونحن في خضمه الآن، لكنه سيؤدي في النهاية إلى خلق نوع مختلف جذرياً من المؤسسات، علماً أن ذلك سيستغرق سنوات عديدة. إن إدراك هذا السياق يذكر القادة بأن الهدف هو إحداث تحول في الأعمال يضمن استخدام التكنولوجيا لخدمة العملاء على نحو أفضل وأسرع وأسهل وأقل تكلفة وما إلى ذلك. الذكاء الاصطناعي بمختلف أنواعه (بما في ذلك الذكاء الاصطناعي التوليدي) هو مجرد أداة من بين العديد من الأدوات التي تساعد على تحقيق هذا التحول. تماماً كما أحدثت الإنترنت تغييراً جذرياً في طرق تقديم الخدمات للعملاء دون المساس بالغاية من تقديم الخدمات لهم، يجب أن ننظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه وسيلة لتحقيق النجاح فحسب.

التركيز على تقديم خدمة أفضل للعملاء

الهدف من استخدام الذكاء الاصطناعي هو تقديم خدمة أفضل للعملاء، وإدراك ذلك يساعد القادة في التركيز على النتائج المرجوة من التجارب. المستقبل غير واضح المعالم بطبيعته، ولا يعلم أحد كيف ستتطور هذه التكنولوجيا ولا يمتلك أحد دليلاً إرشادياً دقيقاً يضمن النجاح في المستقبل حتى لو ادعى ذلك. على هذا النحو، التجريب ضروري لتحديد طرق استخدام الذكاء الاصطناعي التي تحدث تحولاً في الشركة يحقق مصلحة العملاء على نحو أفضل.

في ظروف عدم اليقين الاستراتيجي هذه، التي لا يركز فيها الكثيرون على المجالات الصحيحة ويفتقرون إلى التوجيه، يكون اعتماد النهج الذي ينص على إجراء عدد هائل من التجارب على أمل نجاح إحداها مغرياً. لكن هذا النهج المشتت لا يلبي الاحتياجات الأساسية عادة. لاحظنا أن الكثير من القادة الذين تغريهم معجزات الذكاء الاصطناعي التوليدي المزعومة يفوتون الإمكانات الحقيقية لتحول الذكاء الاصطناعي كما غفلوا عن جوهر التحول الرقمي. تخلق العناوين التي تذكر "الزعزعة" و"التغيير الجذري" (التي تشبه نبرتها نبرة نظيراتها المنشورة قبل عقد من الزمن) حالة من الذعر والتشتت.

لن تصبح شركتك مثل شركة ميتا أو أمازون أو جوجل، ويجب ألا يكون هذا هدفك على أي حال. توقف عن مقارنة شركتك بالشركات التي قرأت عنها والتي فصلت 80% من قوتها العاملة تحضيراً لهيمنة الذكاء الاصطناعي. ستعثر على الفرصة الحقيقية، أي تلك التي ستحقق عوائد فعلية، عندما تقيم بدقة عمليات مؤسستك الداخلية ورحلة العميل الخارجية فيها، وتركز أولاً على آليات خلق القيمة الحقيقية القصيرة المدى باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.

احرص على تبني وجهة النظر هذه لتحديد المجالات التي يجب التركيز عليها في تجارب الذكاء الاصطناعي. ابدأ بتقييم استراتيجية مؤسستك وتحديد المجالات التي يمكن فيها خلق القيمة، إما بإحداث تحول في أحد النشاطات الأساسية وإما في تحقيق مصلحة العملاء على نحو أفضل. نطلق على هذه الطريقة غالباً اسم "حصان طروادة" في تبني الذكاء الاصطناعي لأنها بمثابة مدخل يحقق المنفعة الفورية ويضع مؤسستك بالنتيجة على الطريق الصحيح نحو التعلم بالممارسة. الخطوة الثانية هي تحديد التجارب الأنسب لتحقيق ما سبق. اتضح أن هذه إحدى أهم النتائج لتقرير إم آي تي ميديا لاب على الرغم من أن المؤلفين لم يركزوا عليها بما يكفي؛ إذ إن القادة يلاحقون الاستخدامات الشكلية للذكاء الاصطناعي في مجال التسويق ويتجنبون تغيير نموذج العمل جذرياً.

إجراء التجارب لإثبات القيمة مع التركيز على التوسع المستقبلي

ما هي آلية إجراء هذه التجارب؟ يجب أن تحقق التجارب ثلاثة شروط: 1) خلق القيمة الحقيقية، 2) التكلفة المنخفضة قدر الإمكان بما يضمن القدرة على التكرار لجمع الخبرات وتحسين النتائج، 3) التصميم الذي يمكن من توسيع نطاق التجارب في النهاية بهدف خلق القيمة. تبدو هذه الشروط بسيطة، لكن تحقيقها ليس كذلك. يجري بعض القادة التجارب دون التفكير في آليات توسيع نطاقها، بينما يتخبط آخرون وهم يفكرون في طرق لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي على مستوى المؤسسة مباشرة.

السر هو تحقيق التوازن؛ إذ عليك أن تسأل نفسك: "هل هذه المشكلة التي نحاول حلها بالتكنولوجيا خطيرة بما يكفي لنحلها؟" و"إذا توصلنا إلى حل، ما الذي يتطلبه تطبيقه على مستوى المؤسسة؟" يمكنك تحديد المشكلات التي يجب حلها من بين المشكلات العديدة التي قد تكون مطروحة من خلال تطبيق إطار عمل آي إف دي الذي طورناه. يتألف إطار العمل هذا من ثلاثة عناصر، وهي الخطورة (أي الآثار السلبية المترتبة على المشكلة) والتواتر (تواتر ظهورها) والانتشار (عدد المستخدمين المتأثرين بها أو عدد مرات ظهورها). طورنا إطار العمل هذا من خلال دراسة الشركات الراسخة وهي تحدد الأفكار التي يجب أن تتابعها. على سبيل المثال، قد يتوصل أحد المبتكرين إلى فكرة تطوير أدوات رقمية تساعد مدراء الشقق على طلب خدمات الإصلاح، بينما قد يتوصل آخر إلى فكرة تطوير جهاز لمراقبة الأطفال ينبه الوالدين إذا توقف الطفل عن التنفس. ما هو تواتر مواجهة هؤلاء العملاء لهاتين المشكلتين؟ يواجه مدراء الشقق المشكلة من حين لآخر، لكن الآباء يسعون للتحقق من سلامة أطفالهم كل ليلة. ما مدى خطورة المشكلتين؟ من المرجح أن المشكلة منخفضة الخطورة بالنسبة لمدراء الشقق بما أن لديهم مزودين معتمدين لخدمات الإصلاح بالفعل، أما بالنسبة للآباء، فالمشكلة شديدة الخطورة. أخيراً، ما هو مدى انتشار المشكلتين؟ عدد مدراء الشقق الذين يلبون المعايير المطلوبة لجعل الأداة مجدية اقتصادياً أقل بكثير من عدد الآباء الذين يلبون هذه المعايير. يساعدك تطبيق إطار العمل هذا على تقييم قيمة الأفكار التي تحل المشكلات المختلفة.

توسيع نطاق التجارب مع الفرق الصغيرة والماهرة والمستقلة

يمكنك توسيع نطاق التجارب بمجرد إثبات قيمتها، لكن ذلك يتطلب تطبيق آلية توسيع النطاق بعناية. دائماً ما يترافق نقل مشروع ما من مرحلة التجريب إلى مرحلة التوسع مع تحديات جديدة وغير متوقعة. يجب أن يتولى شخص لديه القدرة على إحداث التغيير مسؤولية المبادرة، كما عليه أيضاً أن يقود الفريق مع تخصيص الوقت الكافي والموارد الكافية لإحداث التغيير. تتمتع فرق التوسع الصغيرة والماهرة والمستقلة هذه بدعم القيادة العليا، وهي قادرة على التواصل مع العديدين على مستوى الشركة لتوفير الموارد، كما أنها تركز على توسيع نطاق التجارب (أجرينا مقابلات مع فرق من هذا النوع في أمازون وكوالتريكس و7-إيليفين وشركات أخرى).

عندما يصل التوسع إلى المستوى الملائم للمشروع، كرر العملية. بالطبع، إن توسيع النطاق بما يكفي لإحداث التحول على مستوى المؤسسة يتطلب تحقيق المزيد من الشروط، مثل وضع الأسس الرقمية المطلوبة (التكنولوجيا وأنظمة البيانات والعمليات المؤتمتة)، وهو شرط لم تحققه الأغلبية العظمى من الشركات. مع ذلك، تساعدك هذه العملية على تحديد الآلة الجوهرية لإحداث التحول، وهي الآلية التي تساعد الشركات على تجنب هدر الموارد والحصول على الفوائد الحقيقية للتحول الجذري الذي يحدثه الذكاء الاصطناعي.

مع تجاوزنا مرحلة الحماس للذكاء الاصطناعي، قد يظن العديد من القادة أن العقبات التي يواجهونها عند تطبيق هذه التكنولوجيا في مؤسساتهم تجعل الذكاء الاصطناعي عاجزاً عن خلق القيمة. قد يفوت هؤلاء فرصة الاستفادة من التحول الذي يحدثه الذكاء الاصطناعي تماماً كما لم يستفد الكثير من القادة من التحول الرقمي (وهم الآن يحاولون اللحاق بالركب). الذكاء الاصطناعي قادر على خلق القيمة، ونحن نشهد بالفعل تقدماً كبيراً (مثل تحسين العمليات الخلفية باستخدام الأنظمة المتعددة الوكلاء). مع ذلك، يعتمد خلق القيمة دائماً على تصميم التجارب وقدرة الفرق على اكتشاف الطرق التي تستطيع وفقها الأدوات الجديدة أن تخلق القيمة للعملاء. بغض النظر عن فعالية الأدوات الجديدة التي سنطورها في المستقبل، سيظل هدف الأعمال نفسه، وهو حل المشكلات الكبيرة التي يواجهها العملاء.

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي