طريقة ريتشارد برانسون في التوظيف

2 دقيقة
ريتشارد برانسون

في إحدى المقابلات الوظيفية، قرر رائد الأعمال ومؤسس شركة فيرجن ريتشارد برانسون أن يختبر شيئاً مختلفاً. تنكر في زي سائق تاكسي مسن بوجه متجعد وعصا في يده، وتوجه إلى المطار ليستقبل المرشحين الستة للوظيفة، دون أن يكشف هويته، بل اكتفى بالمراقبة.

حينما أراد نقل المرشحين بهذه السيارة التي تم إرسلها لهم مع السائق، قرر برانسون وكان هو السائق العجوز المتنكر بأن المرشح الذي طلب من السائق حمل الحقيبة تم رفض توظيفه، بينما الذي بادر إلى حمل حقيبته بنفسه وساعد السائق كبير السن على دخول السيارة تم قبوله.

قد تبدو القصة طريفة، لكنها تحمل معياراً حاسماً في عالم الأعمال العربي أيضاً: هل تهتم بالناس فعلاً؟ أم بالمظاهر فقط؟

برانسون لا يبحث عن عباقرة أرقام ولا عن مدراء بشهادات مذهبة، بل عن أشخاص يحبون الناس. فالشركة في النهاية مجموعة من البشر قبل أي شيء آخر كما قال.

ينتمي ريتشارد برانسون إلي نوع القادة الذين يتبعون نمط إداري يسمّى "إدارة عدم التدخل - Laissez-Faire Leadership"، وهي الإدارة التي تعتمد على فريق العمل الذين يؤمن بهم القائد ويترك لهم العمل بناء على توجيهات عامة وثقة كبيرة منه. وفي هذا النموذج، تكون المهمة الأصعب للقائد التركيز على اختيار هؤلاء الموظفين الذين يعمل معهم.

القائد والمدير

في بيئات العمل العربية، نعاني أحياناً مدراء يتصفون بالجفاف، فهم لا يتفاعلون مع موظفيهم ولا يظهرون أي جانب إنساني. لا يصغون جيداً، ولا يهتمون برفع المعنويات، ويدخلون الاجتماعات كما لو أنهم يخوضون معركة لا يعملون ضمن فريق.

وهنا يبرز جوهر الموضوع. فالقائد الذي لا يفرح لنجاح موظفيه لا يبني بيئة ناجحة، بل يهدمها من الداخل. تماماً كما قال برانسون: إذا فقدت المعنويات، يصعب استعادتها.

يبقى السؤال العملي لنا بصفتنا قادة شركات ومدراء في العالم العربي: هل نقيّم المدير استناداً إلى إنتاجيته وحدها؟ أم إلى قدرته على بناء فريق ناجح مهتم بالهدف النهائي من حوله؟

المستقبل لا يحتاج مدراء أقوياء فحسب، بل يحتاج بشراً يعرفون كيف يزرعون السعادة في فرقهم. ففي النهاية، الشخص الذي يساعد السائق العجوز هو الذي يستحق قيادة الفريق.

يقول الخبير الإداري والتسويقي سيث غودين، إن الفرق بين المدير والقائد يكمن في أن المدير يهتم بالأنظمة، بينما يهتم القائد بالناس، أي بالموظفين وباستعدادهم لتحمل مسؤولية القيادة نحو هدف المؤسسة. كما يوضح المدرب الإداري سايمون سينيك أن دور المدراء لا يتمثل في الاهتمام بالعملاء، بل في الاهتمام بالموظفين وإدارتهم على النحو الأفضل لكي يهتموا بالعملاء.

لا للمرتزقة

أما الاهتمام بعقلية المرشح من حيث المبادرة والرغبة في إصلاح الأخطاء والعناية بالآخرين، فقد أصبح معياراً مهماً لدى القادة، لأنه يبني ثقافة عمل قادرة على تحقيق نجاح مستدام وحقيقي، يقوم به موظفون يمتلكون الشغف والالتزام برسالة الشركة، لا مجرد "مرتزقة" باحثين عن راتب كما يسميهم جيف بيزوس.

وأختتم بقصة مماثلة رواها لي رجل أعمال عربي. قال إنه يتعمد جعل اللوحة خلف مكتبه مائلة قليلاً عند مقابلة مرشحين للوظيفة، ثم يحاور المرشح، وفي النهاية يطلب منه طرح أي سؤال أو تعليق. فإذا أشار المرشح إلى أن اللوحة خلفه مائلة، فمن المرجح أن يمنحه الوظيفة، لأنه شخص مبادر لا يتجاهل الخطأ ويهتم بالجودة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي