كيف تتخذ قراراً قيادياً في مدى تطبيق الذكاء الاصطناعي في العمل؟

4 دقيقة
الذكاء الاصطناعي هو المستقبل
أوكسجين/غيتي إيميدجيز

تعجز الشركات عن تحقيق العائد على استثماراتها في الذكاء الاصطناعي لأنها ما زالت تنظر إلى الذكاء الاصطناعي من منظور ضيق معزول، فتراه حلاً منفصلاً ومجزأ لا منظومة متكاملة من البيانات والبرمجيات والعمليات يمكنها الاستفادة منها لإحداث تغييرات جذرية على طرق العمل.

لقد حان الو…

يقول الفكر السائد إن الذكاء الاصطناعي هو المستقبل ومن الضروري الاستثمار فيه باستمرار، وهذا يدفع قادة الشركات الكبرى إلى الإنفاق على هذه الاستثمارات وتوسيعها على نحو يزداد سرعة يوماً بعد يوم، ويوافق قادة الشركات في أنحاء العالم على استثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي. وتتوقع المؤسسة الدولية للبيانات "آي دي سي" أن يصل الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي إلى 632 مليار دولار بحلول عام 2028.

ثمة سبب وجيه للإيمان بقدرة الذكاء الاصطناعي على تغيير طرق عمل الشركات على المدى الطويل؛ فنحن نشهد الموجة الثالثة من تطور هذه التكنولوجيا، المتمثلة في الذكاء الاصطناعي الوكيل، وهي قادرة على تغيير طرق تحقيق القيمة في الشركات.

ولكن غالبية الشركات لا تسير في الاتجاه الصحيح لتحقيق هذه القيمة؛ فعلى الرغم من نمو الذكاء الاصطناعي ما زالت 51% من الشركات تفتقر إلى القدرات الناضجة لاستخدامه، و4% منها فقط تستفيد منه لتحقيق ميزة تنافسية. تعجز الشركات عن تحقيق العائد على استثماراتها في الذكاء الاصطناعي لأنها ما زالت تنظر إلى الذكاء الاصطناعي من منظور ضيق معزول، فتراه حلاً منفصلاً ومجزأ لا منظومة متكاملة من البيانات والبرمجيات والعمليات يمكنها الاستفادة منها لإحداث تغييرات جذرية على طرق العمل.

لذلك فالقادة بأمس الحاجة إلى نهج يساعدهم على صنع قرارات أذكى فيما يخص الذكاء الاصطناعي مع التركيز على القيمة وتجنب إنفاق الأموال على مجموعة حلول جديدة على أمل أن ينجح أحدها؛ إذ يتعين عليهم الحرص على الاستثمار في المجالات الأساسية التي تولد القيمة في المستقبل من أجل بناء ميزة تنافسية. ولدينا طريقة بسيطة يمكن لأي شركة الاستفادة منها.

خذ وقفة وفكر ملياً

قلة من الشركات اليوم تولد القيمة أو تزعزع قطاعاتها باستخدام الذكاء الاصطناعي؛ لذا نوصي بالتوقف عن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي على نحو يؤدي إلى تآكل القيمة. إذا كنت تستثمر في مجالات لا تمثل جوهر القيمة لشركتك حالياً ومستقبلاً فأنت تهدر وقتك ليس إلا، وإذا كنت تستثمر في حلول تعمل شركات التكنولوجيا الضخمة على بنائها فعلاً فأنت تهدر طاقتك في جهود مكررة.

بدلاً من ذلك، انتظر؛ فالسوق ستتطور وتبتكر حلولاً تناسبك، وعلى الأرجح ستتمكن في المستقبل القريب من شراء حل بتكلفة أقل بكثير من تكلفة بنائه اليوم أو صيانته على المدى الطويل.

عملنا مع شركة عالمية في مجال الصناعات الكيميائية كانت تجري تجارب على الذكاء الاصطناعي في أقسام المؤسسة المختلفة من خلال اختبارات صغيرة، ولكنها لا تلتزم باستراتيجية واضحة. كان من الواضح أن قادتها كانوا يعتبرون الذكاء الاصطناعي حلاً ظرفياً مثيراً للاهتمام لا نقطة تحول جذرية في القطاع.

ومن أجل التعامل مع الذكاء الاصطناعي بأسلوب استراتيجي، توقف قادة الشركة عن إنفاق أموال الاستثمار في الذكاء الاصطناعي على التجارب العشوائية؛ إذ أدركوا أن غالبية الاختبارات ستفشل حتى لو أثبت بعضها قيمته، ولن تكون سوى هدر للوقت والموارد، فتوقفوا عن البحث عن الحلول التكنولوجية وبدؤوا يستثمرون فيما يرغبون في تحقيقه من نتائج تجارية تحدث تغييراً جذرياً.

التفكير من أجل تغيير المنظور

تشهد القطاعات انتقال القيمة عبر مسارات غير متسلسلة بطبيعتها غالباً، وعلى القادة أن يفهموا هذه التغييرات كي يحددوا الفرص والمخاطر المستقبلية وأسبابها والقوى التي توجهها. فكر في تطور قطاعك على مدى السنوات الثلاث المقبلة؛ ما هي الاتجاهات التي يمكنك ملاحظتها الآن؟ ما هي أبرز السيناريوهات المحتملة؟ ثم فكر في طرق الاستثمار في حلول الذكاء الاصطناعي أو بنائها كي تتمكن من المنافسة والفوز في المستقبل.

يكمن سر النجاح في الاستثمار بالمستقبل لا العمل على تحسين الأمس؛ فخلق القيمة لا يتبع مساراً متسلسلاً؛ لذا يتعين عليك التفكير في المستقبل أولاً، ثم التفكير فيما مضى كي تضمن اختيار الاستثمارات الصحيحة في المجالات التي تتيح لشركتك الاستفادة من تفوقها على منافسيها في توليد القيمة.

إذا كانت لديك ميزة تنافسية في سلسلة التوريد مثلاً، فلا تفترض أن استثمارك في الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون في سلسلة التوريد أيضاً، بل فكر في المجالات المستقبلية التي ستحقق أكبر عائد في السوق لشركتك وقطاعك. اسأل نفسك:

  • ما هو العامل الأساسي الذي يميزنا عن منافسينا اليوم؟
  • كيف سيتغير مع مرور الوقت؟
  • ما هو عامل التميز الأقوى للفوز في المستقبل، ولماذا؟
  • ما هي الأسواق المجاورة والقوى التي ستظهر، وما هي التغييرات التي ستفرضها على طرق العمل؟

بعد أن أوقف قادة الشركة العالمية التي عملنا معها إنفاقهم على تجارب الذكاء الاصطناعي، فكروا في مستقبل الصناعات الكيميائية ووضعوا بعض التوقعات الرئيسية:

  • سيزداد اعتماد المنافسة في القطاع على خفض التكاليف، وسيبدي العملاء استعداداً لدفع مزيد من المال لقاء التمايز؛ فركز القادة على كفاءة سلسلة التوريد من أجل الفوز، ولكنهم أدركوا أيضاً أن ذلك سيصبح شرطاً أساسياً للاستمرار مع مرور الوقت.
  • ستصبح عمليات البحث والتطوير القائمة على الذكاء الاصطناعي عامل تمييز له أهمية حاسمة في التنويع والنمو، وسيكون من الضروري الموازنة بين ابتكار المنتجات أو الخدمات من جهة، والتصميم وفق الميزانية والمدة المتوقعة لطرح المنتج في السوق من الجهة الأخرى.
  • ستؤدي طريقة تفاعل الشركة مع العملاء وتقديمها ما يحتاجون إليه فعلاً إلى تعزيز مكانتها ومنحها مكانة مميزة حقيقية في السوق.

تغيير المنظور من أجل التركيز

ما إن توقف تدفق الاستثمارات المستمر على كل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي وتأخذ وقفة للتفكير في فرص السوق المستقبلية، ستتمكن من الاستثمار في المجالات التي تضمن لك تحقيق القيمة والتميز.

ضاعف استثماراتك في المجالات الأساسية التي تضمن حصولك على ميزة المتحرك الأول واستخدم الذكاء الاصطناعي من أجل خلق القيمة المستقبلية. واعلم أن الشركات التي ستفوز في حقبة الذكاء الاصطناعي المقبلة هي التي تستثمر في موظفيها وعملياتها إلى جانب استثمارها في التكنولوجيا؛ فالاستثمار في الحلول التكنولوجية فقط ليس كافياً بالتأكيد.

أعادت شركة الصناعات الكيميائية التي عملنا معها صياغة استراتيجيتها للتركيز باستمرار على خلق القيمة من خلال الاستثمار في الابتكار المدعوم بالذكاء الاصطناعي ضمن قسمي البحث والتطوير والعمليات التجارية، وتبنى قادتها عقلية رأس المال المغامر؛ فحافظوا على المرونة في العمل والبناء على النجاح حيثما تظهر النتائج الإيجابية، ولم يترددوا في إيقاف مشروع أو إنهائه إذا فشل. حرصوا على التفكير في طرق الاستثمار في الموظفين والعمليات والتكنولوجيا في آن معاً من أجل تصميم تحول يجذب مزيداً من الموارد البشرية المميزة ويحقق أقصى استفادة من قوة العمل الحالية. أدرك قادة الشركة أن الذكاء الاصطناعي نقطة تحول جذرية وليس تغييراً تدريجياً متزايداً، وبالتالي كان عليهم وضع استراتيجية أكبر بكثير من مجرد السعي وراء حل جزئي.

الحقيقة واضحة وضوح الشمس: سنشهد سباقاً متسارعاً لابتكارات الذكاء الاصطناعي الجديدة، وقد حان الوقت لوضع أساس قوي للتحول الذي ستحدثه في شركات العالم؛ على كل قائد وضع استراتيجية واضحة المعالم تضمن تقدم شركته من خلال استثمارات الذكاء الاصطناعي التي تحقق القيمة لا التي تشتتها أو تدمرها.

بغض النظر عن القطاع الذي تعمل الشركة فيه، فقد حان الوقت ليغير القادة أسلوبهم في التعامل مع الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، وسينتقل القادة الناجحون من عقلية الإنفاق على نطاق واسع إلى نهج أذكى قائم على خلق القيمة.

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي