ملخص: تكشف نتائج استقصاءنا السنوي السادس أن الشركات التي تبني المشاريع الجديدة على نحو متكرر تحقق أعلى عائد على الاستثمار، مستفيدة من الخبرة المتراكمة والاستخدامات المتقدمة للذكاء الاصطناعي في آن معاً.
-
رغم تقلبات الاقتصاد الكلي في 2025 وتراجع ثقة المستهلكين، تواصل الشركات المتمرسة دفع جهود بناء مشاريع جديدة وبمعدلات أعلى من السابق.
-
الشركات التي بنت مشاريع خلال السنوات الخمس الماضية كانت أكثر التزاماً؛ إذ زادت تركيزها على بناء مشاريع جديدة 13 مرة مقارنة بغيرها، وجعلتها 58% منها ضمن أهم 5 أولويات.
-
ارتفعت نسبة نجاح المشاريع الجديدة من نحو 43–44% إلى 50%، ما يعكس تحسن قدرة الشركات على اتخاذ قرارات محسوبة.
ما إن تشتعل شرارة الحماس للعمل الريادي لدى المسؤول التنفيذي يصبح من الصعب إخمادها؛ تكشف أحدث دراسة استقصائية أجرتها ماكنزي حول بناء المشاريع المؤسسية أن قادة الشركات التي أطلقت مشاريع جديدة تتولد لديهم رغبة في إطلاق المزيد، وتشير ردود المشاركين إلى أنه خلال السنوات الخمسة الماضية، كانت الشركات التي أطلقت مشاريع جديدة من منتجات أو خدمات أو أعمال جديدة بالكامل تتجاوز التحسينات التدريجية وتخلق مصادر دخل جديدة، تعطي الأولوية لبناء المشاريع أكثر مقارنة بغيرها. ويؤكد التنفيذيون المشاركون في الاستقصاء أن هذه الجهود تحقق عوائد أسرع وباستثمارات أقل مقارنة بالسنوات السابقة، وكلما زاد عدد المشاريع التي يبنونها، زادت نسبة النجاح التي يحققونها.
تشير النتائج أيضاً إلى نضج مهارات بناء المشاريع لدى الشركات عموماً؛ ففي استقصاءنا السنوي السادس حول هذا الموضوع، أظهرت المشاريع الجديدة المبلغ عنها تحقيق إيرادات أكبر في مراحل مبكرة مقارنة بالماضي. كما أن الممارسات التي تميز الشركات الناجحة في بناء المشاريع تجاوزت العناصر الأساسية التي ظهرت في السنوات السابقة، مثل وجود راع من الإدارة العليا وتوافر الموارد المالية الكافية. وتحديداً، تستخدم الشركات الناجحة تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي لتمكين بناء المشاريع الجديدة، ويقول العديد من المشاركين إن مشاريعهم المستقبلية ستكون مدفوعة بالبيانات والذكاء الاصطناعي.
البيئة الاقتصادية الكلية لا تردع رواد بناء المشاريع
في عام 2025، واجهت الشركات تحديات فرضتها بيئة الاقتصاد الكلي الحالية، إذ تتزاحم الاضطرابات الجيوسياسية والتغييرات على السياسات التجارية وتتنافس على انتباه المسؤولين التنفيذيين.
تعكس ثقة المستهلكين التي تراجعت إلى مستويات أدنى من المتوسط حالة انعدام اليقين الاقتصادي السائدة، ولكن على الرغم من هذه العوائق، نجد أن الشركات ذات الخبرة في بناء المشاريع الجديدة ما زالت ملتزمة بها. في الواقع، تضاعف الشركات التي بنت مشاريع جديدة خلال السنوات الخمسة الماضية جهودها، إذ زادت تركيزها على بناء المشاريع الجديدة خلال العام الماضي 13 مرة مقارنة بغيرها، وكان بناء المشاريع الجديدة ضمن أول 5 أولويات لدى 58% منها، ما يشير إلى أن الشركات ترغب في مواصلة بناء المشاريع الجديدة بعد تجربتها الأولى.
غالباً ما تنجح الشركات التي تتخذ قرارات محسوبة لبناء مشاريع جديدة. فبعد عدة سنوات تراوحت فيها نسبة المشاريع الناجحة بين 43% و44%، تبين من ردود المشاركين في الاستقصاء الأخير أن النسبة ارتفعت إلى نحو 50%.
تحقق هذه الشركات عوائد كبيرة، إذ ارتفعت هذا العام نسبة المشاريع الجديدة المبلغ عنها التي حققت إيرادات سنوية تزيد على 10 ملايين دولار، وقال 61% من المشاركين في الاستقصاء إن مشاريعهم الجديدة تعدت هذا المبلغ بعد كانت نسبتهم في 2023 تعادل 45% (الشكل 1).
بالتمعن في البيانات أكثر يتبين أن نسبة المشاركين الذين أبلغوا عن عائدات بين 50 مليون دولار و100 مليون دولار بلغت نحو الضعفين، ورافقها انخفاض في عدد المشاريع الجديدة التي قلت عائداتها عن مليون دولار. كما تشير النتائج إلى أن المشاريع الجديدة تولد القيمة على نحو أسرع مقارنة بالأعوام السابقة. كما انخفض متوسط عمر المشاريع التي قال المشاركون إنها ولدت عائدات تزيد على 10 ملايين دولار إلى نحو عامين ونصف العام (31 شهراً) مقارنة بأكثر من 3 أعوام (38 شهراً) في الدراسة السابقة.
كما تشير النتائج أيضاً إلى أن بناء عدد أكبر من المشاريع الجديدة أفضل، فالمحفظة التي تضم عدة مشاريع تولد عائدات أكبر بحسب المشاركين في الاستقصاء؛ قال 59% من قادة الشركات الذين أطلقوا 3 مشاريع جديدة أو أكثر في الأعوام الخمسة الماضية إن مشاريعهم الجديدة حققت أكثر من 10% من إجمالي الإيرادات على مستوى المؤسسة بأكملها، مقارنة بنسبة 32% من قادة الشركات التي أطلقت مشروعاً جديداً واحداً فقط.
كما لاحظنا اختلافات في مستويات النجاح مرتبطة بمجال التركيز الأساسي في المشاريع الجديدة؛ فمشاريع المنتجات والخدمات الرقمية، مثل البرمجيات وتطبيقات الهواتف والمنصات القائمة على السحابة الإلكترونية، كان متوسط عائداتها أعلى من مشاريع بناء الأجهزة أو السلع المادية.
الشركات تقلل تعرضها للمخاطر وتصل إلى نقطة التعادل خلال عامين
تشير أبحاثنا إلى أن الشركات تتبع نهجاً حذراً في استثماراتها في بناء المشاريع الجديدة. وتظهر النتائج أنها تنشئ مشاريع جديدة استناداً إلى مفاهيم مثبتة أو أصول قائمة، وتبقى غالباً ضمن القطاع الذي تعرفه، وتستخدم الذكاء الاصطناعي لبناء المشاريع بكفاءة أكبر في حين يمكن لتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي أن تخلق قيمة كبيرة للشركات مهما كان عدد موظفيها قليلاً، فتحقق بالنتيجة نقطة التعادل بعد استثمارات أقل، وينطبق ذلك بدرجة أكبر على الشركات التي تبني أكبر عدد من المشاريع. وجدنا في أبحاث العام الماضي أن متوسط الاستثمار المطلوب قبل أن يحقق أي مشروع جديد نقطة التعادل بلغ نحو 125 مليون دولار، بينما شهد هذا الرقم هذا العام انخفاضاً كبيراً ليصل إلى 77 مليون دولار (الشكل 2). وهذا يعني أن المتوسط المرجح للاستثمار المطلوب للوصول إلى نقطة التعادل في عام 2025 يعادل نحو 2% من الإيرادات السنوية للشركة الأساسية.
يفيد المشاركون من الشركات الأكثر خبرة، أي التي قال المشاركون إنها أطلقت 3 مشاريع على الأقل في الأعوام الخمسة الماضية، أن شركاتهم حققت أقوى النتائج؛ إذ قالوا إنهم يولدون إيرادات تعادل 1.9 دولار مقابل كل دولار مستثمر حتى الوصول إلى نقطة التعادل، مقارنة بـ 1.3 دولار في الشركات التي أطلقت مشروعاً واحداً أو مشروعين فقط.
تناول بحثنا الأخير أيضاً ولأول مرة المدة التي تستغرقها المشاريع الجديدة للوصول إلى نقطة التعادل، حيث أفاد أكثر من 8 من كل 10 مشاركين أنهم وصلوا إلى نقطة التعادل خلال 3 أعوام. في الواقع، تصل الأغلبية إلى نقطة التعادل خلال أول عامين من التشغيل (الشكل 3). وتتمكن الشركات التي يقع مقرها الرئيسي في آسيا وأميركا اللاتينية من إيصال مشاريعها إلى نقطة التعادل بسرعة أكبر. ومن بين 22% من المشاركين الذين وصلت مشاريعهم الجديدة إلى نقطة التعادل خلال العام الأول من التشغيل، كانت الأغلبية في آسيا، بينما كانت غالبية المشاريع التي وصلت إلى نقطة التعادل في السنة الثانية من التشغيل قد أطلقتها شركات يقع مقرها الرئيسي في أميركا اللاتينية.
يختلف توقيت الاستثمار المطلوب لبناء مشروع يولد قيمة ومستواه اعتماداً على نوع الأصل الذي يقوم عليه. في استقصائنا، ذكر نحو ثلث المشاركين أن مشاريعهم الجديدة التي تركز على البيانات أو الملكية الفكرية وصلت إلى نقطة التعادل باستثمارات تقل عن مليون دولار، في حين ذكرت نسبة أقل بكثير أن المشاريع التي تركز على المنتجات المادية تطلبت استثمارات تقل عن مليون دولار قبل الوصول إلى نقطة التعادل (انظر العمود الجانبي "تحقيق الدخل من البيانات: خيار أقل تكلفة لبناء مشاريع جديدة"). علاوة على ذلك، تختلف فترة الوصول إلى نقطة التعادل بين المنتجات الصناعية والمنتجات الموجهة للمستهلكين، بمتوسط مرجح يزيد عن عامين، عنها للمشاريع الجديدة القائمة على البيانات والملكية الفكرية. وبحسب خبرتنا، فإن هذا أمر متوقع لأن الأعمال الرقمية أسهل في التوسع من التي تتطلب إنتاجاً وتوزيعاً مادياً.
غالباً ما تنبثق أفضل المشاريع الجديدة من أصول قائمة لم تعمل بعد بكامل إمكاناتها، وقد وجدنا في بحث العام الماضي أن نحو 9 من كل 10 قادة أعمال قالوا إن شركاتهم تملك أصلاً واحداً على الأقل يحمل إمكانات تجارية لم تستفد منها بعد. هذا العام، كان المشاركون الذين أفادوا بأن شركاتهم حققت معدلات نمو أعلى من المتوسط مقارنة بمثيلاتها في القطاع خلال فترة 12 شهراً الماضية، أي أنها من الشركات ذات الأداء العالي، زادت احتمالات إبلاغهم عن توسيع شركاتهم مشاريع جديدة انبثقت من أصول كانت تحمل إمكانات لم تستفد منها من قبل. وعموماً، قال 72% من المشاركين الذين أطلقت شركاتهم مثل هذه المشاريع إنها حققت نمواً أعلى من المتوسط.
لا تنشئ الشركات ذات الأداء العالي عادة قواعد جديدة للعمل من الصفر؛ بل تستخدم مفاهيم العمل المثبتة من أسواق أخرى (أي من خارج الشركة). ذكر ثلثا المشاركين الذين استخدمت شركاتهم مفاهيم مثبتة أنها حققت معدل نمو عضوي أعلى من المتوسط في قطاعاتها. غالباً ما نرى أن تبني نموذج عمل الشركات الناشئة الناجحة استراتيجية فعالة في الشركات القائمة لتوسيع مشاريعها الجديدة بسرعة. على سبيل المثال، أطلقت شركة جيه بي مورغان تشيس البنك الإلكتروني "تشيس المملكة المتحدة"، مستخدمة النهج القائم على التكنولوجيا الرقمية الذي اشتهرت به البنوك الرقمية، مثل مونزو وريفولوت، لجذب العملاء المهتمين بالتكنولوجيا وتوسيع حضورها في السوق.
بالإضافة إلى ذلك، تطلق الشركات بصورة متزايدة مشاريع جديدة ضمن قطاعاتها الأساسية. ففي عام 2024، قال نحو نصف المشاركين إن أكثر مشروع جديد يعرفونه في شركاتهم أطلق في قطاع الشركة الأساسي، أما هذا العام، فقد أفاد نحو 6 من كل 10 مشاركين إن المشاريع الجديدة في قطاعات قريبة من قطاعات شركاتهم الأصلية.
تحقيق الدخل من البيانات: خيار أقل تكلفة لبناء مشاريع جديدة
يزداد تبني المؤسسات بالفعل استراتيجيات تحقيق الدخل من البيانات عند إعادة تصميم نماذج أعمالها. ومن الأمثلة البارزة على ذلك الإعلام التجاري، إذ تستفيد الشركات التجارية من بيانات العملاء والمنصات الرقمية لربط العلامات التجارية بعملائها.
أطلقت إحدى شركات تجارة التجزئة الرائدة في مجال البقالة في كندا شبكة وسائط إعلام تجاري كي تواجه تراجع الأرباح وتزيد نمو الإيرادات البديلة، فأنشأت منصة موحدة لتمكين المعلنين من الوصول إلى مجموعة حلول الإعلان الموجه، وشملت الجهود الأولية على المنصة تأمين 12 حملة للعلامات التجارية، واستخدام تكنولوجيا تقديم الإعلانات، وإنشاء شرائح الجمهور المخصصة لتوجيه الإعلانات بدقة أكبر.
من المتوقع أن تحقق هذه المبادرة إيرادات سنوية تزيد على 150 مليون دولار بحلول عامها الخامس. وقد توسع هذا النوع من شبكات الوسائط، الذي بدأ في قطاع التجزئة ليشمل الآن قطاعات السفر والخدمات المالية والاتصالات وغيرها من الأعمال التجارية الموجهة إلى المستهلكين والتعامل التجاري بين الشركات.
علاوة على ذلك، تستفيد المؤسسات الراسخة في هذا القطاع من بيانات عملائها لإطلاق مشاريع التكنولوجيا المالية التي تقدم حلول تمويل مخصصة، وتعزز وصول العملاء، وتولد مصادر دخل جديدة.
الذكاء الاصطناعي يساعد الشركات التي تبني مشاريع جديدة على نحو متكرر في إطلاق مشاريع جديدة
يقول العديد من المسؤولين التنفيذيين إن شركاتهم تستخدم الذكاء الاصطناعي بالفعل في مجموعة واسعة من المهام ضمن جهود بناء المشاريع، ويتوقعون استخدام الذكاء الاصطناعي في مهام أكثر في الأعوام القادمة (الشكل 4). تشمل الاستخدامات الأكثر شيوعاً للذكاء الاصطناعي في بناء المشاريع خلال فترة 12 شهراً الماضية الجوانب التشغيلية، مثل تعزيز كفاءة سير العمل ومراقبة توسع المشاريع الجديدة، بالإضافة إلى استخدامات أكثر إبداعاً مثل تطوير الأفكار لمشاريع جديدة أو تنفيذ حملات تسويقية لهذه المشاريع (انظر العمود الجانبي "كيف يغير الذكاء الاصطناعي طرق بناء المشاريع؟"). نلاحظ بصورة متزايدة أن الذكاء الاصطناعي الوكيل يدعم الشركات في عملية بناء المشاريع بأكملها، بدءاً من توليد الأفكار وبناء النماذج الأولية الأولى وصولاً إلى توسيع خطة الدخول إلى السوق. يتيح ذلك للشركات بناء أعمال بملايين الدولارات بعدد قليل فقط من الموظفين؛ فمؤخراً، عقدت صفقة بيع شركة بيس44 الناشئة في مجال ترميز الذكاء الاصطناعي إلى منصة تطوير المواقع، ويكس، مقابل 80 مليون دولار؛ وكان لديها ثمانية موظفين فقط.
تشير ردود المشاركين في الدراسات الاستقصائية إلى أن الشركات التي تحقق أكبر الإيرادات من المشاريع الجديدة هي الأكثر تقدماً في استخدام الذكاء الاصطناعي. وقد أبلغ المشاركون الذين تستخدم شركاتهم الذكاء الاصطناعي في أنشطة أكثر تعقيداً ضمن جهود بناء المشاريع،مثل إنشاء أعمال جديدة يقوم عرض القيمة الأساسي فيها على الذكاء الاصطناعي، والتحقق من صحة المفاهيم الأولية للمشروع، وتحسين استراتيجيات الدخول إلى السوق من خلال تخصيص الحملات التسويقية أو تحسين تجربة العملاء، عن مشاريع بإيرادات تعادل ضعفي ما تحققه الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في مهام أبسط، وأربعة أضعاف ما تحققه النسبة القليلة من الشركات التي أبلغ المشاركون أنها لا تستخدم الذكاء الاصطناعي.
كيف يغير الذكاء الاصطناعي طرق بناء المشاريع؟
يمكن أن تؤدي التطورات الأخيرة في الذكاء الاصطناعي إلى تحسينات جوهرية في عملية بناء المشاريع. فقد أظهر استقصاء صغير لقادة البحث والتطوير أنهم يتوقعون أن يحقق استخدام الذكاء الاصطناعي تحسينات كبيرة في توافق المنتج مع السوق وأداء المنتج وإنتاجية مكان العمل وسرعة الوصول إلى السوق؛ فما كان يتطلب في السابق فرقاً كبيرة وأشهراً من العمل يمكن الآن التحقق منه وتطويره خلال أسابيع فقط، مع موارد أقل وثقة أكبر في النتائج.
يغير الذكاء الاصطناعي طرق العمل في كل خطوة من خطوات بناء المشاريع الجديدة. يمكن استخدامه بدايةً في التنقيب عن بيانات العملاء والمنافسين لاكتشاف الاحتياجات غير الملباة، ثم في دعم جهود إعداد خطة العمل ونموذج التشغيل وتصميم خطة إطلاق المنتج والتحقق من الافتراضات في الوقت الفعلي وأتمتة المحاكاة المالية. كما تساعد أدوات التصميم التوليدي ومساعد الذكاء الاصطناعي على تسريع تطوير المنتجات وتبسيط إنتاج خطط الدخول إلى السوق. ويمكن للشركات أيضا توسيع نطاق مشاريعها من خلال التوسع إلى مناطق جغرافية وشرائح عملاء جديدة، إذ يمكن أن يعيد الذكاء الاصطناعي تقسيم العملاء باستمرار وتحديد الأهداف الأعلى قيمة وتنظيم التواصل الشخصي على نطاق واسع. وأخيراً، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتدوين الدروس المستفادة في أدلة ونماذج يمكن استخدامها مع مرور الزمن.
كانت إحدى الشركات المتخصصة في الذكاء التشغيلي تطمح لريادة تحليلات الذكاء الاصطناعي في مجالي الزراعة والوقود؛ لكن عملية شراء الحبوب كانت غامضة تعتمد على رؤى عامة متقطعة، ما حد من قدرة المشترين على تحسين الأسعار والإمدادات. أما في قطاع الوقود، فلم تتوفر لخطط المبيعات والمخزون إشارات دقيقة لتوقع الطلب، فانعدمت كفاءتها وفرصها في تحقيق الأرباح. طورت الشركة أداة تحليلات قائمة على الذكاء الاصطناعي لكل قطاع، تجمع بين التوقعات والتحليلات المستندة إلى الطقس والتوصيات المؤتمتة. حققت هذه الأدوات قيمة لا تقل عن مليار دولار سنوياً في كل قطاع من خلال تحسين عملية صنع قرارات الشراء وتوقع الطلب.
علاوة على ذلك، يتمتع الذكاء الاصطناعي بإمكانات لا محدودة في مجال التحسين التشغيلي، فقد حددت إحدى شركات المساعدة على الطرق في أوروبا مجال قيمة جديداً ضمن عملياتها للحفاظ على مكانتها في السوق وخفض التكاليف؛ إذ وجدت فرصة كبيرة في تحسين عملية تشخيص أعطال المركبات لإرسال المساعدة المناسبة لكل عميل.
وبعد ستة أسابيع من البناء والاختبار في مراكز الاتصال، طبقت الشركة نظام فرز معتمداً على الذكاء الاصطناعي يمكن تحسينه داخلياً مع توافر المزيد من بيانات الأعطال، وبالنتيجة أصبحت نتائج تشخيص حالات معينة دقيقة 100% وتحسنت دقة التنبؤ بنسبة 63% مقارنة بالسابق.
ارتفعت احتمالات استخدام الذكاء الاصطناعي بطرق متقدمة في الشركات صاحبة الخبرة الأكبر في بناء المشاريع الجديدة، أي التي أطلقت ما يزيد على 3 مشاريع في الأعوام الخمسة الماضية، إذ يقول 72% من المشاركين في الاستقصاء من قادة هذه الشركات إنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي في أنشطة معقدة أكثر، مقارنة بنسبة 60% من قادة الشركات التي أطلقت عدداً أقل من المشاريع.
وفي حين أن الظروف الاقتصادية أدت إلى تقليص مصادر تمويل المشاريع الجديدة عموماً، فالشركات ما زالت تخطط للاستثمار في الذكاء الاصطناعي أو المشاريع القائمة على البيانات. يقول 56% من المشاركين في الاستقصاء إن شركاتهم تخطط لبناء مشاريع قائمة على البيانات أو التحليلات أو الذكاء الاصطناعي في الأعوام الخمسة المقبلة، بعد أن بلغت نسبتهم 49% في عام 2024.
وحتى إن لم تعتزم الشركات وضع الذكاء الاصطناعي في صميم مشاريعها الجديدة، يجزم أغلب المشاركين أن شركاتهم ستبني المشاريع الجديدة بمساعدة الذكاء الاصطناعي (الشكل 5)، في حين أن 3% فقط من المشاركين يقولون إن شركاتهم لن تستعين بالذكاء الاصطناعي لبناء المشاريع الجديدة في الأعوام المقبلة، كما قال 84% من المشاركين إن شركاتهم ستضطر إلى دمج الذكاء الاصطناعي أو الأتمتة في عمليات بناء المشاريع الجديدة على مدى الأعوام الخمسة المقبلة.
المفاهيم الأساسية للنجاح: التكنولوجيا والموظفين
تنجح المشاريع الجديدة بنجاح الأشخاص الذين ينفذونها والثقافة التي تقوم عليها والتكنولوجيا التي تستخدم في بنائها. تشير نتائج استقصاءاتنا إلى أن الشركات أحرزت تقدماً في الجوانب الأساسية من بناء المشاريع خلال الأعوام الخمسة الماضية، وأدركت الآن أن التركيز على العنصر البشري هو عامل رئيسي في نجاح المشروع. في العام الماضي، كانت عناصر نجاح الشركات في بناء المشاريع تتمثل في 3 عناصر: دعم الإدارة العليا وتوفير موارد مالية مخصصة، واتباع نظام رصد وتقييم، ولكن نتائج دراستنا الأخيرة تشير إلى أن هذه العناصر أصبحت اليوم أساسية، وأن قدرات القوى العاملة، مثل القدرة على تطوير المهارات واستخدام أحدث التكنولوجيات، أصبحت أكبر مجالات التميز.
استخدم التكنولوجيا محفزاً
تمتلك الشركات الناجحة في بناء المشاريع الجديدة البنية التحتية العصرية والتكنولوجيا اللازمتين لإطلاقها. فامتلاك قدرات التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي والمنصات الرقمية والبنية التحتية القابلة للتوسيع لتكنولوجيا المعلومات، هن أحد أبرز السمات الشائعة بين الشركات التي تبني مشاريع ناجحة. ويؤدي الاستثمار في الأدوات والتكنولوجيات المتقدمة، مع ضمان توافقها التام مع نماذج التشغيل ومبادرات صقل المهارات، إلى تضخيم الميزة التنافسية للمشروع الجديد وتحسين القدرة على توسيع نطاقه.
بناء المشاريع اعتماداً على الثقافة والأفراد المناسبين
عندما تمعنا في الخصائص التي توظفها الشركات في بناء المشاريع الجديدة، لاحظنا أن الثقافة التي تتبنى المخاطرة والتجريب هي الأبرز؛ إذ يقول 68% من قادة الشركات الذين تحدثوا عن تبني شركاتهم هذه الثقافة إن مشاريعهم تمكنت من تلبية التوقعات أو تفوقت عليها (الشكل 6). فترسيخ ثقافة يشجع أفرادها على التجريب بلا خوف من الفشل، يحفز الابتكار الذي يحقق النمو. رأينا في سنوات خبرتنا أن تهيئة البيئة المناسبة توضح لكل موظف ما عليه إنجازه كل يوم ودوره في تحقيق الهدف الأكبر، وأنه مسموح له بالتجريب ومطالب بالمجازفة على نحو مدروس.
يعتمد نجاح الشركات في بناء مشاريع جديدة أيضاً على صقل مهارات أفراد المؤسسة على المستويات كافة؛ يقول أكثر من نصف المشاركين في الاستقصاء ممن نجحوا في بناء المشاريع الجديدة إن شركاتهم تعمل على تعزيز المهارات اللازمة لبناء المشروع الجديد من خلال برامج صقل المهارات التي تدرب الموظفين على مواضيع مثل أساليب استكشاف مشكلات العملاء واحتياجاتهم أو اختبار الفرضيات، في حين قال 42% من القادة المشاركين ممن فشلوا في مشاريعهم الجديدة إنهم ينفذون برامج لصقل المهارات.
المشاريع القائمة على الذكاء الاصطناعي هي من أبرز اهتمامات الشركات في الأعوام المقبلة
يعد إنشاء مشاريع جديدة من الضرورات الاستراتيجية لقادة الشركات، يفيد أغلب المشاركين أنهم يتوقعون أن يبقى بناء المشاريع واحداً من أهم الخطوات الاستراتيجية التي ستتخذها شركاتهم في الأشهر الـ 12 المقبلة (الشكل 7)، كما كانت الحال في عام 2024. كما أن توقعاتهم لبناء المشاريع الجديدة مساوية تقريباً لتوقعات أن تخضع شركاتهم لتحولات مؤسسية ومبادرات تخفيض التكاليف، وهي إجراءات شائعة لخلق القيمة في فترات انعدام اليقين.
كما رأينا في نسختي الاستقصاء السنوي السابقتين، يتوقع عدد كبير من المشاركين إنشاء مشاريع جديدة تركز على البيانات أو التحليلات أو الذكاء الاصطناعي في الأعوام الخمسة المقبلة (الشكل 8)، لا سيما الشركات في قطاعات التكنولوجيا والإعلام والاتصالات والخدمات المالية والصناعات المتقدمة. يظهر بناء المشاريع واحداً من أبرز المناهج التي تتبعها الشركات اليوم لخلق القيمة من الذكاء الاصطناعي؛ إذ يتمثل النهج الأول في ابتكار المنتجات والخدمات الحالية من خلال إدماج قدرات قائمة على الذكاء الاصطناعي في العروض من أجل خلق مصادر دخل جديدة، ويتمثل النهج الثاني في تحقيق الدخل من البيانات في المنتجات أو نماذج العمل، أما النهج الثالث فهو بناء وحدات عمل جديدة تماماً قائمة على الذكاء الاصطناعي بالكامل بهدف زعزعة العمليات أو الأسواق، وأخيراً، يتمثل النهج الرابع في تغيير المحفظة الاستثمارية للشركة بالكامل باستخدام أحدث أدوات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجياته.
يتوقع المشاركون ممن يعملون في قطاعي الطاقة وصناعة المواد بناء مشاريع جديدة تركز على البيئة أو الاستدامة، في حين يتوقع المشاركون الذين يعملون في شركات السلع الاستهلاكية أو تجارة التجزئة غالباً إنتاج منتجات مادية جديدة.
يبدي قادة الشركات ثقة بأن المشاريع الجديدة ستساعد على زيادة عائدات شركاتهم في الأعوام الخمسة المقبلة، لا سيما عند مقارنتها بأدائها السابق. وفقاً لبحثنا أسهمت المشاريع الجديدة في الأعوام الخمسة السابقة بنسبة 12% من إجمالي عائدات الشركة في مختلف القطاعات. ويتوقع المشاركون أن تزداد هذه النسبة إلى نحو 19% في الأعوام الخمسة المقبلة.
في فترات انعدام اليقين الاقتصادي، يسهل على قادة الشركات التركيز بصورة بديهية على الربحية الفورية وتأجيل مبادرات النمو الطويلة الأمد، مثل بناء المشاريع الجديدة. ولكن بحثنا يظهر أن هذا الخطأ قد يكون مكلفاً؛ إذ يبين استقصاؤنا أن الشركات التي تستثمر في بناء المشاريع الجديدة، وتحديداً التي تستخدم قدرات الذكاء الاصطناعي في إطلاقها بفعالية أكبر، ستحقق نجاحاً هائلاً إذ تخلق مصادر دخل جديدة تلبي توقعاتها أو تتفوق عليها. يحفز هذا النجاح نجاحاً آخر؛ ما إن ينشئ قائد الشركة مشروعاً جديداً تجده يتوق لإنشاء مشاريع أخرى. ومن يتعامل مع بناء المشاريع الجديدة على أنها أنشطة عرضية لن يحقق النجاح الذي يحققه من يبني المشاريع باستمرار ويتمكن من تطوير مشاريع تولد عائدات أكبر على استثمارات مساوية تقريباً لاستثمارات الشركات الأخرى.
تشير نتائج بحثنا إلى أن قادة الشركات يركزون على إطلاق مشاريع جديدة ذات فرص نجاح أكبر، وقد ازداد إتقانهم لبنائها عن ذي قبل. ولضمان تهيئة قادة الشركات بما يلزم لينجحوا في بناء المشاريع الجديدة، يجب أن يركزوا على تدريب موظفيهم على المهارات التي سوف يحتاجون إليها لتوسيع المشاريع الجديدة، كما سيكون من المفيد الاستعانة بأدوات تقييم المهارات القائمة على الذكاء الاصطناعي وتصميم رحلات تعلم منظمة مع توفير فرص تطوير مستمرة وتنفيذ برامج لبناء القدرات.






