تقرير خاص

التحالف السعودي لتقنيات الزراعة والغذاء: ركيزة أساسية لتحقيق الأمن الغذائي في ظل رؤية المملكة 2030

6 دقيقة
تحقيق الأمن الغذائي

ملخص: يشكّل الأمن الغذائي في السعودية تحدياً استراتيجياً نتيجة محدودية الموارد الطبيعية وتغير المناخ، مما أدى إلى اعتماد كبير على الاستيراد يصل إلى 80% من الاحتياجات الغذائية. ومع إطلاق رؤية 2030، بدأ التحول نحو رفع كفاءة القطاع الزراعي عبر تبني التقنيات الحديثة، وترشيد الموارد، وتنويع الإنتاج المحلي. وانسجاماً مع هذه الأهداف، تأسس التحالف السعودي لتقنيات الزراعة والغذاء في يوليو/تموز 2024 ليكون منصة تجمع الحكومة والجامعات والقطاع الخاص والجهات الدولية لتعزيز الابتكار في الغذاء والزراعة.

  • عمل التحالف منذ تأسيسه على توحيد الجهود الوطنية في البحث والتطوير وتطبيق التقنيات المتقدمة، واستقطب 133 جهة من 11 دولة، مع هيمنة واضحة للقطاع الخاص الذي يمثل 70% من أعضائه. 
  • وساهم التحالف في تطوير منظومة الصادرات الزراعية عبر شراكته مع علي بابا، وإطلاق جناح رقمي للتمور، وتنفيذ آلاف الجلسات الاستشارية والتدريبية. كما دعم تطوير الكفاءات من خلال برامج تعليمية متقدمة بالتعاون مع نيوم.

ويمثل التحالف اليوم ركيزة أساسية لتمكين الزراعة الذكية وتعزيز الاستدامة والأمن الغذائي، مع توجه نحو تنفيذ مشاريع تجريبية في بيئات حقيقية خلال عامه الثاني لتحقيق أثر ملموس في القطاع.

يمثل الأمن الغذائي تحدياً معقداً يجتمع فيه عنصري العرض والطلب مع العوامل البيئية، مما يشكل عائقًا أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وقد واجهت دول الخليج - ومن بينها المملكة العربية السعودية - صعوبات كبيرة في تعزيز الزراعة التقليدية، بسبب التحديات المناخية القاسية، التي تشمل ارتفاع درجات الحرارة، ونقص الأمطار، وتراجع موارد المياه الجوفية، مما أدى إلى الاعتماد الكبير على الاستيراد لتلبية الاحتياجات الغذائية.  وتشير التقديرات إلى أن حوالي 80% من الاستهلاك الغذائي في المملكة يعتمد على الواردات وعلى الرغم من تزايد قدرات الإنتاج المحلي في بعض السلاسل، مثل الألبان والبيض والدواجن، يبقى الاعتماد الخارجي هو المهيمن.

وانطلاقًا من هذه التحديات، أولت رؤية السعودية 2030 أهمية كبرى لتعزيز الأمن الغذائي، من خلال خفض الاعتماد على الواردات، وزيادة الإنتاج المحلي، وتنويع مصادر الغذاء، ورفع كفاءة استخدام الموارد، والتحول نحو التقنيات الزراعية الحديثة مثل تقنيات ترشيد المياه والزراعة المائية والزراعة المحمية. وتماشيًا مع هذه الأهداف ، انبثقت الحاجة إلى وجود جهة يمكنها تحفيز نشر حلول التقنيات الغذائية والزراعية، ما يسهم في تحقيق الابتكار والاستدامة في هذا القطاع الحيوي؛ نتيجة لذلك، أطلق التحالف السعودي لتقنيات الزراعة والغذاء رسمياً في يوليو عام 2024. ويشكل التحالف منصة سعودية تجمع الباحثين وصناع القرار والجهات الرسمية من كل أنحاء العالم لتعزيز أواصر التعاون المشترك. وفي هذا الشأن، قال نائب وزير البيئة والمياه والزراعة، منصور بن هلال المشيطي: "إن التحالف يهدف إلى خلق مجتمع يعزز تبادل المعرفة، ويمكن من إقامة الشراكات المثمرة لتسريع تبني التقنيات في القطاع الزراعي".

أهداف التحالف من التنسيق إلى التمكين.

لم يكن تأسيس التحالف مجرد رد فعل عابر، بل جاء نتيجة لدراسة متعمقة للتحديات التي تواجه القطاع الزراعي في المملكة، مثل ندرة المياه، وتغير المناخ، وتدهور التربة، والآفات الزراعية. وقد أظهرت دراسة بعنوان "مكافحة الفاقد والهدر الغذائي في السعودية"، أن هذه التحديات تفرض معادلة دقيقة بين زيادة الإنتاج والحفاظ على الموارد الطبيعية؛ وقد دفع ذلك وزارة البيئة والمياه والزراعة خطة  شاملة للبحث والابتكار، استهدفت 24 مجموعة تقنية، وعززت منظومة الدعم المؤسسي من خلال توجيه الابتكار، وبناء الشراكات، وتسهيل تبني التقنيات، وتذليل العوائق التنظيمية، إضافة إلى تمكين الشركات الناشئة والمبتكرة. ويشكل التحالف حلقة وصل استراتيجية تجمع مختلف الأطراف تحت سقف واحد، إذ تأسس بمشاركة الوزارة، وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ونيوم للأغذية، والهيئة السعودية للبحث والابتكار.

واستهدف التحالف توحيد الجهود الوطنية لتسريع تبني التقنيات الزراعية المتقدمة، بما يعزز الأمن الغذائي واستدامة الموارد. كما حرص على دعم البحث والتطوير والابتكار، وتفعيل التجارب التطبيقية للأنظمة الذكية والزراعة الدقيقة، إضافة إلى تطوير منصات رقمية متقدمة لنقل المعرفة وبناء القدرات. ومن خلال هذه الأهداف، يمكنه تحويل القطاع الزراعي إلى قطاع تنافسي قائم على التقنيات الحديثة والمعرفة العلمية. وقد أثمرت هذه الجهود عن استقطاب 133 جهة من الجهات الحكومية والأكاديمية والبحثية والمؤسسات غير الربحية والقطاع الخاص، داخل المملكة وخارجها. وتعتمد منهجيته على ما يلي:

توسيع الشراكات

في عامه الأول، ركز التحالف على بناء قاعدة عضوية نوعية تشكل نواة منظومة ابتكارية متكاملة في مجالات الزراعة والغذاء، تستند إلى تنوع الخبرات وتكامل الأدوار بين القطاعات المختلفة. وقد عكست مشاركة 17 جهة حكومية سعودية إدراكاً متقدماً بأهمية هذه المنصة التنسيقية المشتركة، ما أسهم في مواءمة السياسات، وتيسير بيئة تشريعية وتنظيمية محفزة للابتكار الزراعي، إضافة إلى تنظيم ما يتجاوز 15 فعالية محلية ودولية والمشاركة فيها.

وقد برز القطاع الخاص بوصفه المحرك المحوري للتحالف، إذ يشكل نحو 70% من إجمالي الأعضاء، ممثلاً بـ 95 شركة محلية ودولية تعمل على تطوير التقنيات الزراعية الحديثة وتطبيقها، ما يعزز دور التحالف في تبني التقنيات وتحويل الابتكارات إلى واقع ملموس. كما انضمت 14 مؤسسة أكاديمية وبحثية من أبرز الجامعات والمراكز العلمية، بهدف توطين المعرفة وتفعيل البحث التطبيقي. وشاركت 7 مؤسسات غير ربحية بدور تمكيني لتعزيز منظومة الابتكار وتحفيز المبادرات المجتمعية والتنموية ذات الصلة بالأمن الغذائي والاستدامة الزراعية.

وعكس الامتداد الدولي لعضوية التحالف، التي تضم جهات من 11 دولة، توجهاً نحو بناء جسور تعاون عالمي، وتبادل الخبرات، واستقطاب أفضل الممارسات والتقنيات المتقدمة. وعلى الرغم من ذلك، لم يقتصر التحالف على توسيع قاعدة العضوية دولياً، بل اتجه إلى وضع أطر تعاون أيضاً، إذ أسس نحو 10 شراكات نوعية في مجالات التقنيات الزراعية الناشئة، مستقطباً مؤسسات دولية، مثل مايكروسوفت، وعلي بابا، وجامعة فاخيننغن الهولندية، ومعهد بكين للجينوم، إلى جانب عدد من الشركات والجهات البحثية العالمية ذات التأثير في مستقبل الغذاء والزراعة.

تشكيل سياسات الابتكار

أصبح الابتكار والتحول التكنولوجي ضرورتين استراتيجيتين لإعادة بناء منظومات الغذاء على أسس أكثر كفاءة ومرونة واستدامة. وقد أظهر تحليل صادر عن البنك الدولي أن الزراعات الدقيقة المدعومة بالبيانات الرقمية، تسهم في تقليل الهدر، وخفض التكاليف التشغيلية للزراعة. في حين أكدت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أن التقنيات الرقمية الزراعية تعزز الكفاءة والإنتاجية وتدعم سلسلة التوريد.

بدوره، اهتم التحالف بتسريع تبني التقنيات الزراعية المتقدمة فور إطلاقه، إضافة إلى تفعيل دوره في توطين الحلول المستدامة. وسخر شراكاته لدعم الزراعة الدقيقة، والزراعة العمودية، والاستزراع المائي، والممارسات الزراعية المتجددة.

لم يبن التحالف قرارات تبني التقنيات على تصورات نظرية، لكنها خضعت لمعايير موضوعية ودراسات تضمن جاهزيتها. ومن خلال تأسيس 6 مجموعات عمل متخصصة في عامه الأول، تبنى التحالف نهجاً قائماً على تجربة النماذج ثم التوسع، مركزاً على معالجة التحديات ذات الأثر المباشر على الإنتاج الغذائي، مثل الأمراض الزراعية العابرة للحدود، وكفاءة سلاسل التبريد، والتقنيات الحيوية، والطاقة الحيوية.

تضمنت هذه المجموعات تطوير سلاسل التوريد المبردة، وتسويق منتجات الطحالب، وتبني المحاصيل المعدلة وراثياً، وخيارات المستهلكين نحو التحول المستدام، ومجموعة عمل البيئة الزراعية المحكومة، إضافة إلى تصميم البرامج الابتكارية لمكافحة سوسة النخيل الحمراء.

إذ استند الفريق في هذه المجموعة الأخيرة إلى مراجعة منهجية لأكثر من 420 دراسة علمية و90 براءة اختراع، تخللها مشاورات مع 11 خبيراً واستطلاع آراء 18 جهة معنية، وتحليل لما يتجاوز 90 حلاً مبتكراً، لينتهي إلى اختيار 71 تقنية واعدة. وتوصلت هذه المجموعة إلى ضرورة تأسيس تحالفين بحثيين متخصصين؛ أحدهما يركز على الحلول الحيوية الصديقة للبيئة، بمشاركة جهات، مثل وقاء، والمركز الوطني للنخيل والتمور وبي جي آي جينوميكس، ومركز استدامة، وعدد من الجامعات. أما التحالف الآخر، فيعتمد على الذكاء الاصطناعي والبيانات لتطوير منصات تنبؤية واستجابات دقيقة، بالتعاون مع جامعة كاوست، وإنتلماتكس، وبالمير، وسبوتا.

تحالف تقوده الطموحات بمستقبل غذائي آمن

خلال عام واحد فقط، تحول التحالف من فكرة طموحة إلى منظومة فاعلة وحدت الجهود. وقد جسدت شراكته بين إكسبورتك الدولية ومنصة علي بابا دوت كوم تحولاً في تمكين الصادرات الزراعية والغذائية السعودية عالمياً، من خلال ربط الشركات المحلية بأكثر من 40 مليون مشتر أسبوعياً في 180 دولة، وتوفير وصول مباشر إلى منصة تضم 200 مليون منتج.

كما جرى إطلاق أول جناح رقمي للتمور السعودية، وتسجيل ما يتجاوز 100 شركة توريد موثوقة، إلى جانب تنفيذ أكثر من 1,000 جلسة استشارية و700 جلسة تشخيص و250 دورة تدريبية و300 تقرير أداء، إضافة إلى 500 اجتماع أعمال، وضم 38 شركة سعودية جديدة خلال جولة الأعمال التي شارك فيها بالصين، ما أسهم في بناء منظومة تصدير رقمية تواكب معايير التجارة الحديثة.

وفي سياق تنمية رأس المال البشري وابتكار مسارات تعليمية متقدمة، أطلقت جامعة تبوك، بالشراكة مع نيوم، برنامج علوم وتقنيات النبات، إذ شهد عروضاً حية لتقنيات تعتمد الذكاء الاصطناعي لمعالجة 40 مليار نقطة بيانات سنوياً، وأنظمة ري تعيد استخدام 90% من المياه، ما يمهد لإعداد جيل قادر على التحول نحو الزراعة الذكية والأنظمة الإنتاجية العالية الكفاءة.

خريطة طريق لتحقيق الاستدامة

يعد الأمن الغذائي والاستدامة البيئية منظومة مترابطة لا يمكن تحقيق أي منهما بمعزل عن الآخر؛ فإنتاج الغذاء يعتمد مباشرة على سلامة التربة والمياه والهواء والتنوع الحيوي، في حين يؤدي تدهور البيئة إلى تراجع الإنتاجية الزراعية وارتفاع المخاطر المناخية والاقتصادية. يسهم الاعتماد على الطاقة المتجددة في تعزيز الأمن الغذائي، إذ أظهرت دراسة بعنوان "صلة الأمن الغذائي بالطاقة المتجددة" أن استخدام وحدة واحدة من الطاقة المتجددة من الرياح أو الشمس يمكن أن يزيد استقرار توفر الغذاء بنسبة 36.5% على المدى الطويل، ما يبرز أهمية دمج الحلول التقنية المستدامة مع إدارة الموارد الزراعية للحفاظ على الموارد الطبيعية، وتقليل الانبعاثات، وتعزيز كفاءة النظام الغذائي.

من جهته، يتكامل عمل التحالف مع الاستراتيجيات الوطنية لتعزيز الاستدامة والفعالية في إدارة الموارد، إذ يرتبط بكل من الاستراتيجية الوطنية للزراعة، والاستراتيجية الوطنية للبيئة، والاستراتيجية الوطنية للمياه، واستراتيجية الأمن الغذائي. من هذا المنطلق، حرص على تبني تقنيات الزراعة الذكية والعمودية والاستزراع المائي، ما يعزز كفاءة الموارد ويقلل الهدر والانبعاثات، مع ضمان الأمن الغذائي والحفاظ على البيئة. كما دعم الاقتصاد الدائري من خلال رفع قيمة المنتجات الزراعية، وتحفيز الابتكار من خلال جوائز تقديرية للجهات المتميزة.

وختاماً، فقد استطاع التحالف في عامه الأول إثبات استراتيجيته الموجهة نحو بناء منظومة غذاء وزراعة مبتكرة. وفي عامه الثاني، يعتزم ترسيخ الأثر وتحقيق نتائج تطبيقية ملموسة من خلال تفعيل المشاريع التجريبية في بيئات زراعية حقيقية، وربط الحلول المبتكرة من الشركات الناشئة ومراكز البحث بالجهات الحكومية والخاصة، إلى جانب تعزيز التنسيق للاستفادة من الميزانيات المخصصة للبحث والابتكار.

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي