تقرير خاص

الأمن الغذائي في صميم الاستدامة: كيف تدعم المراعي مستهدفات رؤية 2030؟

4 دقيقة
الأمن الغذائي

ملخص: أظهرت دراسة بعنوان: "العوامل المحددة لاستهلاك اللحوم الطازجة والمصنعة في المملكة العربية السعودية" تحولاً هيكلياً في السلوك الاستهلاكي للمجتمع السعودي، مدفوعاً بتنامي القوة الشرائية للدواجن. ويعكس هذا المعدل المرتفع تأثير السياسات الحكومية ودور القطاع الخاص في دفع عجلة نمو قطاع الدواجن، ما يسهم في زيادة حجم الإنتاج، وتحفيز الإنتاج المحلي ضمن منظومة الأمن الغذائي الوطني. فكيف تؤثر هذه الديناميكية في استراتيجية المراعي؟

  • النمو الهيكلي في الطاقة الإنتاجية. يشكل التوسع في الطاقة الإنتاجية للدواجن أحد أبرز مظاهر التحول الهيكلي في الاقتصاد الغذائي السعودي. وقد أسهمت منشآت المراعي في رفع القدرة الإنتاجية اليومية إلى نحو 950 ألف طائر بنهاية 2024.
  • الاستثمار الرأسمالي الطويل الأجل. يمثل إعلان المراعي استثمار ما يقارب 7 مليارات ريال سعودي حتى عام 2028 نموذجاً واضحاً لنهج النمو المدفوع بالاستثمار الذي تتبناه المملكة لتعزيز القطاعات الإنتاجية الاستراتيجية.
  • تعزيز القيمة المضافة محلياً. يمثل الإنتاج المحلي أساساً قوياً لبناء اقتصادات أكثر استقلالية ومتانة. وفي قطاع الدواجن، يمكن لكل طائر منتج محلياً تقليص الفجوة التجارية ودعم الصناعات الوطنية المرتبطة به بدلاً من الاستيراد.

يمثل الأمن الغذائي ركيزة استراتيجية لضمان استدامة التنمية الوطنية وتعزيز الاكتفاء الذاتي في مواجهة التحديات العالمية المتزايدة في سلاسل الإمداد الغذائي. ومع تقلبات الأسواق العالمية وتغير المناخ، برز نموذج المملكة العربية السعودية في بناء منظومة غذائية متقدمة، تعتمد على الابتكار، والاستثمار الزراعي المستدام، وتبني التقنيات الحديثة لتعزيز الإنتاج الغذائي المحلي.

وتسعى رؤية 2030 إلى تحقيق أمن غذائي شامل لا يقتصر على الوفرة فحسب، بل يضمن تحقيق الجودة والسلامة والاستدامة البيئية أيضاً، مع رفع كفاءة سلاسل القيمة وتحفيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. ومن خلال مبادرات طموحة ومشاريع ضخمة، مثل التوسع في إنتاج الدواجن، تمضي المملكة نحو تحقيق نسبة اكتفاء ذاتي مرتفعة تقلل الاعتماد على الواردات وتدعم الاستقرار الاقتصادي.

من هذا المنطلق، خصصت استراتيجية شركة المراعي الاستثمارية الطموحة للفترة بين عامي 2024 و2028، استثمارات قيمتها 7 مليارات ريال سعودي من إجمالي 18 مليار ريال، بهدف التوسع في قطاع الدواجن؛ بما يتوافق مع مستهدفات الرؤية 2030 لتحقيق الأمن الغذائي المستدام محلياً وإقليمياً.

لماذا قطاع الدواجن؟

وضعت المملكة خططاً لرفع معدلات الاكتفاء الذاتي من حيث إنتاج الدواجن إلى 90% بحلول عام 2030، في خطوة تجسد التحول الاستراتيجي نحو اقتصاد غذائي محلي مستدام. وتبنت خطة توسعية نوعية في هذا القطاع، إذ رصدت استثمارات تقدر بنحو 17 مليار ريال سعودي لتعزيز البنية الإنتاجية والتقنية للقطاع، بما في ذلك رفع الطاقة الإنتاجية إلى 1.3 مليون طن سنوياً من الدواجن حتى عام 2025.

اكتسبت هذه الخطوة بعداً اقتصادياً إقليمياً أعمق في ظل التحولات العالمية في سلاسل الإمداد الغذائي. وتشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي اعتادت استيراد 85% من غذائها في فترة ما قبل جائحة كوفيد-19. أما على الصعيد المحلي، فقد مثلت الواردات الغذائية للمملكة 13% من إجمالي الواردات السلعية لعام 2024، ما يجعل تحقيق الاكتفاء الذاتي ركيزة أساسية للنمو وضرورة لتعزيز الأمن الغذائي بالمنطقة.

وبالنسبة للحوم الدواجن، فقد ارتفعت نسبة الاكتفاء الذاتي في الإنتاج المحلي من 45% عام 2016 إلى 71% عام 2023، بحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية، ما يعكس تصاعد كفاءة الإنتاج المحلي وتنامي جاذبيته للاستثمار.

من هنا، استهدفت الاستراتيجية الجديدة للمراعي توسيع أعمالها خلال 5 سنوات لتعزيز مسيرة النمو المستمر الممتدة لـ 5 عقود، وتحسين الأداء المالي من خلال دعم قطاعات الشركة المختلفة، ما ينعكس بالضرورة على تعزيز الأمن الغذائي. ولا سيما أن الشركة تؤدي دوراً محورياً في سوق التجزئة المحلية للدواجن الطازجة، من خلال استحواذها على 35% من الحصة السوقية حتى أغسطس/آب عام 2025.

بهذا النهج التصاعدي، تدعم استراتيجية المراعي الاستثمارية رؤية المملكة التي بدورها تبنت نموذجاً اقتصادياً متكاملاً يجمع بين الكفاءة الإنتاجية والاستثمار الطويل الأمد، لمواجهة التحديات الغذائية، ووضع الأسس لتنمية مستدامة تتجاوز حدود الجغرافيا والموارد.

كيف يؤثر قطاع الدواجن في دعم الأمن الغذائي وتعزيز الإيرادات؟

يعد استهلاك الفرد للدواجن في المملكة من الأعلى على مستوى العالم. إذ تأتي في المرتبة الثانية بين المنتجات الحيوانية الأكثر استهلاكاً بعد منتجات الألبان، بمعدل 43.4 كيلوغراماً في السنة. وقد أظهرت دراسة بعنوان: "العوامل المحددة لاستهلاك اللحوم الطازجة والمصنعة في المملكة العربية السعودية" تحولاً هيكلياً في السلوك الاستهلاكي للمجتمع السعودي، مدفوعاً بتنامي القوة الشرائية للدواجن. ويعكس هذا المعدل المرتفع تأثير السياسات الحكومية ودور القطاع الخاص في دفع عجلة نمو قطاع الدواجن، ما يسهم في زيادة حجم الإنتاج، وتحفيز الإنتاج المحلي ضمن منظومة الأمن الغذائي الوطني. فكيف تؤثر هذه الديناميكية في استراتيجية المراعي؟

النمو الهيكلي في الطاقة الإنتاجية

يشكل التوسع في الطاقة الإنتاجية للدواجن أحد أبرز مظاهر التحول الهيكلي في الاقتصاد الغذائي السعودي. وقد أسهمت منشآت المراعي في رفع القدرة الإنتاجية اليومية إلى نحو 950 ألف طائر بنهاية 2024، ما يعكس التوسع الكمي والتحول النوعي اللذين حققتهما الشركة في البنية الإنتاجية، بهدف تعزيز قدرة المملكة على تأمين سلاسل الإمداد المحلية.

وفي ظل النمو المتواصل في الطلب على الدواجن، رفعت المراعي طاقتها الإنتاجية إلى نحو 270 مليون طائر سنوياً. وتسوق الشركة منتجاتها من خلال علامتها التجارية اليوم مع تركيز استراتيجي على إنتاج الدواجن الطازجة بما يلبي احتياجات المستهلك المحلي ويعزز حصتها في السوق.

وبحلول عام 2028، تستهدف المراعي رفع الطاقة الإنتاجية الكلية من الدواجن لتتراوح بين 480 و500 مليون طائر سنوياً، وهو ما يمثل 20% إلى 25% من إجمالي الاستهلاك المحلي برمته.

الاستثمار الرأسمالي الطويل الأجل

يمثل إعلان المراعي استثمار ما يقارب 7 مليارات ريال سعودي حتى عام 2028 نموذجاً واضحاً لنهج النمو المدفوع بالاستثمار الذي تتبناه المملكة لتعزيز القطاعات الإنتاجية الاستراتيجية. تدعم هذه الاستثمارات الضخمة الأصول الإنتاجية الطويلة الأجل التي ترفع القيمة الاقتصادية المضافة على المدى البعيد. كما يعكس هذا التوجه فلسفة التكامل الرأسي التي تهدف إلى السيطرة على كامل سلسلة القيمة من التربية إلى المعالجة والتوزيع، بما يضمن الكفاءة والاستدامة، ويحد من الاعتماد على الواردات الغذائية.

وفي نهاية عام 2022، أعلنت المراعي عن مشروع توسعة ضخم بقيمة 7 مليارات ريال سعودي في محافظة الشملي بمنطقة حائل. ويعد هذا المشروع أكبر استثمار منفرد لشركة في قطاع الأغذية محلياً وإقليمياً خلال العقد الحالي، إذ يهدف إلى إضافة 210 ملايين طائر سنوياً بحلول عام 2028، ما يعزز مكانة المملكة باعتبارها مركزاً إقليمياً رئيسياً لإنتاج الدواجن، وبالتالي تعزيز الأمن الغذائي.

ومن المقرر أن تنفذ الشركة هذا المشروع على 3 مراحل متتابعة، على أن تبدأ المرحلة الأولى في الربع الرابع من عام 2025 بإنتاج يتراوح بين 60 و70 مليون طائر سنوياً.

تعزيز القيمة المضافة محلياً

يمثل الإنتاج المحلي أساساً قوياً لبناء اقتصادات أكثر استقلالية ومتانة. وفي قطاع الدواجن، يمكن لكل طائر منتج محلياً تقليص الفجوة التجارية ودعم الصناعات الوطنية المرتبطة به بدلاً من الاستيراد. ويترجم هذا التوجه إلى سياسة إحلال الواردات، بحيث يتحول الاعتماد من الخارج إلى الداخل من خلال استثمارات إنتاجية ترفع إسهامات القطاع الغذائي في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. وقد أسهم قطاع الدواجن بنسبة 18% من إيرادات المراعي خلال الربع الثالث من عام 2025. في حين، تتوقع الشركة أن يدر مشروع حائل السالف الذكر عائدات تقدر بنحو ملياري ريال سعودي سنوياً، إضافة إلى توفير 4 آلاف فرصة عمل جديدة.

بذلك، يبرهن هذا التوجه على الارتباط الوثيق بين القدرة التشغيلية والنمو المالي، ويعكس دور القطاع المتنامي باعتباره مكوناً رئيسياً في أعمال الشركة، وتأثير استثماراتها في الأرباح.

بالمحصلة، يمثل النمو المتسارع لقطاع الدواجن في المملكة تجسيداً دقيقاً لمرحلة نضج اقتصادي تعزز فيها المنظومة الغذائية تحولها في بنية الإنتاج والاستهلاك، إذ لم يعد التوسع الإنتاجي مجرد استجابة للطلب المحلي، بل أصبح نتيجة لاستراتيجيات مؤسسية تستند إلى كفاءة تخصيص الموارد والاستثمارات، والابتكار في سلاسل القيمة. وتؤكد استراتيجية المراعي الاستثمارية في هذا القطاع أهمية تحقيق الأمن الغذائي باعتباره قيمة اقتصادية تسهم في تحقيق مستهدفات رؤية 2030.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي