كيف تعيد الإمارات تعريف المستقبل من خلال العمل الخيري القائم على قيادة الأعمال؟

4 دقيقة

يزدهر العمل الخيري، شأنه شأن الأعمال التجارية، بوجود الاستراتيجية، والمرونة، والنتائج القابلة للقياس. وتعكس المبادرات الناجحة والأكثر فعالية، وخصوصاً في مجال التعليم، الدقة والشمولية اللتين يتمتع بهما القطاع الخاص: أهداف واضحة، وحوكمة قوية، ومتابعة للأداء.

وفي عصر التحولات العالمية، لا تقتصر مَهمّة تشكيل ملامح المستقبل على الحكومة وحدها، بل إن التآزر بين قطاع الأعمال والعمل الخيري هو الأساس الذي تُبنى عليه صياغة المستقبل. وتتصدر دولة الإمارات هذا التحول، إذ لم يعد القطاع الخاص مجرّد مساهم في التنمية، بل أصبح شريكاً أساسياً في بناء التقدم الوطني. إذاً نحن نعيد تعريف مفهوم القيادة من خلال مواءمة استراتيجية مدروسة بين الهدف المراد تحقيقه والإسهام في تحقيق الازدهار.

ولا شك في أن المستقبل سيكون من نصيب الدول التي توظف جميع أدوات خلق القيمة، ليس فقط رأس المال والبنية التحتية، بل أيضاً التعاطف والعدالة والشمول. وفي هذا الإطار، تبني دولة الإمارات نموذجاً جديداً للمسؤولية المشتركة، إذ تقود الخبرة التجارية التقدم المجتمعي، ويستلهم العمل الخيري المبادئ نفسها التي تُعزز التميز التنافسي: الاستراتيجية، والابتكار، والأثر القابل للقياس.

تعزيز سوق عالمية تنافسية

تعتمد منظومة اقتصاد الأعمال القادرة على المنافسة عالمياً على قطاع مالي قوي، وتشريعات وأنظمة استراتيجية، وسهولة الوصول إلى رأس المال. وقد نجحت دولة الإمارات في بناء قطاع مصرفي ومالي من الطراز العالمي عبر تبنّي الابتكار، وتعزيز ثقة المستثمرين، وتوفير أطر تنظيمية تدعم النمو المستدام.

يُعد تطوير القطاع المالي وإضافة طابع الحداثة من المكونات الأساسية لبناء منظومة أعمال مرنة وجاذبة على المستوى الدولي. وقد أسهم تركيز دولة الإمارات على تطوير الخدمات المصرفية الرقمية، والتكنولوجيا المالية، والتمويل المستدام، واللوائح التنظيمية الذكية، في رفع الكفاءة، وتحقيق الشمول المالي، وجذب الاستثمارات العالمية. وترتكز قوة النظام المصرفي في دولة الإمارات اليوم على التزامه بخلق قيمة طويلة الأمد للشركات العالمية، وتزويدها برأس المال والسيولة للتوسع والمنافسة عالمياً، ما يشكّل أساساً متيناً يدعم نمو الدولة وازدهارها.

الشراكة بين القطاعين العام والخاص

إلى جانب النظام الاقتصادي القوي، تأتي الشراكة الفعّالة بين القطاعين العام والخاص. فمن خلال مواءمة السياسات المالية مع الأهداف الاقتصادية الوطنية، تُمكّن دولة الإمارات الشركات من النمو دون المساس بالاستقرار الاقتصادي. ومن خلال توفير التمويل المُنظم، والحوافز الاستثمارية، والالتزام بالممارسات المصرفية المسؤولة، تضمن الدولة استمرارية القطاع الخاص واستدامته. وفي النهاية، يشكّل القطاع المالي القوي العمود الفقري لاقتصاد ديناميكي؛ يمكّن رواد الأعمال، ويعزز التجارة، ويرسخ مكانة الإمارات مركزاً مالياً عالمياً.

معالجة فجوة التعليم وسوق العمل

من أبرز التحديات التي أمامنا اليوم الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل. فعلى الرغم من الاستثمار المتسارع في المؤسسات الأكاديمية، علينا أن نواجه حقيقة صعبة: الشهادات وحدها لم تعد كافية، ما يهم حقاً هو قابلية التوظيف؛ أي قدرة الشباب على التكيف، والتعلم، والازدهار في بيئات سريعة التغير بفعل الذكاء الاصطناعي والأتمتة والتحول الرقمي. في مؤسسة عبد الله الغرير، نقيس النجاح بالنتائج، لا بالمجهود، فأكثر من 166 ألف شاب وشابة في أكثر من 20 دولة استفادوا من تعليم يؤهلهم فعلياً لدخول سوق العمل والإسهام في النمو الاقتصادي الحقيقي. نتتبع كل مبادرة؛ عبر مراقبة التقدم، وتحديث البرامج، وضمان توجيه الموارد نحو تغيير ملموس. هذا النهج القائم على البيانات يضمن أن يكون تأثيرنا مستداماً، وقابلاً للتوسع، وتحويلياً.

العمل الخيري في خدمة الطموحات الاقتصادية الكبرى

تعتمد طموحات دولة الإمارات في أن تصبح مركزاً عالمياً للابتكار على البنية التحتية والتنظيم، وعلى جاهزية شعبها. وهذه الجاهزية لا يمكن أن تبنيها الحكومة وحدها. وهنا، يجب أن يؤدي العمل الخيري الذي يقوده القطاع الخاص دوراً مركزياً ومحرّكاً للتغيير النظامي. في مؤسسة عبد الله الغرير، نواجه هذا التحدي بعقلية استراتيجية الأعمال، ننسّق برامجنا بحيث تتوافق مع الأولويات الوطنية. فعلى سبيل المثال، تُمكّننا شراكتنا مع وزارة الموارد البشرية من تطوير الكفاءات التي تلبّي احتياجات الاقتصاد الرقمي التنافسي. كما أن التزام دولة الإمارات بالابتكار يتيح لنا اختبار نماذج جديدة وتوسيع الحلول المجربة بما يكمّل الإطار القائم ويحقق تأثيراً بعيد المدى.

لا يتمثل العمل الخيري فقط في التمويل، بل هو تعاون استراتيجي. فمن خلال مواءمة الموارد والخبرات والابتكار، نسهم في تحقيق رؤية دولة الإمارات، ونساعد على تسريع التقدم بطريقة مستدامة وتحولية في آن واحد. على سبيل المثال، في مؤسسة عبد الله الغرير نصمّم برامجنا التعليمية وبرامج تطوير المهارات بالشراكة مع مختلف القطاعات ومجالات العمل، وتستند هذه البرامج إلى التطبيقات الواقعية، وتُعززها البيانات. نؤمن بأن العمل الخيري الفعّال لا يتوقف عند توفير الوصول فحسب، بل يجب أن يضمن أيضاً الفرص، وهو متمثل في إعداد الشباب لوظائف المستقبل، لا وظائف الماضي.

وبهدف صياغة الخمسين عاماً القادمة، علينا أن:

ندمج التكنولوجيا في تطوير القوى العاملة: ينبغي ألا نخشى الذكاء الاصطناعي والأتمتة، بل أن نستفيد منهما. من المنصات الرقمية إلى المحاكاة الغامرة، يجب علينا دمج التقنيات الناشئة في التعليم والتدريب المهني لتأهيل المواهب للمستقبل.

نعمّق الشراكة بين القطاعين العام والخاص: لا تستطيع الحكومات فعل كل شيء بمفردها. يجب أن تتعاون الشركات في تطوير المناهج، والاستثمار في التدريب المهني، وخلق فرص تعليم واقعية -من خلال التدريب العملي، والبرامج التطبيقية، ومراكز الابتكار- لسد فجوة المهارات وتعزيز مواءمة التعليم مع سوق العمل.

نعطي الأولوية للتعلّم مدى الحياة: مع التغير المتوقع أن يطرأ على نحو نصف الوظائف خلال العقد المقبل، لا يمكن أن يتوقف التعلم عند التخرج. يجب أن يكون تطوير المهارات عملية مستمرة، مدمجة في المسارات الوظيفية والمهنية، ومدعومة بسياسات تحفّز المتعلمين وأصحاب العمل على حد سواء.

وينبغي ألا تكون هذه المستهدفات أفكاراً مجرّدة فحسب، بل مبادئ نعيشها. من إطلاق أحد أكبر برامج المنح الدراسية في المنطقة إلى عقد الشراكات مع الوزارات وجهات العمل لتطوير مسارات تعليمية تلبّي متطلبات السوق، فإن عمل المؤسسة يستند إلى القيم التي وجهّت عائلتنا لأجيال: الخدمة، والاستدامة، والتفكير بطريقة منظومة العطاء.

توفّر الإمارات منصة قوية لهذه الرؤية. إنها دولة تدرك أهمية المرونة، والتعاون بين القطاعات، والتجربة الجريئة. وتستمر قيادتها في دعم الابتكار، ليس فقط في مجال الأعمال أو التكنولوجيا، بل في كيفية تفكيرنا بالحكومة، والتعليم، والمسؤولية الاجتماعية أيضاً. تتمتع العائلات العريقة بأعمالها في الدولة بدور محوري في هذا التحول. نحن متجذرون بعمق في تاريخ المنطقة، لكن مسؤوليتنا تتجه نحو المستقبل. علينا أن نوجّه رؤوس أموالنا، وشبكاتنا، ومعارفنا نحو حل التحديات الأكثر إلحاحاً، سواءً كانت بطالة الشباب، أو التدهور البيئي، أو الوصول إلى تعليم ذي جودة. ويجب أن نكون قدوة يُحتذى بها.

رواد الأعمال اليوم مطالبون بالقيادة الهادفة منذ البداية. وهذا أمر جيد. لأن الأعمال ذات الأهداف ليست تنازلاً، بل هي مضاعف للقيمة. أكثر الشركات تنافسية -وأكثر الاقتصادات مرونة- ستكون تلك التي ترى في تطوير المواهب، والعدالة الاجتماعية، والاستدامة جزءاً من خلق القيمة على المدى الطويل.

المستقبل لا يتمحور حول العطاء الأكثر، بل العطاء الأذكى. الأمر يتعلق باستخدام أدوات الأعمال لحل التحديات الاجتماعية، واستخدام العمل الخيري كمنصة للابتكار. هكذا تقود الإمارات: ليس فقط بالثروة، بل بالإرادة؛ ليس فقط بالطموح، بل بالفعل.

وهكذا نرى مستقبل الحكومة، التي هي ليست لاعباً منفرداً، بل قائداً لأوركسترا وطنية، يضطلع فيها كل قطاع بدور أساسي. وعندما يعمل قطاع الأعمال والعمل الخيري بتناغم، لا تكون النتائج قوية فقط، بل تحوّلية أيضاً.

هذا هو النهج الإماراتي؛ استراتيجي، ومستقبلي، ومصمَّم للاستمرارية. فالتغيير الحقيقي لا يتحقق بالعطاء لمرة واحدة، بل ببناء أنظمة دائمة، ونماذج هجينة، وأطر مؤسسية، وشراكات بين القطاعات تتطور مع تغيّر الاحتياجات. ومن خلال دمج المرونة والابتكار في نموذجنا الخيري، نخلق أثراً يتجاوز الإغاثة العاجلة، نحو مستقبل مليء بالفرص لأجيال قادمة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي