عبر الريادة نصنع المستقبل كما نريده

3 دقيقة

إن ما حققته دولة الإمارات العربية المتحدة من منجزات نوعية استثنائية منذ نشأتها وحتى اليوم، يستند إلى ركيزتين أساسيتين هما: حكومة الدولة ذات الرؤية البعيدة المدى، والمجتمع المبدع بأفراده ومؤسساته وقيمه ومبادئه. وعند الحديث عن المجتمع يبرز مفهوم الريادة بوصفه ثروة وطنية، ليس في مجال الأعمال فقط، بل أيضاً في منهج التفكير والممارسات اليومية والنظرة إلى العالم كما يجب أن يكون، وليس كما هو الآن، فالرياديون هم أساس بناء الأوطان لأنهم يمتلكون الشجاعة والمعرفة لتحويل الأفكار غير التقليدية إلى واقع يومي نعيشه.

ومن أجل ترسيخ الريادة لتكون ثقافة وطنية تقود مسيرة النمو والتنمية، أطلقت الإمارات العربية المتحدة، منظومة ريادة الأعمال و"صندوق ريادة" الذي خصص حوافز بقيمة 300 مليون درهم بهدف رفع فرص نجاح رواد الأعمال من 30% إلى 50% بحلول عام 2031. وبذلك يشكّل هذا الصندوق سابقةً نوعية في التصدي لتحديين أساسيين في مسيرة ريادة الأعمال هما: صعوبة الحصول على التمويل، والنسب العالية في فشل المشاريع الريادية الجديدة.

وعليه، فإن الرؤية التي انطلق منها "شراع" هي رؤية متكاملة بأبعاد متعددة، تترجم رؤية عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، ورئيسة مركز الشارقة لريادة الأعمال "شراع"، الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، لتعزيز بيئة ريادة الأعمال في الإمارة، وأن تكون الشارقة مركزاً اقتصادياً عالمياً، وحاضنة للمشاريع القائمة على الأفكار والمواهب والابتكارات. كما ترتكز الرؤية على أن يكون الرياديون هم الأداة الفعالة التي تواجه تحديات المسيرة في النمو الاقتصادي والاستدامة والتحول الرقمي والتكنولوجيا والأمن الغذائي وابتكار الحلول في مجالات الصحة والتعليم والتصنيع والزراعة والخدمات.

ومنذ انطلاقته وحتى اليوم، نجح شراع في احتضان نحو 18 ألف شاب ودعمهم في مجتمعنا الريادي وفي رعاية 420 مشروعاً وشركة ناشئة، 52% منها مملوكة للنساء. وجمع نحو 171 مليون دولار أميركي لتمويل الشركات والمشاريع الريادية التي حققت إيرادات تجاوزت 248 مليون دولار أميركي وخلقت نحو 1,900 فرصة عمل. إضافة إلى ذلك شكّل شراع جسراً لعبور مئات الأفكار الجديدة والاستثنائية إلى الواقع لتصبح جزءاً من حياتنا اليومية.

شكّلت مسيرة "شراع" نموذجاً لعملية بناء اقتصاد المعرفة القائم على التعليم والأفكار والمواهب والابتكار ليكون محركاً مركزياً للنمو. ويحاكي هذا النموذج سمة أساسية في اقتصاد المستقبل، وهي أن الأصول التنموية ستكون موزعة على نطاق أوسع مما هي عليه الآن، على الأفراد والشرائح الاجتماعية المتنوعة، ولن يقتصر الاقتصاد بعد الآن على الاحتكارات الاقتصادية الكبرى.

إن تعزيز الإبداع في منظومة ريادة الأعمال يتطلب منا أن نبتكر في المقابل برامج دعم ورعاية مبدعة، وهنا نذكر برامج شراع مثل "برنامج دوجو لريادة الأعمال"، الذي يهتم بتعليم وتدريب الشباب في الجامعات مثل الجامعة الأميركية في الشارقة وجامعة الشارقة، ما يتيح لهم فرصة تعلم المهارات الريادية الأساسية من خلال ورش عمل عملية وبرامج تدريبية شاملة.

وينظّم شراع أيضاً "برنامج دوجو المتقدم لريادة الأعمال" الذي يرافق مسيرة المشاريع ويدعمها منذ نشأة فكرتها حتى وصولها إلى السوق من خلال دعم الشركات والمشاريع الناشئة بمنح نقدية دون مشاركة في الأرباح، و"برنامج الشركاء" وهو عبارة عن مسابقة لاختبار الأفكار بالمنهج التجريبي والتحقق من ملاءمتها للسوق. وإلى جانب كل ذلك، يواكب شراع مستجدات المشهد على الصعيدين المحلي والعالمي في ريادة الأعمال وينظم فعاليات مثل مهرجان الشارقة لريادة الأعمال، الذي يجمع الشباب مع رواد الأعمال والمستثمرين والخبراء من مختلف أنحاء العالم.

يركز شراع على أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص لدعم منظومة الأعمال وتعزيزها من خلال عدة برامج، منها "تحدي بوابة الشارقة" الذي يدعو شراع من خلاله الشركات الناشئة في مرحلة النمو إلى تقديم حلول مبتكرة تُمكنّها من التغلب على التحديات، والإسهام في الاستدامة الاقتصادية والبيئية على المدى الطويل، إذ يوفر للمشاركين، فرصة الحصول على منح تصل قيمتها الإجمالية إلى 500 ألف درهم. وفي عام 2024، قدمت الشركات المتنافسة أفكارها حول حلول تكنولوجيا الزراعة وصحة الثروة الحيوانية، وذلك بما يتماشى مع رؤية الشارقة واستراتيجية دولة الإمارات العربية المتحدة لتحقيق الأمن الغذائي، إذا يحرص شراع على أن يكون متناغماً مع توجهات النمو في الإمارة والدولة عموماً.

ويتمثل هذا التناغم في إطلاق شراع مراكز التميز في 4 قطاعات حيوية هي: التصنيع، والتكنولوجيا التعليمية، والصناعات الإبداعية، والاستدامة، بهدف تمكين الشركات الناشئة، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع مجموعة من الجهات الحكومية والخاصة، إلى جانب تسهيل وصول الشركات الناشئة والمشاريع الريادية إلى أسواق العالم.

على الصعيد العام، وعلى الرغم من تحقيق دولة الإمارات العربية المتحدة المركز الأول عالمياً للعام الثالث على التوالي في تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال، فإن ريادة الأعمال في تطور مستمر، ما يعني ضرورة الاستمرار في تعزيز البيئة الداعمة وثقافتها من خلال تبنّي استراتيجيات شاملة تركز على بناء بيئة تعليمية ومجتمعية داعمة، وتشجيع الشباب على التفكير الخلاق، وتحفيزهم لخوض تجارب ريادية.

وهذا يتطلب الكثير من الخطوات، أهمها: دمج ريادة الأعمال في المناهج التعليمية من المراحل الدراسية المبكرة وحتى التعليم الجامعي لتعريف الشباب بمفاهيم الريادة وتطوير مهاراتهم في حل المشكلات والتفكير النقدي والإبداعي، كما يمكن تصميم برامج تدريبية وورش عمل عملية بالتعاون مع مؤسسات تعليمية لدعم هذا التوجه، إلى جانب توفير منصات للتواصل والتفاعل مع رواد الأعمال الناجحين، ما يتيح للشباب الاطلاع على تجارب حقيقية والتعلم منها. ومن الضروري أيضاً العمل على توفير الدعم الإرشادي والوصول إلى التمويل للشركات الناشئة الشبابية، إذ يواجه الشباب في كثير من الأحيان تحديات في الوصول إلى التمويل والخبرة الإرشادية.

وفي عيد اتحاد دولة الإمارات، نشعر بالثقة بالمستقبل لأننا نمتلك مفاتيحه منذ الآن، ولأن الإمارات هي دولة الإنسان أولاً، بما توفره له من البنية المؤسسية الداعمة، والبيئة التعليمية التي تعزز التفكير النقدي لدى الأجيال الصاعدة. وعندما تتحول الريادة إلى ثقافة وطنية، يصبح كل فكرة وكل مشروع بذرة لتنمية المجتمع وبناء المستقبل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي