الإمارات مختبر ابتكار متجدد ومنصة لتطوير الذكاء الاصطناعي

5 دقيقة

في عالم متسارع التغيير يرتكز على الابتكار التكنولوجي، أصبح الذكاء الاصطناعي محركاً للتغيير وعاملاً حاسماً في صياغة المستقبل اقتصادياً وتنموياً. ومنذ نشأته، حظي الذكاء الاصطناعي باهتمام دولة الإمارات، وأدركت قيادتها دوره المحوري في رسم مسارات الغد. وتجسّد ذلك في عمل دؤوب على بناء استراتيجيات طموحة، وترسيخ بنية تحتية رقمية متقدمة، وإرساء إطار تنظيمي تشريعي مرن ومستدام وقابل للتطور، كما انعكس ذلك في ريادة وتميز النموذج الإماراتي عالمياً في احتضان وتطوير تكنولوجيا المستقبل وحلول الذكاء الاصطناعي.

رؤية استراتيجية

تُعد الإمارات من أوائل الدول التي وضعت استراتيجية وطنية شاملة للذكاء الاصطناعي. وتهدف هذه الاستراتيجية التي أطلقتها الحكومة في عام 2017، إلى تعزيز تبنّي حلول الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات الحيوية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والنقل، والطاقة، والأمن، والخدمات الحكومية. ولم تكتفِ الدولة بإعلان الاستراتيجية، بل استحدثت أول منصب وزاري متخصص في ملف الذكاء الاصطناعي، في خطوة هي الأولى من نوعها في العالم، ضمن رؤية تركز على تسريع وتيرة الابتكار وضمان تحقيق الأهداف الوطنية في هذا المجال.

تدرك الإمارات أن النجاح في تطوير الذكاء الاصطناعي يعتمد على تهيئة بيئة رقمية متقدمة ورؤى استباقية للمتغيرات العالمية، لذلك استثمرت في تطوير البنية التحتية التكنولوجية، بما في ذلك مراكز البيانات العملاقة، والحوسبة السحابية، وشبكات الجيل الخامس (5G)، وأنشأت مناطق متخصصة في التكنولوجيا، مثل مدينة دبي للإنترنت، التي تحتضن كبرى الشركات العالمية المتخصصة في هذا القطاع.

كما أطلقت الإمارات مشاريع متنوعة، مثل ”كامبس دبي للذكاء الاصطناعي”، الذي يهدف إلى أن يكون مركزاً عالمياً للبحث والتطوير في الذكاء الاصطناعي، واستقطاب الشركات الناشئة والمواهب المتخصصة في هذا المجال.

وفي خطوة تعكس سعي الإمارات لتضمين الذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات العمل الحكومي، جاء تأهيل وتكليف رؤساء تنفيذيين للذكاء الاصطناعي في كل جهة حكومية، بهدف تعزيز تبنّي وابتكار حلول الذكاء الاصطناعي وتطوير استراتيجيات متقدمة لتحسين الأداء الحكومي، ورفع كفاءة الخدمات، وتعزيز القدرة التنافسية للدولة عالمياً. ويتولى الرؤساء التنفيذيون للذكاء الاصطناعي صياغة سياسات تعتمد على البيانات، وتطوير حلول مبتكرة تسهم في صناعة قرارات دقيقة وفعّالة، إلى جانب عملهم على بناء شراكات استراتيجية مع الشركات التكنولوجية العالمية، وتعزيز التعاون مع المؤسسات الأكاديمية والبحثية، وتدريب الكوادر الوطنية والمواهب لضمان الاستخدام الأمثل لهذه التقنيات، بما يعزيز ريادة دولة الإمارات مركزاً عالمياً للابتكار الرقمي.

مدن ذكية

إن التحولات الرقمية المتسارعة جعلت المدن الذكية ركيزة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، بالاعتماد على تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والبيانات الضخمة،بما يعزز الكفاءة ويرفع الإنتاجية. وقد عملت دولة الإمارات العربية المتحدة على تطوير هذه المدن من خلال تبنّي استراتيجيات وطنية، وتخصيص استثمارات ضخمة، وبناء شراكات دولية مع كبرى الشركات العالمية والدول المتقدمة. كما اعتمدت استراتيجية متكاملة لتطوير المدن تواكب أهداف مئوية الإمارات 2071، التي تسعى إلى جعل الإمارات إحدى أفضل دول العالم في مختلف المجالات، ورقمنة العمليات في مجال الصناعة، من خلال إدخال تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، وتحفيز الابتكار، عبر مراكز الأبحاث والتطوير، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال تطوير حلول الطاقة المتجددة، وتعزيز التكامل بين القطاعات، وربطها بمنصات البيانات المشتركة.

شراكات استراتيجية

أما الشراكات العالمية فهي جزء لا يتجزأ من مسيرة دعم وتطوير الذكاء الاصطناعي واستخداماته، وقد خطت دولة الإمارات خطوات كبيرة في تحقيق هذا التوجه من خلال توثيق التعاون مع الشركات العالمية، ومن ضمن ذلك التعاون مع شركة سيمنز الألمانية في مشاريع التحول الرقمي لدفع تحول القطاع الصناعي نحو الثورة الصناعية الرابعة، ورفع معدل الإنتاجية الصناعية بنسبة %30، وإضافة نحو 25 مليار درهم إماراتي إلى الاقتصاد الوطني خلال الـ 10 أعوام المقبلة.

كما أسهمت الشراكات في تطوير أنظمة التحكم الذكية، وأتمتة العمليات الإنتاجية، ومنها على سبيل المثال الشراكة مع شركة جنرال إلكتريك (GE)، التي تعمل الشركة بموجبها مع دولة الإمارات على تطوير حلول الصناعات الذكية، مستفيدة من قدراتها في التحليل المتقدم للبيانات وإنترنت الأشياء. كما رسّخت الإمارات شراكات وثيقة مع مايكروسوفت وأمازون ويب سيرفيسز لتعزيز البنية التحتية للحوسبة السحابية، والحوسبة المتقدمة، وتقديم حلول الذكاء الاصطناعي.

وتسعى دولة الإمارات إلى تعزيز شراكاتها مع الولايات المتحدة في مجالات الرقمنة والبحث والتطوير من خلال بناء جسور التواصل والتعاون البنّاء بين المؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثية المتخصصة في التقنيات الرقمية في البلدين، وتعزيز أطر الشراكة بين الشركات الناشئة والمستثمرين الأميركيين لدعم حلول التكنولوجيا الصناعية، وتحفيز تطوير الشركات الناشئة التي تعمل على تطوير حلول إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي.

إطار تشريعي متطور

تُعد البيئة التشريعية المرنة والمواكبة والمتطورة باستمرار من أهم العوامل التي أسهمت في جعل الإمارات وجهة مفضلة لشركات الذكاء الاصطناعي، إذ أصدرت الدولة قوانين ولوائح تنظيمية تدعم الابتكار في هذا المجال، مثل قانون حماية البيانات الشخصية، الذي يضمن استخدام البيانات بطرق مسؤولة وأخلاقية، وقانون الشركات الذي يسهّل تأسيس الشركات الناشئة المتخصصة في التكنولوجيا. كما أطلقت الحكومة مبادرات مثل ”مختبر التشريعات”، الذي يعمل على تطوير تشريعات مرنة تواكب التطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي، ما يعزز ثقة المستثمرين ويسهّل عمليات البحث والتطوير.

تطبيقات فعّالة

لم تقتصر جهود الإمارات على وضع الاستراتيجيات والاستثمار في البنية التحتية، بل ركزت أيضاً على ضمان الاستخدام المسؤول

والفعّال للذكاء الاصطناعي، إذ أطلقت الحكومة ”ميثاق تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي”، الهادف إلى تحقيق مستهدفات استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، وذلك تجسيداً لرؤية القيادة في تحويل الدولة إلى مركز عالمي لتطوير وتبنّي حلول وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات.

ففي قطاع الصحة، تشهد الدولة تحولاً كبيراً بفضل الذكاء الاصطناعي، فقد استُخدمت أنظمة تحليل الصور الطبية لاكتشاف الأمراض في مراحلها المبكرة، مثل السرطان وأمراض القلب. كما طُبّق الذكاء الاصطناعي في تطوير روبوتات تساعد في العمليات الجراحية، ما يزيد من دقة الإجراءات الطبية ويقلل من الأخطاء البشرية.

وفي قطاع النقل، أطلقت الإمارات مشاريع متطورة في مجال النقل الذكي، مثل السيارات الذاتية القيادة، التي اختُبرت في شوارع دبي، ومشاريع المواصلات المستقبلية مثل ”هايبرلوب”، الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات المسافرين وتحسين تجربة النقل، و”دبي لوب” الذي أطلقته دبي بالتعاون مع شركة بورينغ للبنية التحتية التابعة لإيلون ماسك، بطاقة استيعابية لما يزيد على 160 ألف راكب في الساعة، ويتجاوز طول مساره 100 كيلومتر، لتغطية المناطق الأكثر ازدحاماً في دبي، بالإضافة إلى التاكسي الجوي الذي يعزز مستقبل الطيران محققاً وصولاً أسرع وأكثر كفاءة إلى الوجهات.

أهداف التنمية المستدامة

إلى جانب الآثار الاقتصادية والتكنولوجية الإيجابية، تبرز استخدامات الذكاء الاصطناعي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في دولة الإمارات، فقد طُبّقت حلول الذكاء الاصطناعي في مشاريع الطاقة المتجددة، مثل تحسين كفاءة الألواح الشمسية، وتحليل بيانات الرياح لتوليد الطاقة. كما استُخدم الذكاء الاصطناعي في تحسين إدارة الموارد المائية، للحد من هدر المياه وتعزيز الاستدامة البيئية.

ووقّعت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل ”مصدر” مع شركة بريسايت المتخصصة في مجال تحليل البيانات الضخمة باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، اتفاقية لتطوير أداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لإدارة أصول مشاريع الطاقة المتجددة، وتحليل البيانات الضخمة لتعزيز الكفاءة التشغيلية، وتحسين إنتاج الطاقة، ودعم التحول نحو نموذج تنبؤي يعزز استدامة ومرونة قطاع الطاقة.

 الاستثمار في المواهب

تركز دولة الإمارات على تطوير الكوادر الوطنية من خلال برامج متقدمة، انطلاقاً من رؤية تؤمن بأن المستقبل يبدأ بالاستثمار في المواهب وتطوير الإنسان، ومن خلال مبادرات ومشاريع هادفة، تحولت دولة الإمارات إلى بيئة جاذبة للباحثين والمبتكرين ورواد الأعمال من مختلف أنحاء العالم. وفي الوقت نفسه، تُقدم الحكومة والمناطق الحرة حوافز استثمارية ومزايا ضريبية لجذب الشركات الناشئة والمتعددة الجنسيات.

إضافة إلى دعم التعاون البحثي مع الجامعات والمؤسسات الأكاديمية العالمية، ما يسهم في تعزيز منظومة الابتكار وتطوير حلول تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمختلف القطاعات.

وإلى جانب جذب المواهب والعقول العالمية، تركز الإمارات على تطوير المواهب الوطنية من خلال استراتيجيات تعليمية وبرامج تدريبية متخصصة، وإطلاق مبادرات ضخمة، أبرزها جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، أول جامعة بحثية متخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي، لتأهيل جيل جديد من الخبراء لقيادة الابتكار في هذا المجال.

كما توفر الحكومة برامج تدريبية بالشراكة مع كبرى الشركات التكنولوجية العالمية، مثل جوجل ومايكروسوفت وإنفيديا وأمازون ويب سيرفيسز وسامسونج، لتعزيز مهارات الكوادر الوطنية في تحليل البيانات، وتطوير الخوارزميات، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. كما تشجع الدولة رواد الأعمال والمبتكرين من خلال توفير حاضنات ومسرّعات الأعمال، مثل ”مسرعات دبي المستقبل”، التي توفر بيئة متكاملة لدعم المشاريع الناشئة وتحويل الأفكار إلى حلول تكنولوجية متقدمة تسهم في تعزيز تنافسية الدولة عالمياً.

تحديات وفرص

على الرغم من الآثار الإيجابية والفرص الكبيرة التي أحدثها الذكاء الاصطناعي عالمياً، فإنه فرض جملة تحديات مستقبلية، تتطلب من المعنيين كافة من حكومات وشركات ورواد أعمال وأفراد ومؤسسات أكاديمية ومجتمعية، تعزيز قدرات التكيف مع التغيرات المتسارعة في هذا المجال، وتوسيع دائرة الاستثمار في البحث والتطوير لمواكبة هذه التغيرات، وابتكار أفضل الحلول لضمان استمرار الريادة. وتشمل قائمة التحديات مواضيع أخلاقيات الذكاء الاصطناعي التي تستدعي وضع أطر واضحة لضمان الاستخدام المسؤول، وحماية حقوق المجتمعات والأفراد، وتعزيز منظومة الأمن السيبراني ودورها في حماية البيانات التي أصبحت أحد الأصول الرئيسية في العصر الرقمي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي