في ظل حالة الفوضى وعدم اليقين الناجمة عن الحرب التجارية، بات من الصعب أو المستحيل على المؤسسات المشاركة في سلاسل التوريد العالمية أن تضع استراتيجيات متوسطة الأجل. ولفهم كيفية تعامل الشركات مع الوضع على المدى المنظور، أجرينا مقابلات مع قادة سلاسل التوريد في أكثر من 12 شركة في مجالي التصنيع وتجارة التجزئة داخل الولايات المتحدة وخارجها. وقد أمدتنا هذه الحوارات برؤى ثاقبة حول الخطوات التي تتخذها الشركات للتخفيف من حدة الآثار السلبية على أعمالها، ومنها معنويات الموظفين. وإليك 6 إجراءات أطلعونا عليها:
كن صريحاً مع أصحاب المصلحة بشأن انعدام الوضوح.
أدت الحرب التجارية وتقلباتها اليومية إلى تفشي عدم اليقين بصورة حادة في سلاسل التوريد وعلى مستوى الشركة بأكملها. وعندما تتبنى القيادة أسلوب التواصل المنفتح والشفاف، سواء داخلياً أو مع الشركاء الأساسيين في سلسلة التوريد، فذلك يسهم إلى حد بعيد في تبديد مشاعر الخوف والقلق التي تشتت الانتباه وتعرقل اتخاذ إجراءات فعالة. وقد أخبرنا بعض العاملين في إحدى الشركات بأنهم يعقدون اجتماعات عامة على مستوى المؤسسة لمناقشة الوضع بمنتهى الشفافية مع الموظفين، بينما أشار مدراء في شركة أخرى إلى أنهم يجرون مناقشات مشابهة مع الموردين الرئيسيين.
اعمل على تنظيم الصفوف.
أعد تفعيل غرفة الطوارئ التي أنشئت خلال جائحة كوفيد-19، وادع إليها خبراء متخصصين من مختلف الأقسام، مثل الماليات والتسويق والهندسة وسلسلة التوريد. احرص على إجراء تحليل دقيق لبنية التكاليف ومصادر التوريد بغرض تكوين رؤية دقيقة من حيث الأثر المالي والجغرافي للرسوم الجمركية على المواد الخام أو المكونات أو المنتجات، حسب مواقع التوريد المختلفة.
يتيح هذا الفهم التفصيلي على مستوى كل منتج وكل سوق للمؤسسة اتخاذ إجراءات موجهة لمعالجة مشكلات محددة، بدلاً من اتخاذ قرارات جذرية لإعادة هيكلة سلسلة التوريد بأكملها. على سبيل المثال، ومن باب التحوط لاحتمال فرض الرسوم الجمركية، عمدت إحدى شركات صناعة المواد الغذائية إلى زيادة طلبيات مكونات معينة من أسواق رئيسية رأت أنها ستتأثر بتلك الرسوم بشدة.
دراسة خيارات تعديل تركيبة المنتجات.
عند تحليل المواد المكونة لكل منتج في ضوء التكلفة المعدلة حسب الرسوم الجمركية، تستطيع الشركات تحديد البدائل المتاحة وإجراء التعديلات المناسبة. وقد أفاد مدراء في شركة تصنيع متوسطة الحجم أنهم نجحوا في إعادة تصنيف المنتج ضمن فئة تخضع لرسوم جمركية أقل بكثير، وذلك بزيادة نسبة الألومنيوم في أحد منتجات الشركة وتقليل نسبة الفولاذ (على الرغم من أن الرسوم الجمركية على واردات الفولاذ والألومنيوم تبلغ 25%، فإن بعض المواد والمنتجات التي تندرج تحت مواصفات معينة معفاة من هذه الرسوم بموجب جدول الرسوم الجمركية الموحد. وقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 30 مايو/أيار، عن مضاعفة هذه الرسوم لتصل إلى 50% اعتباراً من 4 يونيو/حزيران).
دراسة خيارات تغيير الموقع.
تحدث عدد من مسؤولي شركات التصنيع عن تجارب شركاتهم في العمل مع الموردين على تطوير عمليات تخزين جديدة تهدف إلى تجنب الرسوم الجمركية المرتفعة من خلال تغيير موقع تنفيذ العمل؛ إذ عملت هذه الشركات على استيراد سلع نصف مصنعة، ثم استكمال عمليات التجميع النهائي والتغليف داخل مستودعات محلية. وأنشأت شركة أخرى منشآت على جانبي الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك لتوفير مستوى مماثل من المرونة والقدرة على التكيف مع بيئة الرسوم الجمركية المتقلبة.
دراسة خيارات حزم المنتجات.
عند تغليف عدة عناصر وبيعها معاً ضمن حزمة منتجات واحدة، تصبح عملية تصنيف الرسوم الجمركية أكثر تعقيداً؛ إذ يعتمد تحديد فئة الرسوم الجمركية على ما يعرف بـ "الطابع الأساسي" لحزمة العناصر المجمعة، بيد أن هذا التقييم قد يخضع للاجتهاد الشخصي.
استغل أحد موردي التجزئة هذه الفرصة من خلال تحويل منتج فردي إلى حزمة هدايا، وذلك بإضافة بطاقة تهنئة. وقد مكنه هذا التعديل من إعادة تصنيف الحزمة بوصفها من فئة "القرطاسية"، وهي فئة تخضع لرسوم جمركية أقل مما كان سيفرض على المنتج في صورته الأصلية.
الاستفادة من الإجراءات المتخذة في السابق.
أفاد مسؤول إحدى شركات التصنيع بأن شركته كانت قد اتخذت قراراً بالاستغناء عن أحد الموردين الصينيين والاستعانة بدلاً منه بآخر مقره الولايات المتحدة، قبل اندلاع الحرب التجارية بعدة أشهر، وذلك في إطار مساعيها لتعزيز التوريد المحلي وتقليل الاعتماد على الموردين الصينيين. وعند فرض الرسوم الجمركية، استطاعت الشركة الاستفادة من هذا التغيير السابق وتوسيع مشترياتها من المورد الأميركي. وبينما كانت الشركات المنافسة تسابق الزمن لتأمين استمرارية الإمدادات وتحمل التكاليف النهائية المرتفعة للمكونات الحيوية، زادت هذه الشركة إنتاجها لتستفيد من نفاد مخزون الشركات المنافسة وارتفاع أسعار منتجاتها.
بدأت شركة تصنيع أميركية أخرى خلال جائحة كوفيد-19 تطوير علاقة مع مورد محلي في الولايات المتحدة، بهدف تقليل الاعتماد على سلاسل التوريد العالمية التي تعرضت للزعزعة. في البداية، خصصت الشركة مساحة للمورد ضمن منشآتها واستثمرت معه في المعدات وتعاونت معه عن قرب لمساعدته على التوسع وزيادة كفاءته. وقد مكنه هذا المستوى من الإنتاجية، إلى جانب وفورات الخدمات اللوجستية الناتجة عن التوريد من داخل الولايات المتحدة، من منافسة الموردين في الدول المنخفضة التكلفة. وعند فرض الرسوم الجمركية على المنتجات المستوردة، وجدت الشركة نفسها في وضع أكثر ملاءمة، واستطاعت زيادة الكميات التي تحصل عليها من مصادر محلية.
ليس من الواقعي إعادة تصميم سلسلة التوريد بأكملها في خضم حرب تجارية تشهد تطورات متلاحقة؛ لذلك لا تحمل نفسك فوق طاقتها ولا تسع إلى الكمال. وتذكر أن الشركات المنافسة تواجه قدراً مماثلاً من عدم اليقين والتقلبات والتغيرات المتسارعة، ومن يتخذ خطوات محسوبة ومتزنة سيكون أقدر على تجاوز العاصفة والخروج منها أقوى ممن ينتهج أسلوب الترقب والانتظار.