ملخص: يؤدي قطاع الزراعة دوراً مهماً في دعم الاقتصاد السعودي، ويعد التوطين، أو نقل الخبرات وأفضل الممارسات إلى العاملين في هذا القطاع، إحدى السياسات التي تعزز مسيرة التحول في المملكة. ومن التحديات التي أدركها صانعو السياسات الاقتصادية في السعودية أن توطين الزراعة يتطلب تفعيل العمل على 4 محاور:
- التعليم: بناء شراكات مع الجامعات والمراكز البحثية لتغيير التصورات حول الزراعة وإثراء الجانب العملي للكوادر الوطنية.
- التدريب والتوعية والإرشاد: توسيع خدمات الإرشاد الزراعي وتعزيز استخدام المنصات الرقمية لتحسين كفاءة السوق ورفع الوعي بالممارسات المستدامة.
- التقنيات والممارسات الحديثة: دمج الذكاء الاصطناعي في الممارسات الزراعية وأتمتة العمليات الزراعية لتحسين الإنتاجية وتقليل الهدر ودعم المزارعين في تبنّي التكنولوجيا.
- البحث والتطوير: زيادة الاستثمار في البحوث الزراعية لدعم الابتكار وتحسين استدامة الموارد وتطوير حلول عملية لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية.
يتمثل التوطين في نقل الخبرات وأفضل الممارسات العالمية، ويركز على الاستثمار في الموارد البشرية الوطنية وتدريبها وتأهيلها، واستحداث فرص عمل مناسبة لها، مع تعزيز القدرة على جذب المواهب العالمية لتوفير سوق عمل أكثر شمولاً وازدهاراً. لذا اعتمدت المملكة العربية السعودية التوطين جزءاً من مستهدفات رؤية 2030 لتحقيق التنمية والتحول الاقتصادي والاجتماعي.
واستناداً إلى الدور الذي يؤديه قطاع الزراعة في دعم مسار التحول الاقتصادي للمملكة؛ تبرز أهمية تطبيق سياسات توطين فعالة تتماشى مع رؤية 2030، إذ يوفر القطاع فرص عمل لنحو 450 ألف مواطن سعودي في مناطق متنوعة من المملكة، وأسهم بنحو 109 مليارات ريال سعودي في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023.
وبهدف رفع مساهمة الكوادر الوطنية في سوق العمل، جرى العمل على مبادرات لتوطين 32,500 وظيفة في قطاعي الزراعة والمياه، وتقديم برامج تدريبية حول المجالات ذات الصلة، مثل الزراعة العمودية وتصنيع المنتجات الزراعية وتسويقها وتخطيط المزارع وتنفيذها، وتدوير المخلفات الزراعية، وغيرها. مع التركيز على رفع المستوى المعيشي للمزارعين وتهيئة ظروف العمل المناسبة للمواطنين المهتمين بالانخراط في هذه المهنة.
تحديات توطين قطاع الزراعة بالمملكة
وعلى الرغم من هذا التوجه، فإن توطين الوظائف في القطاع الزراعي يواجه عدة تحديات، أبرزها نقص المهارات المحلية المتاحة للعمل في هذا القطاع، وعدم استفادة المزارعين من التقنيات والممارسات الحديثة، وضعف التمويل الزراعي مقارنة بالدعم المقدم لقطاعات أخرى مثل القطاع العقاري والقطاع الصناعي، كما يُفاقم الطلب المرتفع على المياه في القطاع الزراعي مشكلة ندرة المياه في المملكة، إذ يستهلك 84% من إجمالي الموارد المائية، إضافة إلى الزحف العمراني على الأراضي الزراعية وتأثيره السلبي في النظام البيئي. وكل هذه العوامل تُضعف إقبال المواطنين السعوديين على المهن المرتبطة بالإنتاج الزراعي.
حلول مبتكرة لتعزيز القدرات المحلية في قطاع الزراعة
ومن هنا، ركزت وزارة البيئة والمياه والزراعة في الاستراتيجية الوطنية للزراعة لعام 2030 على 4 محاور من أجل تعزيز القدرات المحلية لتوطين القطاع:
1. التعليم
تشير البيانات الحديثة إلى أن عدد السعوديين العاملين في قطاع الزراعة وصيد الأسماك يبلغ حوالي 25 ألف شخصاَ من إجمالي نحو 355 ألف فرد يعملون في هذه الأنشطة حتى نهاية عام 2022، أي أن السعوديين يشكلون ما يزيد قليلاً عن 7% من القوى العاملة في هذا القطاع، بينما يشكل العمال الأجانب الغالبية العظمى. وعلى الرغم من ارتفاع مستوى التعليم في القوى العاملة السعودية بصورة عامة، إلا أن قطاع الزراعة لا يزال يهيمن عليه العمالة الأجنبية، وغالبية السعوديين العاملين فيه من المرجح أن يكون مستواهم التعليمي أقل من درجة البكالوريوس.
ولمواجهة هذا التحدي، يجري العمل على بناء شراكات مع الجامعات والمراكز البحثية لتنظيم حملات التوعية وتغيير التصورات السلبية حول مهنة الزراعة وتكييف المحتوى التعليمي مع اهتمامات القوى العاملة في القطاع، وكذلك الاستعانة ببيوت الخبرة لعمل الدراسات والخطط التي تسهم في إثراء الجانب العملي للكوادر الوطنية، ونقل المعارف والتقنيات الحديثة للارتقاء بقدرات وخبرات المهندسين الزراعيين والأطباء البيطريين والفنيين والمتخصصين والطلاب والخريجين وإتاحة فرص التدريب والتوظيف لهم.
2. التدريب والتوعية والإرشاد
يتطلب تطبيق أفضل الممارسات الزراعية تغيير الاتجاهات السلوكية للمزارعين وتبني التكنولوجيا واعتماد الحلول المستدامة التي تسهم في زيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة، وهو ما يعني ضرورة زيادة الاهتمام بتوعية المزارعين وتدريبهم لمواكبة هذه المتطلبات.
وتسعى المملكة إلى توسيع تغطية خدمات الإرشاد من خلال مراكز الخدمة الإقليمية للوصول إلى أكبر عدد من المزارعين، والاستفادة من المنصات الرقمية في جمع البيانات ومعالجتها وتحليلها بكفاءة عالية. فعلى سبيل المثال تقدم منصة خراج خدمات مبتكرة لتسهيل بيع المنتجات الزراعية وشرائها ونقلها بالجملة، وهو ما يسهم في تعزيز كفاءة السوق، ويتماشى مع خطة المملكة لتوطين 85% من الصناعات الغذائية بحلول عام 2030.
3. التقنيات والممارسات الحديثة
يسهم دمج التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستشعار وإنترنت الأشياء وتحليلات البيانات في الممارسات الزراعية في تقليل النفايات وتحسين المدخلات الزراعية وتعزيز إنتاج المحاصيل، وتوفر أتمتة العمليات الكثير من الوقت والجهد على المزارعين، ومن جهة أخرى تقدم هذه التقنيات ملاحظات دقيقة في الوقت الفعلي حول العوامل التي تؤثر في الإنتاج الزراعي مثل جودة التربة وصحة النبات وخلوه من الآفات والأمراض، ما يساعد المنتجين الزراعيين على اتخاذ قرارات أفضل لزيادة الإنتاجية وتحسين الكفاءة وخفض التكاليف وإدارة الموارد.
وفي هذا الإطار، يواجه المزارعون في المملكة تحديات تتعلق بالاستخدام المحدود للمختبرات في عمليات الرصد والمراقبة، وقلة الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وضعف مستوى عمليات تخطيط المزارع وإدارتها، وعدم فعالية ممارسات الري.
ويجري التغلب على هذه التحديات من خلال توجيه المزارعين في مختلف القطاعات وعلى امتداد سلسلة الإمداد إلى التقنيات الملائمة لنشاطهم وإمكاناتهم المادية، وتطوير خطط الدعم واعتماد السياسات والقوانين التي تحفز على تبنّي التكنولوجيا وتطبيق الممارسات الحديثة.
4. البحث والتطوير
تعد البحوث الزراعية ضرورية للتنمية الزراعية المستدامة والشاملة، إذ ينتج عنها تقنيات جديدة وسياسات محسنة تساعد صغار المزارعين على مواجهة التحديات البيئية المرتبطة بتغير المناخ وتدهور الأراضي، إذ يؤدي البحث والتطوير إلى زيادة مخزون المعرفة والتوصل إلى ممارسات مرنة تسهم في تعزيز الإنتاجية من خلال إحداث ثورة في مكافحة الآفات وتحسين صحة التربة واستخدام كل قطرة مياه بحكمة.
وفي السعودية، شكل الإنفاق في مجال البحث والتطوير الزراعي نحو 4% من إجمالي نفقات البحث والتطوير لعام 2013، وهو ما يعد أقل من المعايير العالمية. لذا تعمل المملكة على بناء قدرات البحث والتطوير في قطاع الزراعة من خلال نشر المعرفة القائمة على البحث والتطوير بين العمال الزراعيين وتدريبهم على كيفية استخدام التقنيات الجديدة. ويهتم برنامج سنبلة ببناء منظومة للابتكار وريادة الأعمال في قطاع الزراعة والتنمية الريفية، وتقديم الدعم الفني والمالي لرواد الأعمال وأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة في مجال الزراعة والصناعات الغذائية.
يسهم التطبيق الفعال لنهج التوطين في تنمية القدرات الوطنية لتطوير منظومة العمالة الزراعية وتعزيز دور القطاع في دعم الاقتصاد الوطني. وهو ما تعمل عليه السعودية في إطار إدارة الكوادر البشرية وتوجيهها بما يلبي احتياجات السوق وبما يتماشى مع الخطط الاستراتيجية للسنوات القادمة.