كيف تصوغ أسئلتك عندما تحتاج إلى إجابات صادقة؟

6 دقيقة
صياغة الأسئلة
ميراج سي/غيتي إميدجيز

نواجه في العمل غالباً مواقف تتطلب منا كشف الحقيقة. على سبيل المثال، قد لا يرغب مديرك في إخبارك بأنك لن تحصل على ترقية هذه السنة خوفاً من إزعاجك أو إثارة خلاف معك، وربما يكذب أحد زملائك ليتجنب اللوم على تأخر مشروع ما. في حالات سوء سلوك الموظفين الخطيرة أو عندما يفشل مشروع ما، قد تضطر إلى جمع المعلومات الموثوقة والأدلة لاتخاذ قرار أو إجراء ما؛ ولكن أسئلة مثل "كيف فاتتك تلك المعلومة المهمة؟" أو "لماذا لم أحصل على الترقية؟" غير كافية.

لنأخذ قصة جمال مثالاً، وهي قصة مركبة من عدة سيناريوهات واقعية مختلفة شهدناها في عملنا وأبحاثنا.

يعمل جمال محللاً للأنشطة التجارية في شركة استشارات استراتيجية، وكان يتطلع إلى فرصة للانضمام إلى مشروع تحول رقمي بارز تقوده المديرة المشاركة، نجوى. يعلم جمال أن مشاركته في المشروع ستجعله مرشحاً لنيل ترقية، فأرسل رسالة إلكترونية إلى نجوى بشأن الفرصة بعد أن سمع عنها من أحد أقرانه، لكنه لم يتلق رداً منها. توظف بعض زملائه في المشروع بالفعل، وهو غير متأكد من سبب تأخر الرد لأن خلفيته وخبرته تتطابقان جيداً مع قطاع العميل.

ما يجهله جمال هو أن نجوى تساورها مخاوف عالقة حول أدائه في مشروع صناعات دوائية عمل فيه مع مدير آخر في الربع السنوي الأخير، وقد علمت من المدير أن جمالاً كان يفتقر إلى الحزم عندما استجوبه العميل، وتخشى أن يواجه صعوبات في دور يتطلب التعامل مع العميل.

يعلم جمال أن عليه تحديد سبب تأخر نجوى في الرد كي يجري التعديلات اللازمة قبل انتهاء مهلة التوظيف في المشروع. على وجه التحديد، يجب عليه أن يتوصل إلى الطريقة الملائمة للتعامل مع نجوى وطرح الأسئلة التي تساعده على استخلاص معلومات صادقة حول انطباعها عنه. ما الذي يجب أن يفعله جمال في هذه الحالة؟

كيف تكشف الحقيقة؟

استناداً إلى سيناريوهات مشابهة وإلى بحثنا حول تأثير صياغة الأسئلة في الخداع، سنتحدث فيما يلي عن النصائح المدعومة بالأدلة حول دفع الآخرين لقول الحقيقة.

1. استعد للمحادثة

التحضير للمحادثات قبل خوضها مهم جداً ولا سيما المحادثات التي قد تصبح تصادمية. إذا كنت مستعداً جيداً، فسيزداد احتمال أن تكشف الحقيقة.

أجرينا في دراسة بحثية أعددناها عن الطرق التي يطبقها الخبراء لكشف حالات الاحتيال في مجال التأمين مقابلات مع محققين خاصين في شركة تأمين سيارات كبيرة، واكتشفنا أن أحد الأسباب الرئيسية للنجاح هو العمل الدقيق والمفصل الذي أجراه المحققون للتحضير للمقابلات الشخصية مع المحتالين؛ إذ مشط المحققون الأحياء وتحدثوا إلى الشهود وبحثوا في قواعد البيانات وجمعوا الأدلة وتحققوا من الوقائع تماماً قبل التحدث إلى رافعي الدعوات.

على سبيل المثال، لنفترض أنك تريد أن تعرف سبب عدم حصولك على ترقية ما من مديرك؛ عليك أن تتحقق من الوقائع جيداً قبل التحدث إليه، كما عليك أن توثق جدولاً زمنياً لإنجازاتك في العمل وتتناقش مع أقرانك الموثوقين على انفراد حول أهمية إسهاماتك لدى الآخرين وما يمنحها أهميتها. حاول تقدير الوقت الذي استغرقه حصول أقرانك على الترقية، وتحديد المهارات التي تمتعوا بها ومدى توافق مهاراتك معها، كما عليك أن تقدر الوضع الحالي لوحدة العمل. بتحضير الحقائق جيداً قبل اللقاء ستزداد قدرتك على الإقناع وتحفز مديرك على قول الحقيقة.

2. رسخ أسس التواصل الصادق

ابدأ المحادثة بوضع الأسس التي تعزز الصدق وتبني الثقة. يسأل مفاوض الأزمات في ولاية فيلادلفيا، المحقق جوزيف روفنان، نظراءه السؤال التالي باستمرار: "هل تريدني أن أكون صادقاً معك؟" يجيب الآخرون بـ "نعم" دائماً، ويساعد ذلك روفنان على وضع أسس التواصل الصادق.

ترسيخ هذا المعيار في وقت مبكر هو من أهم الخطوات التي يمكنك اتخاذها لتحفيز الآخرين على الصدق. بالطبع، هناك دائماً بعض التفاصيل التي يفضل الطرف الآخر عدم الإفصاح عنها، مثل قائد في وضع لا يسمح له بالكشف عن معلومات حساسة عن الشركة. هذا ليس سيئاً؛ وبإمكان الطرف الثاني أن يضع الحدود من خلال تحديد الموضوعات السرية وتلك التي تتطلب استشارة طرف آخر والتفاصيل التي لا صلاحية له في الكشف عنها؛ وهذا في الواقع تواصل صريح من جهته يبين الموضوعات التي يستطيع التحدث عنها وتلك التي لا يمكنه ذكرها. في هذه الحالات، عليك قبول الحدود والاستمرار في ترسيخ الصدق والمصداقية.

3. تحقيق الانسجام

الانسجام هو التعبير المتبادل عن الإيجابية والاهتمام الذي يولد الألفة والاستلطاف، ويساعد على بناء الثقة بين الأفراد.

  • ابدأ المحادثة بالتحدث بنبرة لطيفة وابحث عن الاهتمامات المشتركة.
  • اطلب من نظيرك توضيح النقاط وشرحها لتبين أن المحادثة تحظى بانتباهك واهتمامك.
  • كن محترماً. عندما يتحدث نظيرك، اعترف بصحة وجهة نظره ولا تقاطعه لأن ذلك قد يشعره بالدونية.
  • عبر عن تعاطفك لأنه يؤكد مشاعر الآخرين ويبني الثقة في المقابل.

4. احرص على تأطير أسئلتك على نحو مدروس

بعد إظهار التزامك بالصدق وبناء الألفة، الخطوة المهمة التالية وفقاً لبحثنا هي طرح سؤال مباشر. عرفنا السؤال المباشر في البحث على أنه استفسار مباشر يهدف إلى الحصول على إجابة محددة بطريقة لا تسمح بالتأويل أو التهرب. السر هو طرح الأسئلة المباشرة الصحيحة، وهو ما يؤثر في المعلومات التي تحصل عليها. يطرح معظمنا عادة أسئلة تندرج في واحدة من ثلاث فئات: الأسئلة العامة، والأسئلة المباشرة التي تعتمد على افتراض وجود مشكلة، والأسئلة المباشرة التي تعتمد على افتراض أن الوضع طبيعي.

اكتشفنا في بحثنا أن احتمال كشف الحقيقة من خلال طرح الأسئلة المباشرة التي تعتمد على افتراض وجود مشكلة أكبر مقارنة بالأسئلة العامة أو الأسئلة المباشرة التي تعتمد على افتراض عدم وجود مشكلة. بالإضافة إلى ذلك، لاحظنا أن الأفراد الذين يطرحون الأسئلة المباشرة التي تعتمد على افتراض وجود مشكلة غالباً ما ينظر الآخرون إليهم على أنهم أكثر دراية وحزماً.

لنأخذ مثالاً آخر. لنفترض أنك مدير توظيف تجري مقابلة مع أحد المرشحين وتريد تقديم عرض عمل لكنك تريد أيضاً أن تكتشف إذا تلقى المرشح عرض عمل آخر قد يقبله. إذا طرحت سؤالاً عاماً (مثل "ما هي المرحلة التي وصلت إليها في عملية البحث عن وظيفة؟") أو سؤالاً يعتمد على افتراض أن المرشح ليس لديه خيارات أخرى (مثل "هل تتطلع إلى الحصول على فرصة العمل هذه في شركتنا؟")، فقد لا تحصل على الإجابة التي تريدها. لكن إذا افترضت وجود مشكلة (من خلال طرح سؤال مثل "هل هناك ما يعوقك عن العمل في شركتنا، مثل عرض منافس؟)، فسيزداد احتمال أن يصرح المرشح بوجود عرض عمل آخر دون أن يشعر بأنه محرج.

5. احرص على أن يكون الخداع صعباً

اكتشاف الخداع (إخفاء الحقيقة لتحقيق مصلحة ما) صعب، كما أن هناك غالباً فوائد قصيرة المدى تجعله مغرياً. مع ذلك، هناك طرق يمكنك تطبيقها لخفض احتمال تعرضك للخداع.

أولاً، خطط لجعل اللقاء شخصياً. يضطر الناس إلى التحكم بالتعبيرات اللفظية والانفعالية حتى يكذبوا، ما يعني أن الكذب وجهاً لوجه أصعب من الكذب عن بعد؛ أي عند التحدث هاتفياً أو التراسل عبر البريد الإلكتروني وما إلى ذلك.

ثانياً، حاول زيادة الحمل المعرفي على نظيرك. يتطلب الكذب التفكير بجد لتتبع الحقيقة والكذبة، ما يزيد الحمل المعرفي على الشخص. لنعد إلى مثال مدير التوظيف. أحد التحديات الشائعة التي يواجهها مدراء التوظيف هو التحقق من مؤهلات المرشح وإنجازاته. قد يبالغ المرشحون في وصف مهاراتهم أو خبراتهم أو يدعون أنهم حصلوا على شهادات لم يحصلوا عليها حتى يزيدوا جاذبيتهم. يستطيع مدير التوظيف التعامل مع هذه المبالغات من خلال زيادة الحمل المعرفي على المرشح بطرح سؤال عن حدث وقع خارج ترتيبه الزمني الصحيح أو السؤال عن تفاصيل دقيقة. هذا يزيد من احتمالية ارتكاب الناس الأخطاء في إجاباتهم، ما يتيح لك تمييز الحقيقة من الأكاذيب.

فيما يلي تطبيق للنصائح السابقة على حالة جمال ونجوى:

جمع جمال المعلومات قبل التحدث إلى نجوى؛ فراجع المشروعات التي عمل عليها سابقاً وتحدث إلى مدرائه وزملائه السابقين، واطلع على الملاحظات التي تلقاها وركز على طرق الاستفادة منها في المشروع الجديد.

بعد ذلك، طلب جمال مقابلة نجوى شخصياً بدلاً من الاعتماد على البريد الإلكتروني أو إجراء اجتماع افتراضي. بدأ المحادثة ببناء الثقة والصدق من خلال قول: "نجوى، أنا أفضل أن أكون صادقاً، كما أني أقدر منك أن تتعاملي بالمثل". أجابت نجوى: "الصراحة والانفتاح أساسيان في نهج عملي أيضاً، ويسعدني أننا نتفق على ذلك. إذا كان هناك ما يدور في ذهنك، فأنا مستعدة لمناقشته ومعالجته معك".

تجنب جمال توجيه اتهام مثل "أنت لم تعترفي باهتمامي في الانضمام إلى الفريق" كي يضمن الانسجام، وكان محترماً وعبر عن تعاطفه بقول: "أعلم أنك مشغولة بتوظيف أفضل فريق عمل ممكن للمشروع، وأود أن أناقش كيفية إسهاماتي المحتملة فيه".

طرح جمال بعد ذلك أسئلة متابعة طلب فيها معلومات محددة ومفصلة. بدلاً من طرح سؤال عام مثل "ما هو وضع الفريق؟ هل ما زلت توظفين فيه؟" طرح جمال السؤال التالي الذي يعتمد على افتراض وجود مشكلة: "ما هي المخاوف التي لديك بشأن انضمامي إلى فريق المشروع؟".

أجابت نجوى: "سمعت أنك تتمتع بروح الجماعة، لكنني لست متأكدة إن كنت ملائماً للمشروع بناء على خبرتك السابقة". تعمق جمال أكثر بطرح السؤال: "أعتقد أنني قادر على تقديم إسهام قيم لفريقك. هل يمكنك تحديد ما يقلقك حيال خبرتي السابقة؟" أوضحت نجوى أن جمالاً بدا أنه يفتقر إلى الحزم خلال العرض التقديمي السابق للعميل، وأن عميل المشروع الحالي معروف بأنه مشكك ويطرح أسئلة صعبة.

في نهاية المطاف، تلقى جمال ملاحظات بناءة وفهم سبب عدم اختياره بوضوح. بعد اكتساب هذه المعلومات، سعى جمال للحصول على التوجيه والتدريب، وعمل مع نجوى في مشروع شركة استشارية جديد بعد 6 أشهر.

على الرغم من صعوبة دفع الآخرين لقول الحقيقة، فثمة طرق يمكنك تطبيقها لزيادة احتمال الحصول على الإجابات الصادقة والحد من خطر التعرض للخداع. لن يضمن لك اتباع هذه الخطوات أن يخبرك الجميع بالحقيقة دائماً، لكنه سيزيد الاحتمال. قد تكون الحقيقة جارحة أحياناً، لكن المعلومات الصادقة ضرورية للتعلم والنمو والتطور المهني.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي