دراسة سعودية تكشف ضرورة التحول من الإدارة بالأوامر إلى المشاركة

2 دقيقة
الإدارة بالأوامر
shutterstock.com/claudenakagawa

في أحد اجتماعات العمل، طرح موظف سعودي فكرة تطوير خدمة إلكترونية لتقليل وقت انتظار العملاء. المدير استمع ثم قال: "جميل، لكن خلنا نلتزم بالخطة". خرج الموظف وهو يتمتم: "ليش نتعب نفسنا ونقترح؟ كل شيء جاهز سلفاً".

هذه القصة ليست نادرة، بل تعكس واقعاً طالما ساد بيئات العمل في السعودية، حيث العلاقة بين الرئيس والمرؤوس تحكمها السلطة الصارمة والتوجيه من الأعلى. لكن، هل لا يزال هذا النموذج ناجحاً في زمن الرؤية والتغيير؟

دراسة سعودية نشرت عام 2024 من إعداد الباحث محمد آل شِهري في الجامعة السعودية الإلكترونية، قدمت إجابة دقيقة: لا.

الدراسة التي حملت عنوان "أثر الثقافة على الثقافة المؤسسية – دراسة حالة سعودية"، كشفت أن طريقة الإدارة التقليدية المبنية على الأوامر لم تعد صالحة في عصر "رؤية السعودية 2030"، التي وضعت أهدافاً تحتاج إلى الابتكار في مختلف المؤسسات والقطاعات، ما يتطلب مشاركة العقول والمبادرات. لقد غيرت الرؤية البيئة التنظيمية التي كانت ترتكز على الطاعة والمركزية والخوف من المخاطرة، والتي أصبحت عبئاً يعرقل الابتكار ويحد من المشاركة، إلى بيئة تحتاج بحكم المنافسة والرغبة بالبقاء إلى المشاركة والابتكار.

هذا التحول الإداري في السعودية من الإدارة بالأوامر إلى الإدارة الابتكارية بالمشاركة التي تتطلب المشاركة من الجميع، يذكرنا بما كتبه الرئيس التنفيذي السابق لشركة بيكسار واستوديوهات ديزني، إد كاتمول، في كتابه "مؤسسة الابتكار"، الذي وصفه بعض الخبراء بأنه أعظم كتاب في الابتكار. فقد اشترط كاتمول للابتكار في أي مؤسسة أو بيئة عمل إشراك الجميع والانتقال من عقلية الأوامر إلى المشاركة، لدرجة أن كاتمول كان يحرص في أثناء إدارته على القيام بجولة لكل موظف وسؤاله عن رأيه حول القرارات والمشاريع التي يفكر فيها أو تفكر فيها الشركة. كما كان يخصص أسبوعياً وقتاً للموظفين للعمل على الأفكار التي يحبونها والتي قد لا تكون ضمن خطة الشركة.

الثقافة أولاً ثم التغيير

لكن ما الذي يحول دون هذه المشاركة في بعض المؤسسات السعودية؟ من خلال تحليل "الأبعاد الثقافية" للسعوديين، أظهرت الدراسة أن المجتمع السعودي يسجل رقماً مرتفعاً جداً في "المسافة عن السلطة" (Power Distance)؛ أي أن الأفراد يتقبلون التسلسل الهرمي دون نقاش. فالمدير ينظر إليه على أنه شخص أعلى منزلة، وقراراته لا تراجع. في المقابل، يتجنب الموظف التحدث، حتى لو امتلك فكرة خلاقة.

وأيضاً سمة "تجنب الغموض" (Uncertainty Avoidance) تجعل الموظفين أكثر ميلاً إلى الالتزام بالخطة الحالية، لا تجربة طرق جديدة، ما يخلق ثقافة تنظيمية خائفة من التجريب.

لكن مع دخول رؤية 2030 حيز التنفيذ، وبدء التحول نحو الاقتصاد غير النفطي، تغيرت المتطلبات؛ لم تعد المؤسسات بحاجة إلى موظفين "ينفذون"، بل إلى أشخاص "يفكرون، ويخترعون، ويجربون". وهذا يتطلب ثقافة جديدة، تبدأ من فهم الثقافة الأصلية، لا محاربتها.

الفشل لا يأتي من الناس بل من تجاهل طبيعتهم

لأول مرة، تربط دراسة القيم الاجتماعية (مثل الولاء، وتجنب المجازفة، والطاعة) بفشل بعض محاولات التغيير الإداري التي لم تراع هذه القيم. المؤسسات التي قررت "فرض" أساليب الإدارة الغربية دون تمهيد، واجهت مقاومة داخلية وفشلاً في تحقيق النتائج.

الحل؟ وفقاً للدراسة: على كل مؤسسة سعودية راغبة في التطوير أن تبدأ من داخلها، بفهم ثقافة موظفيها. لا يمكن استنساخ ثقافات الشركات الأميركية أو الأوروبية وإسقاطها في بيئة سعودية دون تهيئة. لا بد من تطوير ثقافة تنظيمية تحترم السياق المحلي، لكنها تدفع في الوقت ذاته نحو الحوار والمشاركة والانفتاح.

من سلطوية إلى ابتكارية: التحول الذي يجب أن نلاحظه

تظهر التجربة السعودية أن بيئات العمل السلطوية لم تعد قادرة على مجاراة التغيرات السريعة؛ فالمؤسسات التي تبنت نموذج "الموظف الشريك"، وفتحت المجال للتجريب، وقللت المسافة النفسية بين القادة والفرق، كانت الأسرع في الاستجابة لتحديات السوق.

وهذا ليس درساً للسعودية فقط، بل رسالة إلى كل الإدارات العربية: في عصر تتسارع فيه الابتكارات والتقنيات، لا مكان للمركزية العمياء. التحول من الإدارة بالأوامر إلى الإدارة بالحوار، ومن ثقافة الطاعة إلى ثقافة الابتكار، لم يعد خياراً، بل ضرورة للمنافسة والاستمرار.

والعبرة بحسب الدراسة: إذا أردت تغيير المؤسسة، فلا تبدأ بالهيكل، بل بعقليات الناس.

وللتعرف على طريقة إدارة رئيس تنفيذي سعودي، استمع وشاهد بودكاست طريقتي الذي أقدمه.

وهذه الحلقة مع خالد سليماني

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي