قراءة البيانات بثقة: كيف تكشف خداع الأرقام بسؤال بسيط؟

6 دقيقة
مصدر الصورة: مالكولم بي تشابمان/غيتي إميدجيز

قال الباحث في علم الإحصاء الراحل إدواردز ديمنغ مقولته الشهيرة: "نحن نثق بالله؛ أما البشر فعليهم تقديم البيانات". مع تطورنا من تحليل البيانات إلى علم البيانات ثم الذكاء الاصطناعي، أصبح العالم اليوم أكثر اعتماداً على البيانات من أي وقت مضى. وبصفتك قائداً، يتوقع منك أن تتخذ قرارات سليمة مدعومة بالبيانات؛ ولكن نادراً ما يستخدم القادة البيانات الأولية مباشرة لاتخاذ القرارات، بل غالباً ما يعتمدون على الإحصائيات التي يجريها مرؤوسوهم المباشرون لمساعدتهم على اتخاذ قرارات مدروسة.

في أثناء رصد البيانات، يحدد مقدم التقرير أو العرض الإحصائي الإحصائيات ذات الصلة في سياق معين، ويحتار بشأن اختيار الإحصائيات المناسبة؛ هل ينبغي عرض متوسط البيانات؟ هل ينبغي عرض الانحراف المعياري أيضاً؟ هل ينبغي عرض التوزيع الكامل للبيانات؟ هل يجب عرض الاختلافات الكامنة في البيانات الأولية مثل المبيعات، أو النسبة المئوية للتغير في الحصة السوقية؟

ما يجب أن تتذكره هو أن الإحصائيات ليست بيانات، بل هي وصف للبيانات. ولاتخاذ قرارات أذكى، عليك أن تعرف كيفية الشك في الإحصائيات، أو كما قال الكاتب في صحيفة وول ستريت جورنال، جيسون زفايغ، مؤخراً: "تعلم قراءة الإحصائيات بعين ناقدة هو وسيلة حمايتك الأولى".

من خلال تجربتنا، لاحظنا مشكلة إحصائية أساسية محددة، وهي أنه يمكن استخدام النسب المئوية بطرق مربكة للتأثير في الآخرين، ويكمن الالتباس عادة في المقام. ومثلما قال زفايغ، عندما تطرح النسب المئوية، ندعو القادة إلى إعادة النظر في الإحصائيات؛ أي التشكيك فيها. أحد الأسئلة البسيطة والمفيدة التي يجب طرحها هو: "ما هو المقام؟".

فلنلق نظرة على 3 حالات يمكن أن يساعد فيها طرح هذا السؤال على تجنب سوء الفهم والوقوع في الالتباس.

الفرق مقدراً بنسبة مئوية مقابل الفرق بالقيمة المطلقة

يمكن لمقدم المعلومات الإحصائية أن يختار تقديم التغير مقدراً بالقيمة المطلقة أو مقدراً بنسبة مئوية. على سبيل المثال، يناقش زفايغ في مقال عن تقلبات سوق الأسهم تلاعب المسوقين الماليين بمشاعرك باستخدام عناوين رئيسية على الإنترنت، مثل "مؤشر داو جونز يهوي أكثر من 1,000 نقطة" ويعرب عن استيائه من استخدام خدعة "إخفاء المقام". هذا مثال كلاسيكي واضح على ضرورة طرح السؤال: "ما هو المقام؟".

ألقِ نظرة على المعادلة أدناه.

تمكننا معرفة المقام هنا من تحويل التغير في قيمة مؤشر داو جونز إلى نسبة مئوية، وهي الطريقة التي نتعامل بها عادة مع التغير في استثماراتنا. على سبيل المثال، إذا كانت قيمة مؤشر داو جونز 40,000، فيمكننا تحويلها إلى نسبة مئوية عن طريق الضرب بالرقم 100 والقسمة عليه:

والآن، اقرأ ذلك العنوان مرة أخرى واسأل نفسك: هل يعد انخفاض القيمة بنسبة 2.5% هبوطاً حاداً؟ هذا أمر نسبي إلى حد ما، ولكن العنوان الرئيسي "انخفاض مؤشر داو جونز بنسبة 2.5%" لا يبدو أنه يولد القدر نفسه من الشعور بحالة طارئة. ومن ثم، فإن طريقة استخدامنا لبعض الإحصائيات (أو عدم استخدامها) والإسهاب في الكلام يمكن أن يقنع صناع القرار ويضللهم.

بصفتك قائداً، من الحكمة أن تسأل مقدم العرض عن سبب اختياره تقديم بيانات أولية بدلاً من النسب المئوية. على سبيل المثال، إذا أفاد مدير مبيعات إقليمي بأن أحد منافذ البيع بالتجزئة الجديدة زاد المبيعات بمقدار 100,000 دولار هذا الشهر، فإن معرفة ما كانت عليه المبيعات في الشهر الماضي أمر مهم للغاية. إذا كانت المبيعات في الشهر الماضي 200,000 دولار، فهذه زيادة مذهلة في المبيعات بنسبة 50%. أما إذا كانت المبيعات 1,000,000 دولار، فهي زيادة أقل إثارة للإعجاب لأنها تشكل نسبة 10% فقط.

يظهر هذا الأسلوب نفسه في الإقناع عند عرض النسبة المئوية للتغيير فقط. فإذا كتب مدير المبيعات الإقليمي في تقريره: "لقد انخفضت المبيعات في متجر مانهاتن خلال الشهر الماضي، ولكن بنسبة 2% فقط"، فقد يكون من الجيد معرفة مقام هذه النسبة المئوية. إذا كان متجر مانهاتن من المتاجر ذات الأداء العالي جداً، فقد تعبر نسبة 2% عن قيمة كبيرة من الإيرادات.

خلاصة القول هي أنه من المهم أن تطلع على المعلومات الكاملة. يجب أن تتوقع دائماً الحصول على النسبة المئوية وقيمة المقام، والفرق النسبي والمطلق. على سبيل المثال، "زادت المبيعات بنسبة 50%، من 200,000 دولار إلى 300,000 دولار".

ثمة مشكلة أخرى لاحظناها، وهي ما نسميه مشكلة "صيغة الماضي". ببساطة، إذا ازدادت النسبة المئوية ثلاثة أضعاف (أو ضعفين) فالكمية المطلقة تزداد ثلاثة أضعاف (أو ضعفين) فقط إذا كان المقام هو نفسه في كلتا الحالتين.

إذا قال مدير التسويق في شركتك إن حصتك في السوق قد ازدادت ثلاثة أضعاف في العام الماضي، فمن المحتمل أن يكون هذا خبراً جيداً للغاية. لكن هذا لا يعني أن الإيرادات قد ازدادت ثلاثة أضعاف خلال الفترة نفسها. في الواقع، من المحتمل أن تكون الإيرادات قد انخفضت. لنفترض أن إيرادات العام الماضي كانت 50 مليون دولار وإيرادات السوق كانت مليار دولار؛ أي أن حصتك في السوق كانت 50/1000 = 5%. إذا انكمشت السوق إلى حد كبير، لنقل مثلاً إلى 200 مليون دولار وكانت حصتك السوقية هذا العام 30 مليون دولار، فإن حصتك السوقية قد ازدادت ثلاثة أضعاف من 5% إلى 200/30، أو 15%، ولكن انخفضت إيراداتك بمقدار 20 مليون دولار. اسأل دائماً: "ما هو المقام؟" في هذه الحالة يكون حجم السوق في العام السابق وحجم السوق في العام الحالي هما القيمتان المهمتان للمقام.

المقام المتحيز

تتضمن حالتنا الثانية مقاماً متحيزاً، وغالباً ما يرتبط بالنسب المئوية من الردود على استطلاع الرأي. على الرغم من أن المثال الذي سأذكره قديم إلى حد ما، فإن آرني بارنيت يقدم مثالاً ممتازاً على هذه الحالة في عموده عن سوء تطبيق الإحصائيات.

في الثمانينيات، عمدت شركة ميدواي إيرلاينز إلى تشغيل خدمة نقل مكوكية بين مدينتي شيكاغو ونيويورك. في 20 أكتوبر/تشرين الأول 1983، ظهر إعلان في صحيفة نيويورك تايمز جاء فيه أن "84% من المسافرين الدائمين من رجال الأعمال إلى شيكاغو يفضلون خطوط ميدواي ميترولينك على الخطوط الجوية الأميركية والخطوط الجوية المتحدة وشركة الطيران تي دبليو أيه". حسناً، ما هو المقام هنا؟ من المفترض أنهم استطلعوا آراء المسافرين الدائمين من رجال الأعمال بين نيويورك وشيكاغو لمعرفة شركة الطيران التي يفضلونها. وبالطبع، يمكن للمرء أن يسأل: "كم مرة يجب على المرء أن يسافر جيئة وذهاباً بين نيويورك وشيكاغو كي يحتسب بين هؤلاء؟" يظهر التحيز في المقام بوضوح أشد في هذه الحالة. في نص صغير جداً أسفل الإعلان، تظهر الإجابة التي قدمتها الشركة عن سؤال "ما هو المقام؟" حيث جاء في هذا النص: "أجري استطلاع الرأي بين ركاب ميترولينك ميدواي بين مطار لاغوارديا وشيكاغو". لذا، من الواضح أن المقام شمل فقط الركاب على متن رحلاتها. وكما أشار بارنيت، فإن الاستنتاج الوحيد الذي يمكنك استخلاصه حقاً من هذا الاستطلاع هو أن 16% من عملائها يفضلون شركة طيران أخرى.

بصفتك قائداً، من المرجح أن تتابع مقاييس مثل رضا العملاء وتفاعل الموظفين. لنفترض أن استطلاعاً لمدى تفاعل الموظفين أظهر رضاً وظيفياً عالياً لدى 80% من المشاركين في الاستطلاع. عليك أن تسأل: "ما هي قيمة المقام؟" على سبيل المثال، إذا كان الاستطلاع قد استهدف الموظفين غير المتعاملين مع العملاء فقط، فمن المحتمل أن تكون النتائج متحيزة.

مع نتائج الاستطلاع، ستستفيد من معرفة النسبة المئوية للمستجيبين في كل فئة من فئات الإجابات والأرقام الأولية. في حالة استطلاعات رضا العملاء الطوعية، هناك دائماً خطر التحيز من تلقي الردود المتطرفة فقط (العملاء الراضين للغاية أو غير الراضين إطلاقاً). توفر معرفة النسبة المئوية للعملاء المستجيبين مقابل عدد الاستطلاعات الموزعة؛ أي النسبة المئوية للعملاء الذين يستجيبون، بعض المعلومات القيمة حول مدى التمثيل الإحصائي لاستطلاع الرأي.

الشرط المقلوب

في يناير/كانون الثاني 2025، أصدر الجراح العام الأميركي فيفيك مورثي مشورة صحية حول استهلاك الكحول وخطر الإصابة بالسرطان. يصف الاستشاري أدلة على علاقة سببية بين تناول الكحول وعدة أنواع مختلفة من السرطان. بالنسبة إلى بعض أنواع السرطان، تشير الأدلة إلى أن خطر الإصابة بالسرطان يزداد حتى في حالة تناول الكحول بكميات منخفضة أو معتدلة. ومن الإجراءات الموصى بها توسيع نطاق التحذير الملصق على عبوات الكحول ليشمل خطر الإصابة بالسرطان.

وتبع ذلك رد في صحيفة وول ستريت جورنال على ضرورة توسيع نطاق التحذير الملصق على عبوات الكحول، وهو ما يوضح ما نسميه "الشرط المقلوب"؛ إذ شكك أحد أعضاء هيئة التحرير في البيانات التي استخدمها الدكتور مورثي ثم قدم الحجة التالية التي تعارض توصيته: "ينسب التقرير جزئياً 17% فقط من هذه الوفيات المقدرة إلى تناول الكحول باعتدال. وهذا يعني أنه من بين 609,820 حالة وفاة بالسرطان في عام 2023، ساهم تناول الكحول باعتدال في 3,400 حالة وفاة أو نحو 0.6%".

ما هو المقام في هذه الحجة؟ المقام هنا هو عدد وفيات السرطان (609,820). الرقم 0.006 هو احتمال أن تعزى الإصابة الفعلية بالسرطان إلى التناول المعتدل للكحول. الاحتمال ذو الصلة الذي يقيم مخاطر شرب الكحول باعتدال هو احتمال إصابة الشخص بالسرطان مع الأخذ في الحسبان أنه يتناول الكحول باعتدال. فكر في الأمر على النحو التالي: عدد الأشخاص المصابين بالسرطان لا علاقة له بخطر الإصابة بالسرطان من تناول الكحول باعتدال، وذلك لأن السرطان له أسباب كثيرة. تقدم مشورة الجراح العام تقديرات خطر الإصابة بالسرطان بناءً على النوع الاجتماعي وكمية الكحول المستهلكة.

هذه هي الإحصائيات المهمة التي يحتاج إليها المرء للإجابة عن أسئلة مثل: "إذا كنت ذكراً يتناول مشروباً كحولياً واحداً يومياً، فما هو خطر إصابتي بالسرطان؟".

لنفترض أن فريق التسويق في شركتك يقدم تقريراً عن مدى فعالية عرضه التجريبي المجاني، جاء فيه: "75% من عملائنا الذين اشتروا منتجنا المتميز المطور استخدموا الإصدار التجريبي المجاني!" يبدو ذلك مثيراً جداً للإعجاب. ومع ذلك، فإن هذا المقياس غير مناسب لتحديد فعالية العرض التجريبي المجاني، فهو يستخدم المقام الخاطئ.

لتقييم فعالية عرض الإصدار التجريبي المجاني، أنت لست في حاجة إلى النسبة المئوية لمشتري المنتجات المميزة الذين استخدموا الإصدار التجريبي المجاني، بل تحتاج إلى النسبة المئوية لمستخدمي الإصدار التجريبي المجاني الذين انتهى بهم الأمر إلى شراء المنتج المميز. لتوضيح ذلك، دعنا نتخيل السيناريو البسيط التالي:

لنفترض أن 1,500 عميل حصلوا على النسخة التجريبية المطورة المجانية، واشترى 100 عميل النسخة الجديدة المطورة، ومن الذين اشتروا النسخة الجديدة المطورة من المنتج استخدم 75 عميلاً النسخة التجريبية المجانية.

ولكن لتقييم فعالية التجربة المجانية، نحتاج إلى ما يلي:

أي أن معدل التحول كان 5% فقط.

نحن نؤمن بأن التشكيك في البيانات نهج مفيد على الدوام. عند استخدام النسب المئوية، من الضروري ألا تحجب الإحصائيات المعلومات المهمة. لذلك احرص على طلب مناقشة النسب المئوية والقيم المطلقة على حد سواء. يمكن توضيح كل شيء من خلال السؤال عن قيمة المقام في المعادلة، إذا كنت تريد معرفة مدى فعالية مقدار معين، فيجب أن تجد الإجابة من خلال معرفة المقام.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي