التطورات الأخيرة التي تشهدها دول الخليج لجذب أصحاب المواهب بدأت بالإقامة الذهبية أو المميزة في الإمارات والسعودية والبحرين، ووصلت إلى منح الجنسية للأجانب من أصحاب المواهب في بعض دول الخليج، وبدء الحديث عن مسار ثابت للحصول على الجنسية في تلك الدول. وبين الإقامة الذهبية والجنسية، تتم حلحلة العقد التي تحول دون شعور أصحاب المهارات والمواهب بالاستقرار في هذه البلدان التي تستعد لمرحلة تعتمد على رأس المال البشري في تنافسيتها، بعد سنوات من اعتمادها على النفط بشكل أساسي.
ورغم أن النفط كمصدر للدخل ما يزال في أوج قوته، فإن سياسات دول الخليج الريادية، وعلى رأسها الإمارات والسعودية، تسعى لاستباق الزمن وعمل برامج تستقطب وتستبقي الموهوبين وتُشعرهم بالاستقرار، لكن تشريعات صناديق التأمينات التقاعدية للقطاع الخاص أو إدراج الوافدين في برامج التقاعد، مازالت حتى الآن غير مطروحة بوضوح، إلا أنها تبدو اليوم أقرب إلى التحقق من أي وقت مضى.
تقول سورالينكا فياس رئيسة قسم التأمين على الحياة والمعاشات التقاعدية في إحدى شركات التأمين العاملة في دبي، إن استراتيجيات الاحتفاظ بأصحاب المواهب، يجب أن تتخطى الرواتب لتشمل التأمين على الحياة والمعاشات التقاعدية، وخاصة في ظل توجه دولة الإمارات لتشجيع المغتربين للإقامة طويلة الأمد، وهو ما يحتاج لمزايا تشعرهم بالراحة والأمان. وبالفعل فقد بدأت خطوات متدرجة ولكنها في الوقت ذاته خطوات متسارعة في دولة الإمارات لتحقيق هذا الهدف، حيث بدأت أولاً بإعلان دبي عن إطلاق صندوق للادخار لموظفي حكومة دبي يشمل لأول مرة الموظفين الأجانب ولا يكتفي بالمواطنين، ثم تلا ذلك قرار مجلس الوزارء على مستوى دولة الإمارات بإعلان برنامج سيبدأ تطبيقه العام 2023 ويهدف لتأمين البطالة للموظفين عموماً ويشمل القطاع الخاص، على أن يدفع الموظف رسم اشتراك للتأمين ضد البطالة يترواح بين 40 و100 درهم سنوياً، وفي مقابلها يحصل الموظف بعد تسريحه من العمل على نسبة 60% من راتبه الأساسي، لكن هذه الفترة مازالت غير محددة وعلى الأرجح ستكون محدودة، ريثما يحصل الموظف على عمل آخر.
تعد هذه الخطوة جيدة، بعد الانتقال من زمن طويل كان الموظف المغترب في دولة الإمارات يحصل فقط على تعويض نهاية الخدمة، إلى واقع بدأ يشعر فيه بإمكانية الاستقرار أكثر، فالإقامة لن تتوقف بمجرد تسريحه من العمل، ولاسيما إن كان من أصحاب المواهب الذين حصلوا على الإقامة الذهبية الطويلة لعشر سنوات، ودخله الشهري لن يتوقف بمجرد تسريحه، فهو سيجد تأمين البطالة عوناً خلال فترة قد تمتد لعدة أشهر.
لكن التقاعد الكامل للمغتربين بمعناه الحقيقي لم يحصل بعد على الرغم من أن الإشارات تُنبئ باقترابه، فقد بدأت دولة الإمارات ترحب بالمتقاعدين من حول العالم ليعيشوا على أرضها تحت شعار أطلقه رئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن راشد وهو "نرحب بالجميع في بلدنا"، حيث تقرر منح المتقاعدين من مختلف دول العالم الإقامة الطويلة التي تتجدد تلقائياً.
ويبدو من اشتراطات الحصول على الجنسية والإقامة الذهبية في دول الخليج، أنها تتجه لنخبة المواهب، وهذا حق مشروع في ظل الصراع العالمي على المواهب، وهنا تظهر الإشكالية التي طالما حالت دون منح موظفي القطاع الخاص تأميناً تقاعدياً، لأن نظام العمل في دول الخليج لا يفترض أن الموظفين المغتربين سيكونون مقيمين بشكل دائم ليعيشوا على رواتبهم التقاعدية، لكن الواقع يتغير، وقد نشهد برامج تقاعدية لموظفي القطاع الخاص من أصحاب المهارات والمواهب، وقد تمتد لما هو أوسع من ذلك خاصة في ظل ظهور الشركات الناشئة المالية، والتي تبدو قادرة على ابتكار حلول لصناديق تقاعد يمكن أن تعمل من أي مكان وتقدم خدماتها في أي مكان، ولأيّ كان.