كيف تُخبر مديرك بأنه مخطئ دون أن تُحرجه؟

7 دقيقة
المدير المخطئ
ريتشارد موريل/غيتي إميدجيز

تخيل أن مديرك مصمم على تطبيق استراتيجية تبدو جيدة من الناحية النظرية ولكنك متأكد من أن تطبيقها عملياً له عواقب كارثية، أو أنك تحضر اجتماعاً للفريق يوافق فيه الجميع على فكرة طرحها المدير وتعتقد أنت أنها ستفشل. يتطلب التصريح برأيك في هذه المواقف البراعة والجرأة. كيف يمكنك التعبير عن مخاوفك لمديرك دون أن تكون صدامياً؟ هل يجب عليك طرح الأسئلة أم التصريح برأيك مباشرة؟ كيف تصوغ وجهة نظرك بطريقة تضمن تحقيق هدفك دون أن تتوتر علاقتك بمديرك؟

ما الذي يقوله الخبراء؟

تقول المدرّبة التنفيذية ومؤلفة كتاب "الإدارة نحو الأعلى: كيف تحصل على ما تريده من المسؤولين؟" (Managing Up: How to Get What You Need from the People in Charge)، ميلودي وايلدينغ، إن الاختلاف مع مديرك صعب بسبب "آلية توزّع السلطة المتأصلة؛ إذ إن المدير يتحكم في راتبك ومكافأتك ومستقبلك في المؤسسة، وتولّد هذه السلطة حالة من عدم اليقين. ستخشى من رد فعله؛ أي إن كان سينتقم منك أو يقمعك أو يحقد عليك". وفقاً لكبير الباحثين في كلية الحقوق في جامعة هارفارد، روبرت بوردون، وطبيب الأعصاب، جويل ساليناس، وهما مؤلفا كتاب "المرونة في النزاع: التفاوض على الاختلاف دون الخضوع أو الاستسلام" (Conflict Resilience: Negotiating Disagreement Without Giving Up or Giving In)، يضمن اتباع النهج الصحيح إجراء محادثة مثمرة بدلاً من خوض مواجهة محرجة.

وفقاً لساليناس، تجنّب النزاع له تبعاته على الرغم من أنه قد يبدو الخيار الأسهل؛ إذ يقول: "اسأل نفسك، 'ما هي عواقب التزام الصمت؟' قد تجعل إعادة صياغة الموقف بهذه الطريقة التحدث مقنعاً أكثر، كما أنها قد تساعدك على التخلص من التردد". وفقاً لبوردون، السر هو إدراك أنك قادر على إحداث التغيير؛ إذ يقول: "الثقة بقدرتك على توجيه النتائج هي جوهر التفاوض والتأثير والاختلاف. تعتمد هذه المهارات على إدراكك أنك قادر على التأثير في الآخرين، وهذا يشمل المدير الذي يتمتع بالسلطة". سنتحدث فيما يلي عن الخطوات التي يمكن اتباعها.

تخلص من العوائق الذاتية

الخطوة الأولى هي فهم الديناميات النفسية والثقافية التي تجعلك تستصعب معارضة مديرك. تقول وايلدينغ: "ينشأ معظمنا على أفكار مثل احترام السلطة والإذعان لها. نميل عادة لتوجيه الملاحظات وخوض النقاشات الحادة والدخول في خلافات مع من هم أدنى سلطة منا، ولم نتعلم فعل ذلك مع من هم أعلى سلطة منا". وفقاً لساليناس، يؤدي التفاعل مع الشخصيات ذات السلطة إلى استجابة عاطفية شديدة غالباً من منظور علم الأعصاب؛ إذ يقول: "يربط الدماغ هذه التفاعلات بوجود تهديدات محتملة ترتبط بدورها غالباً بالتجارب السابقة مع الآباء أو المعلمين. هذه الاستجابة التوترية؛ أي تسارع نبضات القلب وتشنّج العضلات، هي التي تجعل اتباع أسلوب استراتيجي في المحادثات الشائكة صعباً". يساعدك التعرف على هذه العوامل على التعامل مع التوتر والخلافات بذهن صافٍ.

تقبّل الخلاف على أنه ميزة

الخطوة التالية هي إعادة النظر في الخلاف على أنه ضرورة، وليس مخاطرة. تقول وايلدينغ إن التصريح بآرائك يفيدك ويفيد مديرك والمؤسسة بأكملها. في نهاية المطاف، عندما لا يعترض الموظفون على الجداول الزمنية للمشروعات أو ترتيب الأولويات أو التوجّه، فإن الشركات ستهدر أموالها في محاولة تحقيق أهداف لا تناسبها. قد يمثّل التصريح بالحقيقة خطوة مهنية ذكية. تقول وايلدينغ: "كلما ارتفع مستوى القادة، أصبحوا أكثر انعزالاً عن العمليات اليومية، وقلَّ عدد الأشخاص الذين يتحدّونهم". ستكسب الثقة من خلال التصريح برأيك، حتى عندما يكون ذلك صعباً. تضيف وايلدينغ قائلة: "سيلاحظ مديرك عندها أنك صريح. إذا عبّرت عن آرائك بالطريقة الصحيحة، فقد تكتسب ميزة حقيقية". وفقاً لبوردون، قد يولّد الامتناع عن التصريح بالرأي تأثيرات سلبية؛ إذ يقول: "ستشعر بالإحباط ولن تحظى بقدر كافٍ من النوم وقد يتأثر أداؤك في العمل سلباً. هناك آثار متداعية حقيقية لذلك".

احرص على قياس "قدرتك على المقاومة"

تقول وايلدينغ إن الاختلاف مع مديرك يتطلب التخلي عن "عقلية المرؤوس وتبنّي عقلية الشراكة، التي تتسم بإدراكك أن وجهة نظرك مهمة وتستحق المشاركة". الهدف من ذلك هو تصدير صورة عن نفسك تبين أنك "مستشار موثوق به"، ولست شخصاً يكتفي باتباع الأوامر. تقترح وايلدينغ تقييم "قدرتك على المقاومة"؛ أي قدرتك على تحدي القرارات بناءً على عوامل مثل مدة تولي الوظيفة وعلاقتك بمديرك والحالة العامة للمؤسسة. احرص على أن تكون على دراية بالظروف العامة. هل تمر المؤسسة بأزمة تستوجب اتخاذ القرارات بسرعة وموافقة الجميع عليها، أم أنها مستقرة ويمكن التعبير عن الرأي فيها حالياً؟ تقول وايلدينغ: "لا يعني عدم توافر هذه الشروط أنه عليك التزام الصمت، لكنك قد تضطر إلى اتباع نهج تدريجي أكثر".

اعرف أن التوقيت هو العامل الأهم

قد ترغب في معارضة مديرك في اللحظة التي يقول فيها شيئاً لا تتفق معه. لكن وفقاً لوايلدينغ، الخطوة الأذكى غالباً هي انتقاء الوقت المناسب للتكلّم، مثل الاجتماع الثنائي التالي بينكما، حيث لا يزال نقاش الموضوع مهماً ولكن يمكن الحديث عنه بهدوء. تقول وايلدينغ: "التوقيت هو العامل الأهم". وفقاً لبوردون، يجب التفكير أيضاً في الظروف المحيطة. من المحبّذ تجنّب إجراء محادثة قد تثير جدالاً في الردهة بعد ظهر يوم الخميس؛ أي عندما يغادر مديرك العمل لقضاء عطلة نهاية الأسبوع. يقول بوردون إنه بطبيعة الحال، "ستقول لنفسك عندما تفشل المحادثة إنك حاولت وفشلت، بينما كان الوقت والمكان غير مناسبين في الواقع".

حدد طبع مديرك وأولوياته

تعتمد طريقة تعبيرك عن اختلافك على طبع مديرك وأولوياته. وفقاً لوايلدينغ، يقدّر بعض المدراء الصراحة (أي عندما تقول عبارة مثل: "أنا غير موافق")، بينما يأخذ مدراء آخرون الصراحة على محمل شخصي (تقول وايلدينغ: "قد أبكي إذا كان أحد أعضاء فريقي صريحاً لهذه الدرجة). خلاصة القول: حدد طبع مديرك وأولوياته حتى تتمكن من عرض مخاوفك بطرق تتوافق معه. تختلف استجابة المدير الذي يقدّر الروح المعنوية وتوافق الآراء عن استجابة المدير الذي يركز على الكفاءة والنتائج. تقول وايلدينغ: "تأثير عبارة مثل 'أخشى أن تؤدي هذه الخطة إلى الاحتراق الوظيفي' مختلف جداً عن تأثير عبارة مثل 'أخشى أن هذه الخطة ستهدر المال'". يقترح بوردون مراقبة رد فعل مديرك عندما يعارضه الآخرون. حدد الموظفين الذين يؤدي تصريحهم بآرائهم إلى نتائج إيجابية، وحدد كيف أدى ذلك إلى هذه النتائج؛ إذ يقول: "ملاحظة هذه الأنماط ليست كافية، ولكنها ستتيح لك التصريح بآرائك بطريقة أذكى".

اطرح الأسئلة

وفقاً لبوردون، عليك البدء بإظهار فضولك؛ فقد يبدو البدء بتبرير نفسك دفاعياً وقد يبين أنك ومديرك على  طرفي نقيض. يقول بوردون: "الهدف هو أن تكون مداخلتك مفيدة ومثمرة، وليس مجرد الاختلاف أو إظهار أن مديرك على خطأ". توصي وايلدينغ بطرح أسئلة تشجّع على النقاش، مثل: "هل يمكن أن تساعدني على فهم العوامل التي دفعتك إلى اتخاذ هذا القرار؟" أو "من الذي تحدثت إليه حول هذا الموضوع؟" توفر لك مثل هذه رؤى حول طريقة تفكير المدير وتبين أنك مستعد للتعاون. تقترح وايلدينغ أيضاً الحصول على موافقة جزئية قبل عرض وجهة نظرك، وهو مبدأ نفسي يحمل اسم "الموافقة المصغرة"؛ إذ تقول إن طرح سؤال مثل: "هل تمانع أن أطرح منظوراً آخر؟" أو "هل يمكنني مشاركة رأيي؟" يجعل المحادثة "أقل خصومة ويزيد فرص تقبّل المدير لرأيك".

ركّز على القيم

عندما تختلف مع قرار عام، تقترح وايلدينغ أن تركّز على تأثيره في دورك ومسؤولياتك؛ إذ تقول إنك يجب أن تقول لمديرك: "أريد أن أضمن نجاح هذا المشروع وأن تتوافر لك المعلومات الضرورية لاتخاذ القرار الأمثل". يبيّن ذلك أنك تتصرف بما يخدم مصلحة الفريق وتقدم وجهة نظرك لخدمة الهدف الأشمل. على سبيل المثال، يمكنك أن تقول أيضاً: "بصفتي مدير المنتج، أعتقد أن مسؤوليتي هي الالتزام بخطتنا التوجيهية وضمان أننا نرتب ميزات المنتج تبعاً للأولوية على النحو السليم. يمكننا فعل ذلك من خلال كذا وكذا". يقول بوردون إن الاعتراف بمخاوفك يمكن أن يفيدك أيضاً؛ إذ يقترح أن تقول: "أعلم أن التوصل إلى هذا القرار تطلب الكثير من التفكير، لكنني أعتقد أيضاً أن طرح مخاوفي ضروري لأننا ربما نفوّت جانباً مهماً. لذا دعني أشاركك وجهة نظري".

ركّز على المستقبل

عندما تختلف مع إجراء اتخذه مديرك بالفعل، مثل أن تشير إلى خطأ ما خلال مكالمة مع عميل، حاول ألا تناقش ما حدث بالفعل. بدلاً من ذلك، تنصح وايلدينغ بالتركيز على المستقبل، وتقترح أن تقول: "أود أن أتطرق إلى الاجتماع الأخير ومناقشة سبل تحسينه في المستقبل". يجعل ذلك المحادثة تركّز على الحلول باستخدام الموقف السابق "بصفته نقطة انطلاق نحو المستقبل". على سبيل المثال، يمكنك أن تقول: "قد يفيدنا في المرة المقبلة توزيع أدوار الحديث حتى نتمكن كلانا من توضيح القيمة التي نقدمها للعميل". يقول بوردون: "لا تقل أبداً عبارة مثل: 'كانت تلك خطوة سيئة'؛ إذ يبين ذلك أن مديرك لا يحسن اتخاذ القرارات، وهذا موقف لا أحد يود أن يكون فيه".

كن مستعداً لرد الفعل الدفاعي

قد يكون رد فعل مديرك سيئاً حتى لو تصرفت بالطريقة المثلى، لذلك، عليك التوقف والتفكير قليلاً. يقول ساليناس: "حتى التوقف فترة وجيزة قد يحدث فرقاً ملحوظاً إذا كنت تحت الضغط". حافظ على توازنك من خلال استخدام إحدى تقنيات التنفس لتهدئة أعصابك. تقول وايلدينغ إنه عليك أن تكون مستعداً للمقاومة أيضاً؛ فإذا قال لك مديرك: "أنت تحاول التقليل من شأني"، أو إذا حاول أن يشعرك بالذنب بقول: "ظننت أنك تتمتع بروح الجماعة"، فهي توصي بنقض ما قاله المدير. يمكنك عندها أن تقول: "أنا أتمتع بروح الجماعة فعلاً، وصرّحت برأيي لهذا السبب. هدفي أن نزيد الإنتاجية للحد الأقصى". إذا قال المدير: "ظننت أنك تساندني"، فطمئنه بقول: "أنا أساندك بالفعل، لذلك أنا أقدم لك هذه المعلومات حتى تتخذ القرار الأمثل". احرص على أن تبين لمديرك أن ملاحظاتك تهدف إلى الدعم وليس التقويض.

ابحث عن حل وسط

أحد الأساليب الأخرى هو اقتراح حل وسط. تقول وايلدينغ إنه عليك قول: "ليس بالضرورة أن ننفذ ما اقترحته بحذافيره، ولكن ما رأيك أن نختبر حلاً تجريبياً؟" يبين ذلك أنك تتمتع بالمرونة ولديك رغبة في التعاون، كما يُظهر أنك لن تتراجع عن رأيك. تقول وايلدينغ: "إذا تراجعت تماماً ولم تتطرق للموضوع مرة أخرى، فقد يأخذ مديرك انطباعاً بأن ملاحظاتك سهلة التجاهل، وسيقول لنفسه إنه ليس من الضروري أن يستمع إليك في المرة المقبلة". ينصح بوردون بالتمسك بموقفك (مع الانفتاح على البدائل) ولكن تجنُّب التمسك به لمجرد التمسك به؛ إذ يقول: "يجب ألا تسمح للموقف بأن يكرر نفسه بطريقة تجعلك تحاول مراراً وتكراراً دون إحراز التقدم. إذا فشلت في التوصل إلى اتفاق، فربما حان الوقت لتسأل نفسك: 'هل يمكنني قبول رأي مديري؟'".

اعرف متى عليك التراجع

تقول وايلدينغ إنه "في أغلبية الحالات، يجب عليك أن تتراجع" إذا كان مديرك غير مستعد حقاً للتراجع عن موقفه، وتضيف قائلة: "كن على دراية بأن التراتبية الهرمية عامل مهم. يتمتع مديرك بسلطة اتخاذ القرارات، وتأثيرك كبير لكنه محدود". اختر المواقف التي تريد التمسك بها بعناية؛ فهناك حالات لن تتمكن فيها من الاتفاق مع مديرك. يقول بوردون: "إذا لم تضطر لاتخاذ إجراء غير أخلاقي أو غير قانوني، فافعل أفضل ما يمكنك فعله على أمل أن تكون الظروف في المستقبل أفضل".

تأمل، ولا تشمت

إذا فشلت في إقناع مديرك، يقترح بوردون أن تخصص بعض الوقت للتفكير. بمجرد أن تهدأ، اسأل نفسك: "ما هي الأساليب الناجحة التي طبقتها وما هي الإجراءات التي كان من الممكن تعديلها؟" تقول وايلدينغ إنه "عليك أحياناً أن تترك الآخرين يعانون عواقب قراراتهم السيئة حتى ينصتون إليك في المستقبل. شهدت حالات يعود فيها المدراء إلى مرؤوسيهم ويقولون إنه كان عليهم الأخذ برأيهم". إذا اتضح أنك كنت على حق في النهاية، فلا تشمت. تقول وايلدينغ: "علينا أن ندع الناس يواجهون العواقب حتى يتمكنوا من التوصل إلى الاستنتاجات السليمة بأنفسهم".

مبادئ يجب تذكّرها

احرص على:

  • تعديل طريقة تعبيرك عن اختلافك وفقاً لطبع مديرك وأولوياته من خلال مراقبة استجابته لمعارضة الآخرين.
  • إظهار الفضول وطرح الأسئلة المفتوحة، مثل: "هل يمكن أن تساعدني على فهم العوامل التي دفعتك لاتخاذ هذا القرار؟".
  • اختيارالمواقف التي تريد التمسك بها بعناية واعرف متى عليك التراجع، خاصة في المواقف ذات المخاطر المنخفضة.

تجنّب:

  • التصرف بتهور إذا اتخذ مديرك موقفاً دفاعياً، بل فكّر وحافظ على توازنك وصغ ملاحظاتك بهدوء وبطريقة تبين أنها داعمة وليست مقوّضة.
  • التشبث بموقفك لمجرد التشبث به، بل تمسّك بموقفك مع الانفتاح على البدائل وكن مستعداً للتوصل إلى حل وسط.
  • الشماتة إذا اتضح أنك محق ولم يأخذ مديرك برأيك؛ دعه يتعلم من أخطائه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي