منافسة عالمية للحصول على لقب المكان الأفضل للعيش 

2 دقيقة
unsplash.com/Darcey Beau

هل تشعر بالضيق إذا كان سقف الغرفة منخفضاً؟ وهل يؤثر المكان في طريقة تفكيرك وراحتك النفسية؟ لتجد الجواب، دعني أسرد لك المفهوم الذي طرحه عالم الاجتماع إدوارد تي، والذي أسماه "تأثير الكاتدرائية"، وهو مفهوم علمي يشرح العلاقة التي تربط الناس بالأماكن، فهو يعتبر أن الأسقف المنخفضة تؤدي إلى إثارة مشاعر الحبس، بينما تبعث الأسقف العالية الشعور بالحرية. وقد ولدت هذه الفكرة لديه بعد دراسته الشعور الذي ينتاب الناس وهم يدخلون الكنائس، فقد اكتشف أن الكنائس الصغيرة يمكن أن تجعل الناس يشعرون بأنهم محاصرون، في حين أن الكاتدرائيات الكبيرة تمنح الشعور بالحرية وانفتاح السماوات والكون أعلاها. ثم أصبح هذا المفهوم بعد ذلك مرجعاً يمكن أن تقيس عليه متطلبات المكتب والمنازل والأوطان التي تعيش فيها.

انتقل المفهوم بعد ذلك للتأثير النفسي الذي تعكسه ديكورات مكتبك ومنزلك على حالتك المزاجية، فالأشكال الدائرية والبيضوية تحقق الراحة النفسية وتحفز الإبداع لأنها بلا بداية أو نهاية، ووجودها يوحي بانفتاح الأفق والأبدية، بينما يُشعِر المثلث المقلوب بحوافه الحادة بالخطر. وكذلك تمنح أشكال الطاولات والديكورات ذات الحواف الحادة انطباعاً من عدم الارتياح؛ فهي تذكر الإنسان بالسكاكين والأدوات الحادة التي تشكل خطراً عليه وعلى عائلته. كما أن الألوان والروائح قد تعطي شعوراً بالاتساع والراحة وهذا ما يعكسه اللون الأبيض حسب هذا المقال في منصة نفسيتي.

ويمكننا تطبيق هذا المفهوم على نطاق أوسع، فالبلد الذي تعيش فيه إن لم يوفر المساحات الخضراء ومساحات التحرك المريحة، فأنت أمام هذا الشعور على مستوى البلد. كما أنك قد تستشعر هذا السقف المنخفض والأشياء الحادة حتى ولو لم تكن ملموسة أو مرئية رأي العين؛ فإذا كنت تعيش في بلد تشعر فيه بسقف منخفض في حرية العمل والاستثمار، وقد تشعر بهذا عندما تكون فيه دوماً متشككاً بأن كل قانون أو قرار يصدر قد يحتوى "خازوقاً" غير مرئي. هذا السقف المرتفع أو المنخفض هو الذي يجعلنا نقول إن هذا اللاعب الناجح من أصول عربية، أو ذلك العالم البارز من أصول عربية، كان بحاجة لمناخ ولسقف يساعده حتى يبدع. وربما وجد ذلك في بلدان الاغتراب، وقد التقيت مؤخراً في إحدى الدول الأوروبية بعامل من دولة عربية ذات وضع اقتصادي وسياسي مستقر، فسألته، وقد رأيت أن مهنته عادية، إن كان يقبض راتباً أعلى مما يحققه لو عمل بذات المهنة في بلده، فأخبرني أن الأجر متقارب، لكن الذي جعله يستقر في هذا البلد منذ سنوات طويلة ليس الأجر فقط، بل أمور أخرى لم يستطع أن يشرحها بشكل جيد، لكنه اختصرها بأنها الأمان والاستقرار النفسي والتأمين الصحي والتعليمي.

لا نتحدث هنا عن الحريات السياسية، بل عن الحريات المتعلقة بالعيش والعمل والاستثمار والصحة والتعليم. وهي المواصفات التي جعلت البعض يتخلى عن جنسيته الأصلية مقابلة الإقامة الذهبية في بلدان أوسع أفقاً وأكثر راحة وقابلية للعيش، وقد كانت هذه الصفات وراء بحث الناس اللاهث، على مستوى العالم، عن جوازات سفر بديلة لبلدانهم، ما أثمر ولادة صناعة جديدة هي شراء الجنسيات والإقامة الذهبية، هذه الصناعة التي يتوقع أن تبلغ عوائدها 100 مليار دولار بحلول عام 2025.

وما تتنافس عليه الدول اليوم قبل الحريات السياسية، هو حرية التعلم وانخفاض تكاليفه وضمان الرعاية الصحية وبرامج التقاعد المضمونة، وهذا ما يضمن الراحة النفسية لمن يعيش في هذه البلدان، وهو ما سيجعل دولاً تحصل أكثر من غيرها على حصة الأسد من هذه الـ 100 مليار دولار من صناعة الاستقرار والإقامة. ومع وجود تنافس عالمي من إسبانيا والبرتغال وسنغافورة على لقب المكان الأفضل للعيش، تبدو دول، مثل الإمارات، في منطقتنا تبني كل يوم حجراً في هذا البناء، فقد حصلت دولة الإمارات هذا العام على تصنيف أقوى جواز سفر في العالم، كما حصلت دبي وفقاً لتقرير إنترناشينز السنوي على ثاني أفضل مكان للعيش في العالم، وهو التقرير الذي يصنف 50 مدينة عالمية بناءً على جاذبيتها للوافدين المغتربين، حيث يقيس المؤشر سقوف رضا الوافدين عن فئات تتعلق بنوعية الحياة، مثل البيئة الصحية والنقل العام القوي، وسهولة الاستقرار والتعامل الودي من قبل السكان المحليين، والتمويل الشخصي والوصول إلى رعاية صحية ميسورة التكلفة، إضافة إلى استقرار الاقتصاد المحلي وسهولة التعامل مع السلطات المحلية. هذه هي مواصفات المكان الأفضل للعيش، وهي المواصفات التي ستتنافس عليها الدول في الأيام القادمة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي