تعلّم مهارة المليون دولار

3 دقيقة
مهارة المليون دولار
freepik.com/xvector

قبل أسابيع، التقيتُ إحدى الزميلات في فريق تهيئة الموظفين الجدد (Onboarding)، وكنا نتناقش حول إعطاء فريق الابتكار بضع دقائق لتقديم الابتكار للموظفين الجدد، فسألتني: ما الموضوع الذي ستحدثونهم عنه؟ فكّرتُ وفكّرت، ثم قلت: "أريد أن أخبرهم أن هذا المكان مكانٌ آمن، هذا المكان يعطيك الحرية ويحميك لتسأل وتتساءل عن أي شيء تسمعه أو تراه أو يخطر في بالك".

قام أحد الباحثين بمقابلة عدد كبير من المبتكرين الذين غيّروا العالم، ووجد أن ثمة سمة مشتركة بينهم جميعاً. يقول وارن بيرجر (Warren Berger) في كتابه "سؤال أكثر جمالاً": "لم تكن هناك وصفة سحرية أو معادلة واحدة لنجاحهم، ولكن الشيء المشترك بينهم أنهم مميزون جداً في طرح الأسئلة". الكثير من الذين بنوا شركات ناشئة مميزة، وابتكارات استثنائية درّت المليارات، قاموا بحل مشكلة معينة، ولو تتبعتَ المشكلة لوجدتَ أن أصلها تساؤل أو سؤال أو مجموعة من الأسئلة، طرحوها ثمّ عملوا بجد للإجابة عليها".

على الرغم من أهمية التساؤل والأسئلة، وأنه -حسب المختصين- بات ضرورة في هذا العالم المتسارع والمتزايد التعقيد، إلا أن المدارس عموماً لا تدرّب الطلاب على طرح الأسئلة، التركيز فقط على إيجاد الإجابات الصحيحة. في دراسة بريطانية وجدوا أن معدّل سؤال الطفل ذي الأربع سنوات هو 390 سؤالاً في اليوم، بعد ذلك السن، يبدأ عدد الأسئلة بالتناقص شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى قريب الصفر لدى البالغين.

أذكر عندما كنت في جامعة كاليفورنيا بيركلي الشهيرة، تلك الجامعة التي أسس طلابها أكبر شركات العالم مثل آبل وإنتل وتِسلا وأوبِن أيه آي وسوفت بانك وستانلي مورغان وغيرها، كانوا يعلموننا المبادئ الأساسية الأربعة للجامعة، ومنها أننا "نشكّك في الوضع الراهن" (Question the status quo). فكانوا يدفعون الطلاب دائماً للتساؤل والتشكيك في الأمور التي يرونها حولهم؛ نحترم من حولنا ونطرح الأسئلة ونتساءل عن العمليات والخدمات والإجراءات والسياسات والتوجّهات بشفافية، دون شخصنة ولا تجريح.

في عام 1943، كان المخترع العبقري، إدوين لاند، والذي يوصَف بأنه ستيف جوبز ذلك العصر، في إجازة مع عائلته، وكان يلتقط بعض الصور لابنته من خلال كاميرته المفضلة، حينها، سألتْه ابنته ذات الثلاث سنوات سؤالاً بسيطاً غيّر حياته وحياة الكثيرين. في ذلك الوقت، كانت أفلام الكاميرات تمر بعملية تحميض طويلة في غرفة مظلمة حتى نحصل على الصور، فسألته ابنته: "لماذا لا نستطيع أن نرى الصور مباشرة دون انتظار؟". ظلّ ذلك السؤال يدور في ذهن لاند حتى تبلور عنه سؤال أكبر: "ماذا لو استطعنا وضع غرفة مظلمة داخل الكاميرا؟". مرّت ثلاثون سنة قبل أن يتمكّن لاند من إيجاد الإجابة والخروج بالحل الذي تمثّل في أوّل كاميرا فورية عرفتها البشرية.

يقول مؤلف كتاب "الجهل، وكيف يقود العلم"، ستيوارت فيرستاين، معلّقاً على أن أحد أهم أسباب الاكتشافات العلمية هو تقبُّل العلماء للجهل واستخدام الأسئلة للوصول إلى اكتشافات جديدة: "السؤال الجيّد يمكن أن يقود إلى عدة مستويات من الأجوبة، ويُلهم أجيالاً للبحث عن حلول، وينشئ مجالات جديدة للبحث، ويُغيّر نظرتنا للطرق التقليدية، بينما الأجوبة في المقابل تُنهي هذه العملية كلها". عندما قرأت كلام فيرستاين تذكرت ذلك السؤال البسيط الذي أحدث نهضةَ أمّة: "كيف يمكننا تقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل؟".

عندما فكّرتْ آبل في صنع جهاز الآيفون كان ستيف جوبز معارضاً ورافضاً للفكرة، فاستعمل الفريق سلاح الأسئلة لإقناعه: "ماذا لو صنعنا جهازاً يسمح للناس بتشغيل المحتوى المرئي؟"، "لو قررت آبل صنع هاتف محمول، كيف سيكون شكله؟"، "ألن تقوم مايكروسوفت بصناعة هاتف جوال في نهاية المطاف؟"، هذه الأسئلة جعلت ستيف جوبز يبدأ بالتفكير في الاحتمالات، هذه الأسئلة أسهمت في صناعة منتج درّ على آبل أكثر من تريليون ونصف التريليون دولار. أثبتت الأبحاث العلمية أن طرح الأسئلة من نوع "ماذا لو" و"كيف يمكننا أن" أفضل من إعطاء إجابات وحلول مباشرة لتفادي ميل الناس لرفض الأفكار الجديدة.

حتى تصبح أفضل في موضوع التساؤل وطرح الأسئلة، حاول أن تقرأ في الكتب التي تتحدث عن هذا الموضوع مثل "كتاب الأسئلة الجميلة" و"سؤال أكثر جمالاً" و"أسئلة قوية" و"اسأل أكثر" و"فضولي: الرغبة في المعرفة". درّب نفسك على أن تبتعد قليلاً وتنظر للأمور عن بُعد بحيادية وتجرّد، وبنظرة مختلفة، بل بنظرة وعقلية الشخص المبتدئ، فالخبراء قليلو الأسئلة. تحَدَّ الافتراضات الموجودة، بما فيها افتراضاتك أنت، شكّك واسأل وتساءل حتى عن الأمور التي يراها البعض من المسلّمات في الخدمة أو التجربة أو المنتج. خذ على عاتقك محاولة الإجابة على أحد الأسئلة والتساؤلات. أيضاً، ينبغي أن تكون جاهزاً لحالات الصد وكلمات الرفض ونظرات الاستغراب. كثيرٌ من الناس لن يروق لهم أن تسأل الأسئلة الصعبة وتتساءل عن الطرق التقليدية التي تُنجَز بها الأعمال وتسير بها الأمور منذ سنوات. تَحلَّ بالشجاعة والصبر واستعن بالله.

في الشركات الابتكارية في وادي السيليكون يحمون أصحاب الأسئلة الساذجة فضلاً عن الأسئلة المميزة ويحتفون بهم؛ لأنهم علموا من خلال التجارب لسنوات طويلة أن مثل هذه الأسئلة هي التي قد تنتج عنها إضاءات جديدة تقود إلى حلول ابتكارية مميزة. فكم نحتاج في شركاتنا ومؤسساتنا أن ندرّب موظفينا ونحفّزهم على السؤال والتساؤل، نحتاج إلى أن ندرّبهم على طرح الأسئلة كما ندرّبهم على الالتزام بالتعليمات والأنظمة. فقط من باب الفضول، إذا علمتم عن شركة تدرّب موظفيها على التساؤل وطرح الأسئلة، فأعلموني، فأنا أعشق الشركات الراقية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي