قبل أيام تحدث علي سجواني، أحد أبناء مؤسس شركة داماك إحدى أكبر شركات العقارات في المنطقة العربية، عن نشأته في كنف عائلة أعمال عريقة، وذكر خلال حديثه أن والده كان يمارس دور المدير في المنزل جميع الأيام ما عدا العطلة الأسبوعية. وقال في مقابلة مع إحدى الصحف المحلية في دبي، إن دور المدير الذي كان يقوم به الوالد حسين سجواني في المنزل يندرج تحت مسمى الحب القاسي (Hard Love)، لكنه الطريقة التي تعلم منها الكثير ويدين لها بما تعلمه لاحقاً ليصبح مديراً.
وعلى الرغم من أن حديث العائلة حول طاولة العشاء كان دوماً حول "البزنس" لدرجة أن أحد الأشقاء كان يسأم منه، ويفضّل ترك طاولة العشاء العائلية للخروج مع أصدقائه، إلاّ أن علي سجواني يبدو ممتناً لما تعلمه من هذا المزيج التربوي المليء بالحب والصرامة، والذي اكتسب منه الكثير منذ أن كان عمره 13 عاماً.
وعلى غرار عائلة سجواني في التربية العائلية التي يختلط فيها "البزنس" بالحياة الشخصية، يعترف محمد العبار مؤسس العملاق العقاري الآخر في دبي، إعمار العقارية، بأن الأحاديث العائلية مع الأبناء في المنزل تدور في كثير من الحالات حول الأعمال.
وظهر العبار قبل أيام في أحد مؤتمرات الأعمال مصطحباً ابنته ذات الستة عشر عاماً، ليتحدث عن ثقته بها وبأبناء جيلها الذين يمكن أن يقدموا الحلول التكنولوجية للمشكلات التي تعيشها المنطقة العربية والعالم في مختلف المجالات. وأيضاً اعترف العبار في تلك الجلسة أن استجابة أبنائه لأفكاره تختلف، فلديه من الأبناء من هو متفهم يمكن التحاور معه، ومن هو كثير الاعتراض.
لا تبدو عملية إدارة الأبناء سهلة على رجال الأعمال، فهي تحتاج منهم إلى تخطيط كيف يبدون مدراء في منازلهم وعلى طاولة العشاء، في الوقت الذي يكونون فيه منهكين من إدارة فرق في الشركات خلال عملهم نهاراً. ولذلك، فإنك تجد رجال الأعمال يتبنون نظرية التداخل بين العمل والحياة الشخصية، ولا يستطيعون قبول أو تطبيق فكرة الفصل بينهما، وهي الفكرة التي يتبناها جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون ويسميها التناغم بين العمل والحياة (Work Life Harmony) وتعني خلط العمل مع الحياة الشخصية، بدلاً من مبدأ التوازن بين العمل والحياة الشخصية (Work Life Balance).
وعندما تجد التعارض بين حياة رجال الأعمال في العمل وبين طريقتهم في تربية أولادهم، فعليك أن تسأل نفسك عن النصيحة التي يمكن أن تأخذها من تجاربهم. إذا كنت تتعلم من تجربة رجل أعمال أو مؤسس شركة عائلية في التربية، فأنت أمام طريقة في تربية الأبناء قد لا يتفق معها العلم، وقد تثير لديك أسئلة كثيرة، منها؛ هل عليك أن تقوم بدور المدير في المنزل؟ وهل من حقك أن تجعل النقاش على طاولة العشاء يدور حول "البزنس"؟ كما عليك أن تسأل نفسك هل يمكنني أن آخذ بنصائح رجال الأعمال في تربية الأطفال، أم في "البزنس" فقط؟
خذ مثالاً: رئيس شركة آبل تيم كوك ليس لديه أطفال، لكنه يمنع أقرب طفل إليه في العائلة وهو ابن أخيه من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ويطلب من الجميع الحد من استخدام الأطفال لوسائل التواصل الاجتماعي، لكن تيم كوك هو في الوقت ذاته رئيس آبل التي تبرمج خوارزمياتها لتجذب الأطفال إلى الاستخدام المفرط للتكنولوجيا. وعندما أطلقت آبل جهاز الآيباد عام 2011، أعلن ستيف جوبز أن أطفاله لا يستخدمونه، لأنه يضع حدوداً لاستخدام الأطفال المقربين منه وسائل التكنولوجيا، وفقاً لتصريحه آنذاك.
وقبل أيام سأل رئيس القمة العالمية للحكومات، محمد القرقاوي، إيلون ماسك في مقابلة مباشرة، إن كان ماسك ينوي أن يضع قيوداً على استخدام أطفاله لوسائل التواصل الاجتماعي، فكان جواب ماسك إن أطفاله يستخدمون في الغالب موقعين للتواصل الاجتماعي هما: "ريديت" و"يوتيوب"، ولكنه سيعمل على الحد من استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي حفاظاً عليهم من تلاعب الخوارزميات كما قال. لكن كيف يمكن أن نصدق أن رجلاً مثل إيلون ماسك، وهو الذي يؤكد أنه يعمل ليلاً ونهاراً بمعدل حوالي 80 ساعة في الأسبوع، يستطيع إدارة أطفاله التسعة من زيجاته المتعددة.
هل يمكن أن يكون رجال الأعمال المشغولون في أعمالهم اليومية هم النموذج الأمثل لنقتدي بهم في تربية الأبناء، أم نكتفي بالاقتداء بهم في الدروس المستفادة من قصص كفاحهم للنجاح فقط؟