حظي مقالنا السابق حول الأثر السلبي المستمر للفجوات المهنية في السير الذاتية باهتمام كبير من القرّاء. هذا ليس مفاجئاً بالنظر إلى الأحداث التي شهدناها في سوق أصحاب المواهب الإدارية عام 2024؛ فمنذ بداية العام، أعلنت شركات مثل أمازون وبلاك روك وسيتي غروب عن سعيها لتقليص الوظائف الإدارية، وأفاد مكتب إحصاءات العمل في خريف العام نفسه بأن 25% من العمال الأميركيين الذين فقدوا وظائفهم عام 2024 كانوا من قطاع الأعمال والخدمات المهنية، وتعرّض نحو نصف مليون وظيفة من هذا النوع للإلغاء في سبتمبر/أيلول وحده، وهو أعلى رقم للوظائف التي تعرضت للإلغاء في عامين، كما تشهد وظائف التكنولوجيا والإعلام والاستشارات والتمويل انخفاضاً بمعدلات مثيرة للقلق.
كما هو متوقع، شهدت طلبات الالتحاق ببرامج ماجستير إدارة الأعمال بدوام كامل ارتفاعاً حاداً عام 2024، وهذا يشير إلى قلة فرص العمل المتاحة للمهنيين الشباب، ما يجعل خيار تخصيص بعض الوقت للتعلم مقنعاً أكثر. لكن فرص التوظيف تشهد انخفاضاً في الآونة الأخيرة حتى بالنسبة لخريجي أفضل برامج الماجستير.
بالطبع، لا يستطيع الجميع العودة إلى الدراسة. وعدد الباحثين عن عمل آخذ في الازدياد، كما أن الوقت اللازم للعثور على عمل أصبح أطول. أفادت وزارة العمل في فبراير/شباط 2025 بأن عدد الباحثين عن عمل تجاوز 7 ملايين شخص، بزيادة قدرها 19% عن الفترة نفسها من عام 2023، وأن عدد الأشخاص الذين يبحثون عن عمل منذ أكثر من 6 أشهر بلغ 1.5 مليون شخص. يستغرق العثور على وظيفة جديدة في عام 2025 أكثر من 5 أشهر، وهي فترة أطول بنصف شهر من نظيرتها في عام 2023. ليس غريباً أن يؤثر هذا التضيق في سوق العمل في الموظفين الإداريين، وهي الفئة نفسها التي شهدت ازدياداً كبيراً في نسب التوظيف قبل عامين.
إن كان من المحتمل أن تفقد وظيفتك أو كنت تعاني البطالة بعد فقدان وظيفتك فعلاً، فمن الطبيعي أن تعود لطرح السؤال القديم: إلى أي مدى ستؤثر الفجوات المهنية في مساري المهني؟
ذكرنا في مقالنا السابق أننا أجرينا استقصاءً شمل المدراء التنفيذيين في موقع لينكد إن، ولاحظنا أن 61% منهم لديهم نظرة سلبية تجاه الفجوات المهنية في السير الذاتية. فحصنا بيانات المدراء التنفيذيين الذين ينتقلون من شركة إلى أخرى ولاحظنا أنه على الرغم من أن الذين لم تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية حصلوا على زيادة في الراتب بنسبة 22%، فإن المدراء الذين تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية حصلوا على زيادة في الراتب بلغت 14% في المتوسط. اطلعنا أيضاً على نتائج استقصاء أجرته وكالة ريزيميه غو (ResumeGo) أشار إلى أن الفجوات المهنية قد تخفض فرص تلقّي رد على طلب التوظيف، خاصة إذا كانت الفجوة أطول من عامين.
أثارت هذه النتائج نقاشاً في لينكد إن، فقررنا إعادة النظر في هذا الموضوع. سألنا أكثر من 2,600 من المعلّقين في الموقع السؤال الآتي: "بصفتك صاحب عمل، هل تعتقد أن وجود الفجوات المهنية في السيرة الذاتية مهم؟" كما في نتائجنا السابقة، اعتقد نحو ثلثي المشاركين أن وجود الفجوات في السيرة الذاتية مهم.
سألنا في الاستقصاء الثاني أيضاً عمّا إذا كان لتوقيت الفجوة المهنية أي تأثير. أشار أكثر من نصف المشاركين الذين يعتقدون أن الفجوات مهمة إلى أن الانطباع السلبي الناجم عن الفجوات يستمر بمرور الوقت، ما يعني أن تأثير الفجوات المهنية لا يزول. يتوافق ذلك مع تحليلنا للمدراء التنفيذيين الذين تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية وانتقلوا إلى شركات أخرى؛ إذ لاحظنا أن توقيت الفجوة لم يُحدث تغييراً ملموساً في حجم الأثر المالي السلبي.
أشار تحليل التعليقات أيضاً إلى بعض النواحي الجديدة:
إذا كنت ستمر في فجوة مهنية، فتحكّم في سرد قصتها.
ناقشنا في مقال سابق في هارفارد بزنس ريفيو فوائد التحكم في سردياتنا الشخصية على نحو مدروس، فالتحكم في قصتك المهنية وعرض تجربتك بطريقة تتوافق مع الفرص المهنية التي تبحث عنها له تأثير كبير.
يشير تحليلنا إلى أن إعداد ملف مهني رقمي غني قد يساعد على تخفيف بعض الآثار السلبية للفجوات المهنية. ذكرنا في مقالنا السابق حول الفجوات المهنية في السير الذاتية أن المدراء التنفيذيين الذين يغيّرون وظائفهم ولا تذكر سيرهم الذاتية فجوات يحصلون على زيادة في الراتب بنسبة 22% في المتوسط، في المقابل يحصل من تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية على زيادة بنسبة 14% فقط في المتوسط. لاحظنا عند فحص الملفات المهنية الرقمية للمدراء التنفيذيين نفسهم الذين تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية أن أصحاب الملفات المهنية القوية يحصلون على زيادة في الراتب بنسبة 17% في المتوسط، في حين يحصل أصحاب الملفات المهنية الأقل قوة على زيادة في الراتب بنسبة 13% فقط في المتوسط.
أشار نحو نصف المعلّقين في لينكد إن رداً على مقالنا إلى أن طريقة التعامل مع الفجوات المهنية تغيّرت وأن قادة الشركات أصبحوا أكثر تفهماً للظروف التي قد تؤدي إلى الفجوات المهنية، مثل تقديم الرعاية للآخرين، وأنهم بدؤوا يدركون أنه من الممكن تحقيق النمو والتطور الإيجابيين في أثناء فترات البطالة.
على الرغم من أنه من المشجع ملاحظة أن التحكم في القصة المهنية الرقمية قد يخفض بعض الآثار السلبية للفجوات المهنية في السيرة الذاتية، فإن الإحصائيات تبين أن هذه الفجوات ما زال لها أثر سلبي، ما يعني أن هناك بعض الظروف التي تكون فيها أهميتها أكبر.
آثار الفجوات المهنية تختلف باختلاف المنطقة.
نعلم أن الزيادات في الرواتب تختلف باختلاف المنطقة، لكن ماذا عن تأثير الفجوات المهنية؟ تُظهر البيانات التي جمعناها أن اختلاف المنطقة له تأثير أيضاً:
- بلغت نسبة زيادات الأجور للمدراء التنفيذيين في آسيا الذين لا تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية 27%، وانخفضت هذه النسبة إلى 12% بين المدراء الذين تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية.
- يبلغ متوسط زيادات الرواتب للمدراء التنفيذيين في أميركا الشمالية الذين لا تذكر سيرهم الذاتية فجوات 23%، وتنخفض هذه النسبة إلى 17% بين المدراء الذين تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية.
- يبلغ متوسط زيادات الرواتب للمدراء التنفيذيين في أوروبا الذين لا تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية 19%، بينما انخفضت هذه النسبة إلى 12% بين المدراء الذين تذكر سيرهم الذاتية فجوات بالفعل.
- ظلّت نسب الزيادات في رواتب المدراء في أستراليا ونيوزيلندا، سواء الذين تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية أم لا، ثابتة تقريباً؛ إذ بلغت 20%.
الشركات ذات الأسهم المطروحة للتداول العام أقل تسامحاً مع الفجوات المهنية.
تخضع الشركات العامة لتدقيق أكبر مقارنة بالشركات الخاصة؛ إذ يتعين عليها التواصل وتبرير نهجها للمستثمرين وغيرهم من أصحاب المصلحة.
بالنسبة لشركات المساهمة العامة، يمكن أن يزيد هذا التدقيق الإضافي الحساسية تجاه الإشارات المرئية عند التوظيف. تساءلنا إن كان ذلك يؤدي إلى عواقب أشد على المتقدمين الذين تحتوي سيرهم الذاتية على فجوات مهنية، وتظهر بياناتنا أن هذه هي الحال فعلاً. من بين المدراء التنفيذيين الذين حصلوا على وظائف في الشركات العامة، بلغ متوسط زيادات الرواتب بين الذين لا تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية 30%، بينما انخفضت هذه النسبة إلى 16% بين الذين تتذكر سيرهم الذاتية فجوات.
كانت زيادات رواتب المدراء التنفيذيين الذين انتقلوا من شركة إلى أخرى وحصلوا على وظيفة في شركات خاصة أقل منها لدى الذين حصلوا على وظيفة في الشركات العامة؛ إذ إنها بلغت نحو 16%. أما بالنسبة للمدراء الذين تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية فقد بلغت الزيادة 14%، ما يشير إلى أن عواقب الانقطاع عن العمل أقل شدة بكثير.
تأثير الفجوات المهنية يختلف باختلاف الدور الوظيفي.
توقعنا أن يختلف تأثير الفجوات المهنية باختلاف الدور الوظيفي ومدى سهولة نقل الموظف مهاراته إلى بيئة عمل جديدة أو جهة عمل جديدة. قد يشهد أصحاب المهارات القابلة للنقل عواقب أخف بسبب استعدادهم للعمل في بيئات عمل متعددة. بالإضافة إلى ذلك، إذا كانت مهارات الفرد أو خبراته مهمة ومطلوبة دائماً، فمخاطر الانقطاع المهني تقل.
لاحظنا أن الفجوة المهنية في السيرة الذاتية قد تمثّل مشكلة كبيرة لمن يشغلون المناصب الإدارية العامة. إذ حصل مَن لم تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية على زيادة في الراتب بنسبة 17% في المتوسط، في المقابل لم يحصل مَن ذكرت سيرهم الذاتية فجوات مهنية على أي زيادة على الإطلاق. أوقعت الفجوات المهنية أيضاً أثراً سلبياً كبيراً على العاملين في قسم العمليات؛ إذ انخفضت الزيادات في الرواتب بالنسبة للذين لم تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية من 25% إلى 8% للذين ذكرت سيرهم الذاتية هذه الفجوات.
تأثير الفجوات المهنية في مسؤولي المبيعات والتسويق سلبي، وإن كان أقل شدّة. فقد انخفضت زيادات رواتب مسؤولي المبيعات الذين لا تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية من 29% إلى النصف تقريباً وصولاً إلى 15% للذين تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية. بينما شهد قسم التسويق انخفاضاً مماثلاً، من 24% إلى 13%.
يبرز المدراء الماليون من حيث أنهم لم يشهدوا انخفاضاً ملحوظاً في نسب الزيادات في الرواتب بسبب الفجوات المهنية في السير الذاتية. بغض النظر عن وجود فجوة مهنية، بلغ متوسط زيادات رواتب المدراء الماليين الذين ينتقلون من شركة إلى أخرى 25%.
الشركات الكبيرة تبدي ردود فعل سلبية أشد.
بما أن الشركات الكبيرة تدفع أجوراً أعلى وتميل إلى اعتماد إجراءات توظيف رسمية أكثر، توقعنا أنها قد تكون أكثر انتقائية، ملتزمة بمعايير اختيار أكثر صرامة في توظيف المدراء التنفيذيين. أظهرت بياناتنا أن المدراء التنفيذيين الذين ينتقلون بين الشركات التي تضم أكثر من 10 آلاف موظف حصلوا على زيادة في الراتب بنسبة 27% في المتوسط، مقارنة بزيادة قدرها 16% للمدراء الذين انتقلوا بين شركات صغيرة. بينما حصل المدراء التنفيذيون الذين تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية وانتقلوا بين شركات كبيرة على زيادة في الراتب بنسبة 18% في المتوسط، بانخفاض قدره 9 نقاط مئوية. بلغت الزيادات في رواتب المدراء الذين تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية وانتقلوا بين شركات صغيرة 11%، بانخفاض قدره 5 نقاط مئوية فقط.
تأثير معدوم للمؤهلات الإضافية.
قد تميّزك المؤهلات الإضافية. على سبيل المثال، ينظر الكثيرون إلى الحاصلين على شهادات من برامج مرموقة أو درجة الماجستير في إدارة أعمال على أنهم يُضيفون قيمة، وهذه المؤهلات ترتبط عادة بأجور أعلى.
توقعنا أن تؤثر هذه المؤهلات إيجاباً في الأشخاص الذين تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية، لكن نتائجنا لا تتوافق مع هذا التوقع؛ إذ عانى حاملو درجة الماجستير في إدارة الأعمال الذين تذكر سيرهم الذاتية فجوات مهنية انخفاضاً في متوسط الرواتب بنسبة 5 نقاط مئوية مقارنة بحاملي درجة الماجستير في إدارة الأعمال الذين لا تذكر سيرهم الذاتية فجوات، وهو ما ينطبق على عامة السكان. بالإضافة إلى ذلك، لم يخفف الحصول على شهادة من إحدى كليات رابطة اللبلاب (Ivy League) عواقب الفجوات المهنية.
يحصل طلاب ماجستير إدارة الأعمال وخريجو كليات رابطة اللبلاب على رواتب أعلى في المتوسط من نظرائهم من الجامعات الأخرى، لذا اعتقدنا أنهم قد يكونون بمنأى عن التأثير السلبي للفجوات المهنية؛ لكن بياناتنا أظهرت أن ذلك ليس صحيحاً.
هل لا تزال الفجوات المهنية في السيرة الذاتية مهمة، أم أصبح من الممكن تبريرها؟ كلا الرأيين صحيح. قد يكون لهذه الفجوات تفسيرات معقولة؛ فمنذ جائحة كوفيد-19، واجه الجميع تقريباً تحديات في التوفيق بين حياتيهم الشخصية والعمل. على الرغم من أن البيانات تشير إلى أن سرد القصة المهنية على نحو استباقي قد يخفف العواقب، فالآثار السلبية لا تزال موجودة.
ربما دفعتنا التجربة المشتركة المتمثلة في مواجهة تحديات لا سيطرة لنا عليها للتعاطف والانفتاح على التنوع في المسارات الوظيفية، لكن الفجوات المهنية في السير الذاتية لا تزال مهمة، بغض النظر عن مدى جودة تبريرنا لها.