4 أساليب رئيسية للتدريب وتطبيقاتها العملية

6 دقيقة
التدريب الفعال
كافان إميدجيز/غيتي إميدجيز

حلل القائمون على مشروع أوكسجين (Project Oxygen) من شركة جوجل، وهو عبارة عن مبادرة بحثية مستمرة من عدة سنوات، بيانات آلاف الموظفين لتحديد صفات المدراء ذوي الكفاءة العالية. على مر السنين، احتلت مهارات التدريب العالية المراتب الأولى باستمرار. تماثل هذه النتائج نتائج أدبيات أخرى تبين أن القادة الاستثنائيين يرتقون بالآخرين غالباً من خلال التدريب. لاحظ الباحثون في إحدى الدراسات أنه عندما يخضع الموظفون لتدريبات عالية الجودة، فإنهم يتصدون للتحديات بحزم أكبر ويحلون المشكلات على نحو خلّاق. تكشف أبحاث أخرى أن التدريب الفعال يزيد قدرة الموظفين على إدراك مواطن قوتهم ويعزز معنوياتهم ويساعدهم على تحقيق أهدافهم.

لكن على الرغم من أهمية التدريب، فإن القدرة على التدريب ليست موهبة فطرية لدى العديد من القادة. تشير الأبحاث إلى أن القادة يعتقدون غالباً أنهم يدرّبون في حين أنهم في الواقع يعطون التعليمات فقط، واستناداً إلى بحث أجريته عند تأليف كتابي بعنوان "التدريب: أسرار النجاح في القيادة غير الاعتيادية" (Coaching: The Secret Code to Uncommon Leadership)، وإلى تجربتي بصفتي مدربة تنفيذية أيضاً، اكتشفت أن سبب ذلك واضح عادة، وهو نقص التدريب. لاحظت أيضاً أن العديد من القادة الذين حصلوا على ترقيات حديثاً يخشون التدريب لأنهم يرون أن عليهم الإجابة عن أسئلة المتدربين جميعها، علماً أن أكثر القادة فعالية في الواقع هم الذين يمتازون بقدرتهم على مساعدة هؤلاء في التوصل إلى الإجابات بأنفسهم.

ما يدعو إلى التفاؤل هو أن القدرة على التدريب مهارة يمكن اكتسابها، وهي، مثل بناء العضلات، يمكن أن تزداد فعاليتها وتصبح بديهية أكثر مع الممارسة. إذاً كيف يمكنك أن تتعلم تدريب الآخرين، وتحدد أفضل طريقة لفعل ذلك، وتحسّن قدرتك على التدريب؟

ما هو التدريب؟

نشأ مصطلح "كوتش" (coach) في القرن الخامس عشر في قرية كوكس في المجر، وكان يُستخدم لوصف نوع من العربات التي تنقل الناس إلى وجهاتهم. في القرن التاسع عشر، أصبح المصطلح كناية عن الشخص الذي يساعد شخصاً آخر على تحقيق هدف ما، واستخدمه الطلاب للإشارة إلى مدرسيهم في أوكسفورد الذين يساعدونهم على التحضير للامتحانات، وهو تعريف لا يزال صالحاً حتى اليوم.

وفقاً لهرمينيا إيبارا وآن سكولار، فإن المدرب يطرح الأسئلة ولا يكتفي بتقديم الإجابات كما أنه يدعم الموظفين ويسهل تطورهم ولا ينتقد أفعالهم أو يملي عليهم ما يجب فعله.

أعرّف التدريب في كتابي على أنه عملية يهدف من خلالها القائد إلى تحسين أداء الآخرين وتعزيز إمكاناتهم للحد الأقصى من خلال إجراءات غير توجيهية تمكّنهم ذاتياً. في علاقة التدريب الفعّالة، يستخدم المدرب كلا الإجراءين جنباً إلى جنب لتوجيه الأشخاص نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي والنمو الشخصي.

أساليب التدريب المختلفة

بصفتي مدربة تنفيذية، يسألني الكثيرون: "هل هناك طريقة واحدة صحيحة للتدريب؟" الإجابة هي لا؛ إذ يعتمد أسلوب التدريب على الخبرة والتجربة الشخصية والموقف أو المهمة المطروحة ومستوى خبرة الشخص الذي يخضع للتدريب.

قد يكون تحديد أسلوب التدريب المناسب مرهقاً للمدراء الجدد والمتمرسين على حد سواء،  ويتطلب فهم الكثير من الأمور. لهذا السبب، صممت إطار عمل لتعليم التدريب للمدراء. يعتمد هذا الإطار، الذي أطلقت عليه اسم "أساليب التدريب"، على البحث الذي أجريته عند تأليف كتابي، الذي تضمن مقابلات مع أكثر من 100 قائد من مختلف الفئات العمرية والقطاعات ومجالات العمل ومستويات الخبرة، ودراسة أطر عمل أخرى للتدريب مثل طيف التدريب الذي صممه مايلز داوني، ومراجعة عميقة للأدبيات الأكاديمية حول هذا الموضوع.

يستند إطار العمل على مفهومي "الدفع" و"السحب" المستخدمين على نطاق واسع في الرياضة لتطوير مهارات الرياضيين وأدائهم. يشير أسلوب التدريب بالدفع إلى نهج يقدم فيه المدرب تعليمات وتوجيهات وملاحظات واضحة. هذا الأسلوب عملي أكثر وينطوي على إخبار الرياضيين بما يجب عليهم فعله وطريقة تنفيذه. يعتمد أسلوب التدريب بالسحب على نهجٍ مسانِد يهدف إلى التوجيه والدعم بدلاً من تقديم التعليمات المباشرة، كما أنه يعتمد على طرح أسئلة مفتوحة لتحفيز الرياضيين على التفكير حتى يتمكنوا من اكتشاف الحلول بأنفسهم.

إطار عمل أساليب التدريب هو مصفوفة بسطرين وعمودين يقع فيها عامل "السحب" على المحور واي وعامل "الدفع" على المحور إكس. يتميز كل ربع بمستويات مختلفة من السحب والدفع، ويزداد مستوى التحضير اللازم لتطبيق أسلوب التدريب مع ازدياد عامل السحب.

اختيار الأسلوب المناسب لك (ولموظفيك)

استخدم الدليل التالي لتحديد أسلوب التدريب الذي يتمتع بالفعالية الأعلى وفقاً للموقف. قد تشعر مع الممارسة بأنك قادر على الانتقال من أسلوب لآخر.

الإخبار (دفع مرتفع وسحب منخفض)

يحتوي الربع السفلي الأيمن من المصفوفة على أسلوب التدريب التوجيهي (أو الإرشادي). بالنسبة لمعظم المدراء، هذا هو الأسلوب الافتراضي. يعتمد القائد عند تطبيق هذا الأسلوب عادة على خبرته بهدف نقل معرفته ومساعدة الموظف على تحقيق أهدافه. بما أن هذا الأسلوب "توجيهي" بطبيعته، فإن تدريب الموظف باستخدامه يتطلب مستوى أقل بكثير من التحضير مقارنة ببعض أساليب التدريب الأخرى.

من المحبّذ استخدام أسلوب الإخبار عند تدريب الموظفين الذين يعملون في وظائف نمطية تتضمن مهام متكررة (مثل موظفي مراكز الاتصال أو مدراء خطوط التجميع). هذا الأسلوب مناسب أيضاً عندما تتطلب المهمة أو مجموعة المتدربين المزيد من الإشراف، مثل مدير إدخال بيانات جديد أو مساعد وسائل التواصل الاجتماعي توظّف مؤخراً. قد يكون هذا الأسلوب مفيداً أيضاً في المواقف التي تتطلب الإجراءات العاجلة أو الفورية. مع ذلك، يجب استخدام الأسلوب التوجيهي باعتدال وحذر؛ إذ إنه قد يؤدي إلى تراجع الإبداع وتثبيط عزيمة الموظفين لأنه قد يشعرهم بأنهم يفتقرون إلى الاستقلالية في التعلم والنمو. قد يعتقد البعض أن المدراء الذين يفرطون في تطبيق هذا الأسلوب يتبِعون الإدارة الدقيقة.

عدم التدخل (دفع وسحب منخفضان)

يحتوي الربع السفلي الأيسر من المصفوفة على أسلوب التدريب غير التدخلي. يعمل المدرب وفقاً لهذا الأسلوب بصفته مستشاراً ويمنح المتدرب قدراً كبيراً من الاستقلالية وحرية اتخاذ القرار. يزوّد المدرب المتدربين بالأدوات والموارد التي يحتاجون إليها لينجحوا في أداء مهمة ما ويقدم لهم الدعم عند الحاجة.

يمكن استخدام أسلوب عدم التدخل عند العمل مع الفرق التي يتمتع أعضاؤها بالخبرة والكفاءة في تنفيذ مهامهم أو المشروع المطروح. قد يشمل ذلك أحياناً الموظفين الذين يتمتعون بخبرة كبيرة أو الذين يتقنون مهمة معينة. يتطلب تطبيق هذا الأسلوب تحديد بعض آليات الضبط والموازنة، مثل المتابعة المنتظمة للعمل للتحقق من أنه يسير على النحو السليم، مع إتاحة الفرصة للموظفين للعمل دون إشراف أو بإشراف محدود.

على سبيل المثال، لنفترض أن أحد كبار مدراء المنتجات قال لك: "يتطلب مشروعنا الجديد إجراء بعض المناقشات في مجموعات التركيز. وحرصتُ على إجراء هذه المناقشات لإطلاق منتج [العلامة التجارية]. أعتقد أن العمل يسير جيداً". بصفتك مدرباً قليل التدخل، يمكنك أن تقول: "عظيم. أنا أثق بك لإتمام المهمة. هل يمكنك مشاركة خطة عمومية معي وإطلاعي على المراحل الرئيسة؟ إذا احتجت إلى الدعم بشأن أي شيء، مثل الميزانيات الداخلية أو الموافقات، فسيسعدني التدخل".

السؤال/الاستماع (سحب مرتفع ودفع منخفض)

يحتوي الربع العلوي الأيسر من المصفوفة على أسلوب السؤال/الاستماع، الذي يتوافق جيداً مع التعريف الأكثر تقليدية للتدريب. يتضمن هذا الأسلوب الاستماع بتمعن وطرح أسئلة مثيرة للاهتمام ومفتوحة لتوجيه تفكير المتدربين. على سبيل المثال، يمكنك أن تطرح أسئلة مثل: "برأيك، ما هي أفضل طريقة للتعامل مع هذه المشكلة؟"، أو "ذكرتَ أن ملاحظات العميل على هذا المشروع سلبية. ما هو جوهر المشكلة برأيك؟" يساعد ذلك المتدربين على التأمل الذاتي والتفكير بعمق واتخاذ القرارات بأنفسهم بدلاً من تلقي التعليمات.

يتطلب أسلوب السؤال/الاستماع الكثير من التحضير؛ إذ يجب أن تكون على دراية بما يمرُّ به المتدربون لطرح الأسئلة الصحيحة. بالنتيجة، قد ترغب في تجنّب هذا الأسلوب واللجوء إلى الأسلوب التوجيهي. لكن على الرغم من أنك قد تواجه صعوبة في الامتناع عن تقديم النصح أو الحلول في البداية، فإن تطبيق هذا الأسلوب يصبح أسهل مع الممارسة.

هذا الأسلوب ممتاز لتدريب القادة الجدد أو الأشخاص الذين يسعون إلى شغل مناصب قيادية؛ إذ إنه يساعد على بناء مهارات التفكير النقدي والمساءلة وحل المشكلات وتعزيزها. يساعد تعلم التفكير المستقل واتخاذ القرارات على تعظيم إمكانات المتدربين.

التعاون (سحب ودفع مرتفعان)

يحتوي الربع العلوي الأيمن من المصفوفة على أسلوب التدريب التعاوني (أو الموجَّه)، الذي يعتمد على السحب والدفع المرتفعين ويُمثل الأسلوب المثالي في التدريب. إذا سألت أي خبير في التدريب، فسيخبرك على الأرجح بأن هذا الأسلوب هو الأسلوب المنشود بالنسبة لمعظم المدراء.

يمكنك اعتبار هذا الأسلوب تقاطعاً بين التدريب التقليدي (طرح الأسئلة المفتوحة) والتوجيه (تقديم المشورة والنصائح الإرشادية) والتعاون مع المتدربين للتوصل إلى نهج للمضي قدماً. يتطلب هذا الأسلوب أيضاً قدراً لا بأس به من التحضير.

هذا الأسلوب هو الأنسب في المواقف التي تتطلب مزيجاً من التوجيه والنصح، بغض النظر عن مستوى خبرة مرؤوسيك المباشرين. لنفترض أن مديرك المساعد يعمل على خطة للتطوير الوظيفي ويطمح إلى الانتقال من سلسلة التوريد إلى الإدارة العامة. بدلاً من أن تخبره ببساطة إذا سيفيده ذلك في مسيرته المهنية أم لا، من المحبّذ أن تتبع نهجاً تعاونياً أكثر. يمكنك أن تبدأ المحادثة بطرح أسئلة مفتوحة لمساعدته على التفكير، مثل: "ما هي المهارات التي تعتقد أنك بحاجة إلى تطويرها لتتمكن من الانتقال إلى الإدارة العامة؟"، أو "لماذا تعتقد أنه يجب عليك تطوير المزيد من الكفاءات في مجال الذكاء الاصطناعي بالإضافة إلى سلسلة التوريد؟".

يمكنك بعد ذلك البدء بتقديم المشورة له من خلال طرح أسئلة مثل: "بالنظر إلى أنك شغوف ببناء الأعمال التجارية الجديدة (وترغب في الانتقال إلى الإدارة العامة)، هل فكرت في التقدم لوظيفة نائب رئيس المركز في بنغلاديش بما أننا افتتحنا مؤخراً مكتباً جديداً هناك؟ اطلعت على الوصف الوظيفي وأعتقد أنه يتوافق جيداً مع مهاراتك. ما هو رأيك في ذلك؟".

يعزز هذا النهج الوعي الذاتي ويوفر التوجيه الصحيح المعتمد على الخبرة ويمكّن الموظف من اتخاذ القرار النهائي بعد أخذ العوامل جميعها في الاعتبار.

يكمن جوهر التدريب الفعال في القدرة على تحديد الوقت المناسب لتطبيق الأساليب والنُهج المختلفة. هذه العملية ديناميكية وتتطور مع الخبرة والممارسة. مع الاستمرار في صقل المهارات في التدريب، ستكتسب آلياً حدساً لتكييف أساليبك مع الاحتياجات الفريدة للمتدربين. يتقن القادة الاستثنائيون فن المزج بين أساليب التدريب المختلفة بسلاسة؛ فهم يعرفون متى عليهم تولي زمام الأمور ومتى عليهم التوجيه ومتى عليهم التراجع وإتاحة فرصة القيادة للآخرين. يعتمد التدريب على النمو المستمر، سواء بالنسبة لك بصفتك مدرباً أو بالنسبة للموظفين الذين توجههم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي