في 2 أبريل/نيسان 2025، نفّذ الرئيس ترامب الوعود التي قطعها في حملته الانتخابية ورفع التعرفات الجمركية على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة على نحو حاد؛ إذ وصل معدل التعرفات الجمركية الفعلي إلى 23% تقريباً، وهو معدّل يبلغ نحو 10 أضعاف نظيره لعام 2024. في الوقت الذي تبين فيه الانخفاضات الحادة في أسعار أسهم الأسواق المالية التأثير العالمي لهذه الخطوة وحقيقة أنها تُدخل الاقتصاد في حالة عميقة من عدم اليقين، يسارع المدراء التنفيذيون للتوصل إلى فهم لتأثير التعرفات الجمركية في الاقتصاد العالمي.
كما بيّن إعلان صدر بتاريخ 9 أبريل/نيسان 2025، نصَّ على تعليق التعرفات الجمركية "المتبادلة" مؤقتاً مدة 90 يوماً لأغلبية البلدان، فإن هذه صدمة سياسية معقدة ومتقلبة تمنعنا من التوصل إلى استنتاجات سريعة أو دقيقة. ستؤدي هذه التعرفات إلى تأثيرات أولية يصعب تقديرها، بالإضافة إلى تأثيرات غير مباشرة قد تكون أهم. بالإضافة إلى ذلك، قد تمثّل التعرفات الجمركية الحادة مناورة افتتاحية لمفاوضات مجزّأة، ما يبين أن النظام الجديد الذي يجب على المدراء التنفيذيين التعامل معه هو نظام يرسخ حالة "عدم اليقين على نحو متعمد".
في خضم حالة عدم اليقين هذه، فإن فهم التأثيرات الأولية والثانوية للتعرفات الجمركية في الاقتصاد الكلي، بالإضافة إلى العواقب الطويلة الأمد المحتملة، سيتيح للقادة تقييم تأثيرها في أسواقهم وأعمالهم على نحو مستمر.
حرب تجارية غير متكافئة
لقياس التأثيرات العالمية للتعرفات الجمركية، سيفيدنا البدء بحقيقة يتجاهلها الكثيرون: أطلقت الولايات المتحدة حرباً تجارية مع كل دولة فرضت عليها التعرفات، لكن هذه الدول منخرطة في حرب تجارية مع الولايات المتحدة فقط. يوضّح أخذ هذا التباين في الاعتبار عند التقييم أنه من غير الصحيح افتراض أن الولايات المتحدة في وضع قوة.
بما أن اقتصاد الولايات المتحدة هو أكبر اقتصاد في العالم، وبما أنها تعاني عجزاً تجارياً كبيراً (إذ تستورد أكثر بكثير مما تصدر)، فمن المفترض أن يكون الموقف الأولي لها قوياً في البداية ضمن حرب تجارية أضيق؛ إذ إن خسائرها الناجمة عن تراجع التجارة ستكون أقل من خسائر شركائها التجاريين.
لكن من خلال شن حرب تجارية على الجبهات جميعها؛ أي حرب تجارية شاملة، قد تعاني الولايات المتحدة عواقب عالمية وتراكمية، في حين ستشهد الدول الأخرى تأثيراً في تجارتها مع الولايات المتحدة فقط. خوض حرب تجارية ضيقة مختلف تماماً عن خوض حرب تجارية على الجبهات جميعها؛ إذ إن تأثيرات صدمات العرض والطلب ستتراكم.
أخذ صدمات العرض والطلب في الاعتبار
يجب أن يبدأ القادة الذين يسعون بجد لفهم تأثير التعرفات الجمركية في الاقتصاد الكلي بالتمييز بين صدمات العرض وصدمات الطلب. يعتمد كلا النوعين على إن كنا نأخذ في الاعتبار المصدّرين أو المستوردين، وإن كان الاقتصاد يفرض تعرفات جمركية أو يتعرض لهذه التعرفات.
على الرغم من أن التنبؤ بحالة الاقتصاد الكلي ليس دقيقاً جداً تاريخياً، وأن فهم الصدمات التي تقع خارج النطاق التجريبي التاريخي صعب جداً، يمكننا التوصل إلى فهم تقريبي لهذه الصدمات من خلال تحليل أحجام التجارة والتأثيرات المحتملة للتعرفات في الأسعار والاستهلاك والنمو.
لنأخذ في الاعتبار أولاً صدمات العرض، التي من المرجح أن يكون تأثيرها في الولايات المتحدة أكبر من تأثيرها في معظم شركائها التجاريين.
صدمة العرض الأميركي
التعرفات الجمركية الأميركية هي ضريبة على الواردات سيدفع المستهلكون أغلبيتها. ستؤدي الزيادات الناتجة في الأسعار إلى ارتفاع معدل التضخم، وهو حدث يذكّرنا باضطراب سلسلة التوريد في مرحلة ما بعد جائحة كوفيد-19. سيُخفض ارتفاع معدل التضخم الدخل الحقيقي وسيؤثر في الاستهلاك، ما يعني أنه سيؤثر في نمو الناتج المحلي الإجمالي. بما أن الحرب التجارية شاملة، والزيادة في التعرفات الجمركية كبيرة جداً، فإن صدمة العرض كبيرة جداً أيضاً.
في ظل معدلات التعرفات الجمركية التي صدرت في 2 أبريل/نيسان 2025، نتوقع أن تؤدي صدمة العرض الناتجة إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.4% خلال عام 2025 (وهي نسبة أقل من التوقعات البالغة 1.9%). سينتج ذلك عن زيادة كبيرة في معدل التضخم الذي سيؤدي إلى تراجع الاستهلاك بصفته محركاً للنمو.
صدمة العرض لدى الشركاء التجاريين
إذا قررت دول أخرى فرض تعرفات جمركية انتقامية، كما فعلت الصين وكما تخطط دول أخرى، فإن هذه الدول ستُحدث صدمة في العرض أيضاً. ستشهد صادرات الولايات المتحدة إلى تلك الدول زيادات في الأسعار، وستظهر التأثيرات نفسها في التضخم والاستهلاك والنمو في تلك الدول.
من المفترض أن تشهد أغلبية الاقتصادات صدمة أقل شدّة بكثير في العرض إذا فرضت تعرفات انتقامية. نعتقد أن أغلبية هذه الدول ستشهد انخفاضاً في النمو يتراوح بين 0.1 و0.3% من الناتج المحلي الإجمالي. يعود هذا التأثير الأقل شدّة إلى حقيقة أنه هذه الدول ستفرض تعرفات جمركية على الواردات الأميركية فقط إذا قررت الانتقام.
من المرجح أن يكون تأثير صدمات الطلب الناجمة عن التعرفات الجمركية في الشركاء التجاريين أكبر من تأثيرها في الولايات المتحدة.
صدمات الطلب لدى الشركاء التجاريين
تزيد التعرفات الجمركية الأميركية أسعار الصادرات إلى الولايات المتحدة، ما سيؤدي إلى انخفاض الطلب. اعتماداً على مرونة الطلب السعرية (أي حساسية الطلب لتغير الأسعار)، يمكن أن يكون هذا الانخفاض حاداً أو متواضعاً، لكنه سيؤدي إلى انخفاض إيرادات الصادرات إلى الولايات المتحدة. ستشهد الولايات المتحدة هذا التأثير سواء فرضت الدول الأخرى تعرفات انتقامية أم لا.
بالنسبة لأغلبية البلدان، نقدّر أن الانخفاض سيتراوح بين 0.2% و0.6% من نمو الناتج المحلي الإجمالي، وهي ضربة ملحوظة ولكن يمكن التعامل معها عادةً. لكن بالنسبة للبلدان التي تشهد تعرفات جمركية كبيرة على نحو استثنائي ولديها صادرات كبيرة إلى الولايات المتحدة، مثل فيتنام، فإن الانخفاض الناجم عن تعرفات 2 أبريل/نيسان قد يكون مدمراً؛ إذ إنه قد يتجاوز 6% من الناتج المحلي الإجمالي.
صدمة الطلب الأميركي
من المرجح أن تشهد الولايات المتحدة أيضاً تأثيرات سلبية في الصادرات إذا فرض شركاؤها التجاريون تعرفات جمركية انتقامية. في حين أن الصادرات ليست مهمة في الاقتصاد الأميركي كما هي الحال في بعض الاقتصادات الكبيرة مثل ألمانيا أو الصين، فإن الولايات المتحدة منخرطة في حرب تجارية شاملة ذات تأثيرات تصبح أهم مع تراكمها.
إذا فرضت البلدان الأخرى جميعها تعرفات انتقامية، نعتقد أن الانخفاض في النمو سيصل إلى 0.5% على الأقل، وهذه نسبة كبيرة، خاصة إذا كان الاقتصاد ضعيفاً بالفعل.
الآثار الثانوية للحرب التجارية الشاملة
مع أن فهم صدمات العرض والطلب يُعدّ الخطوة الأولى الصحيحة، يجب أن يكون المدراء التنفيذيون على دراية بخمسة عوامل ثانوية. من المتوقع أن يؤثر كل من هذه العوامل في الأداء الاقتصادي، لكن التاريخ يبين أنها قد تؤدي إلى المبالغة في تقدير المخاطر أحياناً، كما أنها قد تناقض التوقعات المتشائمة.
1. الثقة
ستؤثر صدمة التعرفات الجمركية في ثقة الشركات والمستهلكين، ما قد يؤدي إلى التردد في الإنفاق والاستثمار والتوظيف. مع ذلك، ثبت في السنوات الأخيرة أن ثقة المستهلكين المنخفضة هي إشارة غير دقيقة؛ إذ ترافق انخفاض ثقة المستهلكين مع استهلاك مرتفع. مع ذلك، يجب أخذ الانخفاضات الحادة في الثقة على محمل الجد.
2. التأثيرات في الثروة
تراجعت أسواق الأسهم بعد أن اتضح أن التعرفات الجمركية الصادرة في 2 أبريل/نيسان لم تكن متواضعة كما أملَ المستثمرون. يؤدي انخفاض الأسعار إلى انخفاض الثروة، ما يعوّق النمو ويؤدي إلى انخفاض الاستهلاك. مع ذلك، لا تزال الميزانيات قوية تاريخياً، ولا تشهد الأسواق الهابطة جميعها الركود. على سبيل المثال، لم يؤدِّ انخفاض سوق الأسهم بنسبة 25% عام 2022 إلى الركود.
3. الأخطاء في السياسة النقدية
تركز السياسة النقدية على هدف الحفاظ على كل من استقرار الأسعار والتوظيف الكامل. تؤدي التعرفات الجمركية إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض معدل النمو والتوظيف. وحتى قبل 2 أبريل/نيسان 2025، أكد البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أن التضخم والنمو يدخلان في حالة من عدم اليقين آخذة في التعمّق. يعني ذلك أن الإجراءات التي سيتبعها البنك الاحتياطي الفيدرالي في المستقبل هي عبارة عن إجراءاتٍ موازِنة أصعب تزيد خطر حدوث الأخطاء في السياسة النقدية (أي أن تكون أسعار الفائدة مرتفعة جداً أو منخفضة جداً).
4. التنافسية
على الرغم من أن الخبراء ينظرون إلى الواردات عادةً على أنها سلع استهلاكية، فإن الحقيقة هي أن نحو 50% من الواردات هي مدخلات إنتاج للشركات الأميركية (مثل معدّات الآلات أو الفولاذ). بالتالي، لن يقتصر التأثير على انخفاض الاستهلاك الناجم عن ارتفاع الأسعار، بل سيشمل انخفاض القدرة التنافسية بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج المحلي.
5. صدمات إضافية
من المحتمل أيضاً أن تحدث صدمات جديدة. قد تكون هذه الصدمات ذاتية المنشأ مثل الاضطراب في الأسواق المالية المرتبط بالتعرفات الجمركية، الذي يؤدي إلى ارتفاع تكلفة التمويل وخسائر ائتمانية للنظام المصرفي لها عواقب لا يمكن التنبؤ بها، أو خارجية المنشأ مثل الحروب والكوارث الطبيعية والتوهجات الشمسية والجائحات وما إلى ذلك، وهي تضرب الاقتصاد بعنف أكبر عندما يكون ضعيفاً بالفعل.
يجب على القادة أن يراقبوا هذه العوامل الثانوية بعناية، كما يجب أن يفهموا آلياتها وشدّة تأثيراتها المحتملة.
تأثير غير مؤكد على المدى الطويل
ليس غريباً أن يركّز المدراء التنفيذيون على التأثيرات القريبة المدى، أو الدورية. لكن من المرجح أن تؤدي التغيرات الجوهرية والبعيدة المدى مثل نظام التعرفة الجمركية المتغير إلى تأثير هيكلي طويل الأجل.
تشمل أهداف التعرفات الجمركية المعلنة لإدارة ترامب إعادة أنشطة الإنتاج العالمي إلى الولايات المتحدة، حيث تراجع الإنتاج الصناعي على مدى السنوات الـ 15 الماضية أو نحو ذلك، بالإضافة إلى توفير فرص العمل العالية الجودة وتحقيق الازدهار الاقتصادي. استخدمت إدارة الرئيس بايدن الحوافز لتحقيق الهدف نفسه، تحديداً وفق قانون دعم حوافز إنتاج أشباه الموصّلات (CHIPS Act)، الذي ساعد على ازدهار قطاع الاستثمار في المصانع. تراهن إدارة ترامب الآن على أن استخدام التعرفات الجمركية القاسية بدلاً من الحوافز اللينة سيعزز الازدهار ويوفّر إيرادات مالية بدلاً من أن يكلف الولايات المتحدة.
لكن في هذه الحالة أيضاً، تؤدي الحرب التجارية الشاملة إلى مضاعفات. خذ في الاعتبار أن الحوافز التي أطلقتها لتحفيز الإنتاج الأميركي استهدفت القطاعات ذات القيمة والإنتاجية العاليتين، مثل قطاع أشباه الموصّلات. في الوقت نفسه، لا يستهدف نظام التعرفة الجمركية الجديد العديد من البلدان فحسب، بل يستهدف أيضاً كل منتج تقريباً، سواء كان منتجاً ترغب الولايات المتحدة في إعادة توطينه أم لا.
السعي إلى إعادة توطين إنتاج أشباه الموصلات ليس مثل إعادة توطين إنتاج الأحذية الرياضية أو ألعاب الأطفال أو الأثاث. في الواقع، ربما يكون تأثير إعادة التوطين سلبياً إذا تنافست الأنشطة المعاد توطينها مع القطاعات ذات الإنتاجية الأعلى على الموارد، خاصة العمالة. إذا ازداد عدد القطاعات ذات الإنتاجية المنخفضة في الولايات المتحدة، فسينخفض متوسط الإنتاجية وستتراجع الإمكانات الاقتصادية، لذا، ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تأوي قطاعات منخفضة الإنتاجية تنافس القطاعات المرتفعة الإنتاجية.
تمثل هذه النتيجة وجه مشكلة خطيرة وذلك بسبب نقص العمالة في الولايات المتحدة. تشهد البطالة انخفاضاً غير مسبوق، وهي كذلك منذ عام 2017 (باستثناء الركود الحاد ولكن القصير الناجم عن جائحة كوفيد-19). إذا ارتفع معدل البطالة (كما حدث في أوائل العقد الثاني من القرن الجاري)، فسيكون تأثير الإنتاج الإضافي بأكمله تقريباً (وكذلك التوظيف الإضافي) إيجابياً، لكن إذا كانت العمالة محدودة، فسيزداد التنافس على الموارد. كيف يمكن توفير ما يكفي من العمال للعمل في القطاع المعاد توطينه؟
التوصل إلى حل ضرورة مُلحة للمدراء التنفيذيين
بسبب التعقيد المتزايد الذي تتسم به الصدمة الناجمة عن الحرب التجارية الشاملة، وكذلك تقلبها المستمر، لا يمكن للمدراء التنفيذيين أن يستجيبوا على نحو غير مدروس ويقفزوا إلى الاستنتاجات، بل يجب عليهم السعي بجد لتعميق فهمهم لتأثيرات التعرفات الجمركية حتى يتمكنوا من تقييم التطورات باستمرار.
بناء القدرات بدلاً من وضع الخطط الرئيسية
مع استمرار تطور سياسة التعرفات الجمركية، ينبغي أن ينصبّ اهتمام المدراء التنفيذيين على بناء القدرات التحليلية المؤسسية لمراقبة تقلبات السياسة واستخدامها في تحضير شركاتهم وفي تصميم الاستجابات؛ إذ إن الخطط الرئيسية التقليدية تتمتع بمدى قصير.
راجع افتراضاتك بانتظام
حقيقة أن الحرب التجارية الجارية اليوم ليست متناظرة مهمة لفهم تأثير هذه الحرب، لكن الحقيقة نفسها قد تتغير. على سبيل المثال، قد تتحول الحرب التجارية إلى حرب ذات نطاق عالمي إذا أغرق كبار المصدّرين الاقتصادات الأخرى بالصادرات التي كانت خاصة بالولايات المتحدة سابقاً، ما سيدفع هذه الاقتصادات إلى الرد بفرض تعرفات جمركية جديدة.
التفكير وفق مقاييس زمنية متعددة
سيركز الخبراء دائماً على التأثير التكتيكي الحالي للتعرفات الجمركية. لكن المسؤولين التنفيذيين سيخاطرون بتجاهل العواقب الاستراتيجية إذا انشغلوا بتعديل تقييماتهم التكتيكية باستمرار. يجب أن يشمل التحليل الذي يجريه هؤلاء المقياسين الزمنيين الدوري والهيكلي في الوقت نفسه. ليس هناك أي سبب يجعل الأرباع القليلة المقبلة أهم من العقد المقبل.
أصبح التعامل مع حالة عدم اليقين على مستوى الاقتصاد الكلي مهارة تنفيذية ضرورية، وستظل تأثيرات التعرفات الجمركية محط الأنظار. سيتمتع المدراء التنفيذيون الذين يطورون قدراتهم التحليلية بقدرة أكبر على تحمل التقلبات في نظام التعرفات الجمركية.