ما هو تأثير الصومعة في بيئة العمل وكيف يمكن التخلص منه؟

7 دقيقة
تأثير الصومعة

واجهت المؤسسات منذ زمن مشكلة تأثير الصومعة (Silo Effect)؛ أي عزلة الأقسام المتخصصة في الشركات ومحدودية التواصل بينها. يسلط العديد من الدراسات الضوء على التأثير العميق للصوامع؛ إذ كشفت دراسة أجرتها شركة سيلز فورس (Salesforce) أن 70% من المتخصصين والمدراء التنفيذيين في مجال تجربة العملاء يعتقدون أن عقلية الصوامع هي أكبر عقبة أمام خدمة العملاء، وأشار استطلاع أجراه موقع هارفارد بزنس ريفيو لخدمات التحليلات عام 2017 إلى أن 67% من حالات فشل التعاون سببها الصوامع. هذه ليست مشكلة جديدة؛ إذ كشفت دراسة استقصائية أجرتها جمعية الإدارة الأميركية عام 2002 أن 83% من المدراء التنفيذيين يدركون وجود الصوامع في شركاتهم، وأفاد 97% منهم بأن تأثيرها في أعمالهم التجارية سلبي. تبين هذه النتائج أن تأثير الصومعة يمثل تحدياً كبيراً يجب على المؤسسات معالجته لتحسين عملياتها وتعزيز التعاون.

بصفتنا مدربَين واستشاريين، تعاملنا مع مئات الشركات في جميع أنحاء آسيا وأميركا الجنوبية وإفريقيا والولايات المتحدة الأميركية، ورصدنا مباشرة تأثير الصومعة. جرّبت الشركات مجموعة من الآليات التي تستهلك الكثير من الموارد لإزالة الصوامع، ومنها تأسيس الفِرق المتعددة التخصصات واستخدام التكنولوجيا التعاونية ورفع مستوى المهارات على مستوى المؤسسة، لكن هذه الآليات لم تكن فعّالة في الكثير من الأحيان. وذلك لأن الشركات تتعامل مع مشكلة الصوامع بصفتها كياناً متجانساً، وتهاجمها بمزيج من الحلول. قادتنا خبرتنا وأبحاثنا إلى فهم أن تأثير الصومعة هو مجرد عرض لمشكلات جذرية متنوعة أعمق يتطلب كل منها تطبيق حل محدد، وهو أداة دقيقة لتفكيك الصومعة المستهدفة على نحو منهجي.

سنقدم في هذا المقال نهجاً محكماً من خلال أمثلة لثلاث شركات، كما سنوضح كيف تتطلب المعالجة الفعّالة لكل نوع من أنواع الصوامع؛ الصوامع المنهجية والصوامع النخبوية والصوامع الحمائية، تطبيق استراتيجية متميزة. هدفنا هو تحويل المنظور من صراع عام ضد الصوامع إلى صراع موجه ومحدد السبب، والاستفادة من خبراتنا لتقديم حلول أكثر استدامة وفعالية.

تمييز تأثير الصومعة

سنستخدم 3 أمثلة مركّبة تستند إلى مواقف حقيقية واجهناها في الشركات التي عملنا معها لفهم الأنواع الثلاثة من الصوامع بدقة أكبر: شركة غول-دِف (Goal-Diff) للمشروبات وشركة إيليت ميد فارما (EliteMed Pharma) وشركة بروتكت بارتس (ProtectParts Inc)، وهي توضح المظاهر الشائعة لتأثير الصومعة في مختلف القطاعات. تركز شركة غول-دف على المستهلكين وتخلط أنواعاً مختلفة من الشاي وتعبئها. يخطط فريق المبيعات للعروض الترويجية ويحدد أهداف المبيعات دون مراجعة فريق التصنيع، ما يؤدي إلى تجاوز التكاليف وانخفاض الأرباح. أما في شركة إيليت ميد فارما، ففريق البحث والتطوير يحجم عن مشاركة البيانات مع فرق تصميم عمليات المصنع، ما يؤدي إلى تفويت فرص تحسين العمليات. أخيراً، في شركة بروتكت بارتس، يؤدي رفض إحدى منشآت تصنيع قطع غيار السيارات الصغيرة لأتمتة فواتير المواد إلى التخطيط اليدوي في ذلك الموقع، ما يحد من التحكم المركزي ويؤثر في الكفاءة في مختلف أقسام الشركة. سنستخدم هذه الأمثلة لفهم الأنواع الثلاثة من الصوامع.

الصوامع المنهجية.

تنشأ الصوامع المنهجية عندما تمنح الأقسام الأولوية لأهدافها الخاصة بدلاً من الأهداف المؤسسية أو عندما تتبنى رؤية محدودة وضيقة للأقسام، ما يعوّق التعاون. ينبع ذلك غالباً من البنى التنظيمية التي تركز على تحقيق الأهداف الفردية للأقسام بدلاً من النجاح المشترك. في شركة غول-دِف للمشروبات، يركز فريق المبيعات فقط على حجم المبيعات، متجاهلاً تكاليف الإنتاج أو الربحية. لا تتماشى حوافز هذا الفريق مع حوافز فريق التصنيع، ما يؤدي على نحو متكرر إلى عروض ترويجية للمنتجات تتسبب بتقلبات في الطلب والحاجة إلى إجراء المزيد من العمل وزيادة التكاليف. يستمر انعدام التوافق لأن موافقة فريق التصنيع على العروض الترويجية غير مطلوبة، ما يؤدي في النهاية إلى انخفاض الربحية.

تمييز الصوامع المنهجية صعب لأن التركيز على تحقيق هذه الأهداف ربما كان فعالاً تماماً عندما كانت الشركة أصغر أو عندما كانت تركز على خط أضيق من المنتجات. لكن مع نمو المؤسسة أو زيادة تنوعها، يمكن أن تتعارض هذه الأهداف التي كانت متوافقة في السابق، ما يؤدي إلى عدم الكفاءة والخلافات. هناك طريقة فعّالة لتمييز الصوامع المنهجية، وهي مراقبة أنماط مثل تدخّل الإدارة العليا لحل المشكلات على نحو متكرر، والاجتماعات التي تسودها العدائية بين الأقسام. تلوم الأقسام غالباً الأقسام الأخرى على التأخير أو عدم تحقيق الأهداف، ما يكشف الخلافات الناجمة عن تضارب الأهداف. هذه السلوكيات هي مؤشرات واضحة على وجود صوامع منهجية داخل المؤسسة.

الصوامع النخبوية.

تتشكل الصوامع النخبوية عندما تعتقد بعض الأقسام أو المجموعات داخل المؤسسة أنها متفوقة بطبيعتها في المعرفة أو المكانة، ما يثنيها عن مشاركة المعلومات مع الأقسام الأخرى من المؤسسة. يعتقد العاملون في هذه الأقسام أن أعمالهم أو خبراتهم أو إسهاماتهم قيّمة أو معقدة جداً لدرجة أن فهمها أو تقديرها تماماً من قبل الآخرين مستحيل. يعزل قسم "النخبة" نفسه ويحدُّ من تدفق المعلومات للحفاظ على مكانته وسيطرته على مجالات معرفية محددة.

يوجد في شركة إيليت ميد فارما شرخ بين قسم البحث والتطوير وفريق تصميم العمليات. يعمل قسم البحث والتطوير على تصميم العمليات في المختبر، بينما تقع على عاتق فريق التصميم مسؤولية توسيع نطاق هذه العمليات لتصنيع المنتج في العالم الحقيقي. يعتقد العاملون في قسم البحث والتطوير أن مهندسي قسم تصميم العمليات يفتقرون إلى الخبرة اللازمة لفهم التعقيدات التي ينطوي عليها تصميم العمليات تماماً، بالتالي فهم يشاركون معلومات محدودة حول التصميم. بما أن توسيع النطاق يتطلب إجراء تعديلات لمراعاة قيود المعدّات الكبيرة وكفاءتها، يضطر فريق تصميم العمليات إلى الاعتماد على نهج التجربة والخطأ المطول لإنشاء تصميمات عملية لأن التفاصيل المتعلقة بتصميم المختبر غير متوافرة لديه. تسلط هذه المشاركة الانتقائية للمعلومات الضوء على التحديات التي تفرضها الصوامع النخبوية؛ إذ يؤدي احتكار المعرفة إلى تقويض الكفاءة والابتكار في المؤسسة عموماً.

قد يكون تمييز الصوامع النخبوية صعباً لأن السبب الجذري يكمن غالباً في آليات توزّع السلطة الخفية. بينما يعمل قسم "النخبة" دون تعطيل، يضطر القسم المعتمد عليه لإعادة العمل على نحو متكرر ويعاني التأخير والأداء غير الفعال عموماً. يؤدي الإحباط الناجم عن هذه التحديات إلى ارتفاع معدلات استنزاف الموظفين وانخفاض المعنويات وتراجع الرضا الوظيفي. عندما تظهر تفاوتات في الأداء والمعنويات والرضا الوظيفي بين الأقسام، فإن ذلك يشير إلى وجود صومعة نخبوية.

الصوامع الحمائية.

تتشكل الصوامع الحمائية عندما تحجب الأقسام أو الفرق داخل المؤسسة المعلومات لحماية مصالحها أو مكانتها أو سلطتها. تتعامل هذه الفرق مع المعلومات على أنها أوراق مساومة لا أداة للتعاون بدافع الخوف من فقدان الأهمية أو الميزانية، ما يخفض الفعالية عموماً. في شركة بروتكت بارتس، يرفض المدراء في منشأة تصنيع قديمة أتمتة قوائم المواد ومشاركة بيانات التخطيط الرئيسية بالتفصيل؛ فهم يخشون أن تكشف الشفافية عن ارتفاع التكاليف لكل وحدة، ما يهدد بإغلاق المصنع. يمنع هذا السلوك الإدارة العالية الكفاءة والمتكاملة للمخزون والإنتاج في المواقع المختلفة، ما يعوق التحسينات الأوسع نطاقاً.

على عكس الصوامع الأخرى، تتسم الصوامع الحمائية غالباً بأن أفرادها يتواصلون على نحو مفرط ولكن غير منتج. تخلق فرق العمل تأخيرات بيروقراطية باستخدام رسائل البريد الإلكتروني المتبادلة والمعلومات الخاطئة لتعطيل القرارات، بينما تدّعي أنها متعاونة. من الأعراض الواضحة لهذه الصوامع المناقشات المستمرة التي تولد نشاطاً ولكنها لا تسهم في توفير البيانات الأساسية. تشير هذه السلوكيات إلى جهد متعمد لحجب البيانات الأساسية مع تعزيز وهم التعاون.

كيفية معالجة تأثير الصومعة

يجب على الشركات أولاً تحديد إن كانت معالجة الصوامع تتطلب إجراءً فورياً أو حلاً استراتيجياً طويل الأجل. قد تستلزم المشكلات الجسيمة، مثل التأخير في خدمة العملاء أو تجاوز التكاليف أو انخفاض الكفاءة التشغيلية، تطبيق حلول قصيرة الأجل. يستطيع فريق يركّز على المشكلة وتقوده الإدارة العليا تسهيل التواصل وضمان تدفق المعلومات المهمة. مع ذلك، فإن هذا الحل مؤقت، ومن المرجح أن تظهر الأعراض مثل عدم التوافق أو النخبوية أو سلوكيات الحفاظ على الذات مجدداً. التدابير القصيرة الأجل مفيدة لتحقيق الاستقرار في العمليات، ولكن يجب في الوقت نفسه أن تضع حجر الأساس لمعالجة الأسباب الجذرية من خلال المبادرات الاستراتيجية.

نوصي بثلاث استراتيجيات رئيسية لمعالجة الأسباب الجذرية: مواءمة الأهداف، وتحسين التواصل، وتعزيز المشاركة الآمنة للبيانات. تضمن مواءمة الأهداف أن تعمل الأقسام جميعها على تحقيق أهداف موحدة، ما يعزز التعاون؛ ويؤدي تحسين التواصل إلى إبقاء الفرق على اطلاع وضمان مشاركتها، ما يعزز التفاهم بين الموظفين ذوي التخصصات المختلفة؛ بينما تعمل المشاركة الآمنة للبيانات على بناء الثقة وتشجيع تبادل المعلومات بشفافية. تستهدف كل استراتيجية نوعاً معيناً من الصوامع، وتعتمد فعاليتها على مطابقتها على نحو سليم مع السبب الجذري.

توافق الأهداف.

في شركة غول-دِف للمشروبات، ينبع تأثير الصومعة من عدم توافق الأهداف بين قسمي المبيعات والتصنيع. لن تحل استراتيجية تعزيز التواصل أو تأمين مشاركة البيانات وحدها المشكلة لأن هذه الجهود لا تؤدي بطبيعتها إلى توافق الأهداف الرئيسية للأقسام. دون توحيد الأهداف، يمكن أن يؤدي التواصل إلى تفاقم التوترات، وقد تحافظ مشاركة البيانات على عزلة الفرق وعملها على نحو مستقل. تتطلب معالجة هذا الانقسام من الإدارة العليا وضع أهداف شاملة تدمج احتياجات كلا القسمين. تتمثل إحدى الآليات الفعّالة في تخطيط المبيعات والعمليات، الذي يضمن التوافق بين تخطيط المبيعات وتخطيط العمليات والتخطيط المالي. من خلال اجتماعات المراجعة المنتظمة، يناقش أصحاب المصلحة التوقعات وخطط الإنتاج ومستويات المخزون، ما يعزز التعاون والمساءلة المشتركة والتوازن بين حجم المبيعات وكفاءة الإنتاج.

تحسين التواصل.

تنشأ الصوامع النخبوية في شركة إيليت ميد فارما من اعتقاد العاملين في قسم البحث والتطوير أن خبرتهم متفوقة على خبرة فريق تحسين العمليات، ما يدفعهم إلى الحد من مشاركة البيانات المهمة معهم. بما أن قسم البحث والتطوير يعتقد أن المهندسين يفتقرون إلى الفهم العلمي اللازم، لن يحل مجرد وضع أهداف مشتركة أو تأمين مشاركة البيانات مشكلة التفاوت المعرفي الأساسية، بل يمكن التخلص من هذه العزلة من خلال إنشاء فرق متعددة التخصصات، ما يتيح لفريق البحث والتطوير رصد خبرات مهندسي العمليات ودورهم في توسيع نطاق الإنتاج مباشرة. تساعد برامج التناوب الوظيفي أيضاً على تعريف موظفي قسم البحث والتطوير على التحديات التي يواجهها قسم التصنيع في الواقع، ما يعزز مراعاتهم للتعقيدات في تصميم العمليات. تشجع هذه الجهود على الاحترام المتبادل وتبادل المعرفة وتفكيك الصوامع النخبوية وإطلاق العنان للتعاون بين الأقسام.

تعزيز المشاركة الآمنة للبيانات.

في شركة بروتكت بارتس، يدفع خوف المدراء من إغلاق المصنع إلى حجب المعلومات والبيانات المهمة. لن يزيل تحسين التواصل أو مواءمة الأهداف الخوف الأساسي من فقدان الوظيفة. يمكن كسر هذه العزلة من خلال خلق وسط آمن لمشاركة البيانات. يجب أن يشعر الموظفون بالأمان ويعلموا أن الشفافية لن تؤدي إلى عواقب سلبية بل ستعزز النجاح الجماعي. يساعد حرص الإدارة العليا على التواصل الواضح حول دور المنشأة في مستقبل الشركة على تخفيف المخاوف، كما أن كلاً من تشجيع الثقافة التي تكافئ على تحديد المشكلات ولا تعاقب عليها، وإشراك المنشأة في مشروعات تعاونية توضح فوائد مشاركة البيانات، قد يعزز بناء الثقة أكثر. من خلال تعزيز الانفتاح والأمان، يمكن أن تضمن الشركة أن تسير عملياتها بسلاسة أكبر في مختلف مواقعها.

كما هي الحال في الطب، الذي يحدد فيه التشخيص الدقيق العلاج المناسب، فإن سر الإدارة الفعّالة للصوامع يكمن في الكشف الدقيق عن السبب الجذري للعوامل المعوقة لمشاركة المعلومات. عملية الكشف هذه بالغة الأهمية؛ إذ إنها توجّه النهج الاستراتيجي لتفكيك الصوامع وتعزيز بيئة عمل مؤسسية أكثر تعاونية. من المهم أن نشير إلى أن هذه الفئات قد لا يمكن فصل بعضها عن بعض بدقة، وقد يظهر تأثير الصومعة لأكثر من سبب في الوقت نفسه. في حين قد تكون التدخلات القصيرة الأجل ضرورية لتخفيف الأعراض الحادة لتأثير الصومعة، مثل التأخيرات التشغيلية أو انخفاض الكفاءة، يجب أن تتركّز الجهود في معالجة الأسباب الجذرية لضمان التحسين المستدام للأداء. من خلال ربط هذه الحلول الموجهة بالأسباب الجذرية التي صُممت الحلول لمعالجتها، تستطيع الشركات تخفيف شدة تأثير الصومعة بفعالية أكبر، ما يؤدي إلى تحسين الكفاءة وتعزيز التعاون، وفي نهاية المطاف، جعل المؤسسة أنجح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي