ما هو العامل الحاسم لنجاح فرق العمل عند استخدام الذكاء الاصطناعي؟

7 دقيقة
أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي
ياروسلاف دانيلتشينكو/ستوكسي

في ضوء العناوين الرئيسية الباهرة التي تنبئ بأن القيمة التي يحتمل أن تولّدها أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي قد تصل إلى تريليونات الدولارات، وأن المؤسسات ستنفق مليارات الدولارات لتحقيق هذه القيمة، قد تعتقد أن هذه الأدوات أصبحت جزءاً بالغ الأهمية من مكان العمل. لكن البيانات تبيّن حقيقة مختلفة.

وفقاً لتقرير حالة الذكاء الاصطناعي التوليدي (State of Generative AI) الأخير الذي أصدرته شركة ديلويت، أفادت نسبة 11% فقط من المؤسسات التي وفرت أدوات الذكاء الاصطناعي للموظفين بأنها دمجت الذكاء الاصطناعي التوليدي بنجاح في الروتين اليومي للموظفين (يعني النجاح في هذا السياق أن أكثر من 60% من موظفي المؤسسة يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي يومياً). أفاد نحو نصف المؤسسات الأقل استخداماً للذكاء الاصطناعي (أي التي أبلغ أقل من 20% من موظفيها أنهم يستخدمون هذه التكنولوجيا يومياً) بأن عوائد المبادرات الأكثر تقدماً في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي كانت أقل من التوقعات. على العكس من ذلك، أفادت نسبة 86% من المؤسسات التي نجحت بدرجة أكبر في تحفيز تبني الذكاء الاصطناعي بأنها لبّت توقعات العائد على الاستثمار أو تجاوزتها.

لماذا إذاً لا يستخدم الموظفون في بعض المؤسسات الذكاء الاصطناعي التوليدي؟ نعتقد أن الإجابة تتلخص في انعدام الثقة بهذه التكنولوجيا.

نقيس الثقة باستخدام منصة نشرنا عنها مقالاً في موقع هارفارد بزنس ريفيو من قبل، وهي منصة تقيس ثقة الأشخاص من خلال قياس شعورهم بموثوقية المؤسسة أو التكنولوجيا وقدراتها وشفافيتها وإنسانيتها، وهي العوامل التي تندرج تحت مسمى "عوامل الثقة الأربعة". يمكنك التفكير في الأمر على النحو الآتي: إذا ذهبت إلى مطعم ولاحظت أنه لا يتمتع بالموثوقية (إذا فقدت حجزك على سبيل المثال) ويفتقر إلى القدرة (أي أن الطعام المقدم محضّر بطريقة سيئة) ولا يتمتع بالشفافية (أي يضيف رسوماً مخفية إلى الفاتورة) ولا يعبّر الموظفون فيه عن إنسانيتهم ​​(أي يتجاهلون الاحتياجات الخاصة لصديقك ذي الإعاقة على سبيل المثال)، فلن تثق به ولن تزوره مجدداً. ينطبق الأمر نفسه على تكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي؛ إذا فشلت هذه التكنولوجيا في تلبية هذه المعايير، فلن يثق بها المستخدمون، وإذا فقد المستخدمون الثقة في التكنولوجيا فلن يشعروا بالراحة في استخدامها، وقد يرفضون استخدامها تماماً دون أن يدركوا إمكاناتها الحقيقية.

لكن ما هو سبب انعدام الثقة هذا؟ على الرغم من أن أدوات الذكاء الاصطناعي أثبتت أنها مفيدة بالفعل، إذ تساعد الموظفين على البحث وتأليف المقترحات وتصميم العروض التقديمية وفحص المتقدمين وغير ذلك، يشكك هؤلاء الموظفون غالباً بهذه التكنولوجيا ويشعرون بالقلق بشأن ميلها إلى اختلاق المعلومات، وهي ظاهرة تحمل اسم "الهلوسة". يخشى الكثيرون أيضاً أن يفقد الموظفون قيمتهم أو يصبحوا فائضين عن الحاجة مع تولي الذكاء الاصطناعي التوليدي المزيد من المهام والأدوار الأوسع. لذلك، ليس من المفترض أن نفاجأ عندما نعلم أن العديد من الموظفين لا يثقون بالذكاء الاصطناعي ويقلقون بسببه.

الخبر السار هو أن بناء الثقة في الذكاء الاصطناعي التوليدي ممكن، وإذا تمّ على النحو السليم، فيمكنه أن يسرّع تبني الموظفين لهذه التكنولوجيا ويعزز ارتياحهم في استخدامها. سنتحدث هنا عن بعض الطرق لبناء الثقة استناداً إلى مشروع تجريبي لتحفيز التبنّي أجريناه مؤخراً في شركتنا.

تقديم مساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي في شركتنا

مثل العديد من الشركات الأخرى، لاحظ قادة مؤسستنا، ديلويت، أنه بالإمكان استخدام مساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي لتعزيز أداء الموظفين بالعديد من الطرق، بدءاً من إنجاز المهام الروتينية مثل كتابة ملاحظات الاجتماعات نيابة عنهم إلى التعاون النشط في الأعمال التحليلية والإبداعية، مثل أبحاث السوق وتوليد الأفكار. أطلق فريق التحول في المؤسسة مساعداً مخصصاً يعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي لإجراء بعض هذه المهام في خريف عام 2023.

أجرت المؤسسة سلسلة من الأنشطة التعليمية والتدريبية لتعريف أفرادها على الذكاء الاصطناعي التوليدي وتعزيز استخدام المساعد الجديد. على مدار الأشهر التالية، لاحظنا أن عدد الموظفين الذين تبنوا الأداة كان واعداً. مع ذلك، تمثّل هدفنا في التبني الكامل لمساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي ودمجه في عمل الجميع. إدراكاً منا أن الافتقار إلى الثقة يمثّل غالباً عائقاً في وجه تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي، قررنا تطبيق أبحاثنا العلمية حول الثقة ضمن مشروع تجريبي بهدف زيادة معدل استخدام الأداة.

بعد 9 أشهر من الإطلاق الأولي، اخترنا مجموعة اختبار تتألف من 750 مستشاراً، من المحللين المبتدئين إلى القادة، وقسنا نقطة البداية لعوامل الثقة الأربعة في الأداة قبل بدء الإجراءات التي تركّز على بناء الثقة. طرحنا أيضاً مجموعة من الأسئلة المصممة لكشف الأسباب التي بنى الموظفون عليها تقييماتهم لأداة الذكاء الاصطناعي وفقاً لعوامل الثقة الأربعة. بهذه الطريقة، إذا رصدنا تقييمات منخفضة على نحو ملحوظ في أحد العوامل، فسنتمكن من تحديد المجال الذي يجب أن نركّز فيه جهودنا لبناء الثقة.

في الواقع، كشف استقصاء نقطة البداية أن المستخدمين لم يكونوا على دراية بالطرق العديدة للاستفادة من الأداة. باعتبارهم مستخدمين جدداً، كان المستشارون في طور تعلّم أفضل السبل للتعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي وصياغة الأوامر النصية في مجموعة متنوعة من حالات الاستخدام، ما دفعهم إلى منحه تقييمات منخفضة فيما يتعلق بالموثوقية. لاحظنا أيضاً أن المستخدمين يجهلون مصادر البيانات التي تستخدمها الأداة وآلية حمايتها لبياناتهم، ما أدى إلى حصول الأداة على تقييمات منخفضة فيما يتعلق بالشفافية.

بعد أن حددنا مواضع الفجوات في الثقة، عدّلنا المواد والأنشطة التعليمية التي طرحناها في البداية، وصغنا هذه التغييرات لتعزيز تصور المستشارين لموثوقية الأداة وشفافيتها على وجه التحديد، وكنا نأمل أن نتمكن من زيادة معدل استخدامها وتشجيع غير المستخدمين على تجربتها. فيما يلي 4 من التدخلات التي ابتكرناها:

  • لمحات عن المستخدمين المتميزين: مقالات موجزة عن المستخدمين المتميزين تسلط الضوء على الطرق المتنوعة التي يطبقونها لاستخدام الأداة في العمل اليومي والفوائد التي يحصلون عليها منها. قدمنا ​​أمثلة واقعية على مستشاري ديلويت الذين يستخدمون الأداة لمعالجة مجموعة واسعة من التطبيقات التي تختص الأداة في معالجتها.
  • أسئلة لفريق الذكاء الاصطناعي التوليدي: جلسات أسئلة وأجوبة عامة حول الجوانب الفنية للأداة، تتضمن شرحاً واضحاً لآليات تدريبها وكيفية استخدام البيانات. هدفنا من خلال هذه المنتديات إلى تناول الأفكار الخاطئة التي كشفها استقصاء نقطة البداية.
  • ماراثونات الأوامر النصية: أحداث تفاعلية مباشرة يتعلم فيها المشاركون طرق صياغة الأوامر النصية لتوليد أفكار يمكن استخدامها لحل مشكلات معينة باستخدام بوت الدردشة، توضّح تطبيقاته العملية وطرق استخدامه المتنوعة. اتبعنا نهج تدريب المدرِّبين في هذه التمرينات، وركّزنا على طرق بناء الثقة في الأداة وليس على طرق استخدامها فقط.
  • المنتديات المجتمعية: نظمنا أيضاً ندوات مجتمعية حول الذكاء الاصطناعي والتحليلات المحوسبة لتعزيز تبادل المعرفة والمشاركة المجتمعية، وقدمنا تحديثات منتظمة من خلال نشرة ممارساتنا الإخبارية وقنواتنا. شاركنا في هذه المنتديات رؤانا وحلولنا حول الثقة، وعززنا التعلّم والتحسن المستمرين وأبرزنا تركيزنا على الشفافية والموثوقية. ساعد هذا التواصل المتكرر والمستمر على ترسيخ التدخلات المذكورة أعلاه.

عندما قسنا مستويات الثقة مجدداً في نهاية التجربة، لاحظنا ارتفاعها بنسبة 16% عموماً بين مستخدمي الأداة. لاحظنا أيضاً عندما نظرنا في الدرجات ضمن مجموعة أكثر تفصيلاً من العبارات التي استخدمناها لكشف مستويات الشفافية والموثوقية تحسناً كبيراً بصورة خاصة في عبارتين استهدفناهما على وجه التحديد بتدخلاتنا؛ إذ لاحظنا ارتفاعاً بنسبة 49% في تصورات جودة مخرجات الأداة واتساقها (وهو مقياس للموثوقية) وزيادة بنسبة 52% في فهم المشاركين لسبل حماية الخصوصية في الأداة والضوابط التي تمنعها من استخدام البيانات الشخصية وبيانات العملاء (وهو مقياس للشفافية). شهدنا أيضاً زيادة واعدة في مستويات التبني؛ إذ لاحظنا زيادة بنسبة 14% في عدد المستخدمين الجدد وزيادة بنسبة 13% في عدد المستخدمين المتكررين وزيادة هائلة بنسبة 65% في متوسط ​​عدد الزيارات لكل مستخدم.

مع إجراء المزيد من الاستقصاءات وتعلّم المزيد عن عناصر أداة الذكاء الاصطناعي التوليدي الأكثر فعالية في بناء الثقة، سنعمل على تحسين الأداة نفسها وتفاعل مستشارينا معها. على سبيل المثال، سنُدخل بيانات مؤشر الثقة الخاصة بنا في الإصدار التالي من المساعد الافتراضي حتى يتمكن المستشارون من مطالبة بوت الدردشة بقياس ثقة العملاء والقوى العاملة لأهم عملائنا، وذلك بهدف زيادة درجات قدرة الأداة. من خلال هذه العملية التكرارية، نتوقع أن تتحسن جودة تدخلاتنا باستمرار، وكذلك أن تزداد الثقة في الأداة. في النهاية، نأمل أن يعتبرها عدد أكبر من موظفي المؤسسة أداة مساعدة موثوقة، وأن يبدؤوا استخدامها بطرق تبسّط حياتهم وتساعدهم على إنجاز عملهم بالكفاءة القصوى.

بناء الثقة من الصفر

تنخرط الشركات في سباق محموم للاستفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي، والموظفون هم في الواقع موضوع الاختبار؛ أي أنهم الخط الأول من المستخدمين. تستطيع هذه الشركات أن تتعلم من تجربتنا وتدمج أساليب بناء الثقة في برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تستهدف الموظفين من خلال ما يلي:

أولاً، خذ عامل الثقة في الاعتبار قبل إطلاق الذكاء الاصطناعي التوليدي في مكان العمل. ركّز على احتياجات الموظفين واحرص على تضمين اعتبارات الثقة الخاصة بهم في التصميم منذ البداية. ابدأ بالمشكلات التي يواجهونها ويجب على الذكاء الاصطناعي التوليدي حلها. هل الهدف هو مساعدة الموظفين على العمل بكفاءة أكبر؟ أم أنه الاستغناء عن المهام التي تستغرق وقتاً طويلاً؟ أم تعزيز الإبداع؟ هل تساعد الأدوات التي تقدمها بالفعل على تلبية هذه الاحتياجات؟

ثانياً، احرص على منح الأولوية لعناصر التصميم التي تعزز ثقة الموظفين، مع التركيز على عوامل الثقة الأربعة. يجب أن يشعر الموظفون بأن الذكاء الاصطناعي قادر وموثوق وشفاف و"إنساني"، بمعنى أنه يلبي احتياجاتهم الفردية ويساعدهم على إنجاز عملهم بالكفاءة القصوى. اختبر عناصر الثقة هذه في أثناء التدريب من خلال طرح أسئلة على المستخدمين مثل: "هل تتواصل الأداة معك بلغة واضحة ومباشرة؟ هل تشعر بأن مخرجاتها دقيقة وغير متحيزة؟" إذا منح المستخدمون درجات منخفضة للأداة في أي من أسئلة الثقة الأساسية هذه، فاعمل على اكتشاف السبب وإصلاح المشكلة.

ننصحك بتقييم الثقة ضمن عملية تدريب الذكاء الاصطناعي. عدّلنا في ضوء بحثنا العبارات الأساسية في أداة استقصاء الثقة التي نستخدمها حتى تصبح مفيدة في الحكم على أداة غير بشرية؛ إذ طلبنا من المشاركين تقييم مستوى اتفاقهم مع العبارات الآتية:

  • "تلبي [أداة الذكاء الاصطناعي التوليدي] احتياجاتي المحددة مباشرة وتعزز أدائي في عملي" (مقياس للإنسانية)
  • "مخرجات [أداة الذكاء الاصطناعي التوليدي] قابلة للتفسير ومكتوبة بلغة واضحة ومباشرة بهدف مشاركة المعلومات الأساسية والغرض من الأداة وطرق استخدامها للبيانات وسياسات الاستخدام" (مقياس للشفافية)
  • "تولد [أداة الذكاء الاصطناعي التوليدي] مواد أو مخرجات دقيقة وغير متحيزة تتوافق مع غرضها المعلن (مقياس القدرة)
  • "تحقق [أداة الذكاء الاصطناعي التوليدي] غرضها باستمرار وموثوقية" (مقياس للموثوقية)

ثالثاً، توقع مخاوف الموظفين المحتملة بشأن موثوقية الذكاء الاصطناعي التوليدي ضمن جهود التغيير والتبني، وألّف المواد وصمّم برامج التدريب التي تتناول عوامل الثقة الأربعة، مثل طرق استخدام الذكاء الاصطناعي للبيانات وحمايتها.

رابعاً، احرص على إجراء دراسات المتابعة الاستقصائية على نحو منتظم لقياس ثقة الموظفين في الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتحديد المجالات التي تكون فيها الثقة منخفضة، وتعديل المواد التدريبية أو تطوير مواد جديدة وتدخلات أخرى لمعالجة المشكلات. الاستقصاءات المستمرة ضرورية لتمييز التدخلات الفعالة عن غيرها وضمان التحسن المستمر.

أخيراً، احرص على قياس ثقة الموظفين الإجمالية بمؤسستك واعمل بجد لتعزيزها. تتمتع الشركات التي تحظى بثقة كبيرة من موظفيها بأداء أفضل بكثير من الشركات الأخرى من حيث القيمة السوقية الإجمالية؛ إذ تبلغ قيمتها السوقية 4 أضعاف، كما أنها تشهد تبنياً أعلى للتكنولوجيات الجديدة. تحدثنا سابقاً عن طرق قياس ثقة الموظفين والفوائد العديدة التي تجنيها المؤسسات التي تحظى بثقة موظفيها العالية. تبين أحدث أبحاثنا أن الموظفين أكثر استعداداً لاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي والذكاء الاصطناعي إذا وثقوا بمؤسستهم؛ إذ إن الموظفين في هذه الشركات "ذات الثقة العالية" أكثر عرضة بـ 2.6 مرة للإبلاغ عن أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التي تقدمها الشركة يلائمهم مقارنة بالموظفين في الشركات التي تحظى بثقة منخفضة.

ربما الأهم من ذلك هو أن بناء الثقة هو التصرف الصحيح؛ فالثقة تتيح لنا تشكيل العلاقات التي نرغب فيها، وإنشاء المؤسسات التي نرغب في الانتماء إليها، وبناء العالم الذي نرغب في العيش فيه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي