الأضرار الخفية لإجهاد ما بعد الاجتماعات

7 دقيقة
إجهاد ما بعد الاجتماعات

أغلق جاد جهاز الكمبيوتر المحمول بتنهيدة مثقلة بالتعب، ودلك صدغيه وما جرى في الاجتماع الذي غادره منذ ساعة تقريباً ما زال يتكرر في ذهنه مرة تلو الأخرى. وعلى الرغم من محاولاته الجاهدة لاستعادة تركيزه، فغضبه من عدم تنظيم الاجتماع وعدم جدواه كان يشتت انتباهه. كان قد أجّل بالفعل الاجتماع التالي لأنه كان يعلم أنه لن يكون قادراً على التركيز. كم من الوقت سيضيعه في التفكير في الاجتماع السابق؟ لكن الاجتماع كان مزعجاً جداً؛ فقد استحوذ بعض أعضاء الفريق على المناقشة ونتيجة لذلك لم يتوصلوا إلى أي قرار، لم يخرج الاجتماع الذي استمر ساعة كاملة بأي نتيجة. لم تكن هذه هي المرة الأولى. فقد أصابته هذه التجربة بالإحباط وأفقدته اهتمامه بالعمل على المشروع تماماً. استمر الأمر عدة ساعات إلى أن تخلص من إحباطه واستعاد الزخم الذي بدأ به ذلك الصباح.

تجربة جاد ليست فريدة من نوعها على الإطلاق. ففي دراسة أجريت مؤخراً، وجدنا أن أكثر من ربع الاجتماعات في مكان العمل (28%) أوقعت آثاراً سلبية مستمرة على الموظفين، مثل ضعف المشاركة والإنتاجية. هذه نسبة كبيرة بالنظر إلى العدد الهائل من الاجتماعات التي يحضرها الموظفون كل أسبوع، فضلاً عن النتائج التي توصلنا إليها سابقاً بأن مواقف الموظفين تجاه الاجتماعات تؤثر بقوة على رضاهم الوظيفي العام (حتى بعد حساب مشاعرهم تجاه رواتبهم ومدرائهم المباشرين وطبيعة عملهم).

على الرغم من أن بعض الموظفين تعافوا من هذه الآثار السلبية في غضون ساعات، فقد عاناها آخرون بقية اليوم، ما يدل على أن الاجتماعات السيئة لا تنتهي عندما تنتهي الساعة المخصصة لها. نطلق على ذلك اسم "إجهاد ما بعد الاجتماعات" (meeting hangover): وهي فترة يضعف فيها التركيز أو الحافز أو الإنتاجية بعد اجتماع غير منتج. وبصفتنا باحثين في مجال العمل والتنظيم في جامعة نورث كارولاينا ومنصة إدارة العمل أسانا (Asana)، فقد جمعنا قوانا لمعالجة الآثار المباشرة للاجتماعات غير المنتجة. وفي الآونة الأخيرة، تعاونا في تقرير حالة الابتكار في العمل (State of Work Innovation report) الصادر عن مختبر أسانا للابتكار في العمل (Asana Work Innovation Lab)، الذي استطلعنا فيه آراء أكثر من 5,000 موظف في مجال المعرفة في جميع أنحاء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للتعرف إلى تجاربهم مع الاجتماعات غير المنتجة وما يتبعها. لحسن الحظ، تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أنه يمكن لمدير الاجتماع اتخاذ خطوات استباقية لمنع إجهاد ما بعد الاجتماعات، ويمكن لمن يحضرون اجتماعات غير منتجة اتخاذ خطوات للتعافي بفعالية أكبر عندما تفشل الوقاية.

كيف يبدو إجهاد ما بعد الاجتماعات؟

في الاستطلاع الذي أجريناه، قال أكثر من 90% من المشاركين إنهم عانوا من إجهاد ما بعد الاجتماعات في بعض الأحيان على الأقل. وقال أكثر من نصفهم إن هذا الإجهاد أثر سلباً على سير عملهم أو إنتاجيتهم، بينما أفاد 47% منهم أنهم يشعرون بأنهم أقل قدرة على التفاعل مع عملهم. غالباً ما تنتج هذه التبعات عن الاجترار، أي استمرار التفكير في أجزاء من الاجتماع، وأشار ما يقرب من نصف المشاركين (47%) إلى تأثر تفاعلاتهم مع زملائهم سلباً، مثل شعورهم بالانفصال عن الفريق أو رغبتهم في قضاء بعض الوقت بمفردهم.

وبالنسبة لآخرين، غالباً ما امتد أثر الإحباط من الاجتماع إلى المحادثات مع زملاء العمل، ما أدى إلى عقد اجتماعات غير رسمية لاحقة. وقال أكثر من ثلث المشاركين (36%) إنهم في بعض الأحيان عبّروا عن إحباطهم لزملائهم في العمل، واعترف أكثر من الربع (27%) بأنهم يفعلون ذلك في كثير من الأحيان أو دائماً. في حين أن التنفيس عن اجتماع غير منتج قد يوفر بعض الدعم الاجتماعي، فهو ينشر السلبية بين الزملاء، ما يوسع أثر إجهاد ما بعد الاجتماع ويضخمه.

عندما سألنا المشاركين في الاستطلاع عن الأسباب الجذرية لشعورهم بالإحباط، كانت الأسباب الأكثر شيوعاً هي:

عدم أهمية المواضيع التي خضعت للمناقشة (59%).

عدم وجود جدول عمل أو أهداف واضحة (59%).

سوء إدارة الوقت (53%).

عدم وجود نتائج أو إجراءات متابعة قابلة للتنفيذ (48%).

عدم تكافؤ فرص المشاركة (39%) أو انخفاض المشاركة (38%).

التيسير غير الفعال (30%).

اتخذت عوامل الإحباط أشكالاً عديدة. على سبيل المثال، تحدثت اختصاصية في التعليم عن حضورها اجتماعاً دون أن يكون لها أي مساهمة، حيث جلست بصمت أكثر من ساعة وشعرت بأن حضورها مجرد إجراء شكلي، ما أصابها بالإحباط بسبب الوقت الضائع. وروت إحدى محترفات التسويق قصة اجتماع للتخطيط للفعالية وكان فيه المدير غير مستعد وغير قادر على الإجابة عن الأسئلة الأساسية حول الفعالية، وعندما سُئل عن سبب تحديد موعد الاجتماع الافتتاحي دون هذه التفاصيل، اعترف قائلاً: "أردت فقط أن أشطب هذه المهمة من قائمتي".

واستمرت آثار مشاعر الإحباط هذه ساعتين تقريباً في المتوسط، على الرغم من أنها استمرت بالنسبة للبعض فترة أطول، وأحياناً حتى نهاية يوم العمل. حتى أن العديد من المشاركين في الاستطلاع أفادوا بأن هذه المشاعر السلبية رافقتهم إلى منازلهم، ما يشير إلى أن آثار الإحباط في الاجتماعات يمكن أن تمتد إلى خارج مكان العمل فتؤثر سلباً على حياة الموظفين المنزلية والعائلية.

كيف يمكن لقادة الاجتماعات منع حدوث إجهاد ما بعد الاجتماعات؟

لحسن الحظ، يمكن معالجة هذه المخاوف من خلال الاستفادة من الرؤى المستقاة من علم الاجتماعات. فيما يلي خمس استراتيجيات لمنع إجهاد ما بعد الاجتماعات من خلال معالجة أسبابه الجذرية مباشرة:

لا تفرض سيطرتك على الاجتماعات، بل اعمل على تيسيرها.

يمكن معالجة العديد من الأسباب الجذرية للإحباط الناجم عن الاجتماعات من خلال تيسيرها بطرق فعالة ومدروسة أكثر. على سبيل المثال، عبّر العديد من المشاركين في دراستنا عن إحباطهم عندما كانت آراؤهم مهمة لموضوع الاجتماع ولكنهم لم يحصلوا على فرصة للمشاركة في الحديث. ووصفت إحدى المصممات كيف هيمن مديرها على المناقشة في اجتماع عُقد مؤخراً، ما جعلها تشعر بالإحباط الشديد بقية يوم العمل.

يمكن أن يتخذ توزيع المشاركة من خلال تيسير الاجتماع أشكالاً عديدة، بدءاً من جعل أعضاء الفريق يديرون بنود جدول العمل المخصصة لهم وصولاً إلى استخدام استطلاعات الرأي التفاعلية أو الاختبارات القصيرة لحث الحضور على المشاركة وتقديم آرائهم. تعتبر هذه الأساليب فعالة جداً خاصة في الاجتماعات الافتراضية عبر الإنترنت أو التي تجمع بين الحاضرين شخصياً والحاضرين عبر الإنترنت، حيث يمكن أن يغفل مدير الاجتماع عن بعض المشاركين بسهولة.

اختصر قائمة الحضور قدر الإمكان.

هل سبق لك أن وجدت نفسك في اجتماع ما تتساءل عن سبب حضورك فيه؟ شعر العديد من المشاركين في الدراسة أن الاجتماعات التي حضروها لم تكن ذات صلة بهم وأنه لم يكن ينبغي دعوتهم في المقام الأول. في حين أن الاجتماعات الكبيرة قد تبدو مفيدة في جمع وجهات نظر متنوعة، فالأبحاث تُظهر أن فعالية الاجتماعات تنخفض عموماً مع زيادة عدد المشاركين الذين يشعرون غالباً بأنهم أقل اندماجاً.

ولمعالجة ذلك، احرص على أن تكون قائمة المدعوين للاجتماع متوافقة تماماً مع الغرض منه. أعط الأولوية للمشاركين الأهم ووفر للحاضرين الأقل أهمية طرقاً بديلة للمساهمة، مثل إرسال مشاركاتهم مسبقاً أو تحديثها عبر البريد الإلكتروني بعد ذلك. وقد تبنت شركات مثل دروب بوكس (Dropbox) هذا النهج من خلال تشجيع مدراء الاجتماعات على دعوة أصحاب المصلحة الرئيسيين فقط، وليس المتفرجين.

حوّل جدول بنود الاجتماع إلى خطة عمل لما بعده.

لم يكن المشاركون في الدراسة محبطين فقط من عدم وجود جدول عمل يوضح بنود الاجتماع، بل كانوا محبطين أيضاً من جداول العمل الغامضة أو المكررة أو التي لا تتضمن أهدافاً محددة.

لذلك احرص على جعل جداول أعمالك أكثر فعالية من خلال إنشائها بناءً على مسائل محددة تهم فريقك. على سبيل المثال، بدلاً من "تقديم المستجدات حول إطلاق المنتج"، اسأل ما هي المخاطر الحرجة التي تواجه الجدول الزمني لإطلاق منتجنا، وكيف يمكننا تخفيفها؟ يمكن لهذه الأسئلة أيضاً أن توجه القرارات الأخرى حول الاجتماع، مثل مدته والمدعوين إليه.

التزم بالوقت تماماً ولا تتجاوزه.

لم يكن سوء إدارة الوقت محبطاً للمشاركين في الاستطلاع فحسب، بل سبب آثاراً مضاعفة في أغلب الأحيان. فقد حدثتنا إحدى الباحثات عن أن رئيسها في العمل تجاوز الوقت المحدد للاجتماعات في كثير من الأحيان، ما أفقدها تركيزها وتطلب منها المتابعة مع الحاضرين الآخرين بعد ذلك لمعرفة ما فاتها. ونتيجة لذلك، ضيّع الاجتماع وقتها بطريقتين: فقد أخذ من وقت العمل، واضطرها إلى قضاء وقت إضافي في جمع المعلومات الفائتة.

لتجنب هذه المشاكل، دع جدول العمل يحدد مدة الاجتماع واجعله ضيقاً قدر الإمكان. من المقرر أن تستمر معظم الاجتماعات مدة ساعة، بغض النظر عن جدول عملها، لكن قانون باركنسون يذكرنا بأن العمل يتسع ليملأ الوقت المتاح؛ لذلك يمكن أن يؤدي تحديد وقت الاجتماع بنصف ساعة أو 45 دقيقة إلى إضافة القليل من ضغط الوقت وزيادة الجهد والكفاءة على حد سواء.

احرص على مساءلة المشاركين عن التزاماتهم التي ناقشها الاجتماع.

لاحظنا أن الإحباط المستمر لدى المشاركين في دراستنا كان ينبع من عدم ثقتهم من الخطوات التالية للاجتماع، بما فيها أدوارهم وبنود العمل. ولمواجهة ذلك، احرص على تعيين مسؤول عن كل بند من بنود جدول عمل الاجتماع. فهذا يخلق إحساساً بالمسؤولية ويثبت أن القيادة مشتركة، الأمر الذي يمكن أن يعزز فعالية الفريق. على سبيل المثال، تعيّن شركة آبل (Apple) مسؤولاً مباشراً عن كل بند من بنود جدول العمل في اجتماعاتها. يمكن أن تدعم منصات الذكاء الاصطناعي وإدارة العمل هذه العملية بدرجة أكبر من خلال تلخيص بنود العمل وتوجيهها إلى المسؤول المباشر، ما يضمن استمرارية الالتزام بها بعد انتهاء الاجتماع.

يمكن أن تساعد هذه الاستراتيجيات في منع إجهاد ما بعد الاجتماعات، ولكن حتى أفضل الاجتماعات المخطط لها يمكن أن تخرج عن مسارها أحياناً. كيف يمكنك إعادتها إلى المسار الصحيح؟ نظراً لأن اجترار الأفكار والتعبير عن الإحباط يطيلان أمد إجهاد ما بعد الاجتماعات، يمكنك اتباع نهج استباقي. خصص بعض الوقت خلال الاجتماع للتعرف على مخاوف الحاضرين، وإذا لزم الأمر، عدل جدول العمل وأجل البنود الأقل أهمية لإتاحة المجال للمناقشات الهادفة. إذا لم يكن بالإمكان تغيير جدول العمل أو كان الوقت محدوداً، فوفر فرصاً للمتابعة سواء من خلال المحادثات الثنائية أو تخصيص وقت في الاجتماع التالي لإعادة النظر في أي مخاوف لم تعالجها.

كيفية التعافي من اجتماع غير منتج

سألنا المشاركين في الاستطلاع عن الأساليب التي ساعدتهم هم وزملاءهم على التعافي بفعالية أكبر من آثار الاجتماعات غير المنتجة. ومن المتوقع أن تتماشى استراتيجياتهم إلى حد كبير مع نتائج أبحاث الإجهاد في مكان العمل:

خذ استراحة قصيرة، ثم عد للعمل من جديد.

ساعد أخذ استراحة ذهنية قصيرة العديد من المشاركين في الاستطلاع على استعادة التركيز بعد اجتماع غير منتج. تتضمن هذه التقنية المعروفة باسم الانفصال النفسي (Psychological Detachment) الانفصال الذهني عن العمل، وتكمن فائدتها في أنها توقف  أنماط التفكير السلبية مثل اجترار الأفكار. بعد الاجتماع غير المنتج، توقف عن العمل بضع دقائق لتصفية ذهنك، ويمكن أن تساعدك تمارين اليقظة الذهنية البسيطة مثل التنفس العميق، على معالجة ردود الفعل الفورية قبل استعادة تركيزك.

الابتعاد.

ازدادت فعالية جهود التعافي عندما وضع المشاركون في الدراسة مسافة جسدية بينهم وبين الاجتماع غير المنتج. ويشمل ذلك المشي في الخارج، أو تناول القهوة، أو ببساطة زيارة قسم آخر من المكتب. وبالإضافة إلى الفوائد العديدة الأخرى للنشاط البدني، فإن الابتعاد لبضع دقائق يمكن أن يعزز أثر الاستراحة الذهنية، ما يساعدك على العودة إلى العمل منتعشاً.

احرص على خوض محادثات تساعدك على تصفية ذهنك.

كان التحدث مع زملاء العمل استراتيجية شائعة أخرى للتعافي، ولكن لم يكن للمحادثات جميعها الأثر نفسه. لاحظنا نهجين مختلفين بنتائج مختلفة للغاية. فالمحادثات التي كانت تنحصر في التعبير عن الإحباط لم تكن فعالة، بل كانت تأتي بنتائج عكسية أحياناً. وبينما وفرت هذه التفاعلات في بعض الأحيان راحة عاطفية قصيرة الأمد، فهذا النهج غالباً ما أدى إلى إطالة أمد آثار إجهاد ما بعد الاجتماعات.

وفي المقابل، كانت المحادثات التي تهدف إلى فهم الاجتماع بناءة. ومن خلال مناقشة ما حدث من أخطاء واستكشاف أسبابها الجذرية المحتملة، يمكنك معالجة أفكارك واكتساب منظور جديد والمضي قدماً بفعالية أكبر. لذا، إذا وجدت أنك تعبر عن غضبك وإحباطك بعد اجتماع غير منتج، فغير عقليتك في المناقشات وخضها على اعتبارها فرصة لحل المشاكل. وبذلك، يمكنك التخلص من أنماط التفكير السلبية التي غالباً ما تؤدي إلى اجترار الأفكار، والعودة إلى عملك بسرعة أكبر.

تؤكد النتائج التي توصلنا إليها كيف يمكن للاجتماعات غير المنتجة أن توقع آثاراً ضارة ودائمة على الموظفين مثل جاد الذي تعطلت إنتاجيته معظم اليوم. لكن بعض الاجتماعات يمكن أن يكون لها أثر معاكس، إذ تمد الموظفين بالنشاط والحماس للعودة إلى عملهم. من خلال تنفيذ الاستراتيجيات الموضحة هنا، يمكن للمؤسسات تعزيز ثقافة الاجتماعات التي يخرج الموظفون منها بطاقة وتركيز عاليين ومستعدين لأداء مهامهم التالية بحماس متجدد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي