الاحتراق الوظيفي عند العمل عن بعد: 5 إشارات تحذيرية يجب معالجتها

5 دقيقة
الاحتراق الوظيفي عند العمل بُعد
shutterstock.com/Carles Mateo Aguila

تشير بيانات مؤسسة غالوب (Gallup) إلى أن ثلاثة أرباع الموظفين في الولايات المتحدة معرضون للإصابة بالاحتراق الوظيفي في مرحلة ما من مسيرتهم المهنية، بل إن الاحتراق الوظيفي أكثر انتشاراً بين الموظفين الأميركيين، إذ تشير بعض التقديرات إلى أن نحو نصفهم يُصاب به بانتظام.

وعلى الرغم من حرص المؤسسات والمدراء على التصدي للاحتراق الوظيفي، فإن اكتشافه ليس سهلاً؛ فغالباً ما لا يدرك الموظفون أنهم مُصابون به ويخلطون بينه وبين التوتر الوظيفي المعتاد أو يفسرونه على أنه رد فعل طبيعي لضغوط العمل. وحتى إذا أدركوا إصابتهم به، فغالباً ما يخجلون من الاعتراف به أو الإبلاغ عنه، خوفاً من تحميلهم المسؤولية أو اعتبارهم ضعفاء يفتقرون إلى الصلابة أو القدرة على التحمل. كما أن ظروف العمل الحديثة، ولا سيما سياسات العمل الهجين أو العمل من المنزل أو "العمل من أي مكان"، تحد من فرص المدير لاكتشاف الاحتراق الوظيفي في فريقه، ما يحدّ بدوره من قدرته على دعم موظفيه ومساندتهم.

ولكن لحسن الحظ، ثمة استراتيجيات فعالة يستطيع المدير استخدامها لتعزيز قدرته على اكتشاف أي مؤشرات تدل على إصابة أعضاء فريقه بالاحتراق الوظيفي، حتى في ظل غياب التواصل المباشر معهم باستمرار. في واقع الأمر، يستطيع المدير تحسين قدرته على رصد علامات الاحتراق الوظيفي لدى موظفيه الذين يعملون عن بُعد، وذلك بالتركيز على الإشارات السلوكية والتواصلية.

5 خطوات على المدير اتباعها لاكتشاف علامات الاحتراق الوظيفي لدى موظفيه الذين يعملون عن بُعد

إليك 5 اقتراحات يجب أخذها بعين الاعتبار:

1. راقب التغيُّرات في مستويات التفاعل

أياً كانت مظاهر الاحتراق الوظيفي، فهو غالباً ما يؤدي إلى تغيير الأنماط السلوكية المعتادة لدى الموظف؛ بمعنى أنه قد يصبح سلبياً أو ميالاً للعزلة بعد أن كان شعلة من النشاط والحيوية.

راقب أي تراجع في مستويات تفاعل الموظف، فقد أثبتت دراسات قائمة على دراسات تحليلية شاملة أن غياب التفاعل عادةً ما يكون مؤشراً مبكراً على الإصابة بالاحتراق الوظيفي، خاصةً عند اقترانه بطول فترات العمل والتعرُّض لضغوط خارجية لا يجد فيها الموظف أي دافع داخلي، ما يجعله يشعر بأن العمل بلا معنى أو غاية.

راقب تفاعل الموظف في الاجتماعات الافتراضية؛ فقد يكون التراجع المفاجئ في حماسه أو مشاركته في النقاشات أو تجنُّبه التواصل البصري أو إغلاقه الكاميرا بصورة متكررة (خاصة إن لم يكن ذلك نمطه المعتاد) مؤشراً على الإصابة بالاحتراق الوظيفي.

2. راقب مستوى الأداء والالتزام بالمواعيد النهائية

راقب أي نمط يدل على تراجع الأداء أو عدم الالتزام بالمواعيد النهائية أو ازدياد الأخطاء في العمل. إذا لاحظت أن موظفاً كان يؤدي عمله بكفاءة، لكنه بدأ يواجه صعوبات في تلبية التوقعات، فقد يكون ذلك مؤشراً على إصابته بالاحتراق الوظيفي، خاصة إذا تزامن مع علامات أخرى.

لاحظ أن شعور الموظف بأنه مقيد من حيث الموارد أو الحرية أو الوقت اللازم لإنجاز العمل هو من أبرز سمات الإصابة بالاحتراق الوظيفي؛ وبالتالي فسؤاله عما إذا كان يرى أنه يحصل على الموارد والدعم اللازمين للنجاح قد يكون وسيلة فعالة لاكتشاف إصابته بالاحتراق الوظيفي.

3. راقب مؤشرات الإعياء أو التعب

قد يبدو الموظف المصاب بالاحتراق الوظيفي متعباً أو مشتتاً ذهنياً خلال الاجتماعات الافتراضية. قد تلاحظ عليه تكرار التثاؤب أو تدني مستوى الطاقة أو شرود الذهن. وقد يكون تكرار عبارات مثل "أنا مشغول جداً" أو "أشعر بالإرهاق الشديد" مؤشراً على الاحتراق الوظيفي الخفي، خاصة عندما يفضّل الموظف عدم التصريح به مباشرة.

4. تتبَّع أنماط التواصل

ثمة علامات تشير إلى الإصابة بالاحتراق الوظيفي، من أهمها تغيُّر أسلوب التواصل، مثل تباطؤ الرد على الرسائل الإلكترونية أو المحادثات أو تقديم إجابات مقتضبة لا تعبّر عن اهتمام حقيقي. وعندما يتوقف الموظف عن الإسهام بأفكاره أو ينأى بنفسه عن مناقشات الفريق أو يتغيب عن الاجتماعات، فقد يكون ذلك بسبب إصابته بالاحتراق الوظيفي. ومثلما أشارت إيريكا داوان في كتابها الأخير "لغة الجسد الرقمية" (Digital Body Language)، فحتى التغيُّرات السلوكية والتواصلية الطفيفة قد تحمل رسائل نفسية مهمة في البيئات الافتراضية، لذا من المهم الانتباه لكلمات الأفراد وطريقة حديثهم وتعبيراتهم، خاصة عند مقارنتها بسلوكهم الطبيعي.

5. احرص على عقد اجتماعات متابعة دورية مع كل موظف على حدة

اجتماعات المتابعة الثنائية التي تُجرى بانتظام مهمة جداً لاكتشاف الاحتراق الوظيفي، وعلى المدير التعامل معها بحس إنساني ينمُّ عن التعاطف. ويمكن قياس الحالة النفسية والعاطفية للموظف من خلال طرح أسئلة مفتوحة في الاجتماعات الافتراضية، مثل: "ما هو رأيك في عبء العمل الحالي؟" أو "هل هناك ما يثقل كاهلك؟".

من المؤكد أن قدرة المدير على رصد مؤشرات الاحتراق الوظيفي لدى موظفيه تتناسب طردياً مع مستوى ذكائه العاطفي؛ إذ يتمتع المدير الذي لديه درجة عالية من  الذكاء العاطفي بقدرة فطرية على فهم مشاعر مرؤوسيه المباشرين، كما أنه يمتلك حساسية أكبر تجاه أي تغيّرات طفيفة في سلوكهم. وتؤكد الأبحاث القائمة على دراسات تحليلية شاملة أن ثمة علاقة إيجابية ثابتة بين درجات الذكاء العاطفي والقدرة على فهم مشاعر الآخرين بدقة.

ماذا تفعل إذا لاحظت علامات الاحتراق الوظيفي على موظف يعمل عن بُعد؟

مهما كانت براعة المدير في رصد الإشارات الدقيقة للاحتراق الوظيفي لدى موظفيه، فإن هذه الخطوة لا تمثّل إلا نصف المهمة؛ إذ يتمثل نصفها الآخر في مساعدة الموظف على التعامل مع مشكلات الاحتراق الوظيفي. لا شك في أن معظم المدراء لن يكونوا مؤهلين للتعامل مع هذه المشكلات بمفردهم، لذلك عليهم توجيه موظفيهم إلى الجهات المختصة والخبراء المناسبين، مثل الأطباء النفسيين ومدربي الرفاهة والدعم الطبي؛ لأن هذا خيارٌ أكثر أماناً من محاولة أداء دور الخبراء بأنفسهم.

وعموماً، إليك بعض الإجراءات المحددة التي يمكن للمدير اتخاذها لمساعدة موظفيه المصابين بالاحتراق الوظيفي:

1. إعادة تقييم أعباء العمل والأولويات

تعاون مع الموظف لتحديد المهام التي يمكن تفويضها أو تأجيلها أو تبسيطها، مع التركيز على إعادة توزيع المسؤوليات غير الأساسية لتخفيف الضغوط الحالية.

صيغة مقترحة: "دعنا نراجع عبء العمل الحالي لديك ونحدد الأولويات الحقيقية. سأعثر على طرق لتوزيع باقي المهام على الفريق".

2. تشجيع الموظفين على تخصيص وقت للتعافي وتجديد النشاط

شجّع الموظف على أخذ إجازة أو وضع حدود للعمل، مع ضمان حصوله على الدعم اللازم لتمكينه من الابتعاد عن العمل في المساء وخلال عطلات نهاية الأسبوع والإجازات دون قلق.

صيغة مقترحة: "لقد كنت تعمل بجد، لنحدد وقتاً لتجديد طاقتك. ما هو رأيك في أخذ إجازة بضعة أيام الأسبوع المقبل؟".

3. تهيئة بيئة تدعم التواصل المفتوح

هيئ بيئة آمنة للموظف تتيح له التعبير عن مشاعره دون خوف من الحكم عليه، مع توفير الدعم المتواصل خلال لقاءات المتابعة الثنائية.

صيغة مقترحة: "أخبرني بصراحة، كيف حالك؟ يهمني أن نناقش أي شيء قد يبدو مرهقاً لك".

4. تشجيع ترتيبات العمل المرنة

وفّر خيارات مثل العمل عن بُعد أو مواعيد العمل المرنة أو تقليل عبء العمل لمساعدة الموظف على تحقيق التوازن.

صيغة مقترحة: "هل تظن أن تغيير مواعيد عملك أو العمل عن بُعد فترة من الزمن سيفيدك؟ دعنا نضع خطة تلائم احتياجاتك".

من الضروري أن يدرك أي مدير أن الأبحاث العلمية حول الاحتراق الوظيفي وتفاعل الموظفين تشير إلى أن القيادة العديمة الكفاءة تمثل عاملاً رئيسياً في هذه الظاهرة؛ لذلك بينما تسعى إلى تحسين قدرتك على اكتشاف الاحتراق الوظيفي، تذكّر أنك قد تكون سبباً حقيقياً فيما ترصده من تدني معنويات فريقك وارتفاع مستويات توتره؛ فالقائد الموهوب والمدير الكفء يُجري متابعات بانتظام ويوفر الظروف الملائمة، ومنها الأمان النفسي، التي تمكّن الموظفين من التعبير عن مشاعرهم بصدق ودون خوف.

وبالمثل، يجدر بالمؤسسات الانتباه إلى أن أفضل وسيلة لتخفيف الاحتراق الوظيفي والوقاية من انتشاره بين موظفيها هي تعيين أفراد أكفاء في المناصب الإدارية والقيادية أو ترقيتهم إليها. لو كنا نعيش في عالم يسود فيه هذا النهج، لما استفحلت "ظاهرة الاحتراق الوظيفي" وتحولت إلى جائحة بهذا الانتشار.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي