التوقيت مهم جداً: متى يجب عليك التعبير عن الامتنان لموظفيك؟

تخيّل السيناريو الآتي: عملت شركتك على تقليص عدد الموظفين تدريجياً وعلى مراحل متعددة، وذلك نتيجة للضغوط المالية التي تتعرض لها، وفي كل مرحلة، يتأثر عدد أكبر من الموظفين في فريقك، بحيث أصبحت معنويات الفريق في أدنى مستوياتها على الإطلاق وبات من الممكن ملاحظة حالة التوتر والقلق التي يعيشها الجميع. في هذه المرحلة الأخيرة من عملية تقليص عدد الموظفين، تقع على عاتقك مهمة تسريح نصف فريقك، ومن بينهم موظف اشترى منزله الأول مؤخراً وموظفة تقضي إجازة الأمومة حالياً، فتقضي الليلة التي تسبق هذه المحادثات في حالة أرق وقلق بسبب كم المشاعر السلبية المرتبطة بهذه المحادثات المقبلة، وتتلقى رسالة من مديرك الذي يسألك عن مدى استعدادك لإجراء المحادثات في اليوم التالي، فتخبره بأن إجراء هذه المحادثات كل بضعة أسابيع كان أمراً صعباً ومرهقاً للغاية وأنك لست متحمساً لتكرار ذلك مرة أخرى، ولا سيما في ظل الظروف التي يمر بها موظفو فريقك. ماذا ينبغي لمديرك أن يقول لك في هذا الموقف؟

وفقاً لأبحاثنا المنشورة مؤخراً، فإن الإجراء الأكثر فعالية الذي يمكن أن يتخذه مديرك هو التعبير عن الامتنان الحقيقي والصادق لك قبل شروعك في هذه المهمة المزعجة والصعبة. من خلال سلسلة من الدراسات، عملنا على تحليل رسائل إلكترونية على مدار 4 سنوات وأجرينا مقابلات مع موظفي وحدات العناية المركزة في أحد أفضل المراكز الطبية في الولايات المتحدة. ثم أجرينا تجربتين شملتا أكثر من 600 عامل مستقل يعملون عبر الإنترنت في قطاعات مختلفة ومتعددة.

تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن التعبير عن امتنانك للآخرين قبل انخراطهم في مهمة مزعجة وصعبة يساعد على مواجهة بعض المشاعر السلبية المرتبطة بهذه المهمة وتخفيفها، توفر نتائجنا نظرة ثاقبة حول كيفية تقديم الامتنان بطريقة هادفة وفعالة وإنشاء ثقافة يشعر فيها الموظفون بأن عملهم وجهودهم تحظى بالدعم والملاحظة والتقدير.

أهمية الامتنان

حتى في أفضل الظروف، يتطلع الموظفون إلى تلقي الامتنان من مدرائهم. في دراسة استقصائية شملت 2,000 موظف، أفاد 70% منهم أنهم يشعرون بمزيد من الرضا عن أنفسهم في حال أظهر مديرهم مزيداً من الامتنان تجاههم، وقال 81% منهم إنهم يبذلون جهداً أكبر إذا كان مديرهم يعبّر عن امتنانه لهم. تُظهر هذه الدراسة أيضاً وجود فجوة في التعبير عن الامتنان: على الرغم من أن الموظفين يرغبون في الحصول على مزيد من الامتنان في العمل، (وهو المكان الذي نقضي فيه نحو ثلث حياتنا)، فإن احتمالية تلقيهم له في أماكن أخرى أعلى. من النادر أن نجد امتناناً حقيقياً في مكان العمل، ولا سيما من الأشخاص ذوي السلطة وفي أوقات الأزمات والظروف العصيبة،

وعلى الرغم من ذلك، فإن أهمية التعبير عن الامتنان وتلقّيه في مكان العمل واضحة، وقد بذلت بعض الشركات جهوداً لتعزيز ثقافة التعبير عن الامتنان، وشملت هذه الجهود إطلاق قنوات على منصة سلاك (Slack) مخصصة للتعبير عن الامتنان أو الثناء، بالإضافة إلى تنفيذ آليات أخرى في مكان العمل لتشجيع الامتنان المتبادل بين الموظفين تقديراً لمساهماتهم والإجراءات المفيدة التي اتخذوها لتحقيق أهداف العمل.

ومع ذلك، تشير أبحاثنا إلى أن تقديم الشكر للموظفين بعد انخراطهم في مهامهم أو إنجازها لا يؤدي إلى تعزيز مستوى المرونة والمثابرة بالقدر نفسه الذي يحققه التعبير عن الامتنان قبل بدء المهمة.

في دراستنا الأولية، بدأنا باستكشاف المشاعر التي يعيشها الموظفون في بيئات عمل تتسم بالضغوط العالية. بعد دراسة رسائل الموظفين الإلكترونية على مدار 4 سنوات وإجراء مقابلات مع الموظفين في وحدات العناية المركزة في أحد المستشفيات الكبرى، وجدنا أن العديد من الموظفين كانوا يعبّرون عن امتنانهم قبل أن يتولى أحد زملائهم مهمة صعبة أو وردية العمل مرهقة، وأن هذا التصرف ساعد الزملاء على الشعور بمزيد من الارتباط الاجتماعي والانتماء والغاية الوظيفية، بالإضافة إلى تعزيز مرونتهم وقدرتهم على المثابرة والصمود عند مواجهة المشكلات.

لاستكشاف مزيد من آثار التعبير عن الامتنان وأهمية توقيته، أجرينا تجربتين إضافيتين مع موظفين مستقلين يعملون عبر الإنترنت في الولايات المتحدة. في التجربة الأولى، تلقى 331 مشاركاً الشكر إما قبل محاولتهم حل لغز كلمات متقاطعة غير قابل للحل وإما بعد انتهائهم منه. أفاد المشاركون الذين تلقوا الشكر قبل تنفيذ المهمة بزيادة شعورهم بقيمتهم الاجتماعية واستعدادهم للاستمرار في تنفيذ مهام إضافية حتى بعد فشلهم في إنجاز المهمة الأولى مقارنة بالمشاركين الذين تلقوا الشكر بعد انتهاء التجربة.

في الدراسة الثانية، قدمنا ​​لـ 330 مشاركاً جديداً ألغازاً هندسية قابلة للحل لكنها صعبة واختبرنا آثار المشاعر الإيجابية الأخرى، مثل الأمل. وجدنا أن التعبير عن الامتنان سلفاً كان مرتبطاً بدرجة كبيرة بزيادة الشعور بالقيمة الاجتماعية، في حين أن مشاعر الأمل قبل تنفيذ المهمة الصعبة لم يكن لها أي تأثير على هذا الشعور، فقد ساعد تقديم الامتنان سلفاً على مواجهة المشاعر السلبية الناجمة عن المهام الصعبة وتخفيفها من خلال تعزيز شعور المشاركين بالقيمة الاجتماعية، على عكس الآليات الأخرى التي اختبرناها. على سبيل المثال، لم تؤدِّ زيادة شعور الأفراد بأثرهم الاجتماعي إلى هذا التأثير المهدئ للمشاعر والعواطف.

كيف يمكن التعبير عن الامتنان بطريقة هادفة ومفيدة؟

تخيل مرة أخرى السيناريو الذي ذكرناه سابقاً، عندما طلبنا منك أن تتصور أنك مكلّف بإخطار الزملاء بشأن عمليات تسريح العاملين. أفضل ما يمكن أن يفعله مديرك هو التعبير عن امتنانه الصادق لك قبل أن تبدأ مهمتك؛ إذ إنه من الممكن أن يعبّر عن امتنانه بكلمات بسيطة، مثل أن يقول: "أشكرك على تولي هذه المهمة الصعبة، أتفهم مدى صعوبة هذه المهمة وعدم ارتياحك لتنفيذها وأقدّر لك تحمل هذه المسؤولية بهذا القدر من الجدّية". توصل بحثنا إلى أن استخدام عبارة "شكراً سلفاً" للتعبير عن الامتنان يسهم في تقليل المشاعر السلبية المرتبطة بالمهمة الشاقة قبل تنفيذها بالفعل ويشجعك على الاستمرار والالتزام بها، على الرغم من صعوبتها الشديدة والضغوط الناتجة عنها.

تشير أبحاثنا إلى أن التعبير عن الامتنان بطريقة متعمدة قبل تنفيذ مهمة مزعجة أو صعبة قد يؤثر تأثيراً إيجابياً في سلوك الموظف، بدلاً من أن يكون مجرد عبارة شكلية نستخدمها في نهاية رسالة إلكترونية أو مشاعر نعبّر عنها بعد أداء المهمة. لتنفيذ ذلك بطريقة فعالة، يُشير بحثنا إلى أن اتباع هذه الخطوات الأربع يمكن أن يحدث أثراً كبيراً وحقيقياً:

1. توقع المعاناة والصعوبات والمشاعر السلبية المزعجة

تتمثل الخطوة الأولى والأهم في توقع ما يمكن أن يواجهه الموظف من معاناة أو صعوبات أو مشاعر سلبية مزعجة، مثل القلق والإحباط. يتطلب ذلك الوعي وإدراك ما يحدث في الوقت الحالي، وما قد يحدث في المستقبل. حاول النظر إلى الأمور من وجهة نظر الموظف، ما هي العوامل التي قد تجعل المهمة المطلوبة منه مرهقة أو شاقة؟ قد يأتي هذا الوعي والتوقع من مصادر متعددة، مثل تجربتك السابقة ومعرفتك بأن المهمة القادمة ستكون مزعجة، أو من خلال تجربة سابقة لموظف آخر التي اضطر فيها إلى تنفيذ المهمة (كما في مثالنا حول إجراء محادثات حول تسريح الموظفين)، أو من خلال ما يعبّر عنه الموظف بطريقة صريحة ومباشرة مثل قوله: "أنا قلق للغاية بشأن محادثات التسريح يوم الجمعة". بدلاً من تجاهل الأمر أو التقليل من أهميته وصعوبته والتمني بألا يكون الوضع بهذا السوء، يمكنك استخدام هذه المعلومات لاتخاذ إجراءات وقائية فعّالة.

2. أظهر الامتنان الحقيقي

تأكد من التعبير عن امتنانك الحقيقي للموظف قبل أن يواجه موقفاً صعباً ومزعجاً. لكي يكون هذا التعبير عن الامتنان فعالاً، يجب أن يتسم بعدة خصائص، مثل أن يكون مخصصاً للشخص المعني نفسه وليس عامّاً وأن يكون مناسباً وغير مبالغ فيه مع مراعاة الوضع الحالي وطبيعة العلاقة؛ فالامتنان الزائف لن يحقق النتائج المرجوة. من المهم أيضاً استخدام كلمات تبيّن بوضوح أهمية سلوك الموظف وأثره. عند التعبير عن الامتنان الحقيقي، يجب أن تذكّر الموظف بأن سلوكه له تأثير إيجابي في تعزيز أهداف الفريق أو المؤسسة وأن مساهماته وجهوده تحظى بتقدير حقيقي من الفريق والمؤسسة، حتى في ظل الظروف الصعبة والمزعجة. وجد بحثنا أن التعبير عن الامتنان، سواء كان قبل تنفيذ المهمة أو بعدها، له تأثير إيجابي على شعور الموظفين بالقيمة الاجتماعية المشتركة، كما أن شرح الفوائد التي تعود على الفريق يساعد على ترسيخ هذا الشعور وتعزيزه.

3. التواصل مع الموظف ومتابعة الوضع

تواصل مع الموظف بعد انتهاء المهمة والموقف. على الرغم من أن التعبير عن الامتنان سلفاً يؤدي دوراً مهماً في تنظيم العواطف وتخفيف التجربة السلبية، فإنه لا يؤدي إلى التخلص من التجربة العاطفية السلبية تماماً، مهما كان صادقاً. اطرح على الموظف أسئلة مفتوحة مثل "كيف سارت الأمور؟" أو "كيف تشعر الآن؟" أو "كيف يمكنني دعمك ومساعدتك بطريقة أفضل؟". بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعدك هذه المحادثات على فهم الموظف بطريقة أفضل وتحديد نقاط الألم التي يواجهها في عمله، كما يمكن أن تحسّن قدرتك على التعبير عن الامتنان الاستباقي في المستقبل؛ إذ ستكون لديك رؤية أوضح للجوانب التي تجعل المهمة صعبة بالنسبة له. كرر تعبيرك الحقيقي عن الامتنان للموظف بعد انتهاء الحدث إذا لزم الأمر. لا بأس في تكرار عبارات الشكر والامتنان، ولا سيما بالنسبة للموظفين الذين لا يسمعون هذه العبارات كثيراً في العمل.

4. تعزيز ثقافة الامتنان

تشير نتائجنا إلى أن أحد أسباب فعالية التعبير عن الامتنان سلفاً هو أنه يعزز شعور الأفراد بقيمتهم الاجتماعية المشتركة. يعتقد الموظفون أنهم جزء مهم من الفريق وأن مساهماتهم في هذا الفريق هادفة وذات قيمة، حتى عندما تكون المهام التي يتولونها صعبة. على الرغم من أهمية تعبير المدراء عن الامتنان سلفاً، فإنه يجب على المشرفين أيضاً تشجيع أعضاء فريقهم على التعبير عن الامتنان فيما بينهم، مثل التعبير عن الامتنان الحقيقي لأعضاء الفريق الآخرين عند البدء بمشروع أو مبادرة جديدة معاً، أو عندما يقدم أحد الأعضاء مساعدة لأحد أعضاء الفريق الآخرين. لا تنسَ التعبير عن الامتنان للمشرفين، وهو منظور جديد لما يُطلق عليه البعض اسم "الإدارة نحو الأعلى" أو "رعاية القادة". من المرجح أن يؤدي هذا إلى تعزيز الشعور بالانتماء والترابط في أنحاء المؤسسة كافة، ما قد يعزز مرونة الموظفين وقدرتهم على التحمل في مواجهة العقبات والتحديات.

أظهر "تقرير شركة غالوب العالمي للمشاعر" (Gallup’s Global Emotions)، أن المشاعر السلبية تشهد ارتفاعاً في الوقت الراهن مقارنة بما كانت عليه قبل عقد من الزمان. هناك الكثير من الأمور في العمل التي يمكن أن تكون صعبة ومزعجة، والتي قد تسهم في حالة الإحباط والقلق العامة والمستمرة التي يشعر بها العديد من الموظفين تجاه عملهم، وليس فقط قبل بداية أسبوع العمل. على الرغم من عدم إمكانية حل العديد من هذه التحديات على الفور، فإنه من الممكن تقييمها والاعتراف بها سلفاً. تتمثل إحدى أكثر الطرق تأثيراً وفعالية للاعتراف بجهود الآخرين في عدم الانتظار حتى تنفيذ المهمة، بل توقعها والاعتراف بها سلفاً. يمكن أن يؤدي استخدام عبارة بسيطة مثل "شكراً سلفاً" إلى إحداث تأثير كبير.