الرجاء تفعيل الجافاسكربت في متصفحك ليعمل الموقع بشكل صحيح.

كيف تحسّن علاقتك بموظفيك وتحفزهم دائماً لتقديم الأفضل؟ 

5 دقيقة
تحفيز أعضاء الفريق
shutterstock.com/Toey Andante

في أحد اللقاءات المهنية، طرح عليَّ مدير تنفيذي من القطاع المصرفي في الكويت سؤالاً يبدو بسيطاً، لكنه يعكس عمق التحديات التي تواجه القادة: "كيف يمكنني تحسين تفاعلي مع الموظفين وزيادة حماسهم تجاه العمل؟".

عبّر هذا السؤال عن شعور المدير بالإحباط بسبب تراجع مستوى الحافز لدى بعض أعضاء الفريق والتأثير السلبي الواضح لذلك على الأداء العام، وتحدّث بالتحديد عن أحد الموظفين وما لاحظه عليه من قلة حماس وتقاعس في أداء المهام المطلوبة.

حيلة تحفيزية أم خطأ في التقدير؟

بدلاً من البحث في الأسباب الكامنة وراء تراجع أداء الموظف، قرر المدير اللجوء إلى ما اعتبره "حيلة تحفيزية". كانت لديه عادة يومية تتمثل في تناول القهوة مع هذا الموظف خلال أوقات العمل، لكنه قرر فجأة تغيير شريكه في القهوة وتناولها مع زميل آخر، معتقداً أن ذلك سيُشعل في الموظف نوعاً من الغيرة تدفعه إلى استعادة حماسه للعمل. كرر المدير هذه الفكرة مراراً على أمل أن يرى نتائج إيجابية، لكن تبيّن له أن الأمور تسير عكس التوقعات؛ وبدلاً من الشعور بالتحفيز، أصبح الموظف أقل اندماجاً في العمل، وزاد شعوره بعدم التقدير.

تؤكد الأبحاث أن القوى العاملة المُحفَّزة تعني أداء مؤسسياً أفضل، وتبيّن أن الدوافع التي تقود الأفراد إلى القيام بعمل ما، تتمثل في امتلاك الأشياء غير الملموسة مثل المكانة الاجتماعية، تكوين الصلات مع الأفراد والجماعات، إشباع الفضول، الشعور بالعدالة والحماية من المخاطر الخارجية.

لكن جعل الأفراد يقدمون أفضل ما لديهم في العمل يُعد تحدياً مُلحاً يواجه المدراء الذين يسعون إلى النجاح في بيئة شديدة التنافسية ومتغيرة باستمرار، وقد ينصح المدربون التوجيهيون بأساليب متعددة بحسب منهجيتهم وتخصصاتهم لتحسين التفاعل ورفع مستوى الحماس في العمل. لكنني من واقع خبرتي في التدريب التوجيهي، أعتمد على استراتيجية مكونة من 3 خطوات رئيسية أثبتت جدواها ومرونتها في التعامل مع التحديات المختلفة، ومتكيفة مع احتياجات المدراء وطبيعة المواقف التي تواجههم، وهي:

1. التحليل العميق للمشكلة أو الموقف

يتجه المدراء في أثناء تفاعلهم مع أمر ما نحو ذهنية تقديم الحلول، دون التأكد أولاً من فهمهم للمشكلة الحقيقية التي تواجههم. وفي استبيان شارك به 106 من المسؤولين التنفيذيين من 91 شركة خاصة وعامة في 17 دولة، أكد 85% منهم أن مؤسساتهم ضعيفة في تشخيص المشكلات.

يساعد تحليل المشكلة المدراء على الغوص بعمق بعيداً عن الأسباب السطحية، لفهم السياق الكامل لسلوكيات الموظف من أجل التوصل إلى حلول فعالة ومستدامة.

عندما خصص المدير جلسات القهوة المعتادة مع أحد الموظفين لتصبح مع زميل آخر، كان يأمل أن تثير هذه الحيلة مشاعر الغيرة، وقد تُعيد للموظف حماسه وتحفزه للعمل. لكن المشكلة الحقيقية لم تكن في "جلسة القهوة"، بل في غياب الفهم الشامل للموقف من المدير الذي تغافل عن التفكير في أسئلة مهمة مثل: هل يؤثر ضغط العمل في تراجع الموظف؟ هل يشعر بالتهميش؟

وعند تحليل الموقف، تبيّن للمدير أنه افتقر إلى الفهم الكامل لجذور المشكلة، إذ لم يخصص وقتاً للتحدث إلى الموظف وفهم الأسباب الكامنة وراء تراجع أدائه، التي قد تتعلق في الأساس بضغوط العمل، أو مشكلات شخصية، أو افتقار إلى الشعور بالتقدير.

2. تحديد الأخطاء والتحديات

خلال حواري مع المدير، تبيّن أن نيته كانت حسنة، لكنه ارتكب بعض الأخطاء التي زادت الموقف تعقيداً، وتركزت في:

  • غياب الحوار: افترض المدير أن مشاعر الغيرة ستخلق دافعاً إيجابياً دون أن يتحدث مباشرة إلى الموظف ليفهم سبب تراجعه ويحدد الأسباب الحقيقية لسلوكه.
  • استخدام أسلوب تحفيز غير مناسب: قد ينجم عن إثارة الغيرة تأثير عكسي، مثل الإضرار بالثقة الذاتية أو الشعور بالتقليل من شأن الموظف، وقد تولد مشاعر سلبية تؤدي إلى تدهور العلاقة المهنية.

من منظوري التحسيني لبيئة العمل، أرى التحدي في هذا الموقف كان أكبر من مجرد موظف فاقد للحافز؛ التحدي الحقيقي كان في كيفية إعادة بناء التواصل الفعّال بين المدير والموظف عن طريق خلق بيئة تحتضن التحفيز الصحي القائم على الثقة.

تكشف تجارب القادة الناجحين مثل جيف بيزوس وغيره، عن استراتيجيات تواصل فعالة تسهم في تحفيز الفريق وإلهامه: استخدام كلمات قصيرة لشرح القضايا الصعبة، اختيار استعارات راسخة تعزز المفاهيم الأساسية، شرح البيانات المعقدة بلغة مبسطة، جعل رسالة الشركة شعاراً يوحد عمل الفريق.

التحدي الأساسي لي مع قصة المدير التنفيذي كان يكمن في العثور على نهج فعّال يحقق معادلة دقيقة؛ تحسين الأداء، وتعزيز الحافز، مع بناء علاقة إيجابية بين الموظف والمدير، ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تعدّاه إلى ضرورة مراعاة أسلوب القيادة الخاص بالمدير وشخصيته المهنية، لضمان أن تكون الحلول متناغمة مع طبيعته القيادية وأسلوبه في التعامل مع فريقه. هذا النوع من الحلول ليس مجرد وصفة جاهزة، بل يحتاج إلى تصميم يتناسب تماماً مع بيئة العمل وشخصية الأطراف المعنية.

3. تصميم خطة علاجية دقيقة ومتكاملة

الهدف هنا ليس فقط تحقيق تغيير لحظي، بل بناء أساس قوي لتحسين الأداء وزيادة الحافز بطريقة متوازنة ومستدامة، ولتحقيق ذلك، اتفقت مع المدير على خطة تعمل بتناغم لإحداث نقلة نوعية في العلاقة بين الموظف والمدير تتألف مما يلي:

  1. جلسة استماع مفتوحة: يبدأ الحل بالإنصات الجيد من خلال التحدث إلى الموظف مباشرة لفهم مشكلته من وجهة نظره، بعيداً عن الافتراضات المسبقة.
  2. تطوير خطة تحفيزية شخصية: التحفيز ليس معادلة ثابتة، فكل موظف يملك مفتاحاً خاصاً لدافعيته، تعتمد هذه الخطوة على تصميم خطة تلبي الاحتياجات الخاصة بالموظف، مثل تقديم مهام تناسب مهاراته، أو توفير مسارات للتطوير الوظيفي، ما يعيد إليه الحافز للعمل.
  3. تعزيز شعور الانتماء إلى بيئة العمل: لا يمكن للحافز الفردي أن يزدهر دون مناخ عام مشجع. تركز هذه الخطوة على تعزيز روح الفريق  لدى هذا الموظف من خلال إيجاد طريقة تتناسب مع أسلوبه في التواصل قدر الإمكان عبر تنظيم أنشطة جماعية أو الاحتفاء بالإنجازات على نحو عادل، ما يُشعر كل فرد بقيمته داخل الشركة.
  4. ضمان استمرار التحسين: نصحتُ المدير بوضع أهداف واضحة ومحددة يتفق عليها مع الموظف وضرورة متابعتها لقياس مدى تحققها. تتيح هذه الخطوة تقديم ردود فعل بنّاءة تساعد الموظف على الشعور بالتقدم المُجزي، وتوفر له التوجيه المناسب لتحفيزه نحو المزيد من التطور والنجاح.

يمثّل الموقف الذي واجهه المدير التنفيذي تجربة تعليمية وتطويرية تُثريه بمهارات جديدة وتمنحه فرصاً مفيدة لفهم تحدياته وتطوير أساليبه القيادية. إن الخطوات التي استعرضتها معه لا تهدف فقط إلى معالجة مشاكله مع الموظف، بل تمكّنه من النمو على الصعيدين الشخصي والمهني، ما يسهم في بناء بيئة عمل مثمرة تتيح للطرفين تحقيق النجاح المشترك.

وهنا تكمن قوة وجود الموجه التدريبي، الذي يعزز هذه العملية بتوجيهه الحكيم والهادف، ما يضمن تحقيق النمو المستدام للموظف والمدير على حد سواء.

قد يعتقد البعض أن هذه الخطوات مبالغ فيها أو أن الموقف لا يستحق كل هذا الجهد، لكن الحقيقة أنه في بيئة العمل المتوازنة يسعى القادة  إلى الاحتفاظ بالمواهب، لذلك ينبغي أن تستثمر جدياً في التدريب التوجيهي، لأن ما يميز القائد الناجح ليس تجنبه للمشكلات، بل قدرته على تحويل التحديات إلى فرص للنمو والابتكار.

عندما يتعامل المدير مع مثل هذه المواقف بطريقة واعية، يكون قادراً على بناء بيئة تحفّز الموظفين وتعزز إنتاجيتهم، وتقوي روابط الثقة بينه وبين فريقه. ففي عالم القيادة، لا يمكن للنجاح أن يستمر بالاعتماد على الافتراضات أو الأساليب التقليدية التي لا تلامس الواقع، بل يجب أن يُبنى على الحوار الهادف، مع وضع استراتيجيات تحفيزية مدروسة ومصممة بحسب الحاجة الفعلية.

إذا كنتَ قائداً يواجه تحديات مشابهة، فتذكّر أن كل موقف يحتوي في طياته على فرصة لتعلم درس جديد وتطبيق استراتيجيات ذكية تؤدي إلى تأثيرات إيجابية بعيدة المدى.

في النهاية، أؤمن بأن كل تراجع في الأداء يمثّل فرصة ذهبية للنمو والتطوير، لكن الفارق الوحيد يكمن في كيفية تعامل القائد مع تلك الفرص بحكمة وشفافية، بحيث يتحول التحدي إلى نجاح مستدام.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025 .

المحتوى محمي