4 مهارات للاستماع الفعال يتعين على القادة إتقانها

7 دقيقة
مهارات الاستماع

عند الحديث عن التواصل الفعال في العمل، غالباً ما يركز الأفراد على المهارة في توصيل المعلومات لا على مهارات الاستماع التي غالباً ما تتجاهلها مقررات كليات الأعمال وبرامج تدريب الموظفين وتعليمهم.

هذا خطأ.

يخلق القادة الذين يحسنون الاستماع ثقافات معينة في الشركة، إذ يشعر الموظفون بأن هناك مَن يستمع إلى آرائهم ويقدّرهم ويدفعهم إلى المشاركة بفعالية، بالإضافة إلى ذلك، فإن الموظفين الذين يستمع إليهم قادتهم جيداً يتمتعون بمستوى أعلى من الرضا الوظيفي والسلامة النفسية. وتمثّل مهارة الاستماع المهارة الأهم بين مهارات التواصل الشفوي في مكان العمل، إذ تتفوق على مهارة التحدث والعرض.

لهذا السبب، يشكل الإصغاء جوهر المقرر الذي أدرّسه لطلاب ماجستير إدارة الأعمال في كلية الدراسات العليا للأعمال بجامعة ستانفورد، وفرق الشركات العالمية والقادة العسكريين، إنها مهارة يمكن تدريب الأفراد عليها وتؤدي إلى تحول إيجابي كبير في أداء القادة، وفيما يلي 4 أساليب يمكنك استخدامها لتحسين مهارة الاستماع لديك.

استمع إلى المتكلم حتى النهاية

لا بد أنك تعرف ما يعنيه الافتقار إلى مهارة الاستماع: التفكير فيما ستقول في حين أن الآخر لم ينهِ كلامه بعد، فتقاطعه باقتراح حل أو سرد قصة شبيهة بقصته (لقد واجهت هذا قبلاً، وإليك كيف تعاملت مع الأمر).

يحدث ذلك غالباً لأن المستمع يحاول إيجاد طريقة للتواصل، أو بسبب القلق الاجتماعي، إذ يتوتر المستمع لأنه يريد المشاركة في المناقشة بطريقة إيجابية فينشغل بصياغة رده في ذهنه بدلاً من التمعن فيما يقوله الطرف الآخر.

المشكلة هي أنك حينما تتسرع بالكلام أو توجه المحادثة نحو تجاربك الشخصية، فإن ذلك يقلل فعالية الحوار. يستغرق العديد من الأشخاص دقيقة لإيصال فكرتهم الرئيسية، فإذا قاطعتهم أو توقفت عن الاستماع إليهم قبل أن يكملوا كلامهم فقد يفوتك المغزى تماماً ومن ثم لن يكون ردك في محله.

لذا من الأفضل أن تركز تماماً مع المتكلم.

طريقة استخدام هذه التقنية:

انتبه لسلوكك خلال المحادثة ولاحظ متى تركز على نفسك؛ أي تفكر فيما ستقوله أو تتحمس لمشاركة حل أو تحاول تذكر تجاربك الشبيهة بالقصة التي يسردها المتكلم، في هذه الحالات، خذ وقفة وذكّر نفسك بالاستماع حتى النهاية.

بعد أن ينهي الطرف الآخر حديثه، فكر قليلاً في كلامه قبل أن ترد عليه، فالرد المتأني والمدروس أهم بالنسبة إليه من الرد الفوري الذي لا صلة له بكلامه.

التطبيق العملي:

لنفترض أنك تعقد اجتماعاً ثنائياً مع مرؤوس مباشر، فيخبرك عن الصعوبة التي يواجهها في الوفاء بموعد نهائي وفي منتصف المحادثة تشعر بالرغبة في التوقف عن الاستماع والبدء بالتفكير في الحلول، في هذه الحالة، يساعدك استخدام تقنية الاستماع حتى النهاية على مواجهة الضغط الذي تشعر به للرد على الفور والتفكير بتأنٍّ والاسترخاء والتركيز على كلام الموظف، ومن خلال استخدام هذه الطريقة ستتمكن من استيعاب أفكار قد تفوتك إذا تسرعت في الرد.

على سبيل المثال، إذا استمعت حتى النهاية، فقد تكتشف أن الصعوبة التي يواجهها الموظف سببها سلوك عميل غير محترم وليس عدم قدرته على تحديد الأولويات في قائمة مهامه (وهو ما تكون قد افترضته) أما إذا توقفت عن الاستماع في منتصف المحادثة، فإن ردك لن يكون ملائماً، وستظل مشكلة الموظف الرئيسية دون حل.

اجعل هدفك من الاستماع تلخيص المشكلة وليس إيجاد حل لها

الاستماع إلى الكلام حتى نهايته مهارة مهمة، لكنها ليست كافية، إذ يجب أن تنتبه إلى طريقة الاستماع؛ أي هل تستمع لتحل المشكلة أم لتفهمها؟

قد ترغب في حل كل مشكلة تُعرض عليك، خاصة إذا كنت تحاول بناء الثقة بينك وبين فريقك، لكنك ستتمكن من التعامل مع المشكلة المطروحة بفعالية أكبر إذا ركزت على فهمها أولاً، وهنا تظهر فائدة هذه التقنية.

طريقة استخدام التقنية:

خلال تركيزك على المحادثة، ضع في اعتبارك أنه ليس من الضروري تذكّر كل كلمة يقولها الطرف الآخر، بل المهم هو فهم الفكرة العامة، وعلى هذا النحو ستتمكن من استيعاب أهم التفاصيل خلال المحادثة، وعندما ينهي كلامه، خذ وقفة للتفكير فيما قاله. في هذه المرحلة، من المفيد أن تتأكد من أنك تفهم مقصده كما يجب، لخص أفكاره أو أعِد صياغتها، ثم اسأله: "هل فهمتُ ما قلتَه كما يجب؟".

يُظهر هذا الأسلوب للمتكلم أنك تريد التوصل معه إلى فهم مشترك، كما يمكّنك من استيضاح مخاوفه ويساعد على بناء الثقة بينكما. إذا كان تلخصيك للمشكلة خاطئاً فلا بأس، فبإمكانك أن تحصل منه على معلومات أكثر، قل له مثلاً: "أخبرني بالمزيد إذا سمحت"، أو "أوضح لي ما فاتني".

التطبيق العملي:

لنعد إلى المثال الأساسي، حيث أخبرك المرؤوس بأنه يواجه صعوبة في الوفاء بأحد المواعيد النهائية لأن العميل يوجه له ملاحظات متناقضة باستمرار، ففي كل مرة يجري المرؤوس التعديل المطلوب يمتعض العميل أكثر، في حين أن الموعد النهائي للتسليم يقترب.

يمكنك أن تعيد صياغة الموقف كما يلي: "أفهم أنك لا تتلقى ملاحظات واضحة من العميل، وأنك قلق بشأن عدم تسليم المنتج النهائي إليه في الوقت المحدد، هل فهمتُ المشكلة كما يجب؟"، إذ أجاب بنعم، يمكنك حينها أن تقول: "لنتحدث عن بعض الطرق التي تساعدنا على التوصل إلى تفاهم مع العميل"، يُظهر كلامك هذا للموظف أنك تفهم مخاوفه ويساعد على بناء أساس قائم على الثقة والدعم بينكما.

وازن بين التركيز على إنشاء صلة مع المتكلم والتركيز على فهم المشكلة التي يطرحها عليك

إذا أتقنت التقنيتين الأولى والثانية، فأنت مستعد للبدء بالخوض في التقنية الثالثة لتصبح مستمعاً بارعاً. يتطلب إتقان مهارة الاستماع فهم أن غالبية المحادثات تنطوي على جانبين:

العلاقة بين طرفي الحوار: الصلة بينك وبين الطرف الآخر 

محتوى المحادثة: المعلومات أو المشكلة التي يخبرك بها الطرف الآخر بالنسبة للجانب الأول؛ أي العلاقة بين طرفي الحوار، فيتمثل العنصر الرئيسي في التركيز الكامل على ما يقوله الطرف الآخر (التقنية الأولى: الاستماع حتى النهاية)، فهذا السلوك يعزز الصلة بينكما ويسمح له بمشاركة أفكاره ومخاوفه معك بثقة.

أما بالنسبة لمحتوى المحادثة، فإن العنصر الرئيسي هو الاستماع بهدف تلخيص الفكرة المطروحة (التقنية الثانية)، وعادة ما يكون هذا الجزء من المحادثة ذا طبيعة تفاعلية، فيتطلب منك أن تستوعب المعلومات بسرعة وتُظهر أنك تفهم المشكلة وتعمل مع الموظف على اكتشاف الخطوة التالية.

يعي المستمع البارع جانبي المحادثة هذين، ويعدّل تركيزه اعتماداً على احتياجات الشخص الذي يتحدث إليه.

طريقة استخدام هذه التقنية:

عندما تستمع، انتبه إلى مدى تركيزك على العلاقة مقارنة بتركيزك على المحتوى، يركز الكثيرون على جانب واحد فقط ويستبعدون الآخر، لكن تركيزك على المحتوى وحده قد يجعل الطرف الآخر يتوقف عن الكلام خاصة إذا رأى أنك مهتم بعمله أكثر من رفاهته. من جهة أخرى فإن التركيز على العلاقة فقط، قد يؤدي إلى حلقة مفرغة دون التوصل إلى أي حلول حقيقية، لذا من المهم الموازنة بين الجانبين.

إذا وجدت نفسك تركز على أحد الجانبين أكثر من اللازم فدوّن ملاحظة، واضبط التوازن.

التطبيق العملي:

في المثال الأصلي، يعاني مرؤوسك صعوبة مع العميل المتطلب: عندما تركز خلال الاستماع إليه على العلاقة بينكما فإن ذلك يسمح ببناء الثقة ويظهر للموظف أنك مهتم بفهم مشكلته، أما عندما تركز على محتوى المحادثة فستفهم تماماً الصعوبة التي يواجهها، ما يسمح لك بتقديم مقترحات مستنيرة للخطوات التالية.

لكن لنفترض أنك بدأت المحادثة وتركيزك كله منصب على العلاقة بينكما، في هذه الحالة ستستمع إليه وتتعاطف معه لتظهر له أنك تقدرّه وتهتم به، وبعد لحظات ستجد نفسك مستغرقاً في التعامل مع هذه المشاعر، لتدرك أن هدفك المتمثل في تعزيز الصلة بينكما (وهو أمر حسن) جعلك تركز على هذه النقطة فقط، ومنعك من التفاعل فكرياً مع الموظف بإجراء عصف ذهني للتوصل إلى حلول، لقد وضعت نفسك مكانه، لكنك الآن تحاول التصرف نيابة عنه. يمكنك تصحيح مسارك من خلال التركيز على المحتوى؛ أي طرح الأسئلة الصعبة ومناقشة الخيارات والتفكير في الخطوات المقبلة.

انتبه إلى قيم المتكلم

قد تكون هذه التقنية هي الأصعب، لكن تعلّمها يصبح أسهل بمجرد تمكنك من الخطوات الأساسية السابقة، ويتمحور الأمر حول بناء مهارات الحدس والإدراك خلال الاستماع لاستيعاب ما يهم المتكلم، سواء كان يتحدث عن مشكلة بسيطة أو موضوع معقد أو يثير مشاعر شديدة، فإن هذا الحديث يمنحك فرصة لمعرفة الأمور التي تهمه.

من ميزات القيادة الرائعة، القدرة على فهم قيم الأفراد وتأثيرها في سلوكياتهم في العمل، ذلك أن قيمنا تؤثر في تحديد المواقف التي نعتبرها صعبة وفي كيفية استجابتنا لها. إذا كانت لديك فكرة عن المواقف أو المهام أو المشروعات التي تثير توتر مرؤوسيك المباشرين وكنت تعرف أسباب ذلك، فبإمكانك استخدام هذه المعلومات لمساعدتهم على حل المشكلات وإعدادهم لتحقيق النجاح.

قد تتضمن القيم المشتركة في مكان العمل، النزاهة والنجاح وحس الانتماء والمسؤولية والاحترام والاتزان والولاء.

طريقة استخدام هذه التقنية:

عندما يعرض عليك مرؤوس مباشر موقفاً صعباً يواجهه، فحاول أن تفهم من كلامه ما بين السطور، قد يكون قلقاً بشأن استبعاده من محادثات البريد الإلكتروني الجماعية ويشعر بأن الأمر متعمد، أو قد يكون مستاءً من تعطل الطابعة المستمر. اسأل نفسك: "ما الذي يدور في ذهن مرؤوسي؟ وكيف تؤثر قيمه في إدراكه للموقف؟ وما هي الأمور الأخرى التي تثير توتره؟".

في الحالة الأولى، قد يكون حس الانتماء هو القيمة الأهم للموظف، لذلك فقد شعر وكأنه دخيل على الشركة عندما جرى استبعاده من رسائل البريد الإلكتروني الجماعية، وفي الحالة الثانية، ربما تكون الكفاءة هي القيمة الأهم ومن ثم فإن الطابعة المعطلة تعوق سير عمله، وقد يؤدي ذلك إلى تقويض ثقته بكفاءة المؤسسة ككل.

على الرغم من أن القيم تثير مشاعر شديدة لكن الأفراد لا يدركون دائماً متى تحفز سلوكياتهم. إذا كان بإمكانك الاستفادة من القيم المتنوعة لأفراد فريقك ومعرفة ما يقدّرونه وما لا يقدرونه، فستتمكن من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن إرشادهم وتوجيههم، قد لا تتمكن من حل كل مشكلة على الفور لكن الاعتراف بقيم الموظفين يظهر أنك تدعمهم، ما يساعد على خلق بيئة عمل تفاعلية.

ضع في اعتبارك أنه ليس بإمكانك استخلاص القيم من كل مشكلة أو تحدٍّ يواجهك، على سبيل المثال، قد يكون تعطل الطابعة مجرد مشكلة تقنية، لهذا من الضروري تجنب وضع الافتراضات، كن يقظاً لكن لا تقفز إلى الاستنتاجات قبل أن تتحدث مع مرؤوسك المباشر.

التطبيق العملي:

بالعودة إلى المثال الأصلي، ستجد أن تطبيق مهارات الاستماع الفعال مكّنك حتى الآن من مساعدة مرؤوسك المباشر في مشكلته المتمثلة في التعامل مع عميل صعب المراس، فقد استمعت إليه حتى النهاية لتفهم مشكلته وليشعر هو بأن رأيه مسموع، ثم لخصت المشكلة له وتحققت من أنك تفهم فكرته تماماً، وأدركت متى يكون عليك التركيز على علاقتكما ومتى يكون عليك التركيز على محتوى المحادثة.

الآن هو الوقت المناسب للتمعن في قيم الموظف التي سمعتها منه خلال المحادثة، وبعيداً عن المشكلة السطحية المتمثلة في اقتراب الموعد النهائي، اسأل نفسك: "ما الذي يثير الموظف عاطفياً خلال تفاعله مع العميل؟ كيف يؤدي ذلك إلى زعزعة استقراره النفسي ويمنعه من اتخاذ خطوات بنّاءة؟".

على سبيل المثال يمكنك أن تقول له: "سمعت أنك تقدّر الاحترام والاتزان في تفاعلاتك مع العملاء، فضلاً عن التميز في عملك، هل هذا صحيح؟"، من خلال تحديد قيم الموظف وتقديرها فإنك توضح له الصورة أكثر كما أنك تؤكد له جودة عمله بصرف النظر عن الحالة الفردية التي واجهها مع أحد العملاء، وإذا كنت مخطئاً أو كانت قيمه مختلفة، فقد أتحت المجال له للتحدث ومشاركة قيمه الحقيقية.

أخيراً، تذكر أنه بإمكانك استخدام المعرفة التي اكتسبتها خلال هذا التفاعل مستقبلاً، عندما تريد تحديد المهام التي ترضي هذا الموظف وتوقع صعوباتها المحتملة.

إن إتقان فن الاستماع ليس مجرد استراتيجية، بل هو قوة قيادية تحويلية ترتقي بالتفاعلات لتعزز النمو والتواصل، كل محادثة هي فرصة لممارسة الاستماع الفعال وتعميق فهمك لفريقك، وحينما تركز على استخدام هذه التقنيات لتعزيز مهارات الاستماع، فإن ذلك يؤدي إلى زيادة قدرتك على التواصل وزيادة مشاركة فريقك وإنتاجيته، استمع بطريقة أفضل لتمارس القيادة بفعالية أكبر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي