لا يمكننا تجاهل أهمية وضع معايير عالية لعملك ولفريقك، لكن قد تؤدي المعايير العالية والسعي المستمر للكمال إلى نتائج عكسية وتعرقل تقدمك في مسيرتك المهنية والقيادية.
في الكثير من الأحيان، يمكن أن تكون القيادة عملية غير منظمة ولا تسير كما خُطط لها، وإذا لم تتقبّل هذه الحقيقة وكانت معاييرك غير مرنة وشديدة الصرامة، فستشعر بالإحباط لأنك لا تتمكن أنت وفريقك من تحقيق أهدافكم.
قد يتجلى ذلك في أرض الواقع من خلال:
- اختلاف وجهات النظر بينك وبين فريقك خلال الاجتماعات.
- عدم إنجاز المشاريع ضمن الإطار الزمني المحدد.
- تأجيل تسليم العمل حتى يصبح مثالياً على الرغم من إشارة مديرك إلى أن إنجاز العمل بنسبة جودة 80% هو أمر جيد.
- تكرار العمل لساعات طويلة أنت وفريقك.
- ظهور مؤشرات الاحتراق الوظيفي عليك وعلى فريقك.
قد تشعر بالرضا عند إتمام مشروع ما وفقاً لمعاييرك الشخصية عن الكمال. لكن ما هي العواقب المحتملة؟ وما هي الفائدة النهائية على المدى البعيد؟ قد تكون الفائدة أقل مما تتوقع، سواء للشركة أم لك شخصياً. إنك تُهدر هذه الجهود والطاقة الإضافية في محاولة الوصول إلى الكمال، في حين يمكنك استثمارها للابتكار أو لاتخاذ خطوة جديدة في حياتك المهنية. يمكن أن تصبح معاييرك العالية عبئاً يعوق الأداء الجيد ويعرقل حياتك المهنية.
إذا كان هذا الأمر ينطبق عليك، فإليك 4 أفكار تساعدك على تعديل توقعاتك والمضي قدماً.
التمهّل والتفكير جيداً
بدلاً من الاندفاع والتسرّع، تأنى قليلاً. خصص 15 إلى 30 دقيقة أسبوعياً لطرح الأسئلة التالية على نفسك:
- "منذ متى وضعتُ هذه المعايير؟"
- "هل تتوافق هذه المعايير مع أهداف الشركة واحتياجاتها؟"
- "متى كانت آخر مرة فكرتُ فيها في كيفية قياس النجاح؟"
- "هل يجب عليّ تغيير نظرتي وتعديل هذه المعايير؟"
- "هل ناقشتُ هذه المعايير مع فريقي من قبل؟" (من الشائع أن يضع القادة معايير مرتفعة جداً دون توضيحها للفريق).
- "ما هي النتائج الإيجابية التي تحققت بفضل تطبيق هذه المعايير؟"
- "ما هو السبب الذي دفعني لاعتماد هذه المعايير؟"
- "ما رأي أعضاء فريقي بهذه المعايير؟"
- "هل حدث تغيير في الثقافة المؤسسية؟"
- "هل يجب أن أعدّل أهدافي وفقاً لهذا التغيير؟"
بعد ذلك، اسأل نفسك: "ما هو تصوّري حول الحد المقبول لإنجاز العمل؟"
ترى زميلتنا كارين، التي شاركت في كتابة هذا المقال، هذا السيناريو في الشركات العالية النمو؛ إذ إن التركيز على إيجاد أفضل طريقة لإنجاز المهام قد يعوق تحقيق الحد المقبول والكافي من الإنجازات ضمن الإطار الزمني والميزانية المتاحَين. حدد بوضوح أولويات مؤسستك. احرص على تقييم وضعك الحالي وتحديد الجوانب التي تتطلب إجراء التعديلات اللازمة، بالإضافة إلى وضع خطة للتواصل مع أصحاب المصلحة. في بعض الحالات، يكفي أن يكون العمل جيداً ومقبولاً.
تحديد الوقت المناسب لإظهار المرونة
لا يمكن تحقيق المعايير العالية دون مشاركة الآخرين والتعاون معهم. هل يفهم الآخرون رؤيتك؟ اسأل نفسك هذه الأسئلة:
- "ما هو مقدار التأثير الذي أملكه مع هذا الفريق؟"
- "كيف تكون ردود الفعل داخل الفريق عند تقديم ملاحظاتي؟"
- "هل تسهم المعايير التي وضعتُها في تحقيق أهدافنا بطريقة فعالة وملموسة؟"
كانت إحدى عميلات زميلتنا آن، التي شاركت أيضاً في كتابة هذا المقال، تمتلك معايير صارمة ودقيقة وكانت تطلب من أعضاء فريقها البقاء حتى وقت متأخر من الليل لإجراء تعديلات طفيفة على المقترحات. كان مستوى الحماس والتحفيز بين أعضاء فريقها ينخفض بسرعة. من خلال التدريب الإرشادي، أدركت هذه العميلة أن العمل لساعات إضافية لم يكن مجدياً وأنه من الأفضل تعديل معاييرها لتجنب استنزاف أعضاء الفريق وإصابتهم بالاحتراق الوظيفي. لم تؤدِّ التحسينات التدريجية الناتجة عن العمل لساعات إضافية إلى إضافة قيمة جوهرية وإيجابية على الأداء العام والنتائج النهائية، بل حققت العميلة فائدة أكبر عندما سمحت لفريقها بالمغادرة في نهاية ساعات العمل الرسمية؛ إذ لم يتأثر المنتج من حيث الجودة ولم يشعر الفريق بالاستياء.
كان أحد العملاء الآخرين لدى آن يواجه مشكلة في التواصل مع فريقه. اعتقد هذا العميل أنه كان واضحاً بشأن رؤيته للقسم. لكنّ مشاركة الرؤية ليست عملية تحدث مرة واحدة فقط؛ إذ يجب على القادة مشاركة رؤيتهم مع أعضاء الفريق باستمرار والحصول على موافقة الجميع وتأييدهم. نظراً لعدم وضوح الرؤية لدى الفريق، لم يكن هناك توافق بشأن معايير العمل وتحديد المستوى المقبول أو المناسب من الجودة. عندما اجتمع القائد مع الفريق وشرح رؤيته مرة أخرى، فهم أعضاء الفريق فكرته، ما أدى إلى تحسّن الأداء.
التفكير في مدى توافقك مع ثقافة العمل
قد يكون من الضروري النظر إلى الأمور من منظور أوسع لتقييم الصورة الشاملة. اسأل نفسك عمّا إذا كنت في الشركة أو القسم المناسبَين للاستفادة من مهاراتك وتوظيفها بطريقة فعالة. لا توجد وظيفة أو شركة مثالية، لكن قد تجد نفسك أكثر توافقاً مع بيئة عمل أخرى. اطرح على نفسك الأسئلة التالية:
- "ما هي الملاحظات التي أحصل عليها فيما يتعلق بمراجعات أدائي؟"
- "ما هي نتائج تقييم الأداء بطريقة 360 درجة التي حصلت عليها؟"
- "ما هي ثقافة الشركة؟"
- "كيف يمكنني الانسجام معها؟"
- "هل تدعم القيادة عملي وجهودي؟"
- (اطلب من مديرك ملاحظات صريحة وواضحة).
- "هل أعمل على تحقيق الأولويات الرئيسية للشركة؟"
لا تحدث مثل هذه المراجعات مرة واحدة فقط؛ بل يجب عليك تكرارها بانتظام طوال حياتك المهنية.
توفر كارين عادةً خدمات تقييمات الأداء بطريقة 360 درجة لعملائها. على الرغم من أن هؤلاء العملاء يتميزون بأداء مرتفع على المستوى الفردي، فإن بعضهم يفتقر إلى مهارات العمل والأداء المرتفع على المستوى الجماعي، وبالتالي، فإن ضعف مهارات العمل الجماعي يمثل مشكلة ونقطة ضعف كبيرة. إذا شعرت بأنك لا تحقق الفعالية المرجوة في بيئة العمل الجماعي، فاطلب الملاحظات من الآخرين. ثم استمع جيداً وحاول الاستفادة من الملاحظات التي تتلقاها. الطريقة التي ترى أنها الأفضل لإنجاز المهام قد تكون مناسبة فقط بالنسبة لك. أو ربما تكون قد حققت نجاحاً باستخدام هذه الطريقة مع فريق آخر في الماضي، لكنّ هذا الفريق وهؤلاء الأشخاص بالتحديد يعملون بطريقة مختلفة. لكي تكون فعالاً، يجب عليك تغيير أسلوبك والعمل بطريقة مختلفة.
التعامل مع النزاعات بطريقة بنّاءة ومثمرة
قد لا يفهم أعضاء فريقك وزملاؤك ومدراؤك أهمية معاييرك العالية وربما يشعرون بالارتباك بسبب افتقارك إلى المرونة في التعامل مع النزاعات. الاختلاف في الآراء مع شخص ما لا يعني أنك مضطر للدخول في منافسة معه، أو الانسحاب من المشروع أو المحادثة. تعامل مع النزاعات واختلاف الآراء بطريقة بنّاءة ومحترمة وابحث عن نقاط توافق مع زملائك. تذكّر أنه ليس من الضروري أن تكون دائماً على صواب وأن تفوز في كل نقاش تخوضه. لا تتسرع في التعامل مع مثل هذه المواقف وامنح الشخص الآخر الفرصة للتعبير عن رأيه وخذ وقتك في التفكير للوصول إلى حل. عند التعامل مع النزاعات، افترض دائماً حسن نية زملائك ورغبتهم في إنجاز العمل بطريقة جيدة.
قد يكون من المزعج أن تشعر بعدم تقدير الآخرين لمعاييرك العالية. اسأل نفسك: "هل يجب أن أكون أكثر مرونة، أم يجب عليّ الانتقال إلى شركة أكثر توافقاً مع معاييري الصارمة والدقيقة؟" في كلتا الحالتين، لا تسمح لمعاييرك بعرقلة مسار حياتك المهنية.