ملخص: أصبحت المهارات المكتسبة من خلال التعلم القائم على المشاريع أكثر أهمية من أي وقت مضى، وقد اعتمدت مدارس التربية الإسلامية في السعودية هذا النمط التعليمي. ويوفر هذا النمط التعليمي محاكاة سيناريوهات الحياة الواقعية للطلاب، حيث تكون هذه المهارات بالغة الأهمية. ومن أهم مميزاته:
- التعلم الموجّه ذاتياً: يقوم التعلم القائم على المشاريع بتشجيع الطلاب على تولي مسؤولية تعليمهم منذ سنٍ مبكرة.
- الاحتفاظ بالمعرفة: من المرجح أن يحتفظ الطلاب بالمعلومات التي تعلموها من خلال التعلم القائم على المشاريع، لأنه ينطوي على مشاركة نشِطة وأنشطة عملية.
- الفهم العميق وتحسين المهارات: يُسهم التعلّم القائم على المشاريع في حل المشكلات، إذ يتعلم الطلاب كيفية التعامل مع القضايا المعقدة بطريقة منهجية، وتقسيمها إلى أجزاء يمكن إدارتها وتطوير الحلول.
- مواجهة تحديات المستقبل: يؤهل التعلم القائم على المشاريع، الطلاب لمواجهة التحديات من خلال محاكاة سيناريوهات الحياة الواقعية وإلزامهم بالتفكير والتصرف مثل المحترفين.
عملت مجموعة من الطلاب في إحدى المدارس الثانوية في الولايات المتحدة الأميركية على مشاريع متنوعة لعرضها في معارض خاصة تنظمها مدرستهم. وفي تلك الأثناء، لاحظ أحد المشرفين تفاعل طالب يقود مجموعته بشغف ويوجه أفرادها نحو تطوير المشروع، وكانت المفاجأة عندما علم أن هذا الطالب مصاب باضطراب طيف التوحد ما يسبب له صعوبة في التفاعل الاجتماعي والتواصل غير اللفظي. لم يكن حماس الطالب متوافقاً مع أعراض مرضه، إذ أعطاه المشروع الذي كان يعمل عليه دافعاً للتواصل الاجتماعي والتفاعل مع زملائه. ومن هنا، لمس المشرف تأثير إدراج التعلّم القائم على المشاريع في العملية التعليمية على الطلاب.
تتعدد الأمثلة حول نجاح التعلّم القائم على المشاريع (Project-Based Learning) في تطوير مهارات الطلاب وتحسين قدراتهم سواءً في التفاعل مع الآخرين ومَن هم أكبر سناً وشأناً، أو تنمية قدراتهم التعليمية والاجتماعية وتعزيز استيعابهم، لذا نجد انتشاراً كبيراً لهذا النمط التعليمي في المنطقة العربية، إذ يبرز في المدارس السعودية مثل مدارس التربية الإسلامية، وهي إحدى المؤسسات التعليمية التي سعت إلى إدراج هذا النمط في العملية التعليمية، واعتماد مسار تعليمي مبتكر قائم على المشاريع وتوظيف التكنولوجيا بصورة فعّالة من خلال تطبيق منهجية ستريم (STREAM ) متعددة التخصصات ابتداءً من مرحلة رياض الأطفال، لضمان دمج العلوم والتكنولوجيا والقراءة والهندسة والفن والرياضيات ضمن مجموعة من الأنشطة التعليمية. فهل يمثل هذا النمط حلاً مبتكراً جديداً؟ وكيف ظهر هذا النمط لدعم الطلاب؟
دليل مدارس التربية الإسلامية في السعودية لتطبيق التعلّم القائم على المشاريع
التعلّم القائم على المشاريع هو منهجية تعليمية ديناميكية تشجع الطلاب على تطبيق المعرفة وتعزيز المهارات من خلال تجربة تفاعلية. وقد أصبح نمطاً تعليمياً رسمياً في القرن الحالي، إذ تشير بعض الدراسات إلى أن ظهور هذا النمط التعليمي هو نتيجة لتطورات ٍمهمة على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، بدأت بالثورة في نظرية التعلّم بعد اعتمادها على نتائج أبحاث علم الأعصاب وعلم النفس، إذ توصلت إلى أن التعلّم القائم على المشاريع يمكنه دعم طرق التعليم التقليدية في إظهار المعرفة التي يتمتع بها الطلاب وتعزيز قدراتهم على التفكير المبتكر.
حالياً، اكتسب التعلّم القائم على المشاريع زخماً كبيراً بوصفه نهجاً تعليمياً شائعاً في المراحل التعليمية من مرحلة رياض الأطفال إلى الثانوية العامة، وتعتمده مدارس التربية الإسلامية في السعودية، وهي مدارس أهلية أسّستها الأميرة سارة بنت فيصل بن عبد العزيز في عام 1964 بمدينة الرياض، ثم انتقلت ملكيتها في عام 2006 إلى وزير التربية والتعليم السابق، الدكتور محمد بن أحمد الرشيد رحمه الله.
وقد اعتمدت مدارس التربية الإسلامية تحت قيادة الرئيس التنفيذي للمدارس، أسماء بنت خالد القاضي، برنامج التعلّم القائم على المشاريع عن طريق دمج المهارات والمواد معاً تحت مظلة منهجية ستريم (STREAM)، وهو التكامل بين العلوم والرياضيات والتكنولوجيا والبحث العلمي والفنون والهندسة بحيث تهدف هذه المنهجية إلى تطوير مهارات التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلاب من خلال دمج هذه المجالات بشكل تفاعلي ومتكامل. وفي مدارس التربية الإسلامية، يمكن تطبيق منهجية ستريم لتشجيع الطلاب على التعلم بشكل نشط ومتعدد الأبعاد، ما يساعدهم على اكتساب خبرات عملية في العلوم والهندسة والرياضيات والفنون، مع تعزيز قدراتهم البحثية وتحفيزهم على استكشاف المشكلات وحلها بطرق مبتكرة. ويؤثر هذا النمط في تمكين الطلاب وتعزيز فهمهم للمواد الدراسية وتأهيلهم للتفاعل مع الآخرين وتلبية احتياجاتهم وإعدادهم لمواجهة التحديات وتنمية قدراتهم عبر عرض مشاريعهم.
فقد جاء هذا النمط التعليمي في إطار خطة مدارس التربية الإسلامية لتطوير التدريس بما يرتكز على كل ما هو جديد ومفيد لتطويعه لخدمة العملية التعليمية والتربوية في مختلف المراحل التعليمية، وزيادة تحسين تعلُّم الطلاب ونتائجهم، وتوفير بيئة إيجابية آمنة تؤهلهم للمشاركة الفعالة في مجتمعاتهم وتمكين المعلمين من تبنّي أساليب التدريس المبتكرة مثل التعلّم القائم على المشاريع، والفصول الدراسية المقلوبة التي تعطي الأولوية للتعلّم النشط، واللعب، والتعلم المدمج. ومن خلال هذا البرنامج، يتعرف المعلمون على كيفية الاستفادة من المنصات الإلكترونية التعليمية، وتمكين الطلاب من المشاركة بنشاط في رحلة التعلم الخاصة بهم.
وتَعتبر مدارس التربية الإسلامية تطبيق هذه المنهجية فرصة تُسهِم في دعم استقلالية الطلاب وتنمية ابتكاراتهم وتعزيز قدرتهم على إتقان فن الحياة.
مزايا التعلّم القائم على المشاريع
أصبحت المهارات المكتسبة من خلال التعلم القائم على المشاريع أكثر أهمية من أي وقت مضى، إذ يبحث أصحاب العمل عن مرشحين قادرين على التفكير النقدي والعمل التعاوني وحل المشكلات بصورة إبداعية. ويوفر هذا النمط التعليمي محاكاة سيناريوهات الحياة الواقعية للطلاب، حيث تكون هذه المهارات بالغة الأهمية. ومن أهم مميزاته:
التعلم الموجّه ذاتياً:
يقوم التعلم القائم على المشاريع بتشجيع الطلاب على تولي مسؤولية تعليمهم منذ سنٍ مبكرة، فقد جهزت مدارس التربية الإسلامية قسم رياض الأطفال لبناء شخصية الطفل، وتعاونت الإدارة مع فريق المعلمات والمعلمين ذوي الخبرة في التعامل مع هذه الفئة العمرية، إذ اعتمد فريق المعلمين على دورات وورش عمل قدمتها المدارس سابقاً، لدعم التعلّم الذاتي للطلاب ومساعدتهم في اختيار الأنشطة بأنفسهم، والقدرة على تنفيذ المشاريع التي تقدّمها المدارس.
الاحتفاظ بالمعرفة:
من المرجح أن يحتفظ الطلاب بالمعلومات التي تعلموها من خلال التعلم القائم على المشاريع، لأنه ينطوي على مشاركة نشِطة وأنشطة عملية. وفي قسم الابتدائي، حرصت مدارس التربية الإسلامية على غرس حب المعرفة والعلم والاطلاع في هذه المرحلة، ويساعدها في ذلك تطبيق نمط التعلّم القائم على المشاريع، بالاعتماد على مجموعة من الأساتذة والإداريين الذين يتمتعون بخبرة في مجالاتهم وكفاءة تُسهم في تشجيع الطلاب على حب التعلّم.
الفهم العميق وتحسين المهارات:
يُسهم التعلّم القائم على المشاريع في حل المشكلات، إذ يتعلم الطلاب كيفية التعامل مع القضايا المعقدة بطريقة منهجية، وتقسيمها إلى أجزاء يمكن إدارتها وتطوير الحلول. ويؤدي العمل على المشاريع إلى تطوير فهماً أعمق لدى الطلاب أثناء تطبيق معرفتهم في المواقف العملية. كما تساعدهم هذه المشاريع في تطوير المهارات الأساسية مثل حل المشكلات والتعاون والتواصل المكتوب أو الشفهي والتفكير النقدي. وفي المرحلة المتوسطة، تعمل مدارس التربية الإسلامية على الاستثمار في طاقة الطلاب الهائلة لتغدو إيجابيةً وتُرسخ فيهم تقدير الذات عَقِب اكتسابهم للمهارات المتعددة والبحث عن حلول للمشكلات بعد فهم أسبابها.
مواجهة تحديات المستقبل:
يؤهل التعلم القائم على المشاريع، الطلاب لمواجهة التحديات من خلال محاكاة سيناريوهات الحياة الواقعية وإلزامهم بالتفكير والتصرف مثل المحترفين، إذ يضمن تفاعلهم في مشاريع ذات مغزى تثير اهتمامهم وفضولهم. ومع التطور السريع الذي يشهده العالم في المجالات كافة، فإن مدارس التربية الإسلامية تطبّق برنامج التعلّم القائم على المشاريع للمرحلة الثانوية بآلية واضحة عبر مناهج نظام المقررات، وتتيح الفرصة للطلاب لمحاكاة المواقف الحياتية ومواجهتها، واكتساب مهارات التفاعل الاجتماعي من خلال تنفيذ أنواع مختلفة من المشاريع.
تعود جذور التعلم القائم على المشاريع إلى قرون مضت، فقد استخدم الفلاسفة مثل كونفوشيوس وسقراط أساليب تتوافق مع مبادئ هذا النمط، حتى دعا الفيلسوف التشيكي جون آموسكومينيوس، إلى التعلم الذي يركز على الطالب واستخدام الوسائط المتعددة التي تدعم هذا النمط التعليمي؛ لكن غالباً ما ينسب المتخصصون الفضل إلى المعلم الأميركي والفيلسوف جون ديوي، في وضع حجر الأساس للتعلم القائم على المشاريع وقد أثّرت أفكاره على العديد من المنشآت التعليمية في الولايات المتحدة.
ومع التطورات المتسارعة النمو فإننا نشهد حالياً تجربة مدارس التربية الإسلامية للاعتماد على المشاريع بما يخلق بيئة إيجابية آمنة، تعزز قدرات الطلاب الإبداعية ومواهبهم، ويوفر اعتماد منهجية ستريم متعددة التخصصات تجربة مصقلة بتجارب عملية مختلفة تثري طرق تفكيرهم وتوجههم نحو التعامل مع التحديات مع تبني عقلية النمو باستمرار. تقول أسماء القاضي: "إن التعلم بالمشاريع لا يبني فقط المهارات الأكاديمية للطلبة، بل يربط بين التخصصات المختلفة عن طريق تحفيز الإبداع والابتكار ويبني المهارات الحياتية التي تدعم الطلبة في حياتهم العلمية والعملية مستقبلًا".