يبدو أن تحقيق التعاون الفعال أصعب من أي وقت مضى في أماكن العمل الحالية التي تزداد تنوعاً وانقساماً. في ظل عمل 5 أجيال جنباً إلى جنب وزيادة الاستقطاب السياسي وتحديات نموذجي العمل العالمي والهجين، يحتاج القادة إلى استراتيجيات أفضل لتعزيز التعاون وزيادة المشاركة والتفاعل وحل المشكلات المعقدة.
أمضى زميلنا جاي أكثر من 20 عاماً في دراسة علم نفس المجموعات، في حين عملت زميلتنا الأخرى، لورا، وهي مستشارة في التواصل الثقافي، مدة 3 عقود مع شركات كبيرة في 4 قارات لمساعدتها على تحديد العقبات التي تواجه العمل الجماعي والتغلب عليها. من خلال الجمع بين النتائج الأكاديمية والخبرة العملية، حددنا 4 ممارسات تطبّقها الفرق الناجحة بطرق مختلفة لتحقيق نتائج أفضل.
خضع فريق البحث التابع لجاي في جامعة نيويورك في الآونة الأخيرة لتجربة محاكاة تفاعلية تستخدمها لورا مع عملائها؛ إذ ينقسم المشاركون في هذه المحاكاة إلى مجموعات فرعية يجب عليها إكمال مهمة معينة ثم تتفاعل مع المجموعات الأخرى لتشكيل منظومة متكاملة تسمى "آلة الفريق" (TeamMachine)، بمعنى أنها منظومة تعمل أجزاؤها معاً بانسجام وسلاسة وفعالية. تهدف هذه التجربة إلى محاكاة المشكلات الحقيقية التي يواجهها العمل التعاوني اليومي، مثل التواصل عبر وحدات العمل المنعزلة والالتزام بالمواعيد النهائية لتسليم العمل ومشاركة الموارد وإيجاد الحلول بسرعة.
استطاع فريق جاي إنجاز المهمة في نصف الوقت الذي تستغرقه الفرق التابعة للشركات لإنهائها (مع العلم أن 75% فقط من فرق الشركات تنجح في إتمام المحاكاة بالكامل). لماذا كان أداء الفريق الأكاديمي أفضل من أداء فرق الشركات؟ لأن أعضاءه طبقوا استراتيجياتنا الرئيسية الأربع، التي سنعرضها ونشرحها أدناه:
التركيز على الهدف الرئيسي
أكبر عائق أمام العمل الجماعي الناجح هو النهج التنافسي. أحد الأمثلة التقليدية على ذلك هو امتناع أقسام المبيعات والتسويق داخل المؤسسة عن مشاركة المعلومات مع الأقسام الأخرى بسبب السياسة الداخلية أو انعدام الثقة بين الأشخاص. مشكلة الصوامع المنعزلة ليست جديدة، لكن العولمة والعمل عن بُعد فاقما هذه المشكلة.
في محاكاة "آلة الفريق"، أدرك الأكاديميون بسرعة أن الهدف النهائي هو تشكيل منظومة متكاملة تعمل بفعالية، لذلك، عند انتهاء كل مجموعة فرعية من مهمتها الأولية عرض أعضاؤها على الفور مساعدة المجموعات الفرعية الأخرى، ما عزز روح الجماعة والتعاون بدلاً من المنافسة.
على نحو مماثل، من المهم أن يعمل القادة في بيئات العمل الحقيقية باستمرار على تحديد الأهداف الرئيسية وتوضيحها، وهي الأهداف المشتركة التي تتطلب التعاون عبر الصوامع المنعزلة لتحقيقها. قدم مكافآت للنجاح الجماعي وأظهر كيفية مساهمة الأفراد والأقسام في تحقيق الهدف الأكبر. أثبتت الأبحاث على مدار أكثر من 70 عاماً مراراً وتكراراً أن هذه الاستراتيجية هي الأفضل والأعلى فعالية لسد الفجوات وتحفيز الفرق على تبني عقلية تعاونية بدرجة أكبر.
استخدم لغة شاملة
اللغة مهمة جداً. كم مرة سمعت عبارات، مثل: "يريد فريق المبيعات كذا"، أو "يقول قسم الموارد البشرية كذا"، أو "يعوق قسم تكنولوجيا المعلومات عملنا من خلال كذا"؟ من المهم أن نغير طريقة تفكير الأشخاص في أنفسهم وفي زملائهم بوصفهم أفراداً منفصلين، فبدلاً من استخدام الضمائر "أنا" و"أنت" أو "نحن" و"هم"، يجب استخدام ضمير الجمع "نحن جميعاً" لتحفيز العمل الجماعي بين الفرق والأقسام والثقافات المختلفة.
اكتشفت لورا أن فرق الشركات كانت تشارك غالباً في سباقات تبدو ودية وحسنة النية لإكمال مهام المجموعات الفرعية والسخرية من المتأخرين، وفي المقابل، شجعت المجموعات الفرعية في جامعة نيويورك بعضها بعضاً دون تقديم أي تعليقات سلبية.
يجب على القادة أن يكونوا قدوة في التصرف بطريقة تشجع على التعاون والعمل الجماعي. على سبيل المثال، بدلاً من أن تقول: "لقد فشل فريق التسويق في تحقيق الهدف"، جرّب أن تقول: "يجب علينا أن نكون أكثر إبداعاً في استراتيجياتنا التسويقية". تُظهر الأبحاث أن القادة الناجحين يميلون أكثر لاستخدام لغة شاملة وأن شركاتهم تحقق أرباحاً أكبر. لذلك، احرص على استخدام الضمائر الجماعية وشجع الآخرين على استخدامها وتعامل بحزم مع أي لغة مسيئة على الفور.
تخصيص الموارد بطريقة عادلة ومنصفة
من المهم تخصيص الموارد بطريقة عادلة لضمان نجاح الفريق، فقد يساهم تركيز الأفراد على مجموعتهم الفرعية فقط في تحقيقهم لأهدافهم بسرعة، لكن ذلك يؤثر سلباً على المصلحة العامة للمؤسسة.
خلال أحد تحديات محاكاة "آلة الفريق"، شاهدت لورا مجموعة فرعية تأخذ المواد جميعها بدلاً من فرزها للعثور على المواد التي تحتاج إليها، ما أدى إلى إبطاء المجموعات الأخرى وأثار استياء أعضائها، وقد أدى ذلك أيضاً إلى كبح فرص التعاون المثمر لاحقاً. قاد سلوك الاكتناز القهري هذا إلى الفشل. في المقابل، حرص فريق جاي على تجميع الموارد بسرعة ومشاركتها مع المجموعات الفرعية كافة ووضعها في منتصف الغرفة حتى يتمكن الجميع من الوصول إليها.
لا يمكن تحقيق الأهداف الجماعية في مكان العمل إلا عندما يشعر الجميع بأنهم يمتلكون الموارد اللازمة لأداء أدوارهم المختلفة، في حين يؤدي عدم المساواة (ولا سيما في التعويضات) إلى إضعاف المشاركة والالتزام والعمل التعاوني. في الواقع، وجدت الأبحاث أن مشاركة الأرباح بين الأقسام والموظفين يؤدي إلى تعزيز معدلات استبقاء الموظفين وزيادة الإنتاجية وتحسين المعنويات، لذلك، احرص على مراجعة عمليات تخصيص الموارد داخل مؤسستك. هل تعزز هذه العمليات روح العمل التعاوني أم تسهم في زيادة التنافس؟ يجب عليك التفكير أيضاً في تطبيق مزيد من هيكليات الحوافز الجماعية.
المشاركة في النقد البنّاء
تمثّل قدرة أعضاء الفريق على تقديم الملاحظات البنّاءة وتلقيها أهمية بالغة لتعزيز نمو المؤسسة وتطويرها، وتعمل الفِرق التي تحقق أداء أفضل غالباً في بيئة تمنح الأعضاء شعوراً بالأمان يسمح لهم بتحمل المخاطر وطرح آرائهم بحرية والتعبير عن أفكارهم المختلفة صراحة دون خوف من العواقب السلبية، وهو ما نسمّيه "الأمان النفسي". في حين تواجه الفِرق التي تعاني التفكير الجماعي والثقافات المضرّة غالباً صعوبة في النجاح.
يقع بعض الفِرق في هذا الفخ، على سبيل المثال، من خلال اتباع قائد أو رئيس قسم يفرض على الجميع اتباع طريقة عمله والتكيف معها، ما يؤدي إلى انخفاض الكفاءة والفعالية وحدوث تأخيرات في إتمام المهام. ولكن أعضاء فريق الأكاديميين كانوا قادرين على تبادل الاقتراحات والملاحظات دون أي عواقب سلبية. شاركت المجموعات الفرعية الاستراتيجيات التي أثبتت فعاليتها، وسارعت المجموعات الفرعية الأخرى إلى تطبيق الرؤى والأفكار المناسبة منها. يجب على القادة تشجيع الجميع على المشاركة في مثل هذه النقاشات ومكافأتهم على ذلك؛ هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان تعلّم الأفراد بعضهم من بعض.
من خلال تنفيذ هذه الاستراتيجيات الأربع، يمكنك تحويل ديناميات فريقك وتعزيز العمل التعاوني وفي نهاية المطاف تحقيق نتائج ملموسة وقابلة للقياس مثل زيادة الإيرادات وتحسين الأداء ورفع معدلات استبقاء الموظفين. في بيئة العمل المعقدة الحالية، أصبحت القدرة على توحيد الموظفين وتعزيز التعاون فيما بينهم بفعالية ميزة تنافسية حاسمة لا مجرد أمر جيد ومرغوب.