الشركة الناشئة الهجينة: نموذج يدمج جهود الشركات الكبرى وريادة الأعمال

13 دقيقة
الشركات الكبرى

تمتلك الشركات الراسخة العديد من الموارد والقدرات التي تمنحها الريادة، كالمنتجات والزبائن والعمليات والتراخيص وقدرات التوزيع والتسويق ورأس المال، على عكس الشركات الناشئة. لكن قد ينجح أحياناً شخصان غير مؤهلين في الاستيلاء على الحصة السوقية لإحدى الشركات الكبرى باستخدام جهاز كمبيوتر فقط. لماذا؟ لأن الشركات الكبرى تفتقر إلى قدرة مهمة، ألا وهي القدرة الريادية لتنفيذ الأفكار الجديدة، في حين تمتلك الشركات الناشئة القدرة على زعزعة سلاسل قيمة الشركات الراسخة إذا كانت أفكارها جوهرية ومُبتكرة.

وتتمثّل استجابة القادة في تطوير مشاريع استثمارية يكون مآلها الفشل عادة لافتقارها إلى الصفات الريادية نتيجة عملها لصالح أشخاص لا يشجّعون الابتكار، أو تأسيس شركة متفرعة (منبثقة) مستقلة هدفها الابتكار تواجه لاحقاً صعوبة في الاستفادة من الموارد التي تساعدها في كسب ميزة تنافسية. لكن الحل يكمن في تطوير شركة ناشئة هجينة تجمع بين أصول الشركة الكبرى والقدرات الريادية للشركة الناشئة.

فكرة المقالة باختصار

المشكلة

تتمتع الشركات الراسخة بالعديد من الموارد والقدرات التي تمنحها ميزة على الشركات الناشئة، لكن قد ينجح أحياناً شخصان غير مؤهلين في الاستيلاء على الحصة السوقية لإحدى الشركات الكبرى باستخدام جهاز كمبيوتر فقط.

لماذا تحدث؟

تفتقر الشركات الراسخة إلى الخبرات الريادية التي تتيح لها تنفيذ أفكارها، في حين تمتلك الشركات الناشئة القدرة على زعزعة سلاسل قيمة الشركات الراسخة إذا كانت أفكارها جوهرية ومُبتكرة.

الحل

إنشاء شركة ناشئة هجينة، وهو نموذج جديد يجمع بين أفضل الأشخاص والعمليات والموارد من داخل الشركة وخارجها. وتشير الدلائل إلى أن معدل نجاحها أكبر بمقدار مرتين أو 3 مرات من معدل نجاح شركة ناشئة مستقلة.

ونسلّط الضوء في هذه المقالة على بعض الشركات الكبرى التي أبرزت قيمة أصولها، ودافعت عن أسواقها، وأصبحت شركات رائدة رقمياً من خلال تأسيس شركات ناشئة هجينة بنجاح. وأجرينا بمساعدة قسم تطوير الأعمال التجارية في وحدة بي سي جي إكس (BCG X) (المعروفة سابقاً باسم بي سي جي ديجيتال فينتشرز (BCG Digital Ventures)) تحليلاً على أكثر من 200 مشروع من تلك المشاريع التي طُوّرت خلال السنوات التسع الماضية، بما فيها شركة شيدر (Cheddar) التي أسستها مجموعة كومنولث بنك في أستراليا، وشركة يو بي 42 (UP42) التي أسستها شركة إيرباص (Airbus)، وشركة إند بوينت (Endpoint) التابعة لشركة فيرست أميركان (First American)، وسناك بوكس (Snackbox) التابعة لشركة أيه آي أيه (AIA)، وشركة ربيبر سميث (RepairSmith) المنبثقة عن شركة مرسيدس-بنز، وهاي كار (Heycar) المنبثقة عن شركة فولكس فاغن، وشركة وير تو غو (Ware2Go) التابعة لشركة يو بي إس (UPS). ولا يزال حوالي 152 مشروعاً من بين تلك المشاريع المدرجة في العينة قائماً، في حين بيع 14 مشروعاً منها، وأُغلق 38 مشروعاً، كما يولّد العديد منها ما يقرب من 100 مليون دولار من العائدات سنوياً. وأجرينا تحليلاً على الشركات الناشئة الهجينة التي أُسّست بمساعدة شركات أخرى أيضاً، مثل شركة ليب (Leap) التي طورتها شركة ماكنزي وسبارك أوبتيموس (SparkOptimus) وكرييتف دوك (Creative Dock)، والتي حققت جميعها معدلات نجاح مماثلة. (على سبيل المثال، يحقق 55 من أصل 66 مشروعاً طورته شركة كرييتف دوك منذ عام 2012 إيرادات سنوية تزيد عن مليون دولار).

وتوفر هذه النتائج دليلاً قوياً على أن نموذج الشركات الناشئة الهجينة ناجح بالفعل، فقد أظهر تحليل شركة بي سي جي أن معدل نجاحه أعلى بمرتين أو ثلاث مرات من معدل نجاح الشركات الناشئة المستقلة.

لا بدّ أن ينطوي الهدف في النهاية على تحقيق توازن بين الارتباط بالأعمال الأساسية والاستقلالية.

ما أهمية تأسيس شركة ناشئة هجينة؟

توفّر التكنولوجيا الرقمية للشركات الكبرى العديد من الفرص لتأسيس شركات ناشئة هجينة. على سبيل المثال، ساعد رئيس تطوير الاستراتيجية في مجموعة كومنولث بنك، ستيوارت مونرو، في إطلاق شركة شيدر الناشئة للمدفوعات الرقمية والمكافآت النقدية، ويقول: "بما أن الغموض يكتنف توجّهات القطاع، علينا ألا نحصر تركيزنا على المنتجات التقليدية وأن نُثري القيمة الإجمالية المقدّمة لتلبية توقعات الزبائن واحتياجاتهم".

ومن بين الفوائد التي قد تعود على الشركات الكبرى عند تبنّيها نموذج الشركات الناشئة الهجينة خلق قيمة من الأصول الحالية بطرق جديدة، والتصدي للشركات المُزعزعة، وخلق أصول جديدة تكون بمثابة مكمّلات استراتيجية، والتحلّي بالمرونة.

لنتأمّل مثال شركة إيرباص الأوروبية العملاقة في مجال الطيران التي كانت تجمع كميات هائلة من البيانات العالية الجودة من الأقمار الصناعية وتخزنها. ألغت المنصات الرقمية القيود أمام وصول المؤسسات الأخرى إلى بيانات شركة إيرباص وأتاحت لشركة إيرباص أيضاً إعادة دمج بياناتها مع بيانات القطاع أو البيانات المتولّدة من الشركاء، فأطلقت شركتها الناشئة الهجينة يو بي 42، وهي منصة على مستوى القطاع هدفها الاستفادة من القيمة المخفية في الأصول الحالية، ما خلق مصدراً جديداً مهماً للإيرادات لها ولشركائها في المنصة. وتقدم شركة يو بي 42 اليوم بيانات جيومكانية وأدوات تحليلية وتطبيقات للزبائن في جميع أنحاء العالم.

وتُعدّ شركة فيرست أميركان الرائدة في تقديم المنتجات والخدمات المالية في قطاع العقارات أبرز مثال على الشركات الكبرى التي أسست شركة ناشئة هجينة لدرء آثار الزعزعة، وهي شركة إند بوينت التي تهدف إلى تسريع عمليات إنهاء الصفقات العقارية الروتينية البطيئة. ويوضح الرئيس التنفيذي للابتكار في شركة فيرست أميركان، بول هيرست، الفكرة بقوله: "الهدف هو الجمع بين قدرات الشركة الكبرى، بما فيها التوزيع والبيانات والملكية الفكرية وغيرها من الأصول، وبين المواهب الريادية التي تحتاج إليها لبناء مشروع تجاري جديد لخلق بعض المعجزات".

وبالمثل، عندما تُصبح الممارسات التي ترتكز عليها القدرات الريادية معروفة، مثل تصميم شركات ناشئة رشيقة، وتبنّي التفكير التصميمي والأساليب المرنة، فلن يصعب على المنافسين المحتملين تقليدها. ويجب أن تتعلم الشركات الراسخة كيفية إجراء تجارب سريعة وتوسيع نطاقها، وهو ما يمثّل في الأساس تدريباً على التحوّل المؤسسي. على سبيل المثال، يُشرف الرئيس التنفيذي لشركة إيه آي إيه، داميان ميو، على تأسيس شركة سناك بوكس، وهي شركة تقدم منتجات تأمينية بسيطة وقابلة للتخصيص. ومن الواضح أن هدف ميو هو التأثير على المؤسسة وجعلها تتبنى أساليب عمل جديدة، والعمل بوتيرة أسرع، والحفاظ على مستوى أعلى من الالتزام تجاه الزبائن.

وبالتالي، تتمثّل الخطوة الأولى في التفكير بهدف شركتك الناشئة الهجينة بشكل جدّي ومن ثم تحقيق توازن بين الاستقلالية والاندماج، فالاندماج مع شركة كبرى يتيح للشركة الناشئة استخدام الأصول المميزة أو تحويل أعمالها الأساسية أو توسيع نطاقها، لكنه قد يؤدي أيضاً إلى إبطاء المشروع، ويحدّ من التمويل الخارجي، ويصرف الانتباه عن الفرص الخارجية. وبالتالي، إذا كان هدفك الأساسي هو استخدام أصول الشركة الكبرى لتوليد تدفق إيرادات جديد، أو تطوير مكمّل استراتيجي، أو زعزعة عملك الحالي، فعليك ألا تدمج الشركة الناشئة حينها. على سبيل المثال، على الرغم من أن شركة إيرباص أرادت اكتساب مهارات رقمية جديدة من خارج الشركة، أصبحت شركة يو بي 42 منصة مستقلة ومحايدة ومنفتحة على التعاون مع أي شركاء في المستقبل.

وعلى النقيض من ذلك، إذا كان هدفك الرئيسي تحويل طبيعة الأعمال الأساسية لشركتك، فعليك الحفاظ على ارتباط الشركة الناشئة الهجينة بالمؤسسة، على سبيل المثال، احتاجت شركة سناك بوكس إلى مثل هذا الارتباط الوثيق لتنجح في تغيير شركة أيه آي أيه كلياً والاستفادة من التراخيص الباهظة التكلفة وتكنولوجيا الاكتتاب وشراكات المنتجات. وإذا اخترت الاندماج، فكن حذراً! إذ غالباً ما ترغب الشركة الكبرى في جعل الشركة الناشئة الهجينة تلتزم بقوانين الامتثال والتنظيم والعمليات المؤسسية الموضوعة لتتناسب مع حوالي مليون زبون، حتى لو كان لدى الشركة الناشئة الهجينة 20 زبوناً فقط، بحجة أن المواءمة ستكون ضرورية يوماً ما. لكن ذلك يقوّض السرعة والمرونة الضروريتين للنجاح ويهدر الموارد في حال تعثرت الشركة الناشئة.

ولا بدّ أن ينطوي الهدف في النهاية على تحقيق توازن بين الارتباط بالأعمال الأساسية والاستقلالية. ويوضح رئيس قسم المشاريع في مجموعة كومنولث بنك، توبي نورتون سميث، قائلاً: "تعلمت بعد سنوات التجربة والخطأ أن للمشكلة وجهين: الارتباط الوثيق بطبيعة العمل الأساسي [ما يؤدي إلى إبطاء المشروع] مقابل تبنّي توجهات الشركة الناشئة الجديدة كليّاً لدرجة انعدام الروابط التي تربطها بالشركة الكبرى [ما يحدّ من قابلية التوسع]، ولا بدّ لك بالتالي من تبنّي نهج وسطي".

من يتولى الإشراف على الشركة الناشئة الهجينة؟

ترغب الشركات الكبرى عادة أن يدير موظفوها المشاريع الجديدة، لكن قد يكون هذا النهج خاطئاً، فعلى الرغم من امتلاكها أصولاً وخبرات تساعد الشركات الناشئة على النجاح، فإنها لا تتمتّع بالقدرات الريادية لاكتشاف مكامن القيمة الجديدة، ما يجعل التحدي الرئيسي هو العثور على رائد أعمال حقيقي لقيادة المشروع.

لنتأمّل مثال شركة مرسيدس-بنز؛ عندما أرادت الشركة استغلال علاقاتها مع الزبائن للاستفادة من سوق إصلاح ما بعد البيع المربح للغاية، بحث مسؤولوها التنفيذيون عن خبير في قطاع السيارات لقيادة المشروع بدايةً، لكن عندما التقى أعضاء الفريق رائد الأعمال المتمرس، جول ميلن، قال لهم: "بما أنكم خبراء في صناعة السيارات، فلستم بحاجة إلى خبير آخر، بل أنتم بحاجة إلى شخص يعرف كيفية بناء شركة استهلاكية ناشئة من الألف إلى الياء، وهذا ما أفعله بالضبط".

وأثبت ميلن أهمية قدراته في مساعدة الشركة الناشئة الهجينة على تحقيق النجاح عندما أدرك إمكانية ابتكار نموذج عمل جديد. تمثّلت الخطة الأولية في تحويل خدمات إصلاح السيارات إلى سوق رقمية، فهو قطاع قديم لم يشهد تغييرات كثيرة خلال الـ 50 عاماً الماضية ونادراً ما تبنّى التكنولوجيا الرقمية. وبعد أن نجح ميلن والفريق في تطوير المنصة وإطلاقها، لاحظوا أن الزبائن يفضّلون التعامل مع ورشة إصلاح موثوقة، ما صعّب إنشاء علاقات مباشرة وطويلة الأمد مع مالكي السيارات.

وعندما أدرك ميلن أوجه القصور في نموذج العمل، اقترح على شركة مرسيدس تقديم إصلاحات ميدانية بدلاً تطوير منصة وسيطة بين المستهلكين وورش الإصلاح. ولاختبار الفكرة، طلب منتج الحد الأدنى (MVP): فاستأجر سيارة موديل يو-هول (U-Haul) خلال عطلة نهاية الأسبوع، ووظّف عامل صيانة، ونشر إعلانات على فيسبوك بتقديمه خدمات صيانة في مرائب المستهلكين. وكانت الاستجابة ناجحة للغاية لدرجة أن ميلن أضاف بسرعة خدمات حجز مواعيد الصيانة الميدانية عبر الهاتف المحمول والحصول على تقديرات التكلفة الصريحة على موقع الشركة على الويب.

وقدمت الشركة الناشئة الهجينة، ريبير سميث، صيانة ميدانية لأكثر من 150,000 مرة، وحققت صافي نقاط ترويج بنسبة 89% (في حين تبلغ نسبة صافي نقاط الترويج - Net Promoter Score - لشركة نتفليكس 68%) وما يقرب من 100% من نية إعادة الشراء، إضافة إلى هوامش أرباح عالية متميزة. وصرّح أحد كبار قادة الشركة المشاركين في تأسيس شركة ريبير سميث أن تعيين ميلن كان من بين أفضل القرارات التي اتخذتها شركة مرسيدس بنز: فقد كان يعرف كيفية بناء شركة ناشئة، وكان ملمّاً بجميع التفاصيل التكنولوجية ولديه صلات مع العديد من الأشخاص المغامرين القادرين على مساعدة الشركة على النمو.

كيف يمكن لشركة كبرى جذب رائد أعمال حقيقي للعمل في شركة ناشئة هجينة؟ يجب أن يكون التوازن الذي تقدمه الشركة الراسخة الراغبة في تمويل مشروع ما عامل جذب قوي. ويقول ميلن حول سبب انضمامه إلى شركة ريبير سميث: "أصعب مرحلة في تأسيس الشركات الناشئة هو نفاد الأموال والحاجة إلى جمع التبرعات طوال الوقت، في حين يُتيح لي النهج الهجين التركيز على دوري وشغفي فقط".

وبالإضافة إلى الأصول والأموال الرئيسية، توفر الشركة الكبرى المشروعية التي يفتقر إليها رائد الأعمال غالباً، على سبيل المثال، يتذكر ميلن سهولة استئجار مساحات عمل شركة ريبير سميث، والتواصل مع الشركاء المحتملين، وإنجاز مهام أخرى عادة ما تكون صعبة، لاستخدامه اسم العلامة التجارية. وتقدم الشركة الكبرى لروّاد الأعمال فرصة إحداث تأثير كبير أيضاً. وبشكل عام، يفرض العمل في بيئة الشركات الكبرى إجراء بعض التنازلات، مثل تقبّل الطبيعة البطيئة لسير العمليات؛ لكنها تنازلات بسيطة بالنسبة لأولئك الذين واجهوا تحديات في جمع الأموال.

بالإضافة إلى الأصول الرئيسية والأموال، توفر الشركة الكبرى المشروعية التي يفتقر إليها رائد الأعمال غالباً، فضلاً عن أنها توفر فرصة لإحداث تأثير أكبر.

مَن هم الأشخاص الذين يجب الاستعانة بهم من الشركة؟

ما يجعل المشروع الجديد هجيناً هو أنه يدمج الجهات الخارجية مع الجهات الداخلية. تتيح الجهات الداخلية الاستفادة من أصول الشركة الأم، وتساعد في خلق روابط مع أعمال الشركة الأساسية ونقل التعلّم من الشركة الناشئة، وتقدّم التوجيه حول كيفية إنجاز المهام، شرط اختيار الأشخاص المناسبين واعتبارهم شركاء متساوين مع الجهات الخارجية (وليس مدراء لهم)، وأن يكونوا على استعداد للعمل معهم بصفتهم فريقاً واحداً. من هم إذاً؟

لتحدد هوية الجهات الداخلية، اطرح هذا السؤال أولاً: "ما المعرفة التي نمتلكها والتي تحتاج إليها الشركة الناشئة الهجينة لخلق القيمة؟" ثم ابحث عن موظفين داخل شركتك يمتلكون تلك المعرفة وقادرين على التصرّف والعمل بصفتهم روّاد أعمال، وغالباً ما يكونون هم الأشخاص الذين يسعون إلى إحداث تغيير، ثم ادعهم للانضمام إلى الفريق وخصص نسبة 100% من وقتهم للمشروع. وتجنب المواهب "الكسولة" واختر أفضل الأشخاص لديك لتضمن استبقاءهم أيضاً. ويلاحظ هيرست من شركة فيرست أميركان قائلاً: "انجذبَ بعض أفضل العاملين في إدارة هندسة المنتجات وأصحاب المواهب إلى فكرة الانضمام إلى المشروع آملين في كسب المنفعة من العمل لصالح شركتين".

في الواقع، لا بدّ من تحقيق التوازن بين الجهات الداخلية والخارجية، فكثرة الجهات الداخلية ستصعّب عليك الاستفادة من قدرات روّاد الأعمال، في حين أن ضمّ القليل منها فقط يجعل التعلم من الشركة الناشئة أكثر صعوبة. ويوضح أنتوني باندمان، الذي أشرف على مشروع شركة فولكس فاغن الذي يهدف إلى إنشاء سوق للسيارات المستعملة، هاي كار، أن الشركة احتاجت إلى مطوري برمجيات رقميين، فوظّفت موظفين خارجيين، واحتاجت أيضاً إلى جهات داخلية لتسهيل التعلم: "الرئيس التنفيذي للشؤون المالية هو أحد موظفي شركة فولكس فاغن، لكنه موظف مهم جداً لأنه يساعدنا في دمج الخبرات المستقاة من شركة هاي كار في مؤسستنا".

تأسيس الشركة الناشئة الهجينة

على الرغم من أهمية البنية التنظيمية والقائد والفريق، يتطلّب نجاح المشروع أيضاً الاستفادة من القدرات الريادية لاكتشاف الاحتياجات الحقيقية غير الملباة واختبار حلول النماذج الأولية لابتكار خدمة أو منتج مستدام. وكانت مثل تلك الممارسات غامضة قبل 20 عاماً، لكنها مفصّلة اليوم في كتب مثل كتاب "الشركة الناشئة الرشيقة" (The Lean Startup) لإريك ريس وكتاب "التغيير بالتصميم" (Change by Design) لتيم براون وكتاب "نهج المبتكِر" (The Innovator’s Method) لناثان فير وجيف داير. وأعظم تحدٍ يواجه الشركات الكبرى اليوم هو إدراك حقيقة أن القدرات الريادية تشكّل مجموعة مهارات مهمة، مثل مهارات التسويق أو التمويل.

وبالحديث عن أهمية تلك القدرات، يتذكر باندرمان الجهود المبكرة لتأسيس شركة هاي كار بصفتها مشروعاً تقليدياً للشركة قائلاً: "بدأنا كتابة خطة حول كيفية تأسيسها، مضيفين فصلاً جديداً في كل مرة، وسرعان ما جمعنا لهذا المشروع 50 فصلاً يحدّد مستقبل سوق السيارات المستعملة. وحددنا الأطر الزمنية للمشروع بفترة عامين أو ثلاثة أعوام، لكن العالم تغيّر كثيراً بحلول موعد تأسيسها". ولحسن الحظ، أدركت شركة فولكس فاغن لاحقاً الحاجة إلى "شركة ريادة أعمال ناشئة".

يبدأ استكشاف روّاد الأعمال الفرص بتحديد حاجة الزبائن الحقيقية، وهي خطوة لا يؤدونها عادة من خلال إجراء الاستقصاءات والمجموعات المركزة أو الاعتماد على البحوث الثانوية، بل يطبقون تقنيات إثنوغرافية عن وعي أو بدون وعي، ويقضون أسابيع في إجراء المقابلات الشخصية والمراقبة العميقة لتجارب ما لا يقل عن 12 إلى 16 زبوناً (وغالباً أكثر من هذا العدد) وجهاً لوجه.

وقد يكشف هذا البحث النوعي العميق عن الفرص التي يغفل عنها الآخرون. ويتذكر أحد الشركاء في وحدة بي سي جي إكس، ماتياس إنتنمان، الذي يقدّم المشورة بشأن شركة هاي كار قائلاً: "اعتقدنا بداية أن سوق السيارات المستعملة كان مشبعاً بالفعل، وأن شركة فولكس فاغن تأخرت سنوات لدخوله، لكننا أدركنا عندما ألقينا نظرة فاحصة أن السوق مُتراجع ويضمّ فرصاً كبيرة للابتكار والزعزعة". وأدركت شركة فولكس فاغن من خلال الانخراط المباشر في السوق مدى إحباط التجار والمستهلكين من أسواق السيارات عبر الإنترنت التي غالباً ما تكون مليئة بالإعلانات المزيفة.

وتستمر مرحلة الاكتشاف هذه حوالي 10 أسابيع عادة وتولّد مئات الأفكار استناداً إلى الاحتكاكات التجارية المُكتشفة في السوق. ثم يختبر الفريق كل فكرة بطرح 4 أسئلة بسيطة بالترتيب التالي: (1) هل الاحتكاك مهم؟ (الرغبة) (2) هل يمكن لفكرتنا إصلاح المشكلة؟ (الجدوى) (3) هل يمكننا التفوّق على أفكار منافسينا؟ (قابلية التطبيق) (4) هل يمكن توسيع الفكرة؟ (قابلية التوسع). وتبدأ الأسئلة بتحديد مقدار الرغبة عادة، وذلك لاعتماد كل شيء آخر عليها، على الرغم من أن تحديدها ليس بالأمر الهيّن أيضاً. ويبقى الاختبار الحاسم هو حجم المشكلة التي تهدف الفكرة إلى حلها أو الفائدة التي تجلبها للزبائن، وهي إجابات نستخلصها من البحث الإثنوغرافي الأولي.

وبمجرد تحديد عدد قليل من المشكلات الكبيرة، تصنع الفرق نماذج أولية وتُجري اختبارات سريعة لتحديد جدواها وقابلية تطبيقها. على سبيل المثال، لاحظ فريق الشركة الناشئة الهجينة في شركة يو بي إس أن أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم يقضون عطلات نهاية الأسبوع في القيادة إلى وحدات التخزين الذاتي والعمل حتى وقت متأخر لتعبئة الطلبات المتراكمة وشحنها. ماذا لو تمكنت شركة يو بي إس من تطوير خدمة تخزين وخدمات لوجستية شاملة مثل مركز تلبية الطلبات في شركة أمازون وجعلها متاحة للجميع؟ كيف يمكن وضع نموذج أوّلي لمثل هذه الخدمة؟ وصف نائب رئيس شركة يو بي إس لتجارة التجزئة العالمية والتجارة الإلكترونية، نيك باسفورد، تعاقدهم مع شركة صغيرة كانت تبيع كاتمات صوت عبر الإنترنت، واستئجارهم وحدة تخزين لها، ومحاكاة منصة تلبية الطلبات. وقدّم لهم منتج الحد الأدنى هذا دروساً حول ما يجب تطويره لتقديم أفضل خدمة للزبائن، وقد نمت شركة وير تو غو الناشئة الهجينة المنبثقة عن شركة يو بي إس بالفعل وحققت أرباحاً وافرة على مدار السنوات الأربع الماضية.

وإذا قلت في قرارة نفسك: لدينا بالفعل مختبر ابتكار مؤسسي متخصص، فلعلّ الوقت قد حان للتفكير مرة أخرى، إذ تُعتبر السرعة والتوسّع والدقة من الأمور المهمة في هذه العملية. وعلى الرغم من نجاح مثل تلك المختبرات في إجراء بحوث المستهلكين والعصف الذهني، وتقديمها بعض النماذج الأولية الأساسية بالفعل، فإنها لا تصل عادة إلى غايتها. ولهذا السبب تجمع وحدة بي سي جي إكس في كل مشروع تقدّم المشورة بشأنه بين قادة الشركات الكبرى وفرق الشركات الناشئة الهجينة والزبائن وكادر من المهندسين والمصممين والمبرمجين لمدة 48 ساعة لوضع نماذج أولية بسرعة واختبارها في عملية تدعوها "المضمار" هدفها توليد بيانات مدعومة من الزبائن تتيح لفرق الشركات الناشئة استخدامها لاتخاذ قرارات بشأن الأفكار التي يجب الاستثمار فيها.

نظراً لأن التكنولوجيا تُلغي الحواجز المألوفة، تحتاج الشركات الراسخة إلى معرفة كيفية التحوّل إلى شركات تكنولوجية قبل أن تكتشف شركات التكنولوجيا أعمالها.

تحقيق قابلية التوسع

يقول بول هيرست: "لا يقتصر النجاح على تطوير المنتجات فقط، لأن هذا النهج محدود للغاية، بل إننا نطوّر استراتيجية دخول السوق ونبني العمليات ونكوّن فرق المبيعات ونجهّز كل ما هو مطلوب لتأسيس شركة جديدة منذ اليوم الأول". وتعتمد قابلية التوسّع أيضاً على تحديد نموذج العمل المناسب ودمجه مع العمل الأساسي.

ولعلّ أهم عنصر في تحديد قابلية التوسع هو اكتشاف اقتصاديات وحدة نموذج العمل، إذ تمثّل تلك الاقتصاديات تحوّلاً كبيراً عن المقاييس المألوفة لدى الشركات الكبرى، مثل العائد على الاستثمار، وتدعم في الوقت نفسه نجاح الشركات الناشئة الشهيرة، مثل دروب بوكس وأمازون وزالاندو (Zalando)، فقد أدركت هذه الشركات عند تأسيسها أنه إذا كانت تكلفة اكتساب العملاء أقل بمقدار 3 أضعاف من القيمة الدائمة للعميل، فستجني أرباحاً كثيرة: فكل دولار يُنفق لاكتساب عميل، سيتضاعف بعد ذلك إلى 3 دولارات. ويوضح المدير الإداري لوحدة بي سي جي إكس وخبير التسويق في الشركات الناشئة الهجينة، روبرت ديرو، أن الهدف هو "اقتصاديات الوحدة على مستوى السمات المستهدفة، ما يعني إمكانية تحليل تكلفة اكتساب العملاء أو القيمة الدائمة للعميل بحسب القناة، أو المجموعة، وبحسب سمات مثل العمر والنوع والكلمات الرئيسية والموقع الجغرافي".

على سبيل المثال، عندما بدأت شركة أيه آي أيه استكشاف استراتيجية دخول السوق الخاصة بشركة سناك بوكس، جرّبت 5 طرق لوصف الشركة الناشئة في حملة إعلانية دامت 7 أيام على قنوات مثل جوجل وفيسبوك ولينكد إن. ووصلت الإعلانات إلى 2,000 عميل محتمل بالفعل وكانت نسبة النقر إلى الظهور أعلى بنسبة 52% من متوسط نسبة النقر إلى الظهور البالغة 0.56% للإعلانات المالية وإعلانات التأمين. وكان ذلك مؤشراً إيجابياً للغاية. لكن الشركة استخدمت الاختبارات لإجراء بحوث أعمق أيضاً، ووجدت مثلاً أن عبارة "التأمين الصغير الميسور التكلفة" فاقت في الأداء عبارة "سوق التأمين الصغير" والأوصاف الأخرى بمقدار 4 أضعاف، فاستخدمت صفحات هبوط (Landing Pages) مؤقتة لجمع معلومات حول هوية الأشخاص المهتمين وتحديد تفضيلاتهم، مثل الفيديو مقابل النصوص، ووضعت بالاستفادة من البيانات الثرية حول القنوات والتكاليف والعائدات استراتيجية دخول قابلة للتطوير وقلّلت مخاطر الاستثمار.

وقد تختلف المقاييس الفعالة وفقاً لنوع الشركة الناشئة الهجينة ومراحلها بالطبع. على سبيل المثال، تحاول شركة إند بوينت المنبثقة عن شركة فيرست أميركان والتي تتحدى الوضع الراهن لعمليات حساب الضمان (Escrow) التقليدية تعزيز فعالية موظفيها، وهو النهج الذي تُطلق عليه اسم خلق "أشخاص إلكترونيين".

كما تدرس شركة يو بي 42 التابعة لشركة إيرباص فكرة الاستحواذ على شركاء جدد، وتنويع بيانات الشركاء ومنتجات التحليلات المحوسبة على المنصة، والاستفادة من الزبائن النشطين والإيرادات.

وقد تتطلب قابلية التوسّع إجراء بعض التغييرات المؤسسية أيضاً. على سبيل المثال، قاد كل من نائب الرئيس التنفيذي لشركة إيرباص، إيفرت دودوك، والنائب الأول لرئيس الشركة، فرانسوا لومبارد، والرئيس التنفيذي لشركة يو بي 42، شون وييد، مهمة تطوير المنصة لتسويق ثروة بيانات شركة إيرباص غير المستغلة تجارياً، وهو ما تطلّب تطوير منصة من ثلاث مستويات تمثّلت في البيانات والتحليلات المحوسبة والتطبيقات، وإعادة دمج بيانات شركة إيرباص مع بيانات الشركاء وحتى المنافسين، وللقيام بذلك بصورة جيدة استلزم ذلك إنشاء كيان منفصل لطمأنة المنافسين باستقلالية يو بي إس 42 ومن ثم توفير مشاركة عادلة في الإيرادات لجذب الشركاء المهمين. وبما أن مطوري البرمجيات عزموا على أن تحقق شركة يو بي 42 الناشئة الهجينة النجاح، استحوذت الشركة على 55 شريكاً حتى الآن، ولا يزال نمو إيراداتها يتضاعف مرتين أو ثلاث مرات كل عام.

أخيراً، تتطلب قابلية التوسّع ضمان توافق المشروع مع نظام الشركة، ولا يعني ذلك أن يبدأ المشروع العمل وفقاً لمتطلبات عمليات الشركة الكبرى وقوانينها، فذلك يقوّض هدف الشركة الناشئة الهجينة المتمثّل في زيادة القدرات الريادية وتعزيز سرعتها أو قد يلغيه تماماً، بل يعني تطوير مشروع يحقق الاندماج مع الشركة يوماً ما. وذلك هو أحد الأسباب التي تجعل مثل تلك المشاريع هجينة، فهي تحافظ على ارتباطها بالعمل التجاري الأساسي لتتيح تبادل المعارف والتعلم.

نظراً لأن التكنولوجيا تُلغي الحواجز المألوفة، تحتاج الشركات الراسخة إلى معرفة كيفية التحوّل إلى شركات تكنولوجية قبل أن تكتشف شركات التكنولوجيا أعمالها. ويمكن للشركات الناشئة الهجينة الجيدة التصميم والإدارة أن تخلق مصادر جديدة للنمو من الأصول الحالية للشركة، وأن تمثّل أداة للتحوّل، وأن تنقل الرؤى الثاقبة والقدرات إلى أعمال الشركة الأساسية وتساعدها على الصمود في المستقبل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي