عندما قررت أنا وديمتري زاباروجيتس في عام 2013 إطلاق مشروع تجاري قائم على غِت لاب (GitLab) (وهو تطبيق مفتوح المصدر لتطوير البرمجيات بشكل تعاوني، وقد صممه ديمتري وكنت أعمل عليه)، لم يكن الهدف هو تحويله إلى واحدة من أكبر الشركات التي يعمل جميع موظفيها عن بُعد في العالم. كل ما في الأمر أن هناك 2,000 كيلومتر بيننا، فهو في أوكرانيا وأنا في هولندا، وكان أول موظف نعينه يعيش في صربيا. ولم يرغب أي منا في نقل مكان سكنه، لذلك بدأت غِت لاب حياتها المؤسسية بقوة عمل صغيرة تعمل من أماكن متفرقة.
عندما قمنا بتعيين المزيد من أعضاء الفريق المقيمين في هولندا، كان منزلي هو مكتبنا في البداية. وكانوا يأتون كل صباح، ونكتب الرموز البرمجية ونحن نعمل جنباً إلى جنب، ثم يعودون إلى منازلهم. ولكن في غضون أيام قليلة، أدركنا أننا لسنا بحاجة إلى الوجود معاً في مكان واحد لكي نعمل بفعالية، ولذلك أصبح أعضاء الفريق يعملون من أماكن مختلفة.
بحلول عام 2015، شاركنا في معسكر تدريب مقدَّم من مسرعة الأعمال واي كومبينيتور (Y Combinator)، وكنا على استعداد لتوسيع نطاق أعمالنا في الولايات المتحدة. كان مستثمرونا داعمين لكنهم اقترحوا أن ننشئ مقراً رئيسياً في الولايات المتحدة بدعوى أنه ربما يمكن لمهندسينا العمل من أي مكان، ولكن فِرق المبيعات والتمويل ستواجه صعوبة في القيام بذلك. ولذلك انتقلتُ إلى منطقة خليج سان فرانسيسكو، وافتتحنا مكتباً هناك. ومجدداً، ظل أعضاء فريقنا الجدد يحضرون إلى المكتب لبضعة أيام، ولكنهم عادوا بعد ذلك إلى العمل من منازلهم أو أماكن أخرى. ورأينا مجدداً أن تجمعنا في مكان واحد لم يكن ضرورياً لابتكار منتج رائع وتسويقه. ولذلك أعلنت أنا وديمتري الأمر رسمياً: ستكون غِت لاب شركة يعمل جميع موظفيها عن بُعد.
اليوم يعمل أكثر من 2,000 عضو في فريقنا من نحو 60 دولة ومنطقة حول العالم. ولا نمتلك ولا نستأجر أي مساحة مكتبية، ونؤمن أن اعتمادنا المبكر لنهج العمل عن بُعد بالكامل قد جعلنا شركة أفضل وأكثر قابلية للتوسع.
قبل أن تسرّع جائحة كوفيد-19 هذا التحول في المؤسسات الأخرى، اعتمدنا أفضل الممارسات حول التعاون عن بُعد وطورناها. فقد علمنا أن النجاح يعتمد على قياس النتائج وليس الإسهامات، والتوافق بين موظفينا ومعاييرنا وقيمنا، وضمان أن تكون السياسات والعمليات موثقة باستمرار وعلناً، وتعزيز مهارات الإدارة الذاتية وإدارة الأفراد. ونتيجة لذلك، تمكنا من توظيف أفضل المواهب من جميع أنحاء العالم وتسخير طاقاتها لزيادة الإيرادات الفصلية لتصل إلى 113 مليون دولار وتحقيق نمو سنوي بنسبة 69% اعتباراً من الربع المنتهي في 31 أكتوبر/تشرين الأول عام 2022. والآن، وبعد أن بدأت الشركات الكبرى والناشئة الأخرى تجربة الانتقال إلى العمل عن بُعد بالكامل، نأمل أن نشارك الدروس التي تعلمناها.
النتائج وليس الإسهامات
لن تتفاجأ إذا علمت أننا نستخدم منصة غِت لاب للتعاون في كتابة رموزنا البرمجية ومراجعتها واستكشاف الأخطاء وإصلاحها وإطلاقها ومراقبة أدائها. ينشئ المدراء مشروعاً، نطلق عليه "مُنجزاً" في مصطلحاتنا، ويتم من خلاله إكمال مهام أو "مسائل" محددة. ويتم تكليف عضو واحد أو أكثر في الفريق بالعمل على مسألة أو أكثر من هذه المسائل عبر "طلب دمج" موسوم بعلامة "قيد العمل". يتبادل الزملاء العمل على المسألة إلى أن يروا أنها جاهزة "للاختبار" و"الانطلاق". ثم يتم إخضاع الرموز البرمجية لسلسلة من أدوات التشخيص التي تختبر الدقة والأمان والأداء. إذا كان البرنامج مقبولاً، حينها يتم إطلاقه، ونتتبع أداءه. وإذا تم تحديد مشكلات، يقوم الفريق بالتطوير المتكرر للعثور على حلول. ويظل كل تاريخ العمل هذا متاحاً للجميع للرجوع إليه.
كانت النسخة الأولي التي أعدها ديمتري لغِت لاب عبارة عن أداة مفتوحة المصدر، والمبرمجون الذين استخدموها أسهموا في كتابة الرموز البرمجية الأساسية. انضممت بهدف تطوير نسخة أقوى لبيعها للشركات الكبرى، وفي عام 2014 غيرنا نموذج عملنا للتركيز على هذا العرض المدفوع مع ترك الأداة الأساسية متاحة للجميع بلا مقابل. حدث ذلك عندما بدأنا تعيين المزيد من الأشخاص.
أعترف أنني كنت قلقاً بعض الشيء عندما توقف أعضاء الفريق الهولندي القلائل من الأوائل عن القدوم إلى المكتب الذي أعددته في منزلي لنعمل فيه. وكنت أتساءل: ألم تكن الكراسي مريحة بما يكفي؟ ألم تكن الوجبات الخفيفة لذيذة؟ هل نسيت أن أستحم؟ أكد لي زملائي أن السبب يتعلق بهم وليس بي: فقد كانوا ببساطة أكثر إنتاجية عندما عملوا في الوقت الذي يناسبهم وفي الأماكن التي يشعرون بالراحة فيها دون الاضطرار إلى الذهاب إلى مكان العمل والعودة منه. كانت لدينا جميع الأدوات التكنولوجية التي نحتاج إليها، مثل سلاك وزووم وكاميرات الويب وجوجل دوكس وبالطبع غِت لاب، للتواصل والتعاون وحتى بناء العلاقات. وما هو الشيء الأكثر أهمية لي ولديمتري؟ إحراز تقدم وتحقيق النتائج. ولا يُقاس النجاح بالإسهامات مثل الساعات التي يقضيها الموظف في المكتب، بل بالنتائج التي تحققها.
اليوم في غِت لاب، أعمل مع الفريق التنفيذي لتحديد الأهداف والنتائج الرئيسية على مستوى الشركة لكل ربع سنة، ولكن الفِرق المعنية هي التي تقرر كيف تريد تحقيق هذه الأهداف. يوافق كل فريق على الأهداف والنتائج الرئيسية ذات الصلة به وعلى كيفية إسناد بنود العمل، ثم يمكن لكل عضو القيام بالعمل في المواعيد والأماكن التي يختارها.
وبدلاً من تتبع ساعات العمل المسجلة، نتبع المقاييس الأكثر أهمية لكل قسم. على سبيل المثال، بالنسبة لمندوبي المبيعات، هذه المقاييس هي إجمالي المبيعات ورضا العملاء، ولموظفي دعم العملاء فهي زمن الاستجابة وحل المشكلة، ولمهندسي البرمجيات هي سرعة التطوير والنشر. ومن المثير للاهتمام أننا عندما قررنا بدء قياس عدد بنود العمل التي تمكّن المهندسون من "إنهاء العمل عليها" أو "شحنها" في شهر واحد، بدلاً من عدد المشروعات الكاملة التي أنجزوها، أخبرنا العديد من الأشخاص أنهم تمكنوا من مضاعفة النتائج بتقسيم العمل إلى أجزاء أصغر. طلبنا منهم الاستمرار، وقد أسفر نهج التجزئة هذا عن نتائج أسرع وأفضل.
التوافق الثقافي
هناك طريقة أخرى نقيس بها أداء أعضاء الفريق: من خلال مدى نجاحهم في العمل على منصة غِت لاب والتمسك بقيمنا، لأن هذا التوافق بالغ الأهمية، لا سيما في شركة سريعة النمو يعمل جميع موظفيها عن بُعد.
تقوم كل ثقافة مؤسسية على معايير وقيم. المعايير هي السياسات والممارسات التي توجه كيفية إنجاز العمل وكيفية تواصل الزملاء، وما إلى ذلك. والقيم تمثل ما تهتم به المؤسسة، وأهم قيمتين في غِت لاب هما النتائج والتطوير المتكرر.
يوثق كتيب غِت لاب ثقافتنا ويعكسها. وهو موسوعة متطورة عبر الإنترنت تحتوي على أكثر من 2,000 صفحة ويب من المعلومات، بما في ذلك إجابات عن أسئلة أساسية مثل "كيف أُنشئ طلب دمج؟" و"كيف أقدّم تقرير مصروفات؟"، وقائمة بالطرق الـ 22 التي نرسخ بها قيمنا، بدءاً من تشجيع الموظفين الذين يتمسكون بها من خلال منحهم كتاب أغانٍ خاص بالشركة مليء بأغانٍ تم تغيير كلماتها وفقاً لطبيعة عمل الشركة مثل "You’re the Iteration" وهي النسخة المعدّلة من أغنية "You’re the Inspiration" لفريق شيكاغو وغالباً ما نغنيها في حفلات الكاريوكي التي ننظمها للفريق (حيث تم استخدام كلمة Iteration التي تعني "التطوير المتكرر"، بدلاً من Inspiration التي تعني "مصدر إلهام").
أنا وبقية أعضاء الفريق التنفيذي نطبق ما نعظ به. إذا ذهبت إلى قسم الفريق بالكتيب ونقرت فوق صورتي ورابط "اقرأ المزيد"، فلن تجد سيرتي الذاتية فقط بل ستجد أيضاً قائمة بعيوبي (مع توجيهات لإخباري بالمواقف التي تظهر فيها هذه العيوب أو إشارة إلى تلك التي لم ألاحظها بعد)، ونصائح من مرؤوسيّ المباشرين حول كيفية العمل معي، وتعليمات بشأن ترتيب لقاء فردي معي، وجدولاً يضم مواعيد اجتماعاتي الدورية من بينها الاجتماع الشهري الذي يُعقد خلال ساعات العمل وألتقي خلاله بجميع أعضاء الفريق عن بُعد للتحدث عن كيفية التحسن في الابتكار التجريبي وتقليص نطاق كل مشروع حتى نتمكن من إنهاء العمل في وقت أقرب.
يتمثل أحد المخاوف الكبرى بشأن قوة العمل "التي تعمل من أماكن متفرقة" في أن الموظفين سيفتقدون نقل المعارف الذي يحدث عندما يعمل الجميع في المكان نفسه، وكذلك القدرة على استشارة الزملاء آنياً. ويساعدنا الكتيب في حل هذه المشكلة لأنه مصدر معلومات يمكن لأي شخص الوصول إليها في أي وقت. لا يمكن لأعضاء فريقنا التوقف عند مكتب زميل لطلب المساعدة، ولكن يمكنهم استشارة مرجع محدَّث ومُعدَّل بصورة جماعية للحصول على الإجابات التي يحتاجون إليها.
إذا لم يكن ما يحتاجون إلى معرفته موجوداً في الكتيب، فإن الخطوة التالية هي العمل مع الزملاء عبر سلاك أو زووم لفهم المعلومات الصحيحة أو مسار العمل المناسب أو اتخاذ قرار بهذا الشأن، ثم إضافة تلك المعلومات إلى الكتيب. يتطلب هذا القليل من الوقت والطاقة على المدى القصير، ولكنه يحقق فوائد كبيرة على المدى الطويل.
غِت لاب محظوظة لأنها عملت بهذه الطريقة منذ البداية. ففي الشركات الناشئة عادة ما تُبنى الثقافة وتنتشر بصورة غير رسمية. ولكن مع توسع المؤسسات في مكاتب ومدن ودول متعددة، يصبح التوثيق الرسمي وترسيخ القواعد والقيم أكثر أهمية. تجد شركات عديدة صعوبة في القيام بهذا التحول، ونحن لم نضطر قط إلى القيام به؛ فقد كنا نعرف دائماً كيف يمكننا التأكد من أن أعضاء فريقنا على توافق، على الرغم من عملهم من أماكن متفرقة.
لا يمكن لأعضاء فريقنا التوقف عند مكتب زميل لطلب المساعدة، ولكن يمكنهم استشارة مرجع محدَّث ومُعدَّل بصورة جماعية للحصول على الإجابات التي يحتاجون إليها.
إتاحة كل شيء للجميع
من الأسباب الرئيسية وراء انجذاب غِت لاب إلى "العمل من أماكن متفرقة"، وتوخي الشفافية كقيمة أساسية، هو طبيعة أداتنا المفتوحة المصدر. فقد أراد ديمتري منذ البداية أن يتمكن الجميع من رؤية الرموز البرمجية والبناء عليها. ونحصل على مئات الإسهامات من مجتمعنا كل ربع سنة. من خلال تجنب العمل في مكاتب، نضع المتعاونين الخارجيين، بما في ذلك العملاء مثل غولدمان ساكس (Goldman Sachs) وتي موبايل (T-Mobile) ولوكهيد مارتن (Lockheed Martin)، على مستوى متكافئ مع أعضاء فريق غِت لاب. فنحن جميعاً مرتبطون بمكان العمل نفسه عبر الإنترنت، ما يجعل التطوير التعاوني للبرمجيات أكثر كفاءة.
ونتيح أيضاً معظم معلومات شركتنا، وننشر قائمة مفصلة بما لا نرغب في مشاركته أو لا نستطيع مشاركته. فالنشر للعامة هو الإعداد الافتراضي، وتتم الإشارة إلى أي استثناءات.
الكتيب، على سبيل المثال، متاح للجميع على الإنترنت للاطلاع على: قواعد البرمجة وكتاب الأغاني ولمحة عن عيوبي، فهو يحتوي على كل شيء. ونتيجة لذلك فإن أعضاء فريق غِت لاب ليسوا الوحيدين الذين يستخدمون المنصة لحل المشكلات. فقد أخبرنا العديد من الأشخاص خارج الشركة، لا سيما هؤلاء الذين يعملون في مجال تطوير البرمجيات، أنهم عندما لا يعرفون كيف يمكنهم متابعة العمل على مهمة ما، غالباً ما يبحثون في جوجل عن مشكلتهم عن طريق كتابة المشكلة ثم علامة "+" ثم كتيب غِت لاب (GitLab Handbook)، لمعرفة ما إن كانت سياساتنا وممارساتنا يمكن أن تساعدهم، أو أن تكون مصدر إلهام لهم على الأقل.
ساعدنا التزامنا بالشفافية على كسب العملاء والمستثمرين والمواهب لأنه يبني الثقة. ويدرك أصحاب المصلحة أن التزامنا بهذا القدر الكبير من الشفافية يجعلنا مسؤولين عن معالجة المشكلات وتوفير حلول. على سبيل المثال، من خلال نشر الدليل التفصيلي لمنتجنا في الكتيب، فإننا نسمح للجميع برؤية ما هو قادم. وإذا بحثت في جوجل عن "عملية إعداد الموظفين الجدد في غِت لاب" (GitLab Onboarding)، فستتعرف على 200 خطوة في هذه العملية تشمل مهام الفرد والمدير وبقية موظفي الشركة. يخبرنا المتقدمون والموظفون الجدد أنهم ممتنون لأننا نتيح لهم معرفة ما يجب أن يتوقعوه منا تحديداً. وفيما يتعلق بالعمل على منتجنا، يمكن لجميع أعضاء الفريق مراجعة طلبات الدمج والمسائل والتزامات الآخرين.
الفكرة التي نتحدث عنها كثيراً هي الحاجة إلى تقبُّل الرأي الآخر. فإذا رأى زميل، مقرب أو غير مقرب، الرمز البرمجي الذي كتبته وكان لديه اقتراح لتحسينه، فلا تنزعج، بل تقبَّله بصدر رحب. فنحن نشجع على التعامل مع الأعمال قيد الإنجاز لضمان حدوث ذلك كثيراً قدر الإمكان.
نظّمنا مؤخراً ما نسميه بـ "الاجتماعات الأساسية": إذ نطلب من كل قسم تقديم عروض تقديمية عن بُعد حول التقدم الذي أحرزه في تحقيق الأهداف والنتائج الرئيسية الربع سنوية والمؤشرات الرئيسية والمسائل المهمة، ليس فقط للفريق التنفيذي ولكن أيضاً لنطاق أوسع من الجمهور المتعدد التخصصات من جميع أنحاء الشركة. ننشر جدول أعمال الاجتماع، ويرسل الموظفون أسئلتهم. ويحضر بعضهم الاجتماع، ويستمع آخرون إلى التسجيل، ونناقش الموضوعات كمجموعة ولا تكون المحادثات بمعزل عن بعضها.
الإدارة الرشيدة
سواء كنت تقود فريقاً يعمل أعضاؤه معاً أو فريقاً يعمل جميع أعضائه عن بُعد، فإن العديد من قواعد الإدارة الرشيدة تنطبق عليك. القاعدة الأولى هي إظهار الإدارة الذاتية والتشجيع عليها، ما نسميه أن تكون "مدير نفسك". نُعين أشخاصاً يتحلون بروح المبادرة وندربهم بحيث يمكنهم التعامل مع الاستقلالية المقترنة بالعمل عن بُعد والمشاركة بفعالية مع فرقهم.
نتوقع أن يستضيف جميع المدراء والمسؤولين التنفيذيين اجتماعات منتظمة للفريق واجتماعات فردية، وأن يطبقوا سياسة الباب المفتوح (عبر سلاك وزووم). لا ينبغي أن يكون الانشغال الشديد عن التواصل مع الآخرين مصدر فخر. إذ يُعد التواصل غير الرسمي بالغ الأهمية، لا سيما للفِرق التي تعمل عن بُعد، لذلك ينبغي لنا جميعاً تخصيص وقت له. في الواقع، أشاع أحد أعضاء الفريق مفهوم "دردشة مع فنجان القهوة"، حيث يعقد اجتماعاً افتراضياً قصيراً مع زميل دون جدول أعمال، ما يساعد على إجراء المحادثة بتلقائية كما لو كانت في مصعد أو ردهة الشركة. وهذه ممارسة اعتيادية في غِت لاب منذ سنوات وحتى الآن.
نشجع أيضاً على عقد اجتماعات وجهاً لوجه. تعقد الفِرق المختلفة هذه الاجتماعات بوتيرة مختلفة، ولكن خلال الشهر الأول من كل ربع سنة، ندعو أعضاء الفريق لاستخدام "منحة التجمع" للقاء أحد أعضاء الفريق إما وجهاً لوجه وإما عن بُعد. قبل الجائحة كان جميع موظفي الشركة يجتمعون مرة واحدة في السنة في مدن مثل كيب تاون أو نيو أورلينز لمدة أسبوع يشاركون خلاله في ورش عمل وأنشطة تركز على وضع الاستراتيجيات وبناء الفريق.
في بعض الجوانب نتبع أفضل الممارسات نفسها التي تتبعها الشركات الأخرى التي تفكر بطريقة مدروسة. على سبيل المثال، نعمل مع أعضاء الفريق لوضع خطة رسمية للمسار المهني والنمو. فذلك يساعد حتى الأشخاص الذين يعملون من أكثر الأماكن بُعداً على الشعور أنهم في أمان. وفي المجالات الإدارية الأخرى نعمل على إرساء معايير جديدة. لنأخذ اجتماعات الفريق مثالاً. تدوم معظم اجتماعاتنا لمدة 25 دقيقة، ما يحقق قدراً أكبر من الكفاءة. ويتم تدوين الملاحظات بصورة تعاونية وآنياً في مستند بجوجل دوكس، ما يساعد في توضيح بنود العمل الناتجة وتسجيلها، مع توفير أفكار مفصلة للأشخاص الذين لم يتمكنوا من الحضور لمعرفة ما فاتهم. استخدمنا هذه الأفكار والعديد من الأفكار الأخرى في نظام نسميه "نظام تشغيل الفريق" أو "تيم أوبس" (TeamOps) وجعلناها متاحة للجميع كدليل لأي مؤسسة (سواء كانت تتبع نظام العمل عن بُعد أو نظام العمل الهجين أو العمل في مكان واحد) تتطلع إلى تحسين عملية صنع القرار على نحو تعاوني وعملية التنفيذ، وتسريعهما. ومنذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2022 أصبحنا نقدم أيضاً شهادة في نظام "تيم أوبس" لغير موظفي الشركة.
نظراً إلى زيادة عدد الشركات القائمة على العمل المعرفي التي تفكر في الطريقة التي تريد أن تعمل بها في عالم ما بعد كوفيد، فقد تفاجأنا عندما علمنا أن الكثير من الشركات تصر على عودة الموظفين إلى المكتب، إما بدوام كامل وإما بدوام جزئي، على الرغم من الزيادة الكبيرة في الإنتاجية التي شهدتها في أثناء فرض الحظر الشامل.
في رأينا، يسير العمل وجهاً لوجه على نحو جيد إلى أن يخرج العمل عن غرفة واحدة. فبمجرد التوسع إلى طوابق ومواقع أخرى، يصبح العمل "عن بُعد" على أي حال. أما العمل الهجين فهو أسوأ ما في العالمين، لأنه يخلق فجوة بين مَن هم في المكتب ومَن هم خارجه. أعتقد أنه يمكننا جميعاً الاعتراف بأن عقد الاجتماعات مع وجود نصف الأشخاص في غرفة والنصف الآخر على زووم عادة ما يكون كارثياً.
نؤمن في غِت لاب أن الفِرق التي تعمل من أماكن متفرقة والمدعومة بالتكنولوجيا هي مستقبل العمل المعرفي. وقد استطعنا توظيف مواهب استثنائية من جميع أنحاء العالم، وتعريف موظفينا بنوع أكثر مرونة وإنتاجية من العمل الجماعي الذي دفع شركتنا إلى آفاق جديدة. ولكن السبب في نجاحنا هو تمسكنا الشديد بالمبادئ التي وصفتها أعلاه. نأمل أن تحذو المزيد من المؤسسات حذونا، وأن تتعلم كيفية إدارة موظفين يعملون جميعاً عن بُعد على نحو جيد.