في إحدى الجلسات التدريبية، كان جلال، وهو مسؤول تنفيذي متميز في شركة تكنولوجيا سريعة النمو، يجلس أمام صالح ويعبّر عن استيائه من مديره. كانت مشاعر الإحباط واضحة عليه؛ إذ قال: "إنه لا يفهم مشاريعنا ولا يمتلك خبرة فنية أو رؤية استراتيجية، كما يبدو أنه يمثّل عقبة بدلاً من أن يكون قائداً حقيقياً". كان جلال مقتنعاً بأن مديره بعيد تماماً عن الواقع ولا يضيف أي قيمة.
لم يكن استياء جلال مجرد كره شخصي يحمله تجاه المدير؛ بل كان نتيجة عدم احترامه له، ما قوّض حماسه وحافزه وأضر بالتفاعلات ضمن الفريق. هذا الأمر شائع الحدوث. في إطار ممارساتنا التدريبية، قابلنا عدداً من الموظفين في مواقف مشابهة يواجهون صعوبة في تقدير مدرائهم أو احترامهم أو تمييز القيمة التي يضيفونها. على غرار جلال، قد يرى هؤلاء الأشخاص أن مديرهم يفتقر إلى الكفاءة أو الفعالية، وفي بعض الأحيان، يشعرون بالتهديد بسبب منصب المدير أو سلطته وصلاحياته، وفي أحيان أخرى يكون هناك تضارب في الثقافة أو القيم.
يمكن أن تؤدي هذه المشاعر إلى عواقب وخيمة. عندما تتجاهل مديرك أو تقلل من شأنه أو احترامه، فأنت غالباً من يدفع الثمن من حيث المصداقية والسمعة والإنتاجية، مثلما حدث مع شيماء، وهي عميلة سابقة لزميلتي سارة، التي شاركت في كتابة هذا المقال. بعد أن شكّكت شيماء في كفاءة مديرها الجديد، بدأ اندماجها وتفاعلها في العمل يتضاءلان تدريجياً إذ قلصت مشاركتها في الأنشطة أو الاجتماعات والمعلومات التي تقدمها حول عمل فريقها، وبدأت تنشغل بمهام متعددة خلال الاجتماعات. على الرغم من أن الجميع كان يرى أن شيماء موظفة متميزة وتمتلك مستقبلاً واعداً تحت إشراف مديرها السابق، فقد بدأت القيادة بالتشكيك في مساهمتها ومدى قدرتها على المساعدة في قيادة المؤسسة نحو المستقبل.
استراتيجيات للتغلب على التحديات
إذا وجدت نفسك في موقف مماثل لموقف شيماء أو جلال، فننصحك باتخاذ بعض الخطوات الفعالة لتغيير هذه العلاقة. ربما لا يمكنك اختيار المدير الذي تعمل تحت إشرافه، لكن يمكنك التحكم بالمعتقدات والافتراضات والأفكار التي تُنشئها حول الموقف الذي تواجهه، بالإضافة إلى أثر سلوكك فيمَن حولك.
فكّر بعمق في الأمور التي تزعجك حقاً
يظن الناس أحياناً أنه يجب تغيير الأشخاص الآخرين (مثل المدير) أو تعديل الأوضاع والظروف (مثل تسلسل المناصب الإدارية) لتعزيز إنتاجيتهم ومشاركتهم والتزامهم وتعاونهم. ولكن طريقة التفكير هذه خاطئة وتضعك في موقف الضحية؛ إذ يمكنك الاستمرار في أداء عملك بطريقة جيدة بغض النظر عن مدى إعجابك أو توافقك مع مديرك المباشر.
إذا كنت تشعر بالإحباط بسبب مديرك أو فقدت احترامك له، فإن نصيحتنا الأولى هي التأمل والتفكير. حدد بوضوح الأمور التي تزعجك حقاً. تعمّق في الأسباب التي تثير استياءك بدلاً من الاكتفاء بتكرار عبارات عامة مثل "إنهم لا يضيفون أي قيمة". اسأل نفسك:
- هل تكمن المشكلة في طريقة أداء المهام (مثل عدم اتفاقي مع أسلوب تنفيذ العمل)، أم أنها مشكلة شخصية (مثل عدم انسجامي مع هذا الشخص)؟
- هل يفتقر مديري إلى الكفاءة حقاً أم أنه يختلف عن توقعاتي وتصوّري النموذجي للقائد؟
- ما هي الأسباب التي تُشعرني بالتهديد أو عدم الدعم الكافي أو التجاهل؟
أجب بصدق، حتى إن كانت رؤيتك عن نفسك تبدو غير إيجابية أو من الصعب الاعتراف بها. عند فهم السبب الحقيقي للمشكلة أو التحدي الذي تواجهه، ستكون في وضع أفضل لتحديد الخطوات التالية.
تحمّل مسؤوليتك
من النادر أن تكون المواقف أحادية الجانب بالكامل. يمتلك القادة الناضجون عاطفياً القدرة على تحمل المسؤولية عن أفعالهم والاعتراف بدورهم في هذه العلاقة. على سبيل المثال، إذا لاحظ القائد أنه يتخذ موقفاً دفاعياً في اجتماعاته مع مرؤوسه المباشر فسيدرك أن هذا السلوك ستكون له عواقب على العلاقة بينهما.
ندعو عملاءنا إلى التفكير في دورهم وكيفية مساهمتهم في المواقف التي يواجهونها مع مدرائهم أو في بيئة العمل من خلال طرح الأسئلة الآتية:
- ما هي الإجراءات التي اتخذتُها وأدت إلى تفاقم التحديات والمشكلات مع مديري؟
- ما هي مسؤوليتي في هذا الموقف؟
- ما هي الخسائر المترتبة على معارضة القائد؟
ركّز على قيمك
تحدد قيمنا الشخصية سلوكنا وطرق تفاعلنا في مكان العمل، وهي تدعم عملية صناعة القرار لدينا، وتوجه حياتنا المهنية وتساعد الآخرين على فهم ما ندافع عنه ونؤمن به.
في بعض الأحيان، قد تصبح العلاقات صعبة ومعقدة نتيجة تعارض القيم والمعتقدات. على سبيل المثال، تخيل أنك تقدّر الشفافية والتواصل المفتوح، لكن مديرك يتجاهل مشاركة المعلومات أو يتخذ القرارات دون استشارة الفريق. يمكن أن يسبب هذا الأمر شعوراً قوياً بانعدام التوافق بين قيمك الشخصية وتصرفات المدير.
إذا كنت تعتقد أن صراع القيم واختلافها هو سبب مشكلاتك مع مديرك، فيمكنك تحديد الجوانب التي تشعر بأنها الأصعب أو تزعجك، واتخاذ الإجراءات المناسبة لمعالجتها. اسأل نفسك:
- ما هي قيمي الأساسية؟
- ما هي المواقف التي لا تحظى فيها قيمي بالاحترام والتقدير؟
- كيف يمكنني مواءمة سلوكي مع قيمي في هذا الموقف؟
عندما فكر جلال في علاقته مع مديره، أدرك أن شعوره بالإحباط كان نتيجة انعدام شعوره بالأمان مع مديره وتوقعاته منه. يقول: "عندما بدأتُ بتحمل مسؤولية ردود فعلي وحرصتُ على مواءمة سلوكي بما يتماشى مع قيمي، تمكنتُ من رؤية قيمة مديري وتغيير نظرتي تجاهه بدلاً من التركيز فقط على سلبياته، أدى هذا التحول إلى تحسين علاقتنا في العمل وساعدني على تنمية قدر أكبر من المرونة والقدرة على التحمل والتكيف".
أعِد صياغة أفكارك
من الممكن أن تكون لديك تحفظات بشأن التسلسل الإداري في مؤسستك، ولكن من الممكن تغيير وجهة نظرك ومعتقداتك وأفكارك الداخلية.
استكشف النقاط التي قد تضيف فيها الاختلافات بينك وبين مديرك قيمة مشتركة أو حدد الطرق التي يمكنك من خلالها استخدام مهاراتك وقدراتك الفريدة لدعم قائدك. على سبيل المثال، هل يمكنك مساعدة مديرك الجديد على التكيف من خلال توضيح مجال عمل المؤسسة أو مساعدته على فهم ثقافتها أو تقديم معلومات عن ديناميات الفريق. الأسئلة التي يجب مراعاتها هي:
- ما هي الاختلافات بين مهاراتي ومهارات مديري، وكيف يمكنني الاستفادة منها لإنشاء فريق أكثر تماسكاً؟
- ما هي التحديات التي يواجهها مديري، وكيف يمكن أن تسهم خبرتي في مساعدته للتغلب عليها؟
- ما هي المجالات التي يمكنني فيها تقديم الدعم الفعال إذا كان مديري لا يزال يواجه صعوبة في التأقلم أو تطوير المهارات اللازمة والخبرة الكافية؟
يمكن أن يؤدي إيجاد أرضية مشتركة ونقاط تفاهم متبادلة مع مديرك إلى زيادة الإنتاجية وتحسين العلاقة، بالإضافة إلى تقليل مستوى التوتر والضغط النفسي. حدد المساهمات المميزة والفريدة التي يقدمها مديرك للفريق.
تحدّث إلى مديرك
عندما تشعر بأن مديرك لا يضيف قيمة حقيقية، فلن ترغب في طرح مخاوفك والتحديات التي تواجهك ومناقشتها معه، ولكن من المفيد مناقشة طبيعة العلاقة. الأمر الأهم هو أنك تمتلك فرصة للدفاع عمّا يهمك في العلاقة وإيجاد أرضية مشتركة.
بدلاً من إنشاء افتراضات وأفكار سلبية حول العلاقة مع المدير، حاول مناقشة مخاوفك وطريقة العمل التي تفضّلها والأمور التي تحفزك والعوامل الأخرى التي تسهم في زيادة تفاعلك ومشاركتك في العمل. عندما تتحكم بطريقة تفكيرك، يمكنك التأثير في النتائج.
على سبيل المثال، يمكنك أن تبدأ المحادثة بقول:
"لاحظتُ أننا في بعض الأحيان لا نتفق على الرؤية نفسها، لذلك، أود أن نجد طرقاً للعمل معاً بطريقة أفضل، فهل أنت مستعد لإجراء محادثة لضمان تلبية احتياجات كل منّا؟".
إذا وافق مديرك على إجراء المحادثة، فإليك بعض الأسئلة التي يمكنك البدء بها:
- كيف يمكننا العمل معاً؟
- ما هي المجالات التي نتفق فيها؟
- ما هي النقاط التي لا يمكننا قبولها في هذه العلاقة؟
كن جزءاً من الحل
سواء كان قائدك قد تولى قيادة الفريق مؤخراً أم أنه شغل هذا المنصب منذ مدة، فإنه يقيّم كل عضو في الفريق بناءً على مهاراته وسلوكه. تجاوز التحديات ومشاعر الإحباط اليومية وفكر على نطاق أوسع في تأثير سلوكك في سمعتك القيادية والمساهمة التي ترغب في تقديمها. سيساعدك هذا الأمر على زيادة تأثيرك وتعزيز بيئة إيجابية وتحقيق قيمة تجارية.
يمكنك طرح بعض الأسئلة التي تساعدك على تغيير موقفك ليصبح أكثر فعالية، مثل:
- ما هي المساهمات الإيجابية التي أقدمها حالياً وتضيف قيمة إلى الفريق؟
- ما هو أثر تصرفاتي في باقي أعضاء الفريق أو في سمعتي؟
- كيف يمكنني تعزيز نجاح الفريق كله و(أو) مساعدة مديري على النجاح؟
عندما بدأنا بكتابة هذا المقال، تحدثنا إلى شيماء، التي قدمت رؤية مهمة ساعدت على تغيير طريقة تفكيرها؛ إذ قالت: "كنت أركز بشدة على الجوانب السلبية ونقاط ضعف مديري الجديد، لدرجة أنني بدأت بالانفصال عن فريقي، لكنني أدركتُ في النهاية أن هذا الأمر أدى إلى تفاقم المشكلة التي كنت أشكو منها، وعندما نقلت تركيزي إلى كيفية مساعدته أصبحت الأمور أكثر سلاسة، على الرغم من التحديات والصعوبات التي واجهتُها أحياناً في هذه العملية، فهذا التغيير في طريقة تفكيري أدى إلى تحسين رفاهتي وحالتي النفسية وتفاعلاتي مع الفريق وعلاقتي مع مديري".
إذا كنت لا تزال تعتقد أن مديرك هو السبب الأساسي للمشكلة بعد إجراء محادثة صريحة وصادقة مع نفسك ومناقشات حاسمة معه، ففكر في اتخاذ الإجراءات الآتية:
- اطلب الدعم: يمكنك طلب المشورة من الزملاء والمرشدين الموثوق بهم، أو اطلب المساعدة من مدرب خبير، أو تواصل مع قسم الموارد البشرية حتى تتمكن من التعامل مع الموقف من منظور يركز على إيجاد الحلول.
- قيّم خياراتك: إذا لم يتحسن الموقف، فقد يكون الوقت قد حان لإجراء محادثة صريحة وحاسمة مع نفسك والتفكير فيما إذا كان البقاء في وظيفتك الحالية مفيداً لحياتك المهنية ورفاهتك وحالتك النفسية. ربما يكون الانتقال إلى وظيفة أخرى هو الخيار الأفضل.
قد يكون التعامل مع مدير عديم الفعالية أو غير مؤهل صعباً، لكنه قد يكون أيضاً محفزاً للنمو. بدلاً من السماح للإحباط بإضعاف مشاركتك وإنتاجيتك، ركّز على الأمور التي يمكنك التحكم بها، مثل عقليتك وطريقة تفكيرك وأفعالك وأثر سلوكك في الآخرين.
يمكنك الحفاظ على مصداقيتك وعلاقاتك وفرصك المستقبلية في هذه العملية من خلال اختيار التعاون بدلاً من معارضة المدير ورفض أسلوبه. لا تعني القيادة الحقيقية أن يكون المدير مثالياً، بل تتعلق بإدارة استجابتك وردود فعلك عندما تسير الأمور عكس ما هو مخطط لها. إن مواجهة التحديات بجرأة وبطريقة مباشرة والاستفادة منها بوصفها فرصاً للنمو سيزيد من قدرتك على التعامل معها وتحقيق النجاح حتى في الظروف غير المثالية.