دراسة حديثة تكشف التكلفة الباهظة لعدم مواءمة أهداف الشركة مع بياناتها

7 دقيقة
إدارة البيانات
يوجين ميمرين/غيتي إميدجيز

يتعرض قادة الشركات حالياً لضغط شديد لتعزيز قدرات إدارة البيانات وتحليلها في مؤسساتهم بسرعة كي تواكب الشركات المنافسة الأكثر تطوراً في إدارة البيانات. لكن رحلة النجاح ليست بالبساطة التي تبدو عليها؛ فقد اكتشفنا في أبحاثنا السابقة أن الاستفادة من البيانات وتحليلاتها تتطلب خلق ثقافة البيانات، والحصول على التزام القيادة العليا بها، واكتساب المهارات والخبرات في إدارة البيانات وتحليلها، بالإضافة إلى تمكين الموظفين، وهذه العناصر الضرورية كلها ليست سوى نقطة البداية في رحلة تعزيز قدرات تحليل البيانات.

ولكن ما الذي يتطلبه تحقيق النجاح فعلياً في هذا السياق؟ وكيف يجب على الشركات قياسه؟

لقد تطورت المقاييس التي تحدد نجاح التحول الرقمي عمّا كانت عليه قبل بضع سنوات فقط، ففي استقصاء أجرته شركة غارتنر في عام 2018، حدد قادة البيانات والتحليلات والرؤساء التنفيذيون للبيانات 3 أنشطة رئيسية داخل الشركة على أنها العوامل الأهم لتحقيق النجاح في إدارة البيانات وتحليلها، وهي إنشاء ثقافة البيانات، واعتماد قدرات تحليلية متقدمة، وتطبيق استراتيجية قوية لتنفيذ قدرات إدارة البيانات وتحليلها. ولكن عندما كررت غارتنر الاستقصاء نفسه في عام 2022، ذكر المشاركون أن تركيزهم الأساسي قد تحول إلى عوامل السوق الخارجية: يجب أن تخلق هذه الاستثمارات قيمة تجارية من خلال مساعدة الشركة على تحقيق أهداف نموها. إن هذا التطور في الاهتمام بالبيانات وتحليلاتها وتحول الأولوية إلى العائد منها وإخضاعها للمساءلة هو تطور طبيعي يهدف إلى الإجابة عن سؤال "وماذا بعد؟".

والسؤال المهم بالنسبة للشركات التي تشهد تحولات رقمية هو كيف وأين تسهم استثماراتها في البيانات الجديدة والمحسّنة والقدرات التحليلية في تحقيق نتائج ملموسة للأعمال مثل الربحية والنمو؟ هل يجب أن تستثمر في المواهب؟ وفي التكنولوجيا؟ وفي الثقافة؟ وفقاً لأبحاثنا التي تتناول تأثير تعزيز قدرات تحليل البيانات على مؤشرات أداء الأعمال، يتضح أن تحقيق قيمة حقيقية هو عملية معقدة تتجاوز الظاهر ولا تخلو من التحديات. الأمر لا يتعلق بمدى تطور أدوات التحليل فحسب، ولكن أيضاً بمدى توافق قدرات تحليل البيانات مع أهداف الشركة.

كيف يمكن للشركات خلق القيمة من خلال تحليل البيانات؟

من أجل دراسة أثر توافق قدرات تحليل البيانات مع أهداف الشركة في أدائها، أجرينا دراسة استقصائية على 323 شركة تشهد حالياً تحولات في إدارة البيانات وتحليلها (143 شركة منها في الولايات المتحدة و180 شركة في الهند)، وتعمل هذه الشركات في قطاعات مختلفة مثل الاتصالات والرعاية الصحية والطاقة والسلع الاستهلاكية المعبأة والسيارات والخدمات اللوجستية والخدمات المهنية والمالية؛ أبلغت 43% من هذه الشركات عن مبيعات سنوية تتجاوز 100 مليون دولار، في حين أبلغت 20% أخرى عن مبيعات تتجاوز المليار دولار.

فريق ثنائي من كل شركة

لفهم تأثير التوافق على أداء الشركة، استقصينا فريقاً ثنائياً في كل شركة يضم مسؤولاً تنفيذياً ومدير تحليل البيانات، تعمّدنا مقارنة منظور الإدارة التنفيذية العليا الاستراتيجي حول "الحوسبة السحابية" مع وجهة النظر التشغيلية لخبراء تحليل البيانات التي تلامس الواقع العملي. في المتوسط، كان كبار المسؤولين التنفيذيين يتمتعون بخبرة تزيد على 10 سنوات في أدوارهم الحالية، التي شملت مناصب مدراء الأقسام الأساسية في الشركة (12.6%) ونواب رئيس الشركة (16.6%) وأعضاء آخرين في المناصب التنفيذية العليا (16.8%).

بالإضافة إلى الإجابة عن أسئلة حول القدرات الحالية لشركاتهم في مجال تحليل البيانات ومرحلة نضج البيانات (منخفضة أو متوسطة أو عالية)، طلبنا من كبار المسؤولين التنفيذيين مقارنة أداء شركاتهم بأداء الشركات الرئيسية المنافسة بحسب 8 مؤشرات رئيسية للأداء (أي نتائج الشركة) باستخدام مقياس من 5 نقاط كالآتي: أسوأ من المنافسين بكثير، أو أسوأ قليلاً، أو المستوى نفسه تقريباً، أو أفضل قليلاً، أو أفضل بكثير.  وشملت مؤشرات الأداء الرئيسية 3 مقاييس للنمو: نمو الحصة السوقية ونمو المبيعات ونمو الأرباح؛ ومقياسين ماليين: الإيرادات والربحية؛ و3 مقاييس كانت عبارة عن نتائج تركز على العملاء: اكتساب العملاء والاحتفاظ بهم ورضاهم.

كما طلبنا من كبار المسؤولين التنفيذيين تحديد مدير مؤهل من شركتهم لديه خبرة تشغيلية في إدارة البيانات وتحليلها و(أو) تكنولوجيا المعلومات للمشاركة في الدراسة. يتمتع مدراء البيانات التشغيليون البالغ عددهم 323 مديراً بخبرة عملية تزيد على 9 سنوات في المتوسط. أجاب هؤلاء المدراء أيضاً عن سؤال حول مرحلة نضج البيانات (منخفضة أو متوسطة أو عالية). من المهم الإشارة إلى أن كبار المسؤولين التنفيذيين لم يكونوا على علم بأسئلة الاستقصاء التي من المقرر طرحها على المدراء، ما يقلل احتمالات تحيّز الاختيار في نتائجنا.

النتائج التي توصلنا إليها

تمثّل محور تحليلنا للفِرق الثنائية داخل الشركة والتوافق وأداء الشركة في سؤال الاستقصاء الذي أجاب عنه كبار القادة ومدراء البيانات حول المستوى الحالي لقدرات شركاتهم في إدارة البيانات (التي صنفوها وفقاً لمستوى نضجها كما هو موضح في المخطط أدناه)؛

اختارت الشركات مستوى نضج منخفضاً إذا كانت تعتمد على تجميع تقارير البيانات يدوياً، وتُعد تقارير بيانات غير موحدة، وتعاني عزلة البيانات، وتفتقر إلى آليات نشر منهجية للبيانات عبر المؤسسة. أما الشركات التي صنَّفت مستوى نضج بياناتها على أنه متوسط، فتتبع طرقاً مدروسة لجمع البيانات وتحليلها وتوزّع تقارير البيانات الموحدة عبر منصة تشمل المؤسسة كلها. وبدأت البيانات والتحليلات تسهم إسهاماً مباشراً في توجيه القرارات الرئيسية للأعمال. اعتمدت الشركات ذات مستويات النضج العالية لبياناتها على تقارير البيانات أساساً لجميع العمليات واتخاذ القرار، وفي هذه المؤسسات لا يتخذ المسؤولون أي قرار دون الاعتماد على البيانات والرؤى المناسبة ذات الصلة.

كشفنا في نتائجنا عن اتجاه مفاجئ مثلما هو متوقع، وجدنا تحسناً في أداء الشركات على جميع مؤشرات الأداء الرئيسية مع تقدم مستوى نضج البيانات، فقد حققت عائدات الاستثمار في المواهب والتكنولوجيا مكاسب كبيرة في بداية رحلة الشركة إلى تبنّي إدارة البيانات وتحليلها، إذ شهدت الشركات التي ارتفع مستوى نضج البيانات فيها من المنخفض إلى المتوسط تحسينات بنسبة تقل عن 10% في مؤشرات الأداء الرئيسية للنمو (8.7%) والمؤشرات المالية (8.9%)، وحققت مكاسب اقتربت من 9.9% في مؤشرات الأداء الرئيسة المتعلقة بالعملاء، لكن فوائد الاستثمار الإضافي تضاءلت مع تقدم مستوى نضج البيانات إلى ما بعد المستوى المتوسط.

في الواقع، مع تقدم مستوى نضج البيانات في الشركة إلى ما بعد المستوى المتوسط وتقدم قدراتها في إدارة البيانات وتحليلها، استمر أداؤها إيجابياً وفقاً لمؤشرات الأداء الرئيسية جميعها ولكنه انخفض بدرجة ملحوظة عن مستويات الذروة المذكورة أعلاه للشركات ذات المستوى المتوسط (32.83% وسطياً). على سبيل المثال، انخفضت مؤشرات الأداء الرئيسية للنمو إلى 7.8% (بنسبة 9.6%)، في حين انخفضت مؤشرات الأداء الرئيسية للأداء المالي ومؤشرات الأداء الرئيسية للعملاء إلى 4.85% (انخفاض هائل بنسبة 45.5%) وإلى 5.59% (انخفاض هائل آخر بنسبة 43.4%) على التوالي. تشير هذه النتائج إلى ما يسميه الخبراء "تأثير السقف" (Ceiling Effect) في مستوى نضج البيانات المتوسط؛ أي أن الشركات تحتاج إلى أكثر من مجرد استثمارات إضافية في المواهب والتكنولوجيا للوصول إلى القمة.

بالتعمق في النتائج، اكتشفنا آثاراً مهمة ودقيقة في الشركات التي بدأت عملية التحول نحو تحليل البيانات أو تفكر في تبنيها. وعندما أخذنا في الاعتبار التفاوت في درجات التوافق بين كبار القادة ومحللي البيانات داخل المؤسسة نفسها من حيث مستوى نضج البيانات، اكتشفنا صورة أوضح لتباين الأداء في فئات مؤشرات الأداء الرئيسية الثلاث.

الشركات غير المتوافقة

يمكن للشركات ذات المستوى المنخفض من نضج البيانات أن تشهد تحسينات في الأداء عندما تستثمر في تعزيز قدراتها إلى المستوى المتوسط من النضج، حتى إن كان هناك عدم توافق داخلي. مع ذلك، تتلاشى أي مكاسب في مؤشرات الأداء الرئيسية في هذه المرحلة، بل تصبح سلبية، عندما تحاول هذه الشركات التي تفتقر إلى التوافق الانتقال من مستوى النضج المتوسط إلى المستوى العالي.

يبدو أن الانتقال من مستوى نضج البيانات المتوسط إلى المستوى العالي يمثّل عقبة كبيرة يتطلب تجاوزها أكثر من مجرد الاستثمار في مواهب إدارة البيانات وتحليلها وأدواتها وتكنولوجياتها. لتجاوز هذه العقبة بنجاح، يجب على الشركات أن تمتلك كفاءات في تحليل البيانات، والأهم من ذلك أن تحقق التوافق الداخلي من حيث مستوى نضج البيانات؛ أي ما تستطيع الشركة تحقيقه فعلاً وإذا ما كان الموظفون متساوين من حيث الكفاءة في تحليل البيانات.

الشركات المتوافقة

يحقق التوافق داخل الشركة نتائج إيجابية على مؤشرات الأداء الرئيسية في كل مرحلة انتقالية من مراحل نضج البيانات، خاصة عند الانتقال من القدرات المتوسطة إلى العالية (وليس فقط عند الانتقال من القدرات المنخفضة إلى القدرات المتوسطة، مثلما هو موضح بالنسبة للشركات غير المتوافقة في العمود الأول من الشكل التوضيحي رقم 1). عند تحقيق التوافق، تستفيد الشركات من تحسينات مستمرة وثابتة في نتائج الأعمال في أثناء انتقالها من مستوى نضج البيانات المتوسط إلى المستوى العالي.

توافق المؤسسة

قد يتعين على الشركات على اختلاف مستويات نضج البيانات فيها، خاصة تلك التي بدأت رحلة التحول الرقمي، إعادة النظر في استثماراتها الإضافية في المواهب والتكنولوجيا، والتركيز بدلاً من ذلك على تحسين التوافق بين كبار القادة والموظفين المكلفين بأدوار يغلب عليها الطابع التشغيلي في مجال البيانات. تبرز أهمية التوافق الداخلي خصوصاً خلال رحلة تعزيز قدرات تحليل البيانات عندما تصل الشركات إلى مستوى النضج المتوسط وتحاول الانتقال إلى مستوى نضج البيانات العالي. تُظهر نتائجنا بوضوح أن المستوى الأساسي للتحليلات قد يكون كافياً عندما يكون مستوى نضج البيانات في الشركات منخفضاً إلى متوسط، ولكن إذا أرادت الشركات جني ثمار الاستثمار في مجال تحليل البيانات، يصبح هذا المستوى غير كافٍ ويظهر تحقيق التوافق في قدرات التحليلات عاملاً ضرورياً في مرحلة نضج البيانات المتوسط إلى العالي. نقدم للشركات أداة تقييم ذاتي وخطوات عمل رئيسية لمساعدتها على تحسين التوافق الداخلي في قدرات إدارة البيانات وتحليلها.

تؤثر الأبعاد السبعة المشار إليها في الشكل التوضيحي رقم 2 في جاهزية الشركة لتبني تحليل البيانات وهي مفيدة في قياس التوافق. يجب على شخصين من داخل المؤسسة (مسؤول تنفيذي ومحلل بيانات) الإجابة عن هذه الأسئلة بمفردهما

يوفر استخدام الأداة 4 رؤى: أولاً، كلما زاد عدد البنود التي تجيب عنها بالإيجاب، اقتربت أكثر من امتلاك العناصر الأساسية التي تسهم في تفوق الشركة في أدائها، أما البنود التي تجيب عنها بالسلب فتسلط الضوء على المجالات (وخطوات العمل) التي يجب تحسينها. ثانياً، ستساعد مقارنة استجابات القيادات العليا مع مدراء البيانات التشغيليين في تحديد مجالات التوافق أو عدم التوافق، ما يتيح إجراء مناقشات مدروسة بين أعضاء الفريق حول نقاط الاختلاف وكيفية تعديلها. (قد يكون من المفيد أيضاً الطلب من أعضاء الفريق الآخرين استخدام الأداة لتعزيز المشاركة وتوليد المزيد من الرؤى). ثالثاً، ستتيح المراجعة الدورية لقائمة المراجعة لكبار القادة متابعة التقدم ومراقبة أثر التغييرات الداخلية الحتمية ضمن رحلة التحول الرقمي في مؤسساتهم للحفاظ على التوافق الداخلي وتحسين أداء الشركة باستمرار. أخيراً، من أجل الوصول إلى تقييم أدق (وحذراً) للتوافق، يجب على الشركات أن تشمل أفراداً من مستوى الإدارة العليا والمستوى التشغيلي لا تربط بينهم علاقة إدارية مباشرة؛ فالعلاقة الوثيقة بين المشاركين قد تضخّم مستوى التوافق الفعلي.

في حين تسعى الشركات في القطاعات كلها إلى زيادة اعتمادها على البيانات والتفوق في البيانات وتحليلاتها، تقدم نتائجنا قصة واضحة ومقنعة تتطلب اهتماماً أكبر من قادة الشركة. يمكن لفهم العلاقة بين التوافق ومستوى نضج البيانات أن يساعد الشركات على تعزيز أدائها والحفاظ عليه في مجالات النمو والمالية والنتائج المتصلة بالعملاء.  من خلال استخدام قائمة المراجعة التي قدمناها هنا، يمكن للقادة تقييم درجة التوافق الحالية وكيفية المضي قدماً لخلق قيمة إضافية.  ستساعد خطوات العمل الموضحة هنا القادة على تحديد نقاط الضعف ومعالجتها وتعزيز مواطن القوة فيما يتعلق بنضج القدرات التحليلية والتوافق فيها، إذ إن هذين العنصرين معاً ضروريان لتحقيق ميزة تنافسية حقيقية ومستدامة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي